أصدر رئيس الجامعة اللبنانيّة فؤاد أيّوب تعميماً في 7 أيلول 2020، يطلب فيه من الطلّاب التعهّد بمجموعة التزامات قبل تسجيلهم في الجامعة. وقد أثار هذا التعميم الذي ينصّ في بنده الثاني على “احترام سمعة الجامعة ومسؤوليها وأساتذتها، وعدم ارتكاب أيَ تجاوز تجاههم على شبكات التواصل الاجتماعي”، من جديد مدى احترام مبادئ الديمقراطيّة والحرّيات في الجامعة اللبنانيّة. ولكن لم يفاجئ التعميم المطّلعين على أجواء الإدارة الحالية للجامعة اللبنانية فهو يأتي بعد تعميم آخر يمنع الأساتذة من كتابة أو نشر مقالات على منصّات إعلاميّة، وبعد رفع دعاوى من قبل رئيس الجامعة على أساتذة وجّهوا انتقاداً لأدائه أو لقرارات الإدارة. كذلك لا ننسى حادثة طرد طالبين من الجامعة على خلفيّة تعليقات لهما على وسائل التواصل الاجتماعيّ وكذلك الدعوى القضائية التي رفعها أيّوب قبل عام تقريباً ضد 20 وسيلة إعلامية مطالباً إيّاها بإزالة كل خبر يتعلق به أو بالجامعة اللبنانية وبصورة نهائية عن مواقعها منذ تولّيه رئاسة الجامعة عام 2016 والامتناع في المستقبل عن نشر أي شيء يعتبره مسيئاً إليه أو للجامعة.
وكبديل عن التعبير عبر وسائل الإعلام، يطلب التعهّد من الطلّاب إرسال أي شكاوى لديهم إلى عنوان بريد إلكتروني خاص. أمّا البند الخامس فيطلب “عدم بثَ الشائعات والترويج للأكاذيب بغية الهروب من إتمام الواجبات المطلوبة أو إثارة الهلع لدى سائر الطلاب وأهلهم”. واعتبر المعترضون أنّ هذا التعميم، وتحديداً البندان الثاني والخامس، تضييق على الحريّات وشكلٌ من أشكال القمع التي تذكّر بممارسات بوليسيّة وممارسات أجهزة أمنيّة لا تليق بالجامعة اللبنانيّة. ووزّع هذا التعميم على عمداء الكليّات ليكون بمثابة تعهّد يوقّع عليه الطلّاب الجدد عند التسجيل في الجامعة.
تعميم فضفاض وحمّال أوجه
ترى أستاذة الحقوق في الجامعة اللبنانيّة د. عزّة سليمان أنّ التعميم يترك للإدارة الاستنسابيّة في التعامل مع مضمونه إن لم يحمل تهديداً مباشراً. وتعتبر في حديث لـ”المفكّرة القانونيّة”، أنّ هذا التعهّد حمّال أوجه، بخاصّة أنّ مفهوم التجاوز أو الإساءة لم يعد واضحاً. وكذلك تؤكّد أستاذة العلوم في الجامعة د. وفاء نون في حديث مع “المفكّرة” أنّ التعميم فضفاض لناحية إمكانيّة اعتبار كلّ ما يقوله الطالب تجاوزاً تجاه الجامعة، بدل اعتباره إخباراً يحقّق فيه من قبلها. ويوافق الطالب تيسير الزعتري، عضو تكتلّ الطلّاب في الجامعة اللبنانيّة على أنّ في التعميم عبارات فضفاضة، مثل “احترام سمعة” و”عدم ارتكاب تجاوز تجاهها”، وقد تستخدمها الجامعة لاعتبار أيّ نقد أو تظاهرة في الجامعة أو تعبير عن رأي سياسيّ هو بمثابة تجاوز تجاهها.
وبحسب الطالب سمير سكيني، عضو تكتّل الطلّاب فإنّ “مجرّد توقيع الطلّاب على تعهّد فهذا يعتبر ضرباً لصلب العمليّة الديمقراطيّة في الجامعة اللبنانيّة. والتعهّد يأتي بشكل استباقيّ لاعتراضات محتملة ستأتي من قبل الطلّاب ردّاً على قرارات الجامعة”. ويؤكّد سمير أنّ تكتلّ طلّاب الجامعة اللبنانيّة، ليسوا ضدّ التعميم بأكمله، إنّما البنود المتعلّقة بحريّة التعبير والتعليم، مشيراً إلى أنّ هذا التعهّد هو الذي يضرّ بسمعة الجامعة أكثر من تعليقات الطلّاب على مواقع التواصل الاجتماعيّ.
ويعترض رئيس رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانيّة يوسف ضاهر على آليّة اتخاذ القرارات في الوقت الحالي في الجامعة اللبنانية بدون اعتبار لمجلس الجامعة، حيث تتخذ القرارات في مجلس العمداء، في حين أنّها يجب أن تصدر فقط عن مجلس الجامعة.
