“
ضخَّ الطلاب روحاً جديدة في شوارع مدينة طرابلس. لم تعد ساحة عبد الحميد كرامي (النور) فقط وجهة المتظاهرين. سكّان الزاهرية، التل، عزمي، المئتين، المعرض، الضم والفرز باتوا يسمعون أصواتاً يافعة تصل إلى وسط منازلهم عبر الهتافات.
في اليوم الثاني على تحرّك طلاب لبنان، تركّزت المسيرات في طرابلس على تلامذة المدارس، فيما قصد عدد من طلاب الجامعات العاصمة بيروت للمشاركة بالتحرك المركزي أمام وزارة التربية والتعليم العالي، وفي ساحتي رياض الصلح والشهداء. وكان عدد من الطلاب قد تجمّعوا أمام الجامعة اللبنانية في ضهر العين معلنين الإضراب حتى تحقيق المطالب الشعبية.
المدارس في طرابلس أقفلت أبوابها فيما عاود جزءٌ منها التدريس لتلاميذ صفوف الشهادتين المتوسطة والثانوية.
على كتف واحدة تحمل ز. حقيبتها وهي تقف على الجهة المقابلة لمدرستها روضة الفيحاء “أوعي تكتبي إسمي أهلي مفكرين إني فتت عالصف”. تؤيد أسرة هذه الطالبة تيار المستقبل، وتحديداً النائب محمد كبارة، لكن لم يعد بإمكان والدها إقناعها بأنّ هذا الخط السياسي على حق وأنه يحارب الفساد “كيف أقتنع وأنا أعرف تمام المعرفة أنّ أبي مضطر لاستجداء منحة دراسية لي لإكمال دراستي في هذه المدرسة الخاصة. هذا حقي من دون منّة من أحد، لا زعيم طائفة ولا غيره”. تضع ز. حقيبتها على الأرض لتعبّرَ عن غضبها بإشارات اليد “أنا أتألّم قبل بداية كل عام دراسي بسبب القلق الذي يعتري أبي وأمي والإتصالات الأشبه بالشحادة ليؤمنا لي قيمة التسجيل وسعر الكتب”.
تحمل ز. حقيبتها مجدداً وتنضم إلى مجموعة زملائها بعدما اكتمل عددهم لينطلقوا في جولتهم. من الضم والفرز إلى ساحة النور يسيرون لملاقاة مجموعة أخرى من مدارس مختلفة.
“نحن لسنا أطفالاً لأنهم لم يسمحوا لنا بأن نحيا طفولتنا”، هكذا يسترجع زياد الرفاعي، طالب الشهادة المتوسطة، سنواته التي مرت وهو يحلم بألعاب بسيطة لم يتمكن من اقتنائها “لأنو مش وقتها” بحسب رد والده المتكرر على طلباته. “أبي كريم جداً وكنت أرى الحزن في عينيه عندما لا يستطيع أن يشتري لي ما أحب. يستيقظ عند الخامسة والنصف صباحاً ليبدأ نهاره كسائق سيارة أجرة عند السادسة والنصف”. يخبر زياد قصته وهو يلهث من المشي السريع في التظاهرة “لم أعد أحتمل الحرمان وإذا كنت أنا عشت هذا الحرمان فلن أسمح أن يعيشه أولادي، لذلك سأطالب بحقوقهم منذ الآن”.
وإلى زغرتا أيضاً توسّعت رقعة الاحتجاجات الطلابية، إذ عمّت الإضرابات والوقفات المطلبية معظم مدراس زغرتا الزاوية. وهتف الطلاب أمام عدد من المدراس مطالبين بإسقاط جميع المسؤولين السياسيين. وتوجّه تلاميذ زغرتا إلى سراي رافعين الأعلام اللبنانية ومرددين الشعارات المطلبية.
إزالة صور السياسيين
حملة جديدة بدأت بعد ظهر الخميس في طرابلس تهدف إلى إزالة صور السياسيين المعلقة على الجدران العامة والعواميد الكهربائية. فجال عدد من المتظاهرين في الأحياء الشعبية وأنزلوا بعض الصور، فيما طالبوا السكان الذين يرفعون صور سياسيين على شرفاتهم بإزالتها.
إستمرار التسكير
إغلاق المصارف والدوائر الرسمية بات خبراً روتينياً في طرابلس. مجموعات المحتجين توزعت في المدينة منذ ساعات الصباح الأولى فأقفلت جميع المصارف في طرابلس وضواحيها. كما جرى أقفال شركة كهرباء قاديشا فرع الميناء، مبنى المالية في منطقة التل، السنترال ومصلحة المياه.
وفي المنية أيضاً أقفل عدد من المواطنين الرافعين الأعلام اللبنانية دائرة الشؤون الاجتماعية. ونُفذت وقفة أمام معمل دير عمار الكهربائي للمطالبة بالحق في الكهرباء 24 على 24 ساعة ووقف الهدر والفساد في هذا الملف.
مشهد لافت
ومن ساحة النور جرى تداول فيديو يظهر شاباً يرتدي البدلة العسكرية الخاصة بالجيش اللبناني، وقد أعلن عبر الميكروفون من منصة الساحة “انشقاقه عن الجيش والانضمام إلى الثورة”، مشيراً إلى أنه يدعى م. د. وهو عريف. وقد أوقفته دورية من مخابرات الجيش للتحقيق معه. مجموعة حراس المدينة علّقت على الحادثة بالقول: “ما حصل على المنصة التي يجب استردادها لأهل طرابلس نرفضه رفضاً قاطعاً، وأي انشقاق عن الجيش هو خيانة للوطن فالجيش هو الضمانة”.
ما مصير مباراة النجمة والأنصار؟
وفي شأن رياضي متصل بالأوضاع التي تعيشها طرابلس، وجه رئيس بلدية طرابلس رياض يمق كتاباً إلى الاتحاد اللبناني لكرة القدم، جاء فيه: “نظراً للأوضاع الراهنة التي تمر بها البلاد، من خلال الإعتصامات وإغلاق بعض الطرق والدوائر الرسمية والخاصة، وحفاظاً على سلامة اللاعبين والمنشآت الرياضية والجماهير نحيطكم علماً بعدم إمكانية إشغال ملعب رشيد كرامي البلدي في طرابلس من تاريخه وحتى إشعارآخر”.
وطلب يمق من الإتحاد “اتخاذ الإجراء اللازم لجهة تعديل المباريات التي كانت مقررة في ملعب طرابلس، على أمل ان تتحسن الأحوال وعودة المباريات الى الملعب”.
يذكر أنه كان من المقرر أن يستضيف الملعب يوم غد الجمعة مباراة النجمة والأنصار في إطار بطولة الدوري الممتاز، ويوم الأحد المقبل مباريتَين للإناث في إطار بطولة لبنان النسائية لكرة القدم.
“