“حيث يهم المحكمة في البدء أن تؤكد على أن دورها الأول والأساس هو حماية الحريات العامة وصون حقوق الإنسان بما يحفظ له كيانه وكرامته ضمن المجتمع الذي يعيش فيه دون تمييز او تفضيل لأي فرد آخر،
وحيث أن المشرع الجزائي أقر مبدأ حماية الفرد في ممارسته لحقوقه، وما جعل من حرمانه من ذلك إلاّ الإستثناء، وترجم ذلك في القاعدة العامة التي ارساها في المادة 183 من قانون العقوبات، حيث ورد أنه “لا يعتبر جريمة الفعل المرتكب في ممارسة حق دون تجاوز”
وردت هذه الحيثية في الحكم الصادر اليوم (26/01/2017) عن ا لقاضي المنفرد الجزائيّ في المتن ربيع معلوف، والذي قضى بإبطال التعقّبات بحقّ مثليين ومتحولين جنسياً أدُعي عليهم سنداً للمادة 534 من قانون العقوبات، وهي المادة التي تُستخدم عادةً لملاحقة المثليين جزائياً.
نظراً لأهمية القرار على محاور عدّة، تنشر المفكرة القانونية بالتعاون مع جمعية “حلم” الحكم المذكور مع تعليقٍ أوليّ عليه يضعه في سياق، على أن تخصّص له مقال تحليلي يقاربه ويفنّده في الأيام القادمة، مع الإشارة أن أحد محامي الدفاع في هذا الملف، الأستاذة يمنى مخلوف وهي عضو في المفكرة القانونية، كانت قد إستخدمت المرافعة النموذجية التي تم صياغتها ونشرها من قبل “المفكرة القانونية” وجمعية “حلم”.
تكمن أهمية هذا الحكم، بشكل أساسي، في استناده إلى المادة 183 من قانون العقوبات، حيث اعتبر أن الأفعال المدعى بها تشكل ممارسة لحقوق أساسية دون تجاوز. وقد فنّد القرار الشروط الثلاث المفروضة لنزع صفة الجرم عن الفعل، وهي: وجود الحق وممارسته وعدم التجاوز. وفي تحليله “للحق”، إعتبر القرار أن مبدأ المساواة بين البشر هو أحد أهم ركائز المجتمع الديمقراطي والذي على أساسه لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات، معتبراً أن هذه الحقوق هي ملتصقة بشخص الإنسان لكونه انسان، فلا حاجة لأن يكتسبها ولو كان ذلك مرفوضاً من قبل أغلبية المجتمع. وقد كرّس هذا الحكم حق مثليي الجنس بإقامة علاقات انسانية أو حميمة مع من يريدونه من الناس، دون أي تمييز لجهة ميولهم، إذ ذلك من ابسط الحقوق الطبيعية اللصيقة لهم كبشر. كما أشار القرار، إلى أن “منظمة الصحة العالمية” قد اعتبرت أن المثليّة الجنسيّة ليست إضطراباً أو مرضاً، وبالتالي لا تتطلب علاجاً، “لا سيما ما يسمى بعلاجات الإصلاح أو التحويل الجنسي”، مؤكداً بالمقابل ان “من شأن حرمان مثليي الجنس من حقهم الطبيعي في إقامة علاقات حميمية فيما بينهم دون تمييز أو تدخل من أحد، أن يؤدي الى إلزامهم بما هو مخالف لطبيعتهم ليتناسب مع طبيعة الأكثرية، وبالتالي منعهم من التمتع بحقوقهم اللصيقة بشخصهم واستباحتها، مما يشكل خرقاً لأبسط حقوق الإنسان المكرسة في الدستور اللبناني وشرائع حقوق الإنسان العالمية”.
جاء هذا القرار ليستكمل ثلاثة أحكام سابقة كانت قد فسّرت المادة 534 في الإتجاه ذاته: الأوّل صدر عن القاضي المنفرد الجزائي في البترون منير سليمان بتاريخ 02/12/2009، والثاني صدر عن القاضي المنفرد الجزائي في المتن ناجي دحداح في 28/01/2014. والثالث صدر عن القاضي المنفرد الجزائي في الجديدة هشام القنطار في 05/05/2016.
للإطلاع على الحكم، الرجاء الضغط على العنوان أدناه:
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.