تعهّد غير قانوني
يردّ رئيس الجامعة اللبنانيّة فؤاد أيّوب في اتّصال مع “المفكّرة” على المنتقدين بالقول إنّ التعميم أخذ إلى مكان بعيد في حين أنّه يعيد التذكير بما هو موجود أساساً في قانون الجامعة، مؤكّداً أنّ ذلك لن يؤثّر على حقوق الطالب في التعبير والتظاهر، شرط عدم استخدام السباب أو الشتائم للجامعة أو الأساتذة، لأنها أمور تؤثّر على سمعة المؤسّسة الجامعيّة. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ أقرب ما ينصّ عليه النظام التأديبي في الجامعة اللبنانية إلى مضمون التعميم هو في المادة 59 التي تنصّ على أنّه “يعتبر عملاً يتناوله التأديب: ـ التعدّي على أفراد الهيئة التعليمية أو موظفي الجامعة”.
وتُجمع الآراء المعارضة للتعميم على عدم قانونيّة التعهّد الذي ينصّ عليه خصوصاً أنّ النظام ينصّ على وجود إجراءات تأديبية. ويعترف أيّوب في حديثه إلى “المفكّرة” بوجود آلية لمحاسبة المخالفين تخضع لقوانين الجامعة، ورغم ذلك يصرّ على التعهّد “للتخفيف من حدّة توجيه الشتائم والنيل من سمعة الجامعة”. يشدد أكثر من مرّة على مسألة “حفظ كرامة” الجامعة ومسؤوليها وعدم توجيه الإهانات إليهم.
وتؤكّد د. عزّة سليمان أنّ التعهّد غير قانونيّ، معتبرة أنّ المبدأ الذي يتعرّض له بشكل أساسي هو حريّة التعبير، وتشدد على أنّ الجامعة ليست مؤسّسة أمنيّة لتتبع نهج التعهّدات مع طلابها. وتلفت إلى أنّه في حال وجود قدح وذمّ فتتمّ ملاحقة الطالب وفق قانون العقوبات. وتتساءل عن دور القانون في الجامعة والدولة في ظلّ إصدار تعهّدات: “ساعتها كلّ فرع بصير بدو يعمل تعهّد”. وبدوره، يؤكّد ضاهر أنّ الحديث عن منع الطالب من الشتائم يتعلّق بالقانون والحقّ العامين وبالتالي فهو يسري على جميع المواطنين وليس على الجامعة بشكل خاص.
أما بخصوص البنود المتعلّقة بمنع بثّ الشائعات فيقول أيّوب إنّها ترتبط بتناقل الناس شائعات عن إصابات بكورونا في صفوف الطلّاب، وشائعات لها علاقة بتأجيل الامتحانات أو إلغائها، معتبراً أنّها كانت تثير الهلع بين الطلّاب. ويضيف أنّ كلّ ما قامت به الإدارة لإنجاح الامتحانات كان سيفشل بسبب تلك الشائعات. ويعلّق الطالب تيسير بأنّ الشائعة تصبح حقيقة في حال تمّ إثباتها وبالتالي على الجامعة الإعلان عنها أو الاعتراف بها، في إشارة إلى موضوع الإصابات بفيروس كورونا التي تأكّد تسجيلها في صفوف الطلّاب.
ترهيب ومسّ بأجواء الحرّية في الجامعة
يلتمس رئيس رابطة الأساتذة في الجامعة نوعاً من الترهيب في فرض التعميم من الأساس وفي بعض الكلمات القاسية التي يتضمّنها. ويعتبر أنّ “الطلّاب لا يكتسبون دورهم كطلّاب جامعيّين إذا منعوا من التعبير عن رأيهم وإذا شعروا بأنّ أموراً قد أسقطت عليهم”. ويضيف: “كان من الأفضل أن يشعر الطالب الجديد بأنّه يدخل إلى مكان يحترم الحريّات ويفتح له الآفاق. أخاف أن يشعر الطلّاب أنّهم محاصرون”. وتلفت د. سليمان من جهتها إلى أنّ دور الجامعة هو تأهيل الطالب على مفهوم الدولة والمواطنة، وتذكّر بأنّ مادّة “حقوق الإنسان” هي مادة إلزاميّة لكل اختصاصات الجامعة، وبالتالي إذا لم يستفد منها الطلّاب فالمشكلة تكمن في أداء الجامعة. وتشدّد على أنّ القمع المسبق لا يشعر الطالب بالانتماء لجامعته.
وتلفت د. سليمان إلى أنّ “الخلل على مواقع التواصل الاجتماعيّ ليس محصوراً في سلوك طلّاب الجامعة اللبنانيّة، بل هو مشكلة عالميّة، لا يكون حلّها بتعهّد مسبق”، متسائلة عمّا إذا قامت الجامعة بأبحاث لكيفيّة فهم المشكلة ومعالجتها قبل إصدار التعميم.
وتعبّر د. وفاء نون عن رفضها للتعميم وتعتقد أنّ “الرئيس، بهذا التعميم، يتوجّه تحديداً للطلّاب الذين يضيئون على مشاكل الجامعة والذين يعