تستعجل السلطة هدم آخر ما تبقى من الجامعة اللبنانية التي تعاني ما تعانيه من أزمة خانقة تهدد استمراريتها كمؤسسة تضمن التعليم لحوالي 80 ألف طالب، تارة بحرمان الأساتذة من حقوقهم ما دفعهم إلى الإضرابات المتتالية، وطورًا بحرمانها من الأموال اللازمة لتشغيل المرفق كما يجب. وها هي إدارة الجامعة اليوم تصوّب نحو جيوب الطلاب اللبنانيين والأجانب لدعمميزانيّتها، وكأنّهم مسؤولون عن نهب وسرقة أموال الدولة ومواردها. فعشرة أضعاف هو حجم الزيادة التي قرّرتها رئاسة الجامعة اللبنانية على رسوم التسجيل، لتلامس أقلّها 13 مليون ليرة للطالب اللبناني وحوالي 600 مليون ليرة للطالب الأجنبي. هذا مع العلم أنّ للجامعة أموالًا مستحقة لها من شركة خطوط الطيران اللبنانية “ميدل إيست” وشركات خطوط طيران أجنبية عاملة على الأراضي اللبنانية من فحوصات PCR التي أجرتها الجامعة في مطار بيروت والبالغة قيمتها 52 مليوندولار، لم تحصل عليها بعد.
ورغم رفض الطلاب لهذه الزيادة وموجة الاعتراض عليها على مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال تحرّكات على الأرض، علمت “المفكرة القانونية” من مصدر في وزارة التربية أنّ التوجّه جدّي، وفي طريقه إلى الإقرار وسيُرفع قريبًا إلى وزير التربية لتوقيعه وبالتالي يصبح نافذًا.
وقد أكد المستشار الإعلامي لرئاسة الجامعة اللبنانية الدكتور علي رمال في اتصال مع “المفكرة” أيضًا هذا الأمر، مشيرًا إلى أنّ رئيس الجامعة ووزير التربية لهما متضامنَين، صفة مجلس الجامعة، المغيّب حاليًا لعدم تعيين عمداء، “وبالفعل فإنّ قرار الزيادة في طريقه إلى الإقرار”.
وعن الـ 52 مليون دولار، شدّد الدكتور رمال على تمسّك الجامعة بهذا الحق و”عدم القبول بأيّة تسوية مع الشركات الممتنعة عن الدفع”، معلنًا أنّ “الجامعة باتجاه مقاضاة الشركات للحصول على أموال pcr والبالغة 18 مليون دولار من الميديل إيست و34 مليون من الشركات الأجنبية”.
وتبلغ الرسوم الجديدة، وفق “الاتحاد الطلابي العام” لمرحلة الإجازة الجامعية 13 مليون ليرة ونصف المليون للبنانيين أي نحو 150 دولارًا أميركيًا، (باحتساب سعر الصرف على 90 ألف ليرة) و60 مليون ليرة، أي نحو 670 دولارًا للطلاب الأجانب، ذلك بعد أن كانت تتراوح بين مليون (للطلاب المضمونين على حساب أسرهم) ومليون ونصف المليون لغير المضمونين. وقد بلغت رسوم مرحلة الماجستير 18 مليون ليرة، أي نحو 200 دولار، ورسوم التسجيل لمرحلة الدكتوراه ارتفعت إلى 22 مليون ليرة، أي نحو 245 دولارًا للبنانيين و600 مليون ليرة أي نحو 6 آلاف و700 دولار للأجانب. ويذكر أنّ الطلاب الفلسطينيين في لبنان والطلاب الأجانب المولودين من أم لبنانية سيعاملون بمثل معاملة الطلاب اللبنانيين، وبالتالي يسدّدون رسوم التسجيل المخصّصة للبنانيين وليس للأجانب.
اعتصام أمام مبنى رئاسة الجامعة: التعليم حق وليس امتيازًا
“إذا أردت أن تضرب دولة ما فاضرب التعليم فيها” مقولة أرادها طلاب من النادي العلماني في الجامعة اللبنانية بالتنسيق مع الاتحاد الطلابي العام وشبكة “مدى” الشبابية وطلاب مستقلين والاتحاد الطلابي العام شعارًا لاعتصامهم اليوم الخميس في 17 آب أمام مبنى رئاسة الجامعة اللبنانية في المتحف. وأعرب المعتصمون عن رفضهم لقرار رفع رسوم التسجيل والذي برأيهم يدلّ على منهجية السلطة في معالجة الأزمات من خلال تحميل الطلاب والفئات الشعبية الخسائر نتيجة سياساتها التدميرية للمجتمع، مؤكدين “عدم التراجع عن الدفاع عن التعليم العام”. وبالتزامن، نُفّذت تحرّكات طلابية في طرابلس، زحلة، صيدا والنبطية.
وفي جولة “المفكرة” على الطلاب المعتصمين في وجه قرارات الزيادة، والتي برأيهم تسعى إلى تدمير التعليم وتحويله من حق إلى امتياز، يرى خضر أنور الطالب في الجامعة اللبنانية سنة أولى علوم اجتماعية، وهو عضو في الاتحاد الطلابي العام أنّ “رفع الرسوم في ظل هذا الانهيار الذي نعيشه في القطاع التعليمي والمجتمع، يعمّق لا عدالة التعليم”. ويشير إلى أنّ الكثير من الدراسات تتحدّث عن الظاهرة التي نعيشها أي فقدان التعليم، وهذا دليل على توجّه السلطة كي يصبح التعليم امتياز وليس حقًا. وبالتالي، يدلّ رفع الرسوم على منهجية السلطة في طريقة تعاملها مع الجامعة اللبنانية وقطاع التعليم التي لا ترتكز على سياسات معالجة بنيوية لميزانية الجامعة اللبنانية.
ويرى أنّ “على الجامعة أن تكون منتجة، ولديها مواردها المالية الخاصة، ولكن هذا ممنوع عليها. فكل الدلائل تشير إلى أنّ إمكانات الجامعة مهملة ومرمية، وقد استخدمت مرة واحدة في وقت كورونا وقد نهبها محمد الحوت وكانت قيمتها 52 مليون دولار”.
ويضيف خضر: “الخبرية أكبر من رسوم لأنه حتى لو دفع الطلاب هذا العام رسوم التسجيل فالسنة المقبلة ستزيد أضعافًا نتيجة التضخّم المالي. كما أنّه لا نستطيع عزل تكلفة التعليم عن التكلفة المعيشية، فإذا أردنا احتساب كل هذه التكلفة من رسوم ونقل وطعام ومسكن للبعض، إضافة إلى الكتب والمحاضرات وغيرها فستصبح التكلفة باهظة جدًا. أضف إلى ذلك أنّ الكثير من الطلاب يضطرّون إلى العمل في ظلّ هذه الظروف لمساعدة عائلاتهم. هناك عدد كبير من التكاليف المتعلقة بالحق الاجتماعي حتى نستطيع الاستمرار بحياتنا اليومية”.
ويرى خضر أنّ “المطلوب من رئاسة الجامعة التنحّي، لأنّه لا يمكن إيجاد حلّ في ظل الحوكمة السياسية في قلب الجامعة التي فتحت على المكاتب التربوية والسلطة السياسية. والحل الوحيد من داخل الجامعة هو تكتّل أساتذة ودكاترة وطلاب وموظفين لتشكيل هيئة تأسيسية لإنعاش الجامعة”.
من جهتها، حنين محمد طالبة صحافة في الجامعة اللبنانية سنة ثانية، وهي من لجنة الإعلام في الاتحاد الطلابي العام تقول: “لن نسمح أن يمر هذا القرار بعد أن أخذوا مستحقات الجامعة من الـ pcr وسلبوها حقها وفقّروها عن قصد وسلبوها كلّ مقوّمات الاستمرار. هذا الأمر لن نقبله بأي شكل من الأشكال”. وتشرح حنين أسباب الرفض: “أولًا لأنّ مداخلينا ليست سائرة بشكل متواز مع هذه الزيادات. ثانيًا لأن هذا القرار غير عادل. نحن نعيش في وضع معيشي يرثى له بسببهم، ويريدون سلبنا حتى أبسط مقوّمات استمرارنا بالعيش. نحن في صدد خطوات تصعيدية حتى يسقط هذا القرار”.
وتضيف: “أطلقنا حملة “مصالحنا بوج مصالحكم” تضم طلاب وأساتذة وموظفين، ستتّحد هذه المكونات الثلاثة في وجه هذه السلطة. كل القرارات التعسفية التي تصدر هي ضد هذه المكوّنات. ونحن لن نستطيع الوصول لنتيجة إلّا من خلال توحّدنا”.
أما باسم جوني، الطالب في جامعة USAL الخاصة (جامعة العلوم والآداب اللبنانية)، وهو يدفع قسطا مرتفعا في جامعته، فيقول لـ “المفكرة” إنّ “التضامن مع الزملاء في اللبنانية واجب على كل طلاب لبنان في الجامعات الخاصة، لدي قناعة تامّة أنّ التعليم يجب أن يكون متاحًا للجميع ومجانيًا. في المقابل هناك أموال منهوبة سواء الـ 52 مليون التي نهبها الحوت في الميديل إيست أو التي نهبتها المصارف ووزارة المال والحكومة كلّها، تستطيع هذه الأموال لدى استرجاعها تأمين موازنة للجامعة اللبنانية، كي يستطيع الطالب أن يتعلّم من دون أن يضطر أن يتعلّم في جامعة خاصة ويدفع تكاليف تقصم ظهر أهله”.
ويعتبر أنّ الجامعة اللبنانية غير مؤهّلة بسبب سياسات ممنهجة لتدميرها، إن كان على صعيد البنى التحتية أو ميزانيتها الضئيلة وعدم إعطاء الأساتذة حقوقهم، ما يضعها في حالة إضرابات مستمرة.
ويتابع: “الجامعة اللبنانية هي لطبقة الفقراء، الطالب اللبناني لديه 3 خيارات إما جامعة خاصة أو هجرة أو تسرّب تعليمي اذا لم يكن باستطاعته ذلك، ما يعني أنّهم يضعون الطالب في مكان إذا كنت لا تملك المال فأنت لن تستطيع إكمال تعليمك”. ويختم: “لن يفرض النظام إرادته علينا بل نحن من سنفرض إرادتنا عليه”.
بدوره، يلفت الأستاذ في كلية إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية أياد زعرور إلى أهمية قيام الاتحاد الطلابي العام ويؤكد أنها مبادرة مهمة جدًا للحركة الطلابية وعلى الأساتذة التعلّم من طلابهم، أي كيفية إنشاء حركات تغييرية للتصدّي والمواجهة”. ويدعو كل الطلاب والاساتذة إلى التكتل تحت هذا الإطار، وليكونوا يدًا واحدة لدعم الجامعة.
ويؤكد أنّ السلطة السياسية وإدارة الجامعة غير جديين بأموال الـ pcr، لو هناك جدية لكانت استرجعت الأموال ولم تقرر أخذ المال من جيوب الطلاب. أكثر من ذلك، فهم يخافون من الطلاب وصوتهم وإلّا كانت على الأقل قبلت الإدارة بانتخابات طلابية لتشارك الطلاب بالقرار”.
ويضيف: “يوجد سلطة سياسية جائرة تسيطر على قرار الجامعة عبر المكاتب التربوية، التي تمثل السلطة السياسية داخل الكليات وتنفذ سياساتها. وكل حزب سياسي طائفي لديه جامعة خاصة على حساب الجامعة اللبنانية. ولا ينكر الأستاذ زعرور بأن هناك “تسرّبًا للأساتذة من الجامعة كما للطلاب، لكن لا يوجد إحصاءات دقيقة عن الأعداد، إلّا أنه التقديرات تشير إلى نسبة تسرّب للأساتذة تتراوح بين 15 و20 بالمئة. الوضع غير سليم”.
بيان الطلاب: “كيف تجرؤون على جعل رسوم تسجيل الجامعة اللبنانية أعلى من راتب عسكري؟”
وقد تلت الطالبة زهراء حمزة بيانًا باسم الطلاب المعتصمين جاء فيه أنّ “الجامعة اللبنانية والطلاب والأساتذة في حالة من الموت السريري، هذه الحالة سببها الدولة اللبنانية بكافة أطيافها، نراها تخفّض ميزانية جامعة الوطن التي هي متنفّسنا الوحيد لتُنعش قطاعات تكون فيها السرقة سهلة عليهم”. ويضيف البيان أنّ “قرار الزيادة له تداعيات كبيرة على كل الأصعدة، تريدون أن تعلموا ما هو القرار؟ القرار بكل بساطة زيادة رسوم تسجيل الجامعة اللبنانية 10 أضعاف لتلامس أقلّها 150 دولارًا للطالب اللبناني وحوالي 500 دولار للطالب الأجنبي؛ علمًا أنّ هذه الزيادة لن تسمن عن جوع فالرسوم لا تغطّي معاشات أساتذتها الذين لم يستطيعوا تحصيل حقوقهم بسبب عجز المسؤولين عن إدارة الأمور فالمشكلة ليست بحجم الرسوم بل هي مشكلة لوجستية بنيوية في إدارة ميزانية الجامعة، كذلك الأمر عدم وجود ضمانات عن ذهاب هذه الأموال إلى الجامعة لإنعاشها كما يتحدثون”.
ورفض البيان “الزيادة العشوائية” لأنه “بدلًا من تحميل العبء للطلاب فليذهبوا جميعًا ويبحثوا كيف سرقوا وتحاصصوا أموال الـ pcr التي هي من حقنا ومن حق الجامعة اللبنانية”.
وسأل الطلاب في بيانهم: “بينما معاشات القطاع العام لا تزال كما هي، كيف تجرؤون على جعل رسوم تسجيل الجامعة اللبنانية أعلى من راتب عسكري؟ يتوهّمون أنّ الزيادة العشوائية ستنعش الجامعة لكنهم لا يعلمون أنّها ستدمّر جيلًا بأكمله غير قادر على ضمان مستقبله، ألا تعلمون أنّ الطالب يعمل ليلًا نهارًا ليجني ثمن قسطه ومصاريفه في بلد عجز عن تأمين حقوقه فيه فالآن إذا تمّت الزيادة كيف يدفع رسوم تسجيله؟”.
وطالب البيان المسؤولين بتحمّل مسؤولياتكم وإنقاذ الجامعة اللبنانية “من أموالكم المسروقة ومن فسادكم المستشري في الجامعة” وتركوا الطلاب وأهاليهم لأنّ “الطالب غير مضطر لتحمل نتيجة فسادكم وهدركم وإهمالكم”.
بعد انتهاء الاعتصام، انطلقت مسيرة طلابية في شوارع بيروت وكان الهتاف الرئيسي: “جامعة لبنان جامعة فرج الله حنين” وهو أول شهيد للحركة الطلابية في العام 1951 خلال تظاهرة مطلبية لتأسيس الجامعة الوطنية في العام 1951.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.