ضجت نقابة المحامين في بيروت الأسبوع الفائت، بخبر الإعتداء على أربعة محامين خلال تمثيلهم موكليهم في إجتماع لجنة مالكي احدى المباني. وقد عقد النقيب انطونيو الهاشم مؤتمراً صحافياً ألقى فيه خطاباً حماسياً، يعلن فيه أن النقابة لن تتسامح مع التعدي على كرامة المحامين ولن تكون شاهد زور على سقوط الدولة.يومها تحدث القاضي عن "وحش" يهدد الدولة، وهو "وحش التفلّت الأمني".
قرار النقابة بحجب إذن الملاحقة
قبل أيام معدودة من هذه الحادثة، كان مجلس نقابة المحامين يحجب إذن الإستماع للمحاميين وسيم شعر وماغي وزني، رغم ظهورهما في تسجيلات وهما يعرضان على المواطن (س)التدخل لصالحه لدى القاضي بلال وزنة (وهو عمّ المحامية وزني) لحفظ ملفه مقابل مبلغ طائل من المال قدره مائة وخمسين ألف دولاراً أميركياً. وكان من اللافت أخذ قرار مماثل رغم خطورة هذا التصرف الذي ثمة مؤشرات عدة على أنه يشكل سمسرة قضائية غير مشروعة، وبلغة قانون العقوبات صرف نفوذ، تهويلا، التماس رشوة أو إحتيالا علاوة على أنه إهانة للقضاء الذي تم تظهيره وكأنه بازار للبيع والشراء. من زاوية أي محام نزيه، تصرف كهذا هو منافسة غير مشروعة: فمن يوكّل محامياً نزيهاً إذا كان بإمكان محامين آخرين ضمان نتيجة المحاكمة؟ وهو بالتأكيد إعتداء على مهنتي المحاماة والقضاء حيث تصبح وسائل الإقناع هي الرشى وصرف النفوذ وليس تقديم الأدلة والقانون. وهو من هذه الزاوية، إعتداء لا يقلّ وحشية عن ضرب المحامين الأربعة، ويشي بسقوط مهنة المحاماة والدولة، والذي لا يمكن أن نبقى شهود زور إزاءه. لكن ورغم ذلك، وإن وافق مجلس النقابة على إحالتهما إلى المجلس التأديبي، فهو بالمقابل وجد حججا لحجب الإذن عن ملاحقتهما جزائيا. وتبريراً لهذا القرار، صرح مفوض قصر العدل ناضر كسبار للمفكرة أنه يجب "عدم الإستخفاف بالمجلس التأديبي" وأن للنائب العام الإستئنافي القاضي زياد أبو حيدر أن يستأنف قرار النقابة إذا وجده غير ملائم.
وقد نما إلى المفكرة أنه أثناء المداولات، إنبرى إثنان من أعضاء مجلس النقابة على الدفاع عن هذين المحاميين المشتبه بهما بحماس شديد. وتشير المصادر الى أن المدافعين كانا هما نفسهما المحققين اللذين أنيطا بهما مهمة الإستماع إليهما والتحقيق في القضية. كما نقلت قناة الجديد في أخبار 11-2-2016 أن ثمة علاقة شخصية مميزة بين المحاميين (المشتبه بهما) وأحد المحققين من أعضاء مجلس النقابة.
ويظهر من حيثيات القرار أنه استند إلى أقوال المحاميين بالدرجة الأولى، في موازاة إهمال مجمل ما عرضه تلفزيون الجديد من مشاهد تتناقض تماماً معها: فالمحامي شعر زعم أن التطرق لموضوع الشكوى بحق المتقاضي (س) كان محض صدفة، ولم يكن على علم بتفاصيلها من قبل. وهذا ما يتناقض تماما مع فحوى التسجيلات، من تأكيدات أطلقها شعر عن وجود تدخل يومي من قبل المديرة العامة لوزارة العدل في ملف (س). بالمقابل، يظهر من الحيثيات أيضاً أن المحامية وزنة قد نفت خلال التحقيقات معها في النقابة أن يكون للقاضي وزنة أي علاقة بالموضوع، وانها طلبت وكالة قانونية ودفع الأتعاب بشيك وأنها قالت للمدعي "ما خصك بالرئيس بلال هيدي أتعاب الي ما بقى تجيب سيرتو". وهذا ما يتعارض مع مجمل ما ورد من مشاهد تظهر تأكيد المحاميين على صلتهما الوثيقة بهذا القاضي الذي يفعل ما يريدانه. وبمراجعة قرار النقابة، لا نجد أي إشارة إلى التسجيلات أو مقارنة فيما بينها وبين أقوال المحاميين على الرغم من فداحة هذه التناقضات. فكأنما الرواية الوحيدة الموثوقة هي ما يدلي به هذان المحاميان، على نحو يتعارض مع ألف باء التحقيقات الجدية والشفافة.
واللافت أن النقابة أسندت قرارها أيضا إلى تقدم القاضي وزنة بشكوى بحق المحاميين، معتبرة أن تقديم الشكوى يمنع القول بوجود رشوة أو صرف نفوذ. وإذ نقلت مصادر النقابة سابقاً أن التفتيش القضائي قد أنهى تحقيقاته مع القاضي وزنة وثبتت براءته، فإنه لم يكن بالإمكان التثبت من هذا الخبر.
وعليه، انتهى مجلس النقابة إلى حجب الإذن عن ملاحقة المحاميين بحجة أن التصرف المشكو منه تمّ في معرض ممارستهما لمهنة المحاماة.
النيابة العامة تستأنف قرار النقابة
علمت المفكرة أن النائب العام الاستئنافي زياد أبو حيدر بادر الى إستئناف قرار النقابة، أمام محكمة الإستئناف المدنية في بيروت الناظرة في القضايا النقابية. واللافت أن القاضي أبو حيدر ذكّر في استئنافه نقابة المحامين بالمادة الأولى من تنظيم مهنة المحاماة، لجهة أنها مهنة تهدف الى تحقيق رسالة العدالة بابداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق، ليشير من ثم إلى أن فعل المحاميين شعر ووزنة لا يهدف الى تحقيق رسالة العدالة والى الدفاع عن الحقوق بل استغلال وصرف نفوذ والتماس أجر غير واجب. بالمقابل، يلحظ أن القاضي وزنة لم يستأنف قرار النقابة حتى اللحظة.
ويشار هنا الى أن هيئة محكمة الإستئناف التي ستنظر في القضايا النقابية ومنها هذا الإستئناف تتألف من 3 قضاة ومحاميين عضوين في مجلس نقابة المحامين. وإذ تحيّي المفكرة مبادرة النائب العام الاستئنافي باستئناف قرار النقابة، فلا يسعها بالمقابل إلا الإعراب عن تخوفها إزاء حيادية محكمة تضم عضوين هما بمثابة الخصم والحكم، على اعتبار أنهما شاركا في صنع القرار المطعون فيه. وهي تدعو في الوقت نفسه النقابة إلى الرجوع عن قرارها الخاطئ بحجب الإذن، فيتسنى للرأي العام أن يعلم كامل الحقيقة في هذه القضية بالغة الخطورة.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.