خلال السنوات الخمس الفارطة، كان ملف الطاقة والثروات الطبيعية عنوانا لأهم التحركات الاحتجاجية وأعنفها. أول هذه التحركات حملة “وينو البترول” في 2015، والاحتجاجات العنيفة التي شهدتها منطقتا دوز والفوار في ولاية قبلي خلال نفس السنة، مرورا بمواجهات جزيرة قرقنة التي تسببت في إيقاف الإنتاج في الشركة النفطية بتروفاك في سنة 2016، وصولا إلى اعتصام الكامور في أقصى الجنوب التونسي سنة 2017 انتهاء إلى عشرات الاعتصامات في الحوض المنجمي. ويذكر أن أحد هذه الاعتصامات (الكامور) انتهى بوفاة أحد المحتجين وتكليف الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الجيش بحماية المنشآت النفطية في المنطقة. وضعت هذه التحركات الاحتجاجية حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد في مآزق صعبة وهي ترفع شعار إعادة النظر في عقود استغلال الثروات الطبيعية وآليات توزيع عائداتها ومراجعة المنوال التنموي والنمط الاستخراجي ككل. في المقابل، غذّى الارتباك الحكومي في التعاطي مع هذا الملف وردود الأفعال المتشنجة والعنيفة من قبل السلطات السياسية والأمنية، اعتقادا عامّا بأن ثمّة جانبا مظلما في هذه القضية، تحاول الدولة التكتم حوله خصوصا بعد نشر هيئة الحقيقة والكرامة في مارس 2018، عددا من الوثائق والمستندات التاريخيّة حول الاتفاقيات والتشريعات التي تمّ إمضاؤها قبل الاستقلال مع المحتل الفرنسي حول استغلال الثروات الباطنيّة التونسيّة. هذا الملف الشائك، تحول إلى قشة النجاة والخلاص المنشود في أذهان طيف من التونسيين، في ظل تعاظم الأزمة الاقتصادية وتدهور الوضع الاجتماعي وغياب أي طرح حكومي يبشّر بالانفراج. مناخ التقطته عدد من القوى السياسية التي جعلت من إعادة الثروات الطبيعية التونسية للتونسيين شعارها وعنوان حملاتها الانتخابية، ولتنجح بفضل هذه القضية في أن تجد مكانا لها في المشهد السياسي.
وسط زحمة الفرضيات، تحاور “المفكرة” المحامي والخبير المختص في العقود النفطية آدم مقراني حول التوظيف السياسي لقضية الثروات الطبيعية، والتعاطي الحكومي مع هذا الملف وقضية الأمن الطاقي.
المفكرة: كان ملف الطاقة خلال السنوات الخمس الفارطة أحد العناوين الكبرى للسجالات والتجاذبات السياسية، وقادحا للعديد من التحركات الاحتجاجية، فكيف يمكن أن نفكك خصوصية هذه التحركات وماهي قراءتك للتعاطي الحكومي إزاءها؟
آدم مقراني: تونس لم تكن استثناءً على مستوى الاحتجاجات المرتبطة بقطاع الطاقة والثروات الطبيعية. فقد عرفت دول عدّة في حقب ما بعد الاستقلال أو انهيار الديكتاتوريات وخلال فترات الانتقال الديمقراطي احتجاجات كبيرة غالبا ما تترافق مع نقاط استفهام عديدة حول عقود الاستغلال ومآل العائدات وتوزيعها. وهو ما يمكن أن نطلق عليه تسمية “لعنة الثروات”. ويعود ذلك بالأساس إلى حالة التعتيم التي تفرضها الأنظمة الشمولية حول هذا الملف وهو ما مارسه نظاما بورقيبة وبن علي. كما ترتبط المسألة بالتنمية والعدالة الجهوية. ففي تونس تتركز معظم الحقول النفطية ومناجم الفسفاط في الجنوب الشرقي والغربي أو جهة الوطن القبلي. ولكن في المقابل، تعاني تلك الجهات من اختلال تنموي رهيب لا يتناسب مع ما تحتويه تلك المناطق من ثروات، لتثير بين الأهالي حالة من النقمة والإحساس بالظلم. طبعا في عهود الأنظمة السابقة، تم تكميم الأفواه المحتجة وقمع الاحتجاجات على غرار ما حدث في الحوض المنجمي في سنة 2008، ولكن الانفتاح السياسي بعد سنة 2011، فتح الباب للتعبير عن حالة الغضب التي يعيشها سكان المناطق الثرية بالثروات الطبيعية والتي تمظهرت في شكل احتجاجات كبيرة وعنيفة أحيانا. ولكن في الجهة المقابلة، نجد أن جلّ الحكومات التونسية منذ سنة 2011 لم تملك استراتيجية اتصالية واضحة للتعامل مع الموجات الاحتجاجية وهو ما نتج عنه مراكمة المزيد من المشاكل. ولعل أبرز مثال هنا هي احتجاجات الكامور في سنة 2017، حيث قامت الدولة بتقديم التزامات كانت غير قادرة على الإيفاء بها مما أدى في بداية هذه السنة إلى تجدّد الاضطرابات والاعتصامات في المنطقة. وبالتالي، الإشكالية عموما هي أن مختلف الحكومات التونسية بعد سنة 2011، لم تملك الشجاعة اللازمة لمصارحة المواطنين بحقيقة الوضع أو لأخذ قرارات جذرية وجريئة في علاقة بملف الطاقة في تونس.
المفكرة: أشرت إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تملك الشجاعة الكافية لمصارحة الشعب، فما هي حقيقة الوضع الذي يحيط بهذا الملف؟
مقراني: الإشكال الأساسي في قطاع الطاقة في العالم بأسره هو أنه قطاع معقّد جدا من الناحية التقنية، ومختلف الوزارات الموجودة في تونس وخاصة وزارة الطاقة لم تضع استراتيجية اتصالية ناجحة قادرة على شرح الوضع الحقيقي في هذا القطاع للمواطنين وإنهاء الجدل بخصوصه. فوزارة الطاقة التي تداول عليها عشرة وزراء منذ سنة 2011 حتى اليوم، فشلت في التوضيح للرأي العام بأن تونس ليست دولة نفطية وأن البلاد ذات إمكانيات نفطية محدودة للغاية. صحيحٌ أن تونس تتوسّط بلدين يملكان ثروات طبيعية هامة وهما الجزائر وليبيا، ولكن الطبيعة لم تكرمنا بالاحتياطي النفطي الذي نتخيّله. يجب على السلطة اليوم مصارحة المواطن التونسي أن تونس التي كانت تنتج 80 ألف برميل نفط يوميا في 2011 والتي كانت بدورها لا تفي بحاجاتنا الاستهلاكية التي تعادل 100 ألف برميل يوميا، تقلصت طاقتها الإنتاجية إلى 40 ألف برميل يوميا بسبب الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي نفّرت المستثمرين الأجانب في قطاع الطاقة، ودفعت الشركات النفطية الكبيرة إلى مغادرة السوق التونسية. وبالتالي نجد أنفسنا مضطرين إلى التعامل مع شركات صغيرة لا تملك الموارد التكنولوجية الكافية، في حين أن تونس بأمس الحاجة اليوم إلى تطوير البحث والاستكشاف الطاقي.
المفكرة: عدا نقطتي الأداء الاتصالي السيء للحكومة ومحدودية الثروات، هل يمكن تأكيد ما يروج من استشراء الفساد في ملف الطاقة؟
مقراني: لا يمكنني نفي أو جزم وجود فساد. لكن بإمكاني لفت النظر إلى بعض الأمور. عندما توسّعت الاحتجاجات ذات العلاقة بهذا الملف وسادت حالة من التشنّج وتواترت الاتهامات بالفساد في قطاع النفط، طلبنا نحن كنشطاء ومهتمين وباحثين في هذا القطاع أن يتم نشر العقود النفطية. وهو ما تم سنة 2016، بعد تلكؤ حكومي غير مبرر. كما طالبنا بأن تنضم تونس إلى المبادرة العالمية لشفافية الصناعة الاستخراجية منذ عهد وزير الطاقة الأسبق عبد الرحمان الأدغم سنة 2011. ورغم أنه وعد بذلك حينها، إلا أننا ما زلنا نتحرك بخطوات بطيئة.
من البديهي أن يشمل الفساد قطاع الطاقة كما هي الحال في جميع القطاعات الأخرى في البلاد. ولكن هل هو بالشكل المهول الذي يروج له البعض، على غرار وجود شركات تستغل ثرواتنا بشكل تعسفي وبعيدا عن رقابة الدولة؟ هذا غير موجود قطعا. هل الدولة التونسية تحسن التفاوض مع المستثمرين في علاقة بثرواتها الباطنية؟ المعلوم أن التونسيين على المستوى الإقليمي يجيدون التفاوض في علاقة بثرواتهم الطبيعية كما أن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية باعتبارها المشغل العمومي الأول في قطاع المحروقات عادة ما تحتفظ لنفسها بنسبة تتجاوز 50% من عائدات استغلال الحقول النفطية مع الشركات المتعاقدة.
لا يمكن تاليا إنكار وجود ممارسات ترتقي إلى شبهة الفساد، خاصة أن تقرير دائرة المحاسبات عدد 27 يشير إلى سوء استغلال وسوء تصرف في هذا القطاع. ولكن الاتهامات المتداولة من قبيل أن الدولة التونسية لا تبسط سيطرتها على ثرواتها هي منافية للحقيقة. وهو ما يعيدنا إلى نقطة البداية وهي أن الحكومة غير قادرة اليوم على إيصال المعلومة بشكل واضح وبإجابات محدّدة وحاسمة، بسبب الحسابات السياسية للمسؤولين وهروب السياسيين من مواجهة الرأي العام وتحمل تبعات الصراحة.
المفكرة: ردود أفعال الحكومة تجاه القضايا المتعلقة بقطاع الطاقة كانت متشنجة وأحيانا ارتجالية. نذكر هنا قضية حلّ وزارة الطاقة والمناجم في إثر ما عُرف بقضية استغلال النفط دون ترخيص في حقل حلق المنزل سنة 2018. وحتى هذه اللحظة لا وجود لوزارة تُعنى بقطاع طاقة ومناجم، فما هي ارتدادات مثل هذه القرارات؟
مقراني: للأسف معظم النقاشات تتركز اليوم حول المحاصصات في الحكومة المقبلة دون أن يتم التطرق إلى قضية الأمن الطاقي الذي يرتبط مباشرة بأمننا القومي خصوصا وأن إنتاجنا الطاقي انخفض بنسبة 55% تقريبا خلال عقد من الزمن. أما قرار إلغاء وزارة الطاقة فقد كان في إطار استعراض شعبوي لحكومة الشاهد. فكيف يتم اتهام وزارة الطاقة والمشرفين عليها بالفساد في حين تمت الموافقة على التمديد في رخصة حقل حلق المنزل وفق محاضر رسمية تم نشرها باللجنة الاستشارية للمحروقات وبموافقة رئاسة الحكومة التونسية آنذاك؟ إذن القضية تتعلق بتناقض صلب رئاسة الحكومة التونسية واختلاف في تأويل النص القانوني عالجه الشاهد بإلغاء وجود وزارة الطاقة بأسرها.
اليوم نجد أنفسنا أمام استحقاقات عاجلة على غرار ضرورة تنويع الشركاء في قطاع الغاز الطبيعي. فنحن ما زلنا مرتبطين بالجزائر كمصدر وحيد لوارداتنا من الغاز الطبيعي. كما أننا يجب أن نجد حلا لمشكلة ارتفاع تكلفة إنتاج الكهرباء الذي يعتمد بنسبة 97% على الغاز الطبيعي، في حين أن وزارة الطاقة وضعت خطة لتوسيع اعتمادنا على الطاقات المتجددة بنسبة 30% في حدود سنة 2030 لإنتاج الكهرباء بتكلفة أرخص. ما يزال يفصلنا عقد من الزمن لا غير ولم تتجاوز نسبة اعتمادنا على الطاقات المتجددة 3%. ولا يمكن أن نصل إلى الهدف المرسوم في ظل غياب الوزارة المعنية بالإشراف على عملية الانتقال الطاقي.
المفكرة: ماذا تحقق خلال السنوات الخمس الماضية على مستوى تعزيز الأمن الطاقي؟
مقراني: على المستوى النظري، تم سن القانون الخاص بدعم إنتاج الطاقات المتجددة في سنة 2015 ليتم لاحقا إصدار الأوامر التطبيقية المتعلقة بهذا القانون في سنة 2017، إضافة إلى فتح طلب عروض بخصوص توليد الكهرباء من الهواء كآلية لتعزيز الأمن الطاقي والاعتماد أكثر على الطاقات البديلة.
لكن الانتقال من التشريعات إلى التطبيق العملي يتم بشكل بطيء. وفي نفس الوقت، يتراجع عدد رخص الاستكشاف والبحث بشكل حاد بسبب عجز الدولة عن التسويق لحقولها من النفط والغاز أو جذب المستثمرين للتنقيب. أما عن المشاريع التي يُعلن عنها اليوم على غرار حقل نوارة الذي دخل مرحلة الإنتاج منذ مدة قصيرة، فقد بدأ العمل عليه منذ 15 سنة. فدخول حقول النفط أو الغاز حيّز التشغيل يتطلب وقتا طويلا قد يتجاوز عقدا من الزمن انطلاقا من التنقيب إلى الحفر وصولا إلى مرحلة الاستغلال. ما أردت توضيحه هو أننا نعتمد على مشاريع قديمة تعود إلى حقبة ما قبل سنة 2011، ولم نطوّر رؤية جديدة لقطاع الطاقة في تونس في سبيل ضمان أمننا الطاقي. الإشكال الحقيقي لا يتعلّق بمجلة المحروقات أو النصوص القانونية، بل في شحّة الموارد مما يفرض علينا الانفتاح على موارد جديدة على غرار الطاقات البديلة أو الغاز الصخري الذي لم نحسم أمرنا فيه بعد نظرا لانعكاساته البيئية. لكن لا مهرب من طرح الموضوع على الرأي العام ووضع الخيارات كلها على طاولة النقاش. وإذا كان لا مهرب من التوجه إلى استخراج الغاز الصخري فلا بدّ أن نتفق على نوعية القانون المنظم والتمعن في دراسة تأثيراته على البيئة والتنمية المستدامة.
المفكرة: ملف الطاقة والثروات الطبيعية كان حاضرا بقوة في الحملات الانتخابية الأخيرة واستطاع أن يمنح قوى سياسية جديدة بحضور معتبر في قبة البرلمان على غرار ائتلاف الكرامة. كيف تم استغلال توظيف هذا الملف في الشأن السياسي وما هي مخاطر زج هذا القطاع الحساس في اللعبة السياسية؟
مقراني: هناك ترابط وثيق بين السياسة والطاقة، لكن يجب أن نتحلى بالعقلانية والموضوعية. راقبت جيدا تعاطي مختلف الأطراف المتنافسة في الانتخابات التشريعية مع هذا الملف. هناك بعض الأحزاب التي تعاملت مع قضية الثروات الطبيعية بشكل متّزن عبر عقد ندوات علمية واستضافة مختصين في المجال ومحاولة التفكير في آفاق وتحديات الوضع الطاقي في تونس. ولكن للأسف، هذا الخطاب لا يكون عادة مغريا بالنسبة للشارع وللرأي العام، لأن المواطن ينجذب أكثر إلى الخطاب البسيط القريب من مشاعره وليس إلى الخطاب الواقعي والعلمي الذي يفنّد الروايات القائلة بأن تونس تطفو على بحر من النفط، أو يحرم الناس من أن تحلم بالحل السحري لمشاكلها الاقتصادية المدفون تحت أقدامهم.
على الضفة المقابلة، كانت هناك أطراف سياسية جاءت من دون برامج انتخابية واضحة، واستغلّت الغموض الذي يكتنف ملف الطاقة والتعاطي الحكومي الكارثي على المستوى الاتصالي وتنامي الاحتجاجات التي لم تجد الإجابات الشافية لتساؤلاتها، لتشرع بتغذية سردية القوى الدولية التي تنهب مخزوننا من الغاز والنفط، وتعتيم الدولة على المخزونات الهائلة من الثروات الباطنية، وتستغل مناخ اليأس والوضع الاقتصادي الصعب لتقدم وعودا بالرخاء بعد انتخابها لأنها ستعيد للشعب ثرواته المنهوبة. اليوم مرّت أكثر من 4 أشهر تقريبا على وجود هؤلاء تحت قبة مجلس نواب الشعب، ولم يطرحوا هذه المسألة حتى الآن، بل وتهربوا من رئاسة لجنة الطاقة[1].
إن استغلال هذا الملف في التجاذبات السياسية أو تسخيره لخدمة أهداف آنية وضيقة أمر في غاية الخطورة، ونتائجه السلبية ستمتد لأجيال قادمة. وأهم مثال على ما أقول هو قطاع الفسفاط. فإلى حدود سنة 2010، كانت شركة فسفاط قفصة تدر على الدولة التونسية ربحا صافيا بقيمة 1000 مليون دينار سنويا وهو ما يساوي أكثر من أي قسط قرض منحه إيانا صندوق النقد الدولي. أما اليوم فقد باتت على أبواب الإفلاس بسبب سوء الحوكمة. وقد تم تصنيفها كأسوأ مؤسسة في مجال الحوكمة على المستوى الإقليمي والوطني وذلك في علاقة بالتصرف في شركات البيئة والبطالة المقنعة. فقد تمّ تسخير هذه الشركة بعد سنة 2011 لامتصاص حالة الغضب الشعبي وإغراقها بالانتدابات العشوائية التي فاقت طاقة استيعابها أو حاجياتها. إذن، وللحفاظ على استقرار سياسي ظرفي لصالح مختلف الحكومات المتعاقبة، تمّ ضرب إحدى أهم الشركات الوطنية ودفعها إلى حافة الإفلاس.
بقدر ما يتم تسييس هذا القطاع، ستكون النتائج كارثية على مستوى الاستثمار. فالشركات الأجنبية تنفر من مثل هذه المناخات وترفض العمل في بيئة غير آمنة وغير مستقرة أو أن تخضع لتقلبات الصراع السياسي. كما يجب على السياسيين أن يستوعبوا أن تونس ليست الكونغو أو ليبيا أو الجزائر أو نيجيريا، وإمكانياتنا النفطية محدودة للغاية. وأن كل فرصة تلوح لتعزيز إنتاجنا هي خطوة نحو تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية، ولا ينبغي هدرها بفعل حسابات ضيقة. فالقيمة المضافة لقطاع الطاقة لا توازيها أي قطاعات أخرى ما عدا قطاع التكنولوجيات الحديثة. فحقل نوارة عندما يصل إلى مرحلة الاستغلال الكامل سيحقق نقطة نمو إضافية، وهو ما عجزت الحكومات عن تحقيقه طيلة عقد من الزمن رغم ترسانة القوانين وبرامج الإصلاح الاقتصادية وندوات الاستثمار. كما أنه سيحد نسبيا من حجم العجز الناجم عن تراجع الإنتاج.
إن قضية الأمن الطاقي تبدو في آخر سلم أولويات السياسيين، في حين أنها مسألة حيوية لمستقبل البلاد واستمرارية الدولة. وإذا ما تواصل تقهقر هذا القطاع وتفاقم العجز فسنجد أنفسنا في تبعية تامة للخارج في علاقة بالاستيراد أو الأسعار التفاضلية للمحروقات، خاصة أننا نستورد حاجياتنا من المحروقات بالعملة الصعبة. وخبرنا جيدا خلال أزمات دولية سابقة في قطاع النفط، كيف أن ارتفاع سعر البرميل بدولار واحد، كفيل بقلب موازناتنا العمومية رأسا على عقب. والمفتاح الحقيقي لضمان أمننا الطاقي وتحسين مردودية مواردنا المحدودة هو الاستقرار السياسي. ففي قطاع النفط وفي كل دراسات الجدوى، يكون الأمن الشرط الأول والأهم.