مقابلة مع عدنان الأمين، أجراها علاء مروة.
في سياق تعليقها على القوانين التي أقرها مجلس النواب في نيسان 2014، أجرت المفكرة القانونية مقابلة مع د. عدنان الأمين للوقوف على أحدها وهو قانون الأحكام العامة للتعليم العالي وتنظيم التعليم العالي الخاص. وتعود فكرة طرح هذا القانون حسب الأمين الى العام 2001-2002، حيث شارك الدكتور عدنان الأمين في لجنة التربية النيابية التي عملت على وضع مسودة نامت في الأدراج ما بين اللجنة ووزارة التربية لأسباب مجهولة، الى أن أعاد وزير التربية السابق حسن منيمنة إحياءها على يد لجنة كُلفت بوضع المشروع الذي تم إقراره. وتعود أسباب وضع هذا المشروع الى مرور 53 عاماً على إصدار قانون يرمي الى تنظيم التعليم العالي عام 1961 لا يتعدى الصفحة والنصف، والذي بفعل تطور التعليم العالي في لبنان، لم يعد يفي بالحاجة. بصورة عامة، يشير الدكتور عدنان الأمين الى أن القانون يبقى “قانون الحد الأدنى” و”موديل قديم”، على الرغم من تضمينه بعض النقاط الإيجابية التي تجعله متقدماً بالمقارنة مع قانون 1961. وهو يقتصر على وضع حد للفوضى وضبط التعليم العالي، تطغى عليه اللغة البيروقراطية والقانونية، في ظل غياب لأي دينامية لتطوير هذا القطاع.
توفير إطار محدَّث لعمل التعليم العالي: إيجابيات محدودة
يفند الدكتور الأمين البنود الإيجابية التي كرسها هذا القانون والتي وفرت إطاراً محدثاً لعمل التعليم العالي في نواح أساسية من هذا القطاع. بداية، يشير الأمين الى أهمية اشتراط القانون نسبة 5% مخصصة في موازنات مؤسسات التعليم الخاصة للبحث العلمي. يضاف الى ذلك تكريس القانون لمصطلحات حديثة في عدد من مواده، أبرزها ضمان جودة التعليم العالي والاعتراف بالهيئة الوطنية لضمان الجودة التي يتناولها مشروع قانون لا يزال يخوض مساره التشريعي في أروقة اللجان النيابية.
ومن الأمور المهمة التي التفت اليها هذا القانون، وضع حد للاستنسابية في تعامل الجامعات مع أفراد الهيئة التعليمية وفرض نوع من الحماية لهم، وذلك من خلال إلزام الجامعات في المادة 44 من القانون، بوضع نظام خاصّ بأفراد الهيئة التعليميّة يبيّن فيه: شروط التعاقد بالسّاعة والتفرّغ والدخول إلى الملاك الدائم في حال وجوده على أن يحدّد الوزير التقديمات الاجتماعيّة للأساتذة المتفرّغين أو الداخلين في الملاكوالحقوق والواجبات الأساسيّة من حرّيّات أكاديميّة وملكيّة فكريّة وآليّات تظلم، وذلك بناءً على توصية المجلس المسندة إلى اقتراح اللجنة الفنّيّة الأكاديميّة. كما يتعين على النظام أن يشمل المؤهّلات الجامعيّة والخبرات الأكاديميّة والمهنيّة المطلوب توافرها في أعضاء الهيئة التعليميّة لتدريس كلّ مستوى من الشهادات التي تمنحها المؤسّسة وأسس تصنيف أفراد هذه الهيئة وآليّة ترقيتهم وفق معايير الحدّ الأدنى.
وفي مقابل هذا الإطار الحمائي للأساتذة الذي يحرص القانون على رسمه، تكرّس المادة 60 حقوق الطلبة والتي تتعلق أساساً بضمان حرّية التعبير في إطار النظام العام، وإنشاء الهيئات التمثيلية والنوادي الثقافيّة والاجتماعيّة والرياضيّة والبيئيّة وأمثالها، والحصول على خدمات اجتماعيّة وثقافيّة ورياضيّة وصحيّة. ومن شأن هذا الأمر أن يعزز مشاركة الطلاب في الشؤون الجامعية والعامة على حد سواء.
وفي إطار آخر، يلقي الأمين الضوء على المادة 59 التي تنص على تنوع موارد الجامعات وعدم حصرها بالأقساط التي تتقاضاها المؤسّسة من الطلبة المنتسبين إليها، لتطال ريع أموالها المنقولة وغير المنقولة، وبدلات الأنشطة الاستشاريّة وما يتأتّى من مشاريعها الإنتاجيّة ومن استثمار مرافقها، والمساهمات والهبات والتبرّعات والمساعدات. وتترجم أهمية هذا النص، وفق الأمين، على صعيد تعزيز استقلالية الجامعة مالياً عوضاً أن تكون مرهونة بالأقساط، ما يضطرها الى رفعها لتأمين مداخيلها. ومن إيجابيات هذا القانون أيضاً، نصه على الفصل بين ملكية الجامعة من جهة وإدارتها من جهة أخرى، حيث يخدم هذا الإجراء تغليب المعايير الأكاديمية على مصالح المالك. ويختم الأمين لائحة الأمور الإيجابية المحددة والمحدودة في القانون، بالإشارة الى آلية الرقابة على مؤسسات التعليم العالي المقسمة والتي تشمل 3 مراحل: المرحلة الأولى، طلب ترخيص لإنشاء المؤسسة، والثانية، طلب ترخيص للممارسة، والثالثة، تكمن بزيارة للمؤسسة بعد 6 سنوات من قبل اللجان المختصة للتثبت من مدى احترام الرخص الممنوحة لها.
تناقض على صعيد التناسق الداخلي للنص
تنص المادة الثانية من القانون على أنه “يسمّى هذا القانون «قانون التعليم العالي» وتخضع لأحكامه العامّة جميع مؤسّسات التعليم العالي الرسميّة والخاصّة المرخصة قانونًا بتاريخ صدوره أو التي ترخص بموجب أحكامه، بما لا يتعارض مع القوانين والأنظمة التي ترعى الجامعة اللبنانية”. إزاء هذه المادة، يشير الأمين الى نوع من الالتباس والتناقض لجهة إخضاع التعليم الرسمي العام لهذا القانون، إذ إن الجامعة اللبنانية لها قوانينها الخاصة، ولا شيء ينطبق عليها من جملة الأحكام المكرسة في هذا النص. من جهة أخرى، يسجل الأمين عدم وضوح في عدد من مواد القانون وخاصة تلك المتعلقة بالشهادات المعترف بها لناحية تعريفها.
استنساب “سياسي” لوزير التربية في ترخيص المؤسسات؟
ينتقد الأمين تعزيز القانون صلاحيات وزير التربية والتعليم العالي التي تشكل، وفق المعمول به حالياً، مدخلاً للتدخلات السياسية والزبائنية على صعيد قضية جوهرية متمثلة بالترخيص لمؤسسات التعليم العالي الخاصة.
فعلى الرغم من تنظيم التراخيص بموجب مرسوم صادر في العام 1996، إلا أن مسألة البت بها تخضع لنوع من الاستنسابية. إذ ينيط المرسوم السالف الذكر بمجلس التعليم العالي ولجنة فنية صلاحية البت بطلبات التراخيص، إلا أن القانون يتيح لوزير التربية، “وبتليفونات معينة” أن يصدر الترخيص في مجلس الوزراء، “رغماً عن أنف” المراجع المختصة التي يمكن أن تكون قد سبق ورفضت الطلب المقدم. وفي هذا السياق، يشير الأمين الى أن مراسيم التراخيص الصادرة حتى الآن تختلف بمضمونها وبصياغتها وبمنطقها عن بعضها البعض، بحيث تحاك النصوص على قياس ووفق تخريجة تتناسب والجهة التي تتقدم بطلب الرخصة، وذلك تبعاً “للظهر السياسي” الذي تتكئ عليه. وبالنظر الى القانون الجديد، يسجل الأمين غياب إجراءات رادعة تضع قيوداً على قرارات الوزير في ميدان التراخيص، بل على العكس يعزز القانون سلطات واسعة له، بمقابل إغفال أي حماية خاصة لصلاحيات مجلس التعليم العالي واللجنة الفنية. وإزاء هذا المنحى، يشكك الأمين بأن يوفر القانون المقر ضوابط لحل مشاكل الفوضى التي يعاني منها التعليم العالي. وفي الاتجاه نفسه،يسجل الأمين إغفال مبادئ ترعى المشاركة في الحوكمة من قبل أفراد الهيئة التعليمية أو الطلاب أو الموظفين، إضافة الى عدم الالتفات الى أي آلية للتظلم داخل المؤسسات من قبل الطلاب أو أفراد الهيئة التعليمية.
قانون “من دهنو سقيلو”
يظهر القانون، بحسب الأمين، وكأنه إعادة ترتيب للبيت الداخلي لمؤسسات التعليم العالي الخاصة وتكريس عملها داخل شرنقة واحدة، الأمر الذي يلوّح بسعي هذه المؤسسات للحفاظ على نفسها وتالياً الحفاظ على الوضع الحالي من دون إفساح المجال أمام أي فرصة للتطوير. وفي هذا الصدد، يلاحظ الأمين أن الجامعات بحسب القانون تجتمع وتتمثل وتأخذ القرارات وترشح الخبراء بدون وجود أي بادرة “للتهوئة” والسماح بدخول أشخاص من خارج المؤسسات. وما يعزز هذه التساؤلات هو إهمال القانون لأوضاع المؤسسات القائمة حالياً والتي تشوبها بعض الثغرات في تنظيمها، وكأن هناك نية مبيتة بعدم فتح الملفات.
مؤسسات التعليم العالي يجب ألا تخدم فقط زبائنها… ولكن أيضاً مجتمعها
ينتقد الأمين تحديد القانون لأهداف التعليم العالي. فاذ تضمنت المادة الثالثة “أن التعليم العالي خدمة عامّة تؤمّنها مؤسّسات التعليم العالي، وهو يلبّي حاجة المجتمع في بناء قدراته وتطوير إمكاناته وفي البحث العلمي، مع احترام الحرّيّات الأساسيّة للأفراد والمجموعات والقيم السامية التي تنص عليها المواثيق الدوليّة، ولا سيّما في ما يخصّ الحرّيّات الأكاديميّة”، يشير الأمين الى غياب أي إشارة الى التماسك الاجتماعي والاختلاط، ما يؤشر الى نية في ترسيخ الوضع الحالي بحيث تبقى الجامعات متقوقعة في كانتوناتها الطائفية. ففي بلد مثل لبنان، يعاني من خطر الحرب الأهلية، لا بد، بحسب الأمين، من أن تعتد مؤسسات التعليم العالي بدورين، الأول مرتبط برأس المال الإنساني المتثمل بتخريج أشخاص منتجين، والثاني يتعلق بتعزيز التماسك الاجتماعي وبث قيم العيش المشترك، وذلك من خلال إقرار نوع من الكوتا في الجامعات يضمن حداً أدنى من الاختلاط. فـ”القانون ليس فقط بوليس بل يجب أن يطور التعليم ويفتح الباب لتقدم الجامعات الى الأمام”. كما ينتقد الأمين خلو النص من أي إشارة الى التبادل ما بين الجامعات، ما يشكل مؤشراً جديداً على تغليب هواجس ترتيب الأمور الداخلية للجامعات على أي تفاعل وتواصل خارجيين.
في الختام، يخلص الأمين الى أن هناك خطراً جدياً بأن يبقى وضع مؤسسات التعليم العالي الخاصة على ما هو عليه بنتيجة قلة التبصر.
نشر في العدد السادس عشر من مجلة المفكرة القانونية