مشروع تنقيح قانون المخدرات في تونس: هل تطوي تونس صفحة سوداء من تاريخها العقابي؟


2017-01-04    |   

مشروع تنقيح قانون المخدرات في تونس: هل تطوي تونس صفحة سوداء من تاريخها العقابي؟

مع توليه رئاسة لجنة التشريع العام في مجلس الشعب التونسي، تعهّد "الطيب المديني" بأن يخص مشروع القانون عدد 79 لسنة 2015 الخاص بمراجعة تشريع المخدرات بأولوية النظر في عمل لجنته خلال الدورة النيابية 2016-2017. وتنفيذا لهذا التعهد، شرعت لجنة التشريع العام يوم 03-01-2017 في دراسة مشروع القانون بجلسة أولى خصصتها لسماع وزير العدل التونسي حول مشروع الحكومة المقترح وحول تطور ظاهرة المخدرات بتونس. يهدف مشروع القانون كما ورد بالفصل الأول منه إلى "التوقي من استعمال المخدرات وعلاج مدمنيها"، بما يبرز بوضوح أهميته كنصّ قانوني يتجه ليقطع مع توجه سابق للمشرع التونسي كان يقوم على مقاربة ردع مستهلكي المخدرات.

توجه شريعي سابق: "القسوة تحت مسمى التوقي من الجريمة":
اعتمد المشرّع التونسي في تشريعاته التي تعاطت مع مستهلكي المخدرات على مقاربة جزائية ردعية. وإن برزت مع القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18-05-1992 مقاربة تشريعية جديدة تقر بحق مستهلك المخدرات في العلاج، فإن التطوّر في السياسة الجزائية حجبه الإصرار على التمادي في التشدد الجزائي تجاه من يتورطون في استهلاك المخدرات في مقابل الحدّ من إمكانيات التعاطي معهم كأشخاص بحاجة لتدخل علاجي. وكان من أبرز أوجه التشدد هو رفع العقوبة المستوجبة على ما ينسب لهم من فعل إلى خمسة أعوام، حاجراً على القضاء تمتيعهم بظروف التخفيف. وانتهى لأن مدد آجال سقوط الدعوى العمومية في حقهم. وتوجه ذات القانون في بابه الرابع المخصص لعلاج مدمني المخدرات لأن ربط الحق في طلب العلاج كسبب معفي من التتبعات بأمرين أولهما: ألا يكون المستهلك قد تمتع بذات الحق سابقا، وثانيهما أن يرد الطلب قبل اكتشاف العدالة للأفعال المنسوبة إليه. وهذا الشرط الأخير يحول عمليا دون تطبيق فرصة العلاج في أي من الحالات التي يتم فيها توقيف الشخص المدمن.

ويعتقد أن هذه القسوة جاءت كردة فعل على الأبحاث الأولّية بفرنسا المتصلة بتورّط شقيق الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في شبكة دولية لترويج المخدرات تنشط بين تونس وفرنسا في ما عرف بقضية " couscous connection ». وجد النظام في تونس نفسه آنذاك في مأزق بعد تأكيد السلطات الفرنسية لتمكن شقيق الرئيس من الفرار بواسطة جواز سفر دبلوماسي. ويرجح أن يكون النظام وجد حينها الحلّ في إصدار قانون لتجريم إستهلاك وترويج المخدرّات مع تسليط أقصى العقوبات الممكنة على هذه الأفعال في محاولة منه لإبراز "جدّية" السلطة في التعامل مع هذا الملّف.

آثار القانون القديم: آلاف المساجين في السجون أغلبهم من الشباب
منذ دخول هذا القانون حيّز التنفيذ تعرّض آلاف التونسيين للسجن خاصة من أجل اقتراف فعل "استهلاك مادة مخدرة" التي تتمثل عقوبتها في سنة سجن مع خطية مالية بألف دينار أو ما عرف في الأوساط الشعبية بعقوبة "العام وفيسبا".لمدة سنوات عديدة، كان كافيا أن ينفث شاب أو يستنشق البعض من سيجارة الحشيش أو ما يعرف بالزطلة (القنب الهندي) المنتشرة كثيراً في الأوساط الشعبية، ليرمى به في السجن لمدة سنة كاملة دون إمكانية تمتيعه بأي ظرف تخفيف (لا يتمتع القضاة وفق قانون 52 بسلطة تقديرية تسمح لهم بتخفيف العقوبة على ضوء ظروف التخفيف).

في آخر تصريح لوزير العدل (عند مساءلته أمام مجلس نواب الشعب في 02-01-2017)، أكد أن مساجين قضايا المخدرات يتصدر ترتيب عدد المودعين بالسجون بعدد إجمالي يبلغ 6662 شخص (قرابة 48% من إجمالي المساجين).

بعد مرور قرابة 25 عام على تطبيقه: قانون عديم الجدوى
رغم التشديد في العقوبات، فقد شهد عدد الموقوفين في هذه الجرائم ازديادا سنة بعد سنة. والأخطر من هذا هو ارتفاع نسبة العود (أي عودة هؤلاء الموقوفين للسجن لإرتكابهم نفس الفعل أو جريمة أخرى).

ارتفاع هذه النسبة يفسّر باختلاط مساجين استهلاك المخدرات بمساجين الحق العام. فقد كان كافيا وضع شاب في مقتبل العمر لسنة كاملة في وسط مساجين قدامى للتعرّف على عالم الإجرام بأدق تفاصيله وتأهيل "مشروع شاب مجرم". وفي حال كان للشاب درجة كافية من الوعي والنضج العقلي يمكننانه من تجاوز فترة السجن بسلام، فسيصطدم عند خروجه ببطاقة سوابق عدلية تمنعه من الحصول على عمل أو حتى المشاركة في مناظرات الوظيفة العمومية.

إضافة إلى ذلك،بات هذا القانون طوال سنوات عديدة بمثابة "السوط" الذي كان يجلد به أعوان الأمن كلّ من أرادوا التنكيل به. فكان العون له كامل السلطة في إخضاع الشاب لتحليل مهين للتثبت من استهلاكه لمادة مخدرة (وذلك عن طريق فحص البول)، حتى وصل الأمر بأعوان الأمن للتبوّل مكان الموقوف مقابل مبلغ مالي إن كان الأخير مستهلكا فعلا لمادة مخدرّة.

حاجة ملّحة إلى قانون جديد:
إذن بعد مطالبات عديدة من جمعيات حقوق الإنسان و شخصيات عامة و سياسية، سيشرع أخيرا مجلس نواب الشعب في نظر مشروع تنقيح هذا القانون والذي تقدمت به الحكومة .

ولئن تنقسم جلّ الآراء بين من يدعو إلى تخفيف عقوبة استهلاك المواد المخدرّة وبين من يدعو إلى عدم تجريم فعل استهلاك هذه المواد من أصله، فإنّ الجميع متوافق على ضرورة تشديد العقوبات على مروّجي هذه المواد.أيضا تتعالى الأصوات بضرورة الإهتمام بالجانب الصحي لهذه المسألة بتوفير مراكز مختصة لمعالجة الإدمان على المخدرات واعتبار مستهلكي هذه المواد مجرّد "مرضى" وليسوا "بمجرمين".

في جميع الحالات، فإنّ سن التشريع الجديد  يجب أن يطوي صفحة أليمة دامت ربع قرن من الممارسات الدنيئة ضد الشباب التونسي الذي وجد نفسه بين مطرقة القانون القاسي وبين سندان تفشّي هذه المواد.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، محاكمة عادلة وتعذيب ، تونس ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني