“
ناديا، إمرأة خمسينية تنتمي إلى الطائفة الشيعية، تمتهن قراءة مجالس العزاء، وتلتزم بالأحكام الدينية لطائفتها. تعيش ناديا منذ ما يزيد عن عشر سنوات حياة ملؤها القلق وعدم الاستقرار، بسبب رفض قضائها الشرعي إنهاء زواجها. أكثر ما يعبّر عمّا تواجهه ناديا هو مضمون ما قالته بنفسها “للحاكم الشرعي” في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى: “قلت لي إذا جئت بحكم جزائي تطلقني، أتيت به ولم تفعل! قلت لي أن آتي بشهود وأتيت بـ 7! أجابني أن المعطيات حتى الآن لا تخوله أخذ قرار طلاق حاكم! سألته : ماذا تريد بعد؟ شهادة وفاتي؟”. اليوم، لا تزال ناديا بانتظار أن يحصل أي أمر ينهي زواجها، أما الزوج الذي يرفض منحها الطلاق فقرر أن يبدأ زواجاً آخر. قصدت ناديا المفكرة، لنشر شهادتها عن “عدم إنصاف القضاء الشرعي” لها.
ثمن الطلاق، تدفعه النساء
خلال حرب تموز 2006، هدمت الشقة التي تسكن فيها ناديا وعائلتها جراء القصف الاسرائيلي لضاحية بيروت الجنوبية. وهي مملوكة من قبلها، بعدما وهبها إياها الزوج قبل وقت طويل. مع بداية إعادة الإعمار عام 2007، “حرق زوجي أجزاء من عقد بيع الشقة الأساسي بحيث يصبح تالفاً، وقصد مالك العقار طالباً منه أن يكتب إقراراً له أن الشقة وما فيها من فرش تعود ملكيتها له (الزوج)”، تقول ناديا. مالك المنزل، وفقاً لها، “لم يكن يعلم أن المنزل مسجل باسمها لأن البيع حصل عبر وكيله”. لذا، كتب المالك الأساسي إقراراً له بملكيته للمنزل، ولمحتوياته (التي اشترتها بنفسها).
تكمل ناديا أن المشكلات بدأت تظهر مع زوجها في تلك المرحلة. وأنها ارتدت في البداية طابعاً مادياً، حيث عارض زوجها دعمها المالي لإبنهما عندما تزوج. وقتها “بدأ يهدد أنه يريد أن يطلقني”. بالمقابل لم تكن تعلم ناديا أن زوجها حصل على إقرار من المالك الأساسي للعقار ببيعه منه. تقول :”اكتشفت كذبته عام 2009، وعندها فقط قال أنه لم يعد يريد أن يطلقني، ففهمت أن قصة الانفصال كلها كانت فقط بهدف بيع الشقة وقبض سعرها”.
الشقة موضوع النزاع هي كل ما تملكه ناديا اليوم، هكذا تقول. بالمقابل “هو لديه أملاك كثيرة”. أمام هذا الواقع، سارعت إلى حفظ حقوقها متخذة الاجراءات اللازمة لحماية ملكيتها. عند هذه النقطة، تحوّل سلوك زوج ناديا إلى العنف: “ضرب وتعنيف وبهدلة وهتك إحترامي أمام الناس وإتهامي بأمور سيئة”. أيضاً بدأت تتعرض ناديا إلى تهديد بالقتل: “ما بتعرفي أيمتن بتجي ساعة الشيطان وبعمل جريمة” كان يكرر هذه الجملة أمامها وعندما يتكلم مع أبنائه عنها. هذا الأمر دفع الأبناء “ليتصلوا من إفريقيا ويطلبون مني ترك المنزل خوفاً من تهديداته”. كذلك الأمر “منع زوج إبنتي أولاده من زيارتنا لأنه لا يريد أن يحضروا جريمة قتل” بحسب تعبيرها. أدى هذا العنف الجسدي والمعنوي إلى دخول ناديا في في حالة كآبة عالية، الحالة ما لبثت أن بدأت تظهر على شكل “مشاكل في القلب، وقلق دائم وعدم قدرة على النوم”.
القضاء الشرعي: وسيط غير محايد
اتجهت ناديا إلى المحكمة الجعفرية، حيث تقدمت بدعوى نفقة بوجه زوجها. وعادةً ما تلجأ النساء إلى دعاوى النفقة في الجعفرية للمساومة على الطلاق، في ظل تعليق الطلاق لدى هذه المحكمة بالكامل على قرار الزوج نفسه. استمرت الدعوى بين عامي 2009 و2010، ثم “ردها القاضي الشرعي من دون تعليل سبب الرد”. وقد انتهت المسألة لدى القاضي إلى صلحة يلتزم بموجبها الزوج بالإنفاق. تشير ناديا إلى أنها كانت خلال تلك الفترة مكبلة بشدة، فكان لها ابنة عمرها 9 سنوات (عمر حضانة الأم لابنتها لدى المحاكم الجعفرية 7 سنوات). تقول ناديا: “عدنا الى المنزل فقال لي أنت ونفقتك وقرار القاضي آخر همي”.
انتقلت عندها ناديا إلى مرحلة جديدة، حيث قصدت المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، لتحصل على “طلاق حاكم”. وطلاق الحاكم، هو قرار يتخذه المرجع الديني الذي يتبع له المجلس الشيعي اللبناني – أي السيد علي السيستاني- عندما تتوفر شروط ضيقة ومحددة تؤدي إلى تطليق الزوجة بغض النظر عن موافقة الزوج. وللحاكم الشرعي ممثل في لبنان، هو حالياً السيد علي المالكي. إذن، عرضت ناديا قضيتها على المالكي، الذي أشار لها: “إذا أتيتِ بحكم من القاضي الجزائي، أطلقك منه”. بالفعل، صدر لناديا قرار عن القاضية المنفردة الجزائية في بعبدا يدين زوجها بالتعرض لها بالعنف وتهديدها به. وقد ارتكز القرار إلى شهادات شهود وإلى تقرير من الطبيب الشرعي. وكانت خلال المرحلة ذاتها تخضع لعلاج يشرف عليه طبيب مختص بالأمراض العصبية. الأخير أيضاً وضع تقريراً عن حالتها، والأدوية التي تتناولها. لكن المالكي على ما يبدو لم يقتنع أن ناديا تستحق أن تنفذ رغبتها بالانفصال عن زوجها. فطلب منها أن تأتي بشهود على تعرضها للعنف: “جئت بـ 7 شهود يؤكدون تعنيفي وعدم الإنفاق علي، لكن شيئاً لم ينفع”. تسرد ناديا حديثها مع المالكي: “قلت لي إذا جئت بحم جزاء تطلقني، أتيت به ولم تفعل! قلت لي أن آتي بشهود وأتيت بـ 7! “قلت إن صدور حكم بالشقة لصالحي ينهي المسألة، وها هو الحكم صدر ولم تنتهِ… أجابني أن المعطيات حتى الآن لا تخوله أخذ قرار طلاق حاكم! سألته : ماذا تريد بعد؟ شهادة وفاتي؟” “.
بهذا المعنى، لم يقتصر دور الحاكم على الإطلاع على المعطيات وتقرير التطليق من عدمه، إنما تعداه ليتحول إلى وساطة تتناول مسألة الشقة نفسها، وصفقات أخرى عرضت على ناديا. فقد قرر الزوج رفع دعوى قضائية مدنية عام 2015، بوجه مالك العقار الأساسي، ليتمكن من نقل الشقة إلى إسمه. عندها أدخل القاضي ناديا في النزاع كونها المالكة المسجل العقار باسمها. خلال سنة صدر حكم بتثبيت ملكية العقار لها. تقول ناديا أن زوجها “حاول أن يتحايل ليحصل على الشقة، لكنه لم يكن يعرف على الأرجح أن الأمر سيسير كما حصل، لكني كنت المستفيدة من هذا القرار”. قبلها كان الحاكم قد أبلغ ناديا أن “زوجي قبل أن يطلقني شرط أن أتنازل عن كل حقوقي المالية، وعن نفقتي خلال العشر سنوات الماضية (حوالي 46 ألف دولار) وأن أدفع له 10 ملايين ليرة”. بالفعل، قبلت ناديا واستدانت المبلغ من شقيقها وأتت به إلى الحاكم. عندها “أبلغني الحاكم أنه علي أن أترك الشقة (مسكنها الوحيد) إلى أن يصدر حكم القاضي العقاري، فإذا كانت ملكيتها لي أعود للسكن فيها”. أيضاً وافقت ناديا “عندما ذهبت إلى الحاكم الشرعي ومعي الأموال، قال لي زوجي خذي أغراضك وإخرجي من المنزل، فأجبته مبروك عليك- فقط طلقني”. عندها رد الزوج بتغيير رأيه: “ما عاد بدي طلق، ورحل”. تقول ناديا أن المالكي علّق على ما حصل بلومها:” هيك عملتي، كل الحق عليك”. بعد هذه الحادثة بأربعة أيام صدر قرار بتثبيت ملكية الشقة لـناديا، لكن شيئاً لم يغير مأساتها.
“القضاء الشرعي لم ينصفني، أنا إمرأة لم أعد أستطيع أن أكمل حياتي معه (زوجها)، هو تزوج زوجة ثانية الآن. أما أنا فأعاني منذ كنت في الـ 40 من عمري، الآن عمري 53 ولا أشعر إن كنت حية أو ميتة. قال لي سآخذك إلى القبر أو إلى العصفورية، كل الوقت توتر وقهر، وافقت على كل الشروط، البيت هو سجله بإسمي وليس لسواد عيوني بل لأني تعبت معه وجاهدت في حياتي إلى جانبه، هو لديه أملاك كثيرة وأنا لا أملك إلا هذا المنزل الآن”.
كفى: المحاكم الشخصية بكفة، والجعفرية بكفة
هل قضية ناديا حالة خاصة يجب تقصي تفاصيلها لفهم موقف القاضي الشرعي، أم أن قصتها تمثل الحالة الشائعة لقضايا النساء في المحكمة الجعفرية. حملت المفكرة سؤالها إلى منظمة كفى عنف وإستغلال، التي يتابع فريق محامين لديها قضايا نساء في المحاكم الشخصية على إختلافها. تقول المحامية في “كفى” ليلى عواضة، أن “كل النساء يعانين أمام المحاكم الطائفية، فكل المحاكم تسمي المرأة ناشز وتتعامل معها من منطلق الطاعة، المشكلة الأساسية أنه لا يوجد مساواة بين المتقاضين أمام هذه المحاكم، أقصد بين الرجال من جهة والنساء من الجهة الثانية”. تضيف أن “معاناة النساء أمام المحاكم الطائفية على إختلافها في كفة، ومعاناتها أمام المحاكم الجعفرية في كفة ثانية”.
وفقاً لـ عواضة، المشكلة متشعبة بالنسبة للأحوال الشخصية لدى الطائفة الشيعية. وأساسها أنه لا يوجد نص قانوني موحد يطبق على المتقاضين أمام هذه المحاكم. واقع يتأثر بتعدد الإجتهادات، مقابل تطبيق إتجاه إجتهادي واحد هو الذي يتبعه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. تقول عواضة: “لا يوجد قانون أستند إليه كمحامية أمام هذه المحكمة، فقط دليل القضاء الجعفري، الذي وضعه الرئيس الأسبق للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وأصبح كأنه قانون”. عدم وجود قانون موحد لدى الطائفة االشيعية يعود إلى وجود خلاف حول المرجعية الدينية الواجبة الإتباع، حيث أن المنتمين إلى الطائفة يتبعون مرجعيات مختلفة. هذا الواقع ينتج تعددا على صعيد القضاء الشرعي نفسه، فبالإضافة إلى المحاكم الجعفرية، يوجد القضاء الشرعي الخاص بحزب الله، والقضاء الشرعي التابع لمكاتب السيد محمد فضل الله، وغيرها. هذه المحاكم تصدر قرارات بخلع الزوج أو الطلاق، لكن المشكلة تقع في حال رفضت المحكمة الجعفرية تنفيذ الحكم، فهي المرجعية الرسمية الوحيدة في الدولة.
لجهة القضايا التي تتابعها كفى أمام المحاكم الجعفرية، يتحدث المحامي ربيع الأمين من كفى، عما يشاهده في سياق توكله عن نساء في المحاكم الجعفرية. يقول الأمين أنه عند “تقديم دعوى طلاق أمام المحكمة الجعفرية، يتم تبليغ الزوج مراراً ولا يأتي، فيبقى القاضي ممتنعاً عن الحكم بينما في غيرها من المحاكم في حال تمنعه عن الحضور يحاكم غيابياً”. والحال أن “الطلاق في المحكمة الجعفرية إبتزاز للمرأة”. هذه المسألة تحديداً، تمنع حصول أي صلح. ذلك أنه في باقي المحاكم الطائفية، القاضي يحاكم الرجل في حال لم يحضر رغم تبليغه. لذا يلتزم الرجال لدى باقي الطوائف بالحضور أكثر وهذا الأمر يؤدي أحياناً إلى إصلاح الأمور بين الزوجين.
بالعودة إلى المحاكم الجعفرية “بعد تنازل المرأة عن كل حقوقها يقبل الزوج بتطليقها، أما القرار فيعنون على أنه طلاق خلعي”. وهنا تكمن المفارقة، فالخلع “يعني أن يتخذ القاضي قرار إنفصال الزوجين بعد أن تتنازل عن حقوقها”. أما الطلاق فيعني أن “يقرر الزوج تطليق زوجته”. كما يحصل على أرض الواقع، أنه “حتى تحت عنوان الخلع لا تحصل المرأة على الطلاق إلا بعد موافقة الزوج”. وينطبق هذا الأمر على الحالات التي تتمتع فيها المرأة بـ “وكالة لتطليق نفسها (أو ما يعرف بالعصمة)، حيث لا يصادق القاضي على الطلاق ويجعله نافذاً إلا في حال توفر شروط دقيقة جداً” وهو ما يخالف القصد من هذا الشرط في عقد الزواج – أي أن تملك المرأة قرار الإنفصال. ينتهي الأمين في هذا السياق للقول :”إذا لم تكن المرأة في حالة يرثى لها، أو شبه ميتة، أو لديها تقرير طبيب شرعي بتعطيلها شهرين أو ثلاثة، لا تستطيع لدى الطائفة الشيعية أن تنفصل عن زوجها ما لم يقبل هو ذلك”. من هنا الإستراتيجية التي تتبع “هي عدم الدخول في دعوى طلاق، إنما دعاوى نفقة، تكون هذه الدعاوى بابا للتفاوض، فيطرح عندها الزوج الطلاق مقابل أن تتنازل عن حقوقها”.
إذن، الحالة التي يمكن للمرأة نظرياً أن تنهي بها عقد زواجها هي اللجوء إلى المجلس الاسلامي الشيعي، أو مرجعية دينية أخرى، عبر طلاق الحاكم. المشكلة أن القرارات الصادرة عن المراجع الأخرى لا تحصل على الصيغة التنفيذية في المجلس الإسلامي حالياً. بالمقابل، في المجلس ما يحدث أنه يتم تطبيق إجراءات المحاكمة العادية، أي التبليغات ويطلب من الزوج أن يطلقها ويبقى مصير الزوجة معلقاً على إرادة الزوج، حتى في ظل السلطة الإستنسابية التي يملكها ممثل الحاكم الشرعي لدى المجلس الإسلامي، لا تحصل إمرأة على طلاقها من دون موافقة الزوج.
الجعفرية: هذه أحكام الطلاق
حملت المفكرة قضية ناديا والإنتقادات الموجهة لهذه المحكمة إلى رئيسها الشيخ محمد كنعان. الأخير أوضح في لقاء أول أن لا شأن للمحكمة الجعفرية بما يحصل على صعيد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لناحية قضية طلاق ناديا، وأن لا دعوى طلاق تخص السيدة المذكورة أمام المحكمة. وبما ان هذا الأمر لا ينفي الإنتقاد الأوسع، والذي عبّرت عنه كفى إنطلاقاً من متابعاتها، توجهت المفكرة بعدد من الأسئلة الخطية لكنعان، نزولاً عند طلبه. تمحورت هذه الأسئلة حول: “ماهية الطلاق الحاكم، المرجع المختص باصدار قراره، النصوص المطبقة لدى الجعفرية في قضايا الطلاق، أثر تعدد المرجعيات الدينية لدى الطائفة الشيعية على واقع المتقاضين لدى المحكمة الجعفرية، رأي الجعفرية بحق المرأة بتطليق نفسها، شروط تثبيت الطلاق الناتج عن وكالة المرأة بتطليق نفسها، الشروط المطلوبة بالمقابل لتثبيت تطليق رجل لزوجته”.
نزولاً عند رغبة كنعان أيضاً، تنقل المفكرة جوابه حرفياً[1]:
“طلاق الحاكم أحد أربعة أقسام للطلاق في الشريعة الإسلامية، هي الطلاق الرجعي والخلعي والمباراة وطلاق الحاكم، وهو (الأخير) الطلاق الذي تخرج فيه ولاية الطلاق من يد الزوج إلى يد الحاكم، بسبب نشوزه نتيجة تقصيره بالقيام بحقوق الزوجة الواجبة عليه، وله أسباب مقررة في الفقه كعدم الإنفاق وسوء العشرة والهجر ونحوها، أو بسبب فقد الزوج. ويحصل طلاق الحاكم ضمن اجراءات محددة تتوقف عليه صحته.
والمحكمة الشرعية الجعفرية هي المختصة حصراً بالنظر بقضايا الطلاق إثباتاً وإبطالاً بموجب المادة 17 من قانون المحاكم الشرعية (تحدد إختصاص المحاكم الشرعية).
وتصدر المحكمة الشرعية الجعفرية بموجب إختصاصها والصلاحية المعطاة لها الحكم بإيقاع طلاق الحاكم إذا قدم الطلب أمامها (أي انها تحكم به في حال التقدم بالدعوى أمامها من قبل الزوجة). كما تصدر الحكم بإثباته أو ابطاله إذا قدّم (من قبل الزوجة) أمام مرجعية أخرى وصدر عنها (مثلاً المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أو مكتب المرجعية السيد محمد حسين فضل الله أو المحاكم التابعة لحزب الله). ولا يحتاج عمل المحكمة الشرعية إلى التنسيق مع أي مرجعية خارجها لأن دورها متجه إلى النظر في الأسباب الموجبة للإجراءات الواجبة التي يتوقف عليها إيقاع الطلاق أو رفضه أو إبطاله، ولكن يتوجب على الجهة الموقعة للطلاق أن تفيد المحكمة عن الأسباب والإجراءات المصححة في حال طلبها أثناء النظر في إثبات الطلاق، ليبنى على الشيء مقتضاه (أي أن المحكمة الجعفرية تثبت الطلاق أو تبطله وتجعل قرار المرجعية الأخرى وكأنه لم يكن، بناءَ على هذه المعطيات).
وتجري المحاكمة في حال تخلف الزوج عن الحضور وفق الإجراءات المقررة في المادة 195[2] وما بعدها من قانون المحاكم الشرعية، مضافاً إلى مراعاة المقتضى الشرعي في إبلاغ بعض الإجراءات الواجبة كالتخيير والإنذار لتوقف إيقاع الطلاق عليها.
ويمكن في الفقه الجعفري إيقاع الزوجة طلاق نفسها بالوكالة عن زوجها وفقاً لما هو محدد في الوكالة (في حال تضمن عقد الزواج وكالة للزوجة أن تطلق نفسها وهو ما يعرف بالعصمة) لجهة الإطلاق أو الإشتراط في حالات معينة، ولا بد حينئذ من إثبات تحقق الشروط، كما لا بد من إثبات أصل الوكالة والحدود المعتبرة فيها، كما لا يمكن للزوجة الوكيلة توكيل الغير إذا صرح في الوكالة بذلك.
ويفهم من جواب كنعان أن قرار الطلاق هو بالأصل قرار يتصل بإرادة الزوج. وأن الشريعة أتاحت أبواباً، منها الطلاق الحاكم، لتخطي هذه الإرادة في حالات معينة. هذه الحالات تبقى معلقة على توافر شروط معينة، للقاضي سلطة إستنسابية بتقديرها. وقد يختلف لدى الطائفة الشيعية تقدير هذه الظروف، كل حسب المرجعية التي يلجأ لها، لكن في النهاية لا تنتج الطلاقات الحاصلة أمام هذه المرجعيات أي آثار قانونية تحرر المرأة من الرابطة الزوجية ما لم تعترف الجعفرية بها.
قضية ناديا لم تنتهِ بعد
عادت ناديا في آذار الفائت للتقدم بدعوى نفقة من جديد. مرّت 3 جلسات لم يحضر فيها الزوج، وحددت لها جلسة رابعة خلال الأشهر القادمة. أما زوجها، فقرر الآن، وهو متزوج من ثانية، أن يرفع ضدها دعوى “طاعة ومساكنة”. حضرت نادية الجلسة الأولى في منطقة صور، وعلمت عندها أن المفتي الجعفري في الجنوب، وفقاً لها، إختلى بزوجها وتوصلا إلى “الحل”. تقول ناديا أن موظفاً في المحكمة أبلغها فحواه: “تنازلي عن نصف الشقة، وإلا لن تحصلي على الطلاق وسيصدر بحقك حكم طاعة”. تنهي ناديا: “إما أن أرمى بالشارع، وإما أن أحصل على حريتي، هذا هو حلهم”.
[1] – العبارات الواردة ضمن قوسين هي توضيحات المفكرة لمضمون كتاب كنعان.
[2] – اذا تخلف المدعى عليه عن الحضور وكان لم يقدم جوابا فعلى المحكمة ان تدعوه للمرة الثانية وتمنحه مهلة عشرة ايام لتقديم لائحة جوابية. وللمدعي حق الرد عليها في مهلة مماثلة.
وللمحكمة في حال استمرار تخلف المدعى عليه ان تقضي بمطالب المدعي ما لم تظهر انها غير صحيحة.
“