تنظر آلاف العاملات في الخدمة المنزلية اليوم إلى قرار الحكومة الأثيوبية بإرسال طائرات إلى لبنان لإعادتهنّ إلى بلادهن كخيبة أمل. فتكلفة السفر التي فرضت عليهن تبلغ قيمتها 680 دولار أميركي تضاف إليها كلفة حجز الفندق للحجر لـ14 يوماً التي تترواح بين 560 و1750 دولار. وهذه التكاليف مؤمّنة لقلّة من المحظوظات من المدرجات على لوائح السفارة للسفر على نفقة الدولة الأثيوبيّة أو ممن سيتحمل كفلاؤهنّ تغطيتها، فيما ترهق الأزمة الاقتصاديّة كاهل آلاف من اللواتي فقدن عملهن فتشرّد بعضهنّ في الشوارع وأصبح مبيتهن الجديد في الطرقات وعلى أبواب السفارات. طبعاً لا ننسى اللواتي اضطررن مكرهات على البقاء في منازل أرباب العمل لصعوبة تأمين تكلفة السفر ما قد يفتح المجال في حالات كثيرة لمزيد من الإستغلال بحق كثيرات لا قرار لهن اليوم بتحديد مصائرهن.
الأربعاء في 27 أيار الجاري، انطلقت أول رحلة فعليّة لإجلاء المواطنين الأثيوبيين من لبنان على نفقة الدولة الأثيوبية، وفيها 337 راكباً. وبحسب ما أعلنته السفارة الأثيوبيّة على صفحتها على فيسبوك، فإنّ العائدين هم من المخلى سبيلهم من دائرة السجون والموجودين في ملاجئ الجمعيّات المحلية وجمعيّة كاريتاس. إضافة إلى الأفراد الذين دفعوا مبلغ 550 دولار أميركي لأجل حجز تذاكر السفر قبل تسكير المطار بفعل التعبئة العامّة، ويتضح من إعلان السفارة أنها قامت برد الأموال التي دفعوها.
أمّا اللواتي لا يتمتعن بالقدرة على تحمّل نفقة السفر، فمعاناتهم يلخّصها مشهد عشرات النساء اللواتي يتوجّهن بشكل روتيني إلى سفارات بلادهن سعياً لإيجاد الحلول. فأمام مبنى السفارة الأثيوبية في الحازمية، عشرات النساء ينتظرن بارقة أمل، بعضهنّ أتين ومعهنّ القليل من المقتنيات الشخصية، بينهنّ من ليس لديهنّ أوراق ثبوتية، فافترشن الأرض بانتظار جواب السفارة لتحديد مصائرهن. ولسان حال الآتيات إلى السفارة أنّ لا وضوح حول حقيقة عودتهنّ إلى البلاد خاصّة أنّه منذ إعلان السفارة عن إرسال طائرات لم يتضح عددها. وفي المقابل، هاتف السفارة لا يرد على الاتصالات فيما تنهار الإنتقادات على صفحتها على فيسبوك من قبل الكفلاء والعاملات، عدا عن انتقادات للتكلفة العاليّة التي يحيلها المسؤول عن الصفحة إلى شركة الطيران الأثيوبية التي حددت الأسعار.
من ستشمل العودة الطوعيّة؟
لا يوجد إعلان رسمي لعدد الطائرات التي من المتوقع أن تهبط في بيروت لنقل الرعايا الأثيوبيين والأثيوبيات، فيما اختلفت الأقاويل بين 10 طائرات أو طائرتين فقط. وتقول ناشطة أثيوبيّة لـ”المفكرة القانونيّة” بأنّها تواصلت مع السفارة وأكدت لها أنّ طائرتين فقط سوف تحطّان في بيروت، واحدة كبيرة وواحدة صغيرة. تُضيف، “في كل الأحوال، فإنّه مهما كان عدد الطائرات فإنها لن تشمل جميع الراغبين والراغبات بالعودة”. وقد حاولنا مراراً الإتصال بالسفير الأثيوبي في لبنان لاستيضاحه بشأن العديد من النقاط ولكنه لم يردّ على اتصالاتنا فيما أن مكتب السفريات التابع للطيران الأثيوبي لا يُجيب أيضاً على الإتصالات.
وفي إطار تحديد آليات العودة، يتضح من بيان الأمن العام الصادر بتاريخ 15 آيار 2020 الذي أعلن فيه عن تنظيم رحلات عودة طوعية للرعايا المصريين والأثيوبيين، فهي “للعمّال الأجانب الذين سبق أن تقدموا بطلبات العودة لدى سفارات بلادهم”.
يُشار إلى أنّ الأمن العام اللبناني توقّف عن استلام أيّ موقوفين إداريين جدد من الأجانب منذ بداية التعبئة العامّة، حسبما يذكر رئيس مكتب الشؤون الإعلاميّة لدى الأمن العام العميد نبيل حنون. وتُشير المعلومات إلى أنّ الأمن العام اللبناني أعطى فترة سماح للذين انتهت صلاحية إقاماتهم بعد تاريخ 11 آذار ولم يتم تجديدها، إضافة إلى دراسة إعفاء الذين “انكسرت” إقاماتهم من دفع الغرامات. وفي هذا الإطار، تتهيأ مجموعة من الجمعّيات الحقوقيّة في لبنان لإرسال كتاب إلى الأمن العام لمطالبته بإعفاء العاملات الأثيوبيات من أية غرامات تتعلق بكسرهنّ شروط الإقامة. وكان من شروط عودة العاملات اللواتي كسرن إقامتهنّ لعدّة سنوات قبل التعبئة العامّة، دفع غرامة عن سنة واحدة تأخير قيمتها 300 ألف ليرة، إلّا أنّ هذا الشرط لم يعد منصفاً برأي الجمعيات الحقوقيّة، كون الظروف اليوم تُحتّم إيجاد آليات أكثر سهولة لضمان إمكانية عودة أكبر عدد من الرعايا الأجانب.
أمّا الذين لم يسجّلوا أسماءهم للعودة بعد، فقد طلب الأمن العام من أصحاب عملهم بتسجيلهم لدى سفاراتهم ليتم ضمّها إلى لوائح العودة. ويقع على عاتق هؤلاء دفع كلفة السفر بالدولار الأميركي، والتي قدّرت بـ 680 دولار (قبل الأزمة كان سعر بطاقة السفر لا يتخطى الـ 300 دولار ووصل اليوم إلى 680 دولار إذ رفعت شركة الطيران الأثيوبي السعر لأسباب يردّها البعض إلى أنّ الطائرات تأتي فارغة من أثيوبيا فتعيّن رفع الكلفة)، فيما من غير الواضح على من ستقع كلفة الحجر في الفندق، والتي قد تتحمّلها العاملة.
وبما يخص إجراءات الوقاية التي سوف تعتمد في حال إصابة أحد المسافرين إلى أثيوبيا بفيروس الكورونا، فمن غير الواضح إن كانت السلطات الأثيوبية ستجري فحوصات قبل الصعود إلى الطائرة، إذ أكدّت السفارة على وجوب ارتداء الكمامات في الطائرة واقتناء المعقمات. وأعلن الطيران الأثيوبي على فيسبوك بأنّ المسافرين ملزمون بالحجر عند وصولهم إلى أديس أبابا في فنادق حددتها الحكومة الأثيوبية بكلفة عاليّة تراوحت بين 40 إلى 125 دولار لليلة الواحدة.
إزاء ذلك، فإنّ فئات عدّة من الأثيوبيين والأثيوبيات لم يتضح مصيرهم بعد، وهم:
- الفئات التي لم تتمكن من حجز تذاكر السفر بسبب الكلفة العاليّة،
- باقي المحتجزين والمحتجزات لدى الأمن العام وفي السجون والذين لم تشملهم لوائح السفارة،
- فئات العاملات والعمّال الذين فقدوا أوراقهم الثبوتيّة لأسباب عدّة منها احتجازها من قبل كفلائهم قبل تركهم العمل ومنهن النساء اللواتي درج اعتبارهنّ “فارّات”، فاستمروا في البلاد بصورة مخالفة لنظام الإقامة، ويزيد من تأزّم وضعهم عدم إمكانيّة تواصلهم مع سفارة بلادهم بشكل مرن،
- فئات العاملات اللواتي يسكنّ في مأوي يدار من قبل الجمعيات الأهليّة ومصائرهنّ مرتبطة بمجرى تحقيق قضائي في ملفات خروجهن من بيت كفلائهنّ بعد أن أبلغن عن عنف تعرّضن له وحالات العاملات اللواتي صدرت بحقهن بلاغات بحث وتحرّ وأحكام قضائية،
ومن جهة أخرى، فإنّ عشرات من الجثث التي تعود لأثيوبيين توفوا في لبنان ولا يتمتعون ببوالص التأمين التي عادة ما تغطي تكاليف نقل الجثث، موجودة في برادات المستشفيات ولم يجرِ تحديد آليات إرسالها إلى أثيوبيا ليتم دفنها هناك. وفي هذا الصدد، يقول ناشط أثيوبي لـ “المفكرة” بأنه “تجري العادة بأن نجمع المال عبر تبرّعات من العاملات والعمال الأثيوبيين في لبنان ليتم دفع تكاليف تسفير الجثة وأجرة البراد، إنما اليوم من الصعب تأمين المال في ظل الأزمة الاقتصاديّة إضافة إلى عدم تجاوب السفارة معنا لتأمين تسفير الجثث”. ويلفت إلى أنّ “تكلفة تسفير الجثة تتخطى 3000 دولار في الأيام العادية فيما تكلفة البراد 100 دولار لليلة الواحدة”.
الطريق أمام السفارة الأثيوبية ساحة انتظار
يمكن للمارّ من أمام مبنى السفارة الإثيوبية في الحازمية رصد الكثير من الحالات والقصص. فهنا فتاة أثيوبية يبدو عليها الإرهاق تجلس على حافة الرّصيف تضع رأسها بين يديها رافضة الحديث إلى الأثيوبيات اللواتي يحاولن الكلام معها. وهناك شابة أثيوبية تُدعى لينا تصطحب معها شابّة أخرى تقول إنها وجدتها ضائعة في الطريق واصطحبتها إلى السفارة لمساعدتها. وتشرح قائلة: “أرباب العمل طردوها من المنزل، فخرجت من دون أيّة مقتنيات، ولا تعرف أي معلومة عن هويتهم ولا إسم المنطقة التي يعيشون فيها، ولا تتقن اللغة العربية”. وحاولت لينا التي أعربت عن قلقها على مصير الفتيات الأثيوبيات المتواجدات أمام مبنى السفارة، الإقتراب من الشابة الصامتة أيضاً بدون جدوى. وتقول: “ربما حصل معها أمر خطير، وأظن أنّها لم تفهم لغتي. ففي بلادنا لغات كثيرة. هي ربما من المناطق الجبلية”. ثم تعلو ملامح الحزن وجهها الذي يختفي جزء منه بكمامة مصنوعة من القماش وتبدأ دموعها في الإنهمار وهي تتابع كلامها: “على العالم أن يعلم ما هو حجم المشكلة التي تعانيها العاملات هنا، الفتيات ينمن في الطرقات، وأخريات يعانين من مشاكل نفسيّة حادّة”.
تقول لينا إنّها لم تتمكن بعد من مساعدة الشابة المسكينة التي وجدتها في الطريق لأنّ السفارة لم تعطها جواباً، “سأسعى لأؤمن لها مكاناً تبيت فيه فهي تبدو صغيرة السنّ. ففي أثيوبيا، هناك من يقوم بتزوير تواريخ مواليد الفتيات فمن هي تحت الثامنة عشر ممنوعة من العمل خارج البلاد”.
ما هي إلّا دقائق قليلة حتى تصل فتاة أثيوبية أخرى، وقد بدت عليها علامات الإرهاق والضياع، فتتجمع حولها عدّة شابات ويحاولن فهم مشكلتها، لكنها تبدو في حالة صدمة، فلا تنطق سوى بالقليل من الكلام، “أريد العمل، لا أريد السفر”. لم تعلم الفتيات ما عليهن فعله، فحاولن إعطاءها الماء، وتهدئتها.
تشرح الناشطة الأثيوبيّة سلام، التي تعيش في لبنان منذ ما يزيد عن سبع سنوات، لـ”المفكرة” أنّ العديد من العاملات تمّ صرفهنّ من العمل وتركن في الطريق أو أمام مبنى السفارة في الحازميّة ومنهن تعرّضن للتعنيف على أيدي الكفلاء ومنهنّ من يعانين من صدمات نفسيّة ناتجة عن التشرّد، وكلما مرّت الأيام في التشرّد والبعد عن العائلة والوحدة وصعوبة الحصول على المساعدة تتدهور أحوالهنّ النفسّية أكثر”. وتتابع: “أصبح مشهد رؤية عاملات ينمن في الطريق أمراً اعتيادياً، وغالباً ما تكون الفتاة في حالة صدمة وإرهاق نفسي حاد. الفتيات ينمن في الشوارع وهنّ معرّضات للخطر”.
وتتحدث سلام عن ورود اتصال إليها بوجود عاملة تنام في الشارع في منطقة الدورة فتوجّهت إلى المكان حيث حاولت إقناعها بأن تأتي معها إلى منزلها لكنّها رفضت، مشيرة إلى أنّها “كانت في حالة نفسية مزرية ناتجة بالطبع عن تعرّضها لأمور خطيرة في الشوارع”. وعن عاملة أخرى، أيضاً وجدتها في الطريق واصطحبتها معها إلى منزلها تقول إنها “أصيبت بنوبات عصبيّة شديدة، وتحاول أحياناً رمي نفسها من الشرفة”. سلام التي تشعر بالمسؤولية تجاه الفتيات اللواتي يواجهن التشرّد، تشير إلى أنّه “في إحدى الحالات تواصلت مع الكفيل لأطلب منه تأمين المال ثمن التذكرة لتسفير العاملة. أجاب بأنّه جاهز ليدفع المال لكنّه لا يريد العاملة في منزله. وفي حالات أخرى يصعب علينا التواصل مع الكفيل نتوجه إلى القوى الأمنيّة، لكنّ لا يقومون بمساعدتنا”. ومن جهة السفارة، “فلا نحصل على جواب واضح”.
الأزمة لم تستحدث مشاكل العاملات إنما فاقمتها
في حديث إلى “المفكرة” تقول محامية قسم الاتجار بالبشر في منظمة “كفى” موهانا إسحق، إنّ “مشاكل عدّة تواجه عاملات المنازل من الأساس بسبب نظام الكفالة المعتمد في لبنان، ولكنها تفاقمت بفعل الأزمة الاقتصادية وظروف التعبئة العامة”. وتشير إلى ورود مؤشّرات على تزايد نسبة استغلال العاملات بحيث أصبحت كثيرات يواجهنّ العمل القسري، وغيرهنّ خضعن لتسوية مع رب العمل لخفض الراتب بهدف الاستمرار بالعمل. واليوم، بحسب اسحق، “هناك عاملات وعمّال أجانب بتقاضون أجورهم بالليرة اللبنانيّة وعلى سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة، ما يترتب عليه فقدان لقيمة الأجر بمستويات عاليّة”. أمّا بالنسبة للواتي اقترب موعد استحقاق انتهاء عقودهن ولم يتمكنّ من السفر، فتُشير إسحق إلى أنّه لو “أردنا الإشارة إلى المفاعيل القانونيّة لهذا الأمر، فإنّ العاملة التي تستمر بالعمل بعد انتهاء مدّة العقد ذلك يعني أن العقد تجدد تلقائياً وغالباً ضد مصلحتها”. وفي حالات أخرى، تشرح اسحق، بأنّه “في الفترة الأخيرة شهدنا على أساليب غير إنسانيّة لإنهاء العقود مع العاملات، كوضع إعلانات بيع على المنصّات الالكترونيّة، وهو ما يعكس عبوديّة فعليّة وليس عبوديّة مقنّعة كما درجنا على تفسير نظام الكفالة”.
ويُضاف إلى ذلك، “التداعيات المترتّبة عن الحجر المنزلي حيث بات أرباب العمل طيلة الوقت في البيت مع العاملة ما يضاعف فترة حرمانها من الخصوصيّة ويقلص من فرص إجراء اتصال طلباً للمساعدة في حال تعرّضها لأي انتهاك من دون أن ننسى أنّ بعضهنّ ممنوعات من اقتناء هاتف لخليوي، إضافة إلى أنّ الحجر المنزلي يزيد من ساعات العمل والإرهاق، عدا عن ارتفاع نسبة تعرّضهن للعنف الجسدي والمعنوي”.
وتلفت اسحق إلى استمرار “حالات عدم دفع الرواتب أو التأخّر في دفعها وهي ممارسة اجتماعيّة متّبعة حتى في الحالات التي لم نواجه فيها أزمات اقتصاديّة”، وتشير إلى أنّه “لطالما عادت عاملات المنازل إلى بلادهنّ بدون تحصيل الأجور التي عادة ما تتراكم، ولكنّ هذه الأزمة تفاقمت بفعل ارتفاع سعر الصرف. واليوم تطال مشكلة الأجور كافة الفئات العمّاليّة، وتطال أرباب العمل الّذين خسروا مداخليهم، لكنّها أزمة ترتد على الفئات الأكثر ضعفاً على مستوى أكبر وعاملات المنازل إحدى هذه الفئات”.
ولكنّ إسحق تؤكّد أنّ “وزارة العمل لا تتمتع بالقدرة على التصرّف بموضوع أجور العاملات نظرًا لأن قانون العمل لا يشمل عاملات المنازل”، مشددة على “ضرورة أن يكون هناك مجهود إضافي يُبذل من كافة السلطات المعنيّة لوضع حد لهذا الانتهاك، لأنّ الحلول المقترحة لا توازي حجم الأزمة”. وتشير إسحق إلى “العاملات اللواتي يعملن بشكل حر وبالسّاعة، فهؤلاء غير قادرات على تأمين كلفة السفر لأنّ غالبيتهنّ خسرن عملهنّ نتيجة انتشار كورونا والأزمة الاقتصادية ومنهنّ من تعرّضن للتشرّد وتواجهن ظروفاً صعبة”.
من جهته، يؤكّد Samuel Tesfaye Beshah أحد مؤسسي مجموعة “ميساوات” Mesewat وهي مجموعة أنشئت قبل سنوات لدعم العاملات المنزليّات، إنّ الخط الساخن للجمعية يتلقّى “يومياً عشرات الاتصالات من عاملات منزليات يشكين عدم تحصيلهنّ أجورهنّ وشكاوى أخرى تتعلق بالتعنيف المعنوي والجسدي”. ويقول إنّ مجموعات أخرى تتلقّى عشرات الاتصالات أيضاً من عاملات أخريات يشكين من الأمور نفسها”. وينقل أنّ معظم الشكاوى تُشير إلى “إلزام العاملة بالعمل رغماً عنها من دون أجر ومنعها من المطالبة بحقّها”.
تسويات بين أرباب العمل والعاملات
تقول فاتن (50 عاماً) التي باتت عاطلة عن العمل بسبب الأزمة الاقتصادية فيما تراجع عمل زوجها أيضاً نتيجة الأزمة، لـ”المفكرة” إنّهما لم يعودا قادرين على تأمين الراتب الكامل للعاملة الأثيوبية التي تعمل لديهما في ظل ارتفاع سعر الدولار إلى أكثر من 4000 ليرة، ما يعني أنّ راتب العاملة الذي هو 200 دولار بات يتخطّى 800 ألف ليرة لبنانية. وتقول إنها توصّلت إلى “اتفاق رضائي مع العاملة على تقليص الراتب وتخفيض ساعات العمل”. وعن إمكانيّة تسفير العاملة تقول فاتن: “اليوم أنا غير قادرة على دفع ثمن تذكرة السفر، أخبرت العاملة بالأمر واتفقنا على أن ننتظر قليلاً لربما تغيّر الوضع بالنسبة لسعر تذكرة السفر أو ريثما يتأمّن معنا المبلغ”.
وتلفت فاتن إلى أنّ الكثير من أرباب العمل في هذه المرحلة يجرون تسويات مع العاملات لإمكانيّة استمرارها في العمل كتقليص الراتب. وتأسف لوضع العاملات في لبنان، قائلة: “هناك من يترك العاملات في الطريق ويصرفونهن من العمل بشكل غير إنساني”، لافتة إلى المسؤولية التي تترتّب على رب العمل تجاه العاملة. وتتكلم عن نفسها، “أنا أشعر بأنني مسؤولة عن حمايتها وإبقائها بأمان، أخاف اليوم أن يحصل لها مكروه، وفي هذا الظرف يزداد القلق والمسؤولية، خاصة أنّها بعيدة عن أهلها”.
أميرة ربّة منزل، استقدمت قبل عام ونصف عاملة منزليّة تدعى آيتينيش لترعى والدتها المسنّة، تقول: “منذ بداية الأزمة الاقتصاديّة أصبحنا غير قادرين على تأمين راتبها، وكنّا ننوي نقل كفالتها لكفيل جديد”. تضيف، “تعرفنا على شخص عن طريق مكتب الاستقدام، وهو يحتاج لعاملة لتهتم بوالدته، وأن تكون ذات خبرة، بعدما قررت العاملة التي تعمل في منزله العودة إلى بلدها”. ولكن بسبب إعلان التعبئة العامة وإغلاق المطار، “لم تتمكّن العائلة الأخرى من تسفير العالمة التي لديها، فبقيت آيتينش في منزلنا، واتفقنا معها أن تستمر معنا وسنحاول بيع قطعة أرض لتأمين راتبها”، بحسب أميرة.
خاتمة
إزاء كل ما تقدم، فإنّ عدم الوضوح من قبل الجهات الرسميّة حول آليات هذه العودة تضفي ضبابيّة حول مسألة بالغة الأهمية هنا وهي حصول العاملة قبل رحيلها على كامل حقوقها الماليّة من أرباب العمل. فكما هو واضح، تفتقد آليّة العودة حتى الآن لهذا النوع من الضمانات، مما يفتح الباب أمام عدم تسديد أرباب العمل لأجور العاملات أو تخفيضها خلافًا لما ينص عليه مضمون العقد، أو حتى احتمال إخضاع العاملة للتوقيع على براءات ذمة أو تعهد لعدم ملاحقة الكفيل ومقاضاته بعد العودة إلى البلاد في شكاوى متعلّقة بالأجور وغيره.
وبالطبع من الواضح أن لا قرار للعاملات المنزليات في رحيلهنّ أو بقائهنّ في العمل، بخاصة اللواتي لم تنتهِ بعد مدّة عقودهن وريرغبن في البقاء في العمل، فيواجهن نوعاً من الصّرف التعسّفي يفرض عليها ترحيلاً قسرياً لا طوعياً.