نشرت "المفكرة" في عددها اللبناني رقم 48 أحكاما قضائية أنصفت ذوي الإعاقة في لبنان، في مجال حقهم بالعمل. واليوم، تتولى المفكرة نشر حكم قضائي مغربي ذهب في الإتجاه نفسه. تحية إلى جميع ذوي الإعاقة وأملا بالدمج الكامل (المحرر).
أصدرت المحكمة الادارية بالرباط مؤخرا حكما يعتبر من بين الأحكام القضائية المبدئية الحديثة[1] الذي أقر مبدأ حظر التمييز في التوظيف بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، إعمالا لنص الدستور ولا سيما الفصل 35 منه الذي يفرض على السلطات العمومية تيسير تمتع الأشخاص في وضعية إعاقة بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع، وكذا الاتفاقية الدولية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، والبروتوكول الإختياري المتعلق بها في المادة 27 والتي تنص على حظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة ومنها شروط التوظيف.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى تاريخ 05/12/2016 حينما رفعت فتاة كفيفة دعوى أمام المحكمة الادارية بالرباط تعرض فيها أنها تقدّمت بطلب قصد المشاركة في مباراة الإنخراط في مهنة التراجمة المقبولين لدى المحاكم والتي نظمتها وزارة العدل والحريات مؤخراً، إلا أن طلبها قوبل بالرفض لعلة كونها "لا تتوفر على القدرة الفعلية على ممارسة المهنة لكونها كفيفة". وقد عرضت في دعواها أنها حاصلة على إجازة في الآداب شعبة اللغة الإنجليزية، ودبلوم مترجم تحريري، وشهادة ماستر في إدارة الشأن العام من معهد بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية. كما بينت أنها تقلدت عدة مهام دولية، كما خضعت لعدة دورات تدريب لها علاقة بالترجمة. وقد بررت طعنها على القرار بأنه يمس بمبدأ المساواة، لأنه ينطوي على نوع من التمييز التي ترفضه المواثيق الدولية والدستور والقوانين الوطنية، ملتمسة الحكم بإلغائه مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك.
وردا على هذه الدعوى، رأت وزارة العدل وجوب ردّها لكون القرار المطعون فيه صدر موافقا لصحيح القانون. فالمدعية تعاني من إعاقة بصرية تحول دون قدرتها الفعلية على ممارسة المهنة بجميع أعبائها، لكون الترجمان لا يقوم فقط بالترجمة الفورية التي تعتمد على حاسة السمع، بل يقوم كذلك بترجمة الوثائق والمستندات، بعد التأكد من كونها سليمة والإشهاد على مطابقة الترجة للأصل. كما أن ما تمسكت به المدعية من مقتضيات مضمنة في الدستور والمواثيق الدولية يبقى غير مؤسس، لكون ضمان حقوق الأشخاص الموجودين في وضعية إعاقة وتأهيلهم يقتضي إدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية بما يتلائم مع طبيعة إعاقتهم، إذ لا تستطيع هذه الفئة ممارسة جميع المهن والوظائف.
حيثيات المحكمة
اعتمدت المحكمة الإدارية بالرباط لمعالجة هذه القضية على مقتضيات من الدستور ومن الاتفاقيات الدولية ومن القانون الداخلي، وجاء في حكمها: وحيث ينص الفصل 35 من الدستور على أن "السلطات العمومية تقوم بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة. ولهذا الغرض، تسهر خصوصا على ما يلي: – إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية، أو حسية حركية، أو عقلية، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية، وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع.
وحيث تنص الاتفاقية الدولية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة المصادق عليها من طرف المغرب وعلى البروتوكول الاختياري المتعلق بها في مادتها 27 على حظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة ومنها شروط التوظيف والتعيين والعمل واستمرار العمل والتقدم الوظيفي وظروف العمل الآمنة والصحية، وتحث الدول الأعضاء على تعزيز فرص العمل الحر ومباشرة الأعمال الحرة وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع العام وكذا القطاع الخاص من خلال انتهاج سياسات واتخاذ تدابير مناسبة.
وحيث تنص المادة 14 من القانون الإطار رقم 97.13 الصادر بتاريخ 27/04/2016 المتعلق بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها على أنه: "لا يجوز حرمان أي شخص في وضعية إعاقة من حقه في الشغل، إذا توفرت فيه المؤهلات اللازمة للاستفادة من هذا الحق، ولا يمكن اعتبار الإعاقة سببا يحول دون تولي الشخص في وضعية إعاقة مهام المسؤولية، كلما توفرت فيه الشروط اللازمة لذلك، على قدم المساواة مع باقي المترشحين لتولي هذه المهام".
وحيث إنه استنادا إلى ذلك، فإنه لا يجوز اعتبار الإعاقة سببا لحرمان الأشخاص من ممارسة الوظائف العامة أو الخاصة أو ممارسة المهن الحرة، طالما توفرت فيهم الشروط المطلوب استيفاؤها بالنسبة لكافة المترشحين للوظائف المعنية على قدم المساواة.
ولما كان البين في الملف أن االلجنة المطلوبة في الطعن اعتبرت وضعية الإعاقة التي توجد فيها الطاعنة سببا وحيدا لرفض مشاركتها في مباراة الانخراط في مهنة التراجمة المقبولين أمام المحاكم، بعلة أن الإعاقة المذكورة تجعلها غير قادرة فعليا على ممارسة المهام المُسندة لمن هم في نفس المنصب، فإن قرارها يكون غير ذي أساس، ذلك أن الأمر يتعلق بطلب للمشاركة في مباراة الولوج كمرحلة أولية ولا يتعلق بممارسة المهنة التي تظل مرحلة لاحقة يتوقف الوصول إليها على اجتياز اختبارات واستيفاء إجراءات متعددة، إذ لئن كانت الإعاقة البصرية التي تعاني منها الطاعنة تُرجح إمكانية مواجهتها صعوبات معينة أثناء ممارسة المهنة، فإنها لا تُعد سببا يثبت عدم القدرة الفعلية بشكل حتمي، ذلك أن التثبت من القدرة الفعلية للطاعنة متوقف على خضوعها للاختبارات المقررة في إطار المباراة والتداريب اللاحقة في حالة نجاحها، والحال أن اللجنة المطلوبة في الطعن رفضت مشاركة الطاعنة في المباراة من الأساس، انطلاقا من حكم مسبق بعدم قدرتها الفعلية على ممارسة مهامها، وهو توجه ارتكز بشكل حصري على وضعية الإعاقة التي توجد فيها الطاعنة دون أن يتأسس على معطيات قاطعة تثبت على وجه اليقين عدم قدرتها الفعلية على ممارسة مهامها، سيما أن هذه الأخيرة تمسكت في مقالها بكونها مارست الترجمة في العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وتجيد استعمال الحاسوب وتعتمد عليه وعلى قارئ شاشة مزود بمتحدثين آليين للغات متعددة ويمكنها بذلك تصفح الأنترنيت وقراءة الملفات المكتوبة المحفوظة في تطبيق "ميكروسوفت" و"بي دي إف"، وتلجأ للمسح الضوئي للنصوص وتحويلها إلى نص مقروء بواسطة برامج التعرف الضوئي على الحروف OCR من قبيل SAKHROC ثم تقوم بعد ذلك بالتعرف على ما هو مكتوب انطلاقا من قارئ الشاشة، وتتولى ترجمته، وهي أدوات لم تتأكد اللجنة من فعاليتها من عدمها لتحسم موقفها من قدرة الطاعنة الفعلية أو عدم قدرتها على ممارسة الترجمة أمام المحاكم على وجه اليقين، وهو ما ينافي الغايات الدستورية والتشريعية التي ترمي للنهوض بأوضاع الأشخاص الموجودين في وضعية إعاقة والتعاطي إيجابيا مع أوضاعهم بفتح المجال أمامهم لتعزيز ما يطمحون له من تجاوز الإكراهات الناتجة عن الإعاقة باعتماد أساليب جديدة أو مُتاحة لتطوير قدراتهم قصد الاندماج أكثر في الحياة الاجتماعية والمدنية، وينافي مقتضيات الفصل 35 من الدستور التي تفرض على السلطات العمومية تيسير تمتع الأشخاص في وضعية إعاقة بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع.
قرار المحكمة
اعتمادا على الحيثيات السابقة قررت المحكمة الادارية بالرباط إلغاء القرار الصادر عن لجنة تنظيم مباراة وامتحان نهاية التمرين المتعلقين بالتراجمة المقبولين لدى المحاكم القاضي برفض طلب المدعية بالمشاركة في المباراة المذكورة، مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك.
[1]-يتعلق الأمر بالحكم عدد 263، صادر بـتـاريخ : 20/01/2017 ، ملف عدد : 1039/7110/ 2016، غير منشور.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.