فراس حمدان يدخل البرلمان في قلبه 17 تشرين وحبّة خردق


2022-05-27    |   

فراس حمدان يدخل البرلمان في قلبه 17 تشرين وحبّة خردق

في 8 آب 2020 وتحديداً في تظاهرة “سبت المشانق” التي خرج فيها الناس طلباً لمحاسبة المسؤولين عن تفجير مرفأ بيروت، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، صورة شاب ثائر ممدّد على الأرض مصاب بشظايا قنبلة محشوّة بحبيبات الخردق فيما اخترقت إحداها صدره لتستقرّ في عضلة قلبه، وذلك على بعد 100 متر خط نار من مجلس النواب المزنّر بجدران تحول بينه وبين المواطنين.

في 15 أيار 2022، ويوم الاستحقاق الانتخابي، وقف المحامي فراس حمدان، الشاب نفسه الذي كان ممدّداً على الأرض، وما زال يحمل حبّة الخردق عينها في قلبه، رافعاً إشارة النصر بعدما قال الناس كلمتهم في أقلام الاقتراع، ليدخل إلى المجلس النيابي الذي أصيب على عتبته.

في فوز فراس حمدان الذي كان يوثق عبر لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين، ومنذ 17 تشرين 2019، انتهاكات العناصر الأمنية وشرطة مجلس النواب بحق الخارجين ضد سلطة الفساد والمفسدين، أكثر من معنى وبُعد. فهو ليس فقط ترجمة لتلك الصورة التي انتشرت في إثر إعلان نتائج الانتخابات وتأكُّد فوز نحو عدد من النواب الديمقراطيين الجدد ودخولهم البرلمان، التي تسأل “وين الثورة” وتجيب “بمجلس النواب”، بل يؤكد هذا الفوز أيضاً أهمية تمدّد 17 تشرين من العاصمة إلى الأطراف، ومنها خيمة حاصبيا التي خلقت بيئة حاضنة من الجيل الشاب هيّأت لمعركة حمدان في منطقته.

وفي السياسة، لم ينتصر فراس حمدان فقط لكلّ اللبنانيين والمودعين بإسقاطه رجل المصارف والسلطة مروان خير الدين المحسوب على النائبين السابقين طلال إرسلان (صهره) وأنور الخليل (خاله) وحلفائهما من أحزاب السلطة بدءاً من الثنائي حزب الله وحركة أمل مروراً بالحزب التقدمي الاشتراكي والسوري القومي، بل كسر احتكار الثنائية الدرزية المتمثلة باليزبكية والجنبلاطية (إرسلان وجنبلاط). فحاصبيا المتمثلة منذ التعيينات الأولى بعد الطائف (الذي خصّها بمقعد لطائفة الموحدين الدروز لم تكن تتمتع به قبلاً) ومن ثم 5 دورات انتخابية وتمديد للمجلس النيابي بالنائب السابق أنور الخليل (بموجب اتفاق مستدام بين الحليفين التاريخيين الرئيس السابق لمجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط)، خرجت (حاصبيا) من عباءة التمثيل التقليدي إلى رحاب نبض شبابي سيُقلق المختارة التي لم يوافق زعيمها على توريث زياد الخليل، ابن أنور الخليل لكي لا يفتح بيتاً سياسياً توريثياً في المنطقة. ولكن جنبلاط نفسه كان وفياً للتحالف الذي ضمّ مروان خيرالدين ضمن لائحة السلطة حيث أوفد النائب وائل أبو فاعور، ابن المنطقة، ليبلغ الحزبيين والموالين للاشتراكي أنّ “التصويت لمروان خير الدين هو بمثابة التصويت لتيمور وليد جنبلاط”، كما فعلت أيضاً شخصيات حزبية اشتراكية أخرى زارت حاصبيا للغاية نفسها.

