في خطوة تصعيدية جديدة تنال من حرية الإعلام وتزيد الخناق على مساحات حرية الرأي والتعبير، حجبت السلطات المصرية يوم الثلاثاء 5/9/2017 موقع أرشيف الانترنت، دون إبداء أي أسباب حول ذلك. ثم تبعته يوم 7/9/2017 بحجب موقع منظمة هيومن رايتس ووتش، وذلك على خلفية قيام المنظمة بنشر تقرير عن حالات تعذيب موثقة في مصر. ليتجاوز عدد المواقع المحجوبة بذلك حاجز 420 موقع[1] بالفترة من مايو وحتى الآن. فقد بدأت السلطات المصرية في 24 مايو 2017 بحجب 21 موقع الكتروني بزعم أنها "تقدم محتوى يدعم الإرهاب والتطرف ويتعمد نشر الأكاذيب"[2].
يأتي حجب هذا العدد الكبير والذي يزيد بشكل شبه يومي زيادة مضطردة، في إطار العديد من الممارسات السلطوية التي تنال من المساحة المتاحة لممارسة الحق في التعبير، وحرية الاعلام حيث اعتمدت السلطات المصرية علي حجب المواقع الالكترونية، ومصادرة أعداد الصحف التي لا تلتزم بالسياسة التحريرية المفروضة من الرقيب، وتسعى كذلك للسيطرة على كافة وسائل الاعلام. وهذا ما سنحاول الإشارة إليه وتوضيحه في السطور القادمة.
ما هو موقع أرشيف الانترنت؟
أرشيف الانترنت هو مؤسسة غير ربحية تأسست عام 1996، تهتم بتوفير وصول الجميع إلى المعرفة. وبدأت المؤسسة عملها من خلال أرشفة الإنترنت نفسه. وخلال أكثر من 20 عاما نما الأرشيف ليحتوي اليوم على279 مليار صفحة ويب، و11 مليون كتاب، و4 مليون تسجيل صوتي، و3 مليون مقطع فيديو، ومليون صورة وأكثر من 100 ألف برنامج، ويمكن لأي شخص لديه حساب مجاني تحميل الوسائط إلى أرشيف الإنترنت.
كما يحتوي الموقع على أرشيف الكتروني للكتب بدأ العمل في 2005، يقوم الموقع الآن بمسح ضوئي لـ 1000 كتاب يومي في 28 موقعا في جميع أنحاء العالم. ويتيح كافة الكتب الممسوحة والتي نشرت قبل عام 1923 للتحميل المجاني على أجهزة الكومبيوتر المختلفة. [3]
من المفارقات، أن أرشيف الانترنت يوجد منه نسختان اثنتان فقط في العالم أحدهما موجودة في مكتبة الإسكندرية بمصر. ففي عام 2002 وقع أرشيف الإنترنت اتفاقية مع مكتبة الإسكندرية، بموجبها تحوي المكتبة نسخة احتياطية من الأرشيف، ويتم صنع موقعين متماثلين لأرشيف الإنترنت. ونصت الاتفاقية على أن يهدي أرشيف الإنترنت الأصلي لمكتبة الإسكندرية الجيل الأول من الأجهزة التي تعمل على أرشفة المواقع الإلكترونية عام 2002، بما في ذلك نسخة من أرشيف الإنترنت الذي امتد من 1996 إلى 2001 في ذلك الوقت.[4]
أي ان الحكومة المصرية حجبت الأرشيف العالمي للأنترنت عن المستخدمين المصريين في حين أنها مخولة بالحفاظ على نسخه احتياطيه من بين نسختين فقط على مستوى العالم. ويأتي حجب موقع أرشيف الانترنت ليرد على الرواية الرسمية والتي زعمت أن حجب المواقع الإلكترونية يتم بسبب تقديمها لمحتوى يدعم الإرهاب. فما الذي يمكن أن يقدمه الأرشيف سوى هدف السلطة في منع أي من الآراء المخالفة لها للوصول إلى الرأي العام المصري؟
الحجب للجميع
لم يتوقف حجب المواقع الالكترونية على حجب عشرات المواقع الصحفية فقط، بل امتد ليشمل مواقع بعض المنظمات الحقوقية المحلية والدولية منها: كالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، منظمة سيناء لحقوق الانسان، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان، ومنظمة الهيومن رايتس ووتش، وعددا من المواقع الناطقة باسم بعض الحركات السياسية، منها: موقع حركة 6 ابريل، بوابة الاشتراكي، بوابة الحرية والعدالة، وكذلك العديد من مواقع بعض القنوات التلفزيونية، موقع قناة الجزيرة، موقع قناة الشرق، موقع تلفزيون العربي، بالإضافة لعشرات مواقع ال VPN التي تتيح تجاوز الحجب.
مصادرة الصحف … وزير الداخلية خط أحمر
للمرة الثالثة خلال أقل من خمسة أشهر، يتم مصادرة عدد من جريدة البوابة حيث امتنعت مطابع الأهرام عن طباعه عدد الجريدة الذي كان مقررا صدوره يوم 3/9/2017، " متعللين بأن "جهات معينة"، طالبت بحذف تقرير صحفي منشور بالصفحة الأولى يتعلق بطول فترة هروب وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، في إطار المتابعة الصحفية لطلب إحاطة مقدم من نائب بالبرلمان لوزير الداخلية مجدي عبد الغفار، حول عدم قدرة الأجهزة الأمنية على إلقاء القبض على الوزير الهارب وتقديمه للعدالة، وهو ما رفضته إدارة التحرير." [5]
رغما عن أن هذه هي المرة الثالثة لمصادرة جريدة البوابة إلا ان السبب واحد وهو توجيه الجريدة انتقادا لوزير الداخلية. ففي شهر أبريل الماضي صُدر عددا يومي الإثنين والثلاثاء 10 و11 ابريل لجريدة البوابة لمؤسسها ورئيس تحريرها عبد الرحيم علي، لأن تغطية الجريدة لتفجيري كنيستي مار جرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية لم تتوافق مع توجه النظام، حيث أشارت الجريدة لوزير الداخلية، مجدي عبد الغفار، متهمة إياه بالتقصير في حماية الكنيستين. وطالبت الجريدة في عدد الإثنين المصادر محاسبة وزير الداخلية على ما أسمته تقصيراً قائلة "حاسبوه قبل أن تحاسبوا". وقالت الجريدة في بيان لها: "ومن هذا المنطلق كان موقفنا تجاه ما حدث اليوم من تفجير لكنيستي مارجرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية، أعلنا صراحة، وهذا رأينا، أن هناك تقصيرًا أمنيًّا كبيرًا يستوجب محاسبة المُقصِّرين، وتغيير الاستراتيجية الأمنية المُتَّبعة حاليًا في مواجهة الإرهاب»"
وصُدر عدد الجريدة للمرة الثانية اليوم الثلاثاء، حيث أصرت الجريدة على توجيه اللوم لعبد الغفار، بعد أن نشرت الجريدة صورة كبيرة له، محملة إياه مسؤولية التقصير بسبب موقعه كوزير على رأس منظومة الأمن، وبجوار صورة عبد الغفار، نشرت الجريدة مقالاً طويلًا بقلم على تحت عنوان «رسالة مفتوحة للسيد الرئيس».
السيطرة على المؤسسات الإعلامية
لم تتوقف إجراءات النظام الحالي على إحكام الخناق على الصحف وتضيق هامش الحرية المسموح لها ولكنها سعت أيضا إلى السيطرة على وسائل الاعلام بشكل شبه كامل، ما دفع منظمة مراسلون بلا حدود إلى اصدار تقرير بعنوان "مصر: حينما تبسط المخابرات سيطرتها على الإعلام"[6] أعربت فيه عن قلقها مما أسمته سيطرة رجال أعمال مقربين من الحكومة وأجهزة المخابرات على عدد من المؤسسات الإعلامية المصرية.
وأشارت المنظمة في تقريرها إلى استحواذ عدد من رجال الأعمال المعروفين بصلاتهم بالأجهزة الأمنية على عدد من الوسائل الإعلامية، موضحة بالوقت ذاته أن استحواذ السلطات المصرية على المشهد الإعلامي متواصل بشكل مطرد بل ويطال حتى وسائل الإعلام المقربة من النظام.
وطبقا للتقرير، يوجد أنباء عن استحواذ شركة فالكون "المتخصصة في الخدمات الأمنية والتي يرأسها وكيل المخابرات السابق والمدير السابق لقطاع الأمن في اتحاد الإذاعة والتليفزيون اللواء خالد شريف، على قناة الحياة المملوكة لرجل الأعمال ورئيس حزب الوفد السيد البدوي. وربطت المنظمة بين صفقة الاستحواذ على قناة الحياة وبين توقف بث برامج القناة في وقت سابق بسبب مديونيات للحكومة، ما رأته «مراسلون بلا حدود» نوعًا من الضغط على «البدوي»، الذي رفض نواب حزبه الموافقة على اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير في الأشهر الماضية.
كما أشار التقرير إلى استحواذ رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، المعروف بعلاقاته مع أجهزة الأمن المصرية، على قناة أون تي في، بالإضافة إلى ملكيته لأربع مؤسسات صحفية مصرية على رأسها اليوم السابع وصوت الأمة وعين وموقع دوت مصر.
كما أشار التقرير إلى قناة DMC التي وصفها بـ «صوت المخابرات» حيث "تحصل من السلطات الأمنية على تصاريح التصوير في أماكن وأحداث، فيما تُواجَه طلبات وسائل الإعلام الخاصة الأخرى بالرفض"
لا معلومات حول الحجب اطلاقا
رغما عن ارتفاع أعداد المواقع المحجوبة إلى هذا الحد، إلا أنه لا يوجد أي بيان رسمي صدر عن أي من مؤسسات الدولة يعلن عن مسؤوليته في اتخاذ قرارات الحجب، وكذلك لا توجد أي بيانات رسمية عن المواقع المحجوبة او عددها، والمعلومات المتوفرة بهذا الصدد هي معلومات من بعض النشطاء المهتمين بالحريات الرقمية.