وعليه، حرم فوز فراس حمدان في حاصبيا اليزبكية من مقعد برلماني اعتادت الاحتفاظ به لتشكل مع الجنبلاطية الثنائية الدرزية في تمثيل طائفة الموحدين الدروز، كما خسرت مقعدها في الشوف وعاليه مع خسارة النائب السابق طلال إرسلان الذي خسر مقعده لصالح النائب مارك ضو.

الطريق الصعب     

إذاً لم تكن الطريق إلى المجلس النيابي أمام النائب الجديد فراس حمدان (مواليد 11 تموز عام 1987) الذي كاد أن يفقد حياته على أعتابه، معبّدة بالورود. ولكنها على صعوبتها كانت طريقاً جميلة في آن كرّسها مشهد فراس حمدان ومناصري لائحة “معاً نحو التغيير” التي خاضتْ انتخابات 2022 موحّدة وممثلة 17 تشرين في دائرة الجنوب الثالثة (بنت جبيل، النبطية، مرجعيون وحاصبيا) ليل السادس عشر من أيار، وتحديداً في اللحظات الأخيرة التي سبقت إعلان حسم فوزه. خلال فرز صناديق المغتربين، كان حمدان مرابطاً ومعه بعض مرشحي ومندوبي لائحة “معاً نحو التغيير” في سرايا مرجعيون، يحرسون صناديق الاغتراب الآتية من قطر ودبي وكندا بعد انتشار أخبارٍ عن احتمال إلغائها. تجمهر هؤلاء في باحة السرايا المظلمة بانتظار النتيجة واستعداداً لمواجهةٍ محتملة، ليحموا العملية “الديمقراطية”، وقاتلوا لاحتساب كلّ صوتٍ من أصوات المغتربين.

عند منتصف الليل جاء الخبر اليقين، فراس حمدان نائباً في دائرة الجنوب الثالثة بـ 4859 صوتاً، ليسجّل بفوزه الخرق الثاني للائحة “معاً نحو التغيير” في لائحة “الأمل والوفاء” بعد الطبيب الياس جراده، مطيحاً بـ “امبراطور المصارف” مروان خير الدين بفارق يلامس ضعف أصوات خصمه الذي حاز على 2634 صوتاً تفضيلياً.

جاء وقع فوز حمدان صارخاً حتى في ظلّ بعض التوقعات بذلك، ولكن التوقع شيء والحقيقة شيء آخر. كان فوزاً جميلاً عفوياً، شبيهاً بفرح صبيّ نال لتوّه الشهادة المتوسّطة وشبيهاً بانتصار الفقير على الغني والفلاح على الإقطاعي، كان فرح المواطن التوّاق للخروج من عباءات الزعامات.

حمدان نائب بـ “مبادئ كمال جنبلاط” وغصباً عن التخوين

كان لترشّح فراس حمدان في وجه المصرفي مروان خير الدين أثره الإيجابي بمعايير عدّة: فقد تعرّضت لائحة “الأمل والوفاء” بسببه لحملة انتقادات واسعة حتى بين مؤيّديها ومحازبيها وجمهورها الذين تمنّوا خسارته سراً. وكان القيّمون على اللائحة يعلمون أنّ خاصرتهم الضعيفة في اللائحة كانت خير الدين فحاولوا بشتى الطرق الرفع من أسهمه، فشنّت على حمدان حملةً تحريضية اتّهم خلالها بـ “العمالة لإسرائيل”.

المفارقة أنّ هذه الحملة “المستفزة والظالمة” أثّرت إيجاباً على عملية التصويت لصالح فراس. فقد حاز بفضلها على الكثير من التعاطف والتأييد.

في الشارع الدرزي، كان الامتعاض من ترشيح مروان خير الدين مضاعفاً. فإضافة إلى رفضه كممثل عن المصارف التي نهبت المودعين وساهمت في الانهيار، هو متهم في المنطقة بالاستخفاف بأصوات أبناء منطقته، ويتداول الناخبون تصريحاً منسوباً إليه في إحدى جلساته يقول فيه “أنا أصوات حي واحد ببلدة الخيام الشيعية كافي لينجّحني”، في دلالة إلى حتمية فوزه من دون الحاجة إلى أصوات ناخبي حاصبيا. وبغضّ النظر عن حقيقة قول خير الدين للجملة من عدمه، فقد أضيفت إلى سمعته المصرفية وكان لها أثرها السلبي على الناخب الحاصباني. فقد خالف كثر من مناصري الحزب الاشتراكي قرار “زعيمهم” مانحين أصواتهم لحمدان. وبدا اعتراضهمكمحاسبة تاريخية على رضوخ زعاماتهم الدائم لخيارات الزعامات الشيعية “نحن كأقلية في المنطقة كانت أحزاب السلطة دائماً وبالتحديد نبيه بري هو من يحدّد لنا نائبنا حتى لو نحن مش موافقين عليه”. ويفيد أحد الاشتراكيين أنّ معظم المنتسبين الذين خالفوا قرار حزبهم، “عملوا وفقاً لمبادئ المعلم كمال جنبلاط” الذي قال “إنْ خُيّرت بين حزبك وبين ضميرك. فاخترْ ضميرك”، فاختاروا فراس حمدان الذي يحاكي ضميرهم بدلاً من خير الدين الذي فرضه الحزب بتحالفاته.

وحمدان هو مرشح حركة شبابية معارضة في المنطقة لا يزيد عمرها عن الأربعة أشهر، هي حركة  “تحرّر” المنبثقة من رحم حراك ثورة 17 تشرين وخيمة حاصبيا التي صمدت في 17 تشرين برغم كلّ المضايقات التي تعرّض لها ناشطوها وناشطاتها. همُّ أفرادها الأوائل كان إعادة الاعتبار السياسي للمنطقة بالدرجة الأولى، والاهتمام بالشقّ الإنمائي والاقتصادي بالدرجة الثانية، من دون أن ننسى التفاف شبّان وشابات النبطية والعرقوب من حولهم ضمن لائحة “معاً نحو التغيير” وناشطيها وحتى مناصرين لقوى تغييرية ناشطة لم تشارك في الانتخابات ترشحاً، إضافة إلى نحو 15 مهندساً ومهندسة من “النقابة تنتفض”، هم أعضاء في هيئة المندوبين في نقابة المهندسين.

معارك فراس مع المنظومة مجبولة بالألم

لطالما كانت معارك فراس مع “المنظومة” مجبولة بالألم، فقبل خمس سنوات قضت والدته نحبها بعدما أصيبت بأزمة قلبية تعذّر على إثرها إيصالها إلى مستشفيات بيروت “الكبرى” بسبب زحمة السير الخانقة، ما اضطرّ عائلتها لإدخالها إلى مستشفى في بشامون حيث فارقت الحياة: “كلّنا ضحايا وأمي كانت ضحية جديدة من ضحايا طريقة إدارة البلد، فتواجد المستشفيات المهمّة محصور في العاصمة، ولا يوجد نقل عامّ من شأنه تخفيف زحمة السير”، يقول حمدان ليهدي فوزه إلى روح والدته، وينطلق للعمل نصرة لكل “ضحايا الوطن”، يضيف.  

عاش حمدان متنقلاً بين صيدا حيث ترعرع وقريته الكفير في حاصبيا، والتي كان يزوها في العطل. حائز على إجازة في الحقوق وماجستير في القانون الخاص من الجامعة اللبنانية، حيث بدأ عمله السياسي كمسؤول الطلاب في منظمة الشباب التقدمي في كلية الحقوق على مدى ثلاث سنوات عمل خلالها لتحصيل حقوق الطلاب.

بعد تخرّجه بات عضو أمانة عامة كمسؤول المناطق في منظمة الشباب التقدمي على صعيد لبنان.

في العام 2015 وبعد وفاة والدته قدّم حمدان استقالته من الحزب الإشتراكي لسببين: منها التفرّغ للدراسة والنجاح في امتحان نقابة المحاميين تنفيذاً لرغبة والدته، والثاني لاعتبارات تتعلّق بممارسات الحزب الاشتراكي بحدّ ذاته. 

عام 2016 أصبح فراس محامياً يعمل لتحصيل قوته، ويساعد وأخوته في تأمين مصروف العائلة.

شكّلت ثورة 17 تشرين منعطفاً جديداً لعمل فراس في الشأن العام. وإضافة إلى نضاله في الشارع تفرّغ حمدان للعمل النقابي، فتطوّع مع عدد من المحامين للدفاع عن المتظاهرين والموقوفين في إطار لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين والموقوفين. وبعد تفجير الرابع من آب تطوّع أيضاً مع نقابة المحامين لمساعدة المتضررين في تقديم الدعاوى القضائية والدفاع عنهم، وخلال تظاهرة 8 آب التي أطلق عليها “سبت المشانق”، أصيب حمدان وعدد من المتظاهرين برصاص حرس المجلس، بينما كان يوثق الانتهاكات والعنف الممارس. معركة حمدان مع الحرس انتقلت اليوم إلى داخل المجلس حيث سيطالب بلجنة تحقيق برلمانية لتقصّي حقيقة ما حدث، واسترجاع حق جميع المصابين برصاص حرس المجلس النيابي خلال التظاهرات.

حمدان: “حيّ على خير العمل”

رؤية فراس حمدان للعمل النيابي أبلغ عنها ناخبيه قبل الاستحقاق الانتخابي “النايب مش مهمته يزفّت طريق ويعمّر حيط ويعمل واسطة، مهمته جعل هيدي الخدمات حق مكتوب لكم من دون منّة من أحد”. واليوم، ينطلق حمدان إلى العمل البرلماني متفلّتاً من منطق التصنيفات التقليدية والخطوط الحمراء، همّه الأول والأخير تحقيق مصلحة المواطن، “لا يسار لا يمين، لا 8 لا 14، نحن قادرين نكون عم نحدّد موقفنا ضمن حقوق الناس بغضّ النظر شو الخلفية السياسية، لنمرّق قوانين نحن بحاجة للأغلبية من هون بدنا نشتغل بالمفرّق ونتحاور مع الجميع”.

يسعى وباقي النوّاب الديمقراطيين إلى تشكيل تكتّل برلماني تتم خلاله مناقشة الاستحقاقات والمواقف وتوحيد الجهود. وبالنسبة لحمدان “الخرق يلّي صار منّو مزحة، في مسؤوليات ولازم نكون على قدّ المسؤولية تجاه أهلنا وناسنا”.

يعتبر حمدان أنّ قوام عمل المنظومة الحاكمة هو الإفلات من العقاب. ومن هنا فإنّ أبرز القضايا والملفات التي يعنى بها هو قانون استقلالية السلطة القضائية، “لنكون عم نحمي كلّ ضحايا الوطن لازم نحمي عمل القضاء”. ولا يغفل عن ظروف البلد وواقع الانهيار الحاصل ويلتزم بقضية أموال المودعين منطلقاً من أسئلة عدةّ: “هيدا الانهيار مين بيتحمّل مسؤوليته؟ هل رح يحمّلوا أصحاب المصارف والسلطة السياسية وكبار المساهمين أو بدهم يحملوها للناس يلي هني 99% من المجتمع ومن ضمنهم جمهور الأحزاب؟”، معتبراً أنّ المعارك في سبيل هذه القضية ستخاض في الشارع وفي المجلس النيابي على حد سواء.

ويختم حمدان أنّ عمله داخل المجلس سيكون له شقّ تشريعي وشقّ رقابي “اليوم دورنا مش خدمات، نحن دورنا نقترح قوانين ونحاسب حكومات ونوجه أسئلة ونطلب تحقيقات نيابية”، والأهم أنّه “حان وقت التغيير الحقيقي” كما يقول.

انشر المقال

متوفر من خلال:

البرلمان ، أحزاب سياسية ، مصارف ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، مجزرة المرفأ ، انتفاضة 17 تشرين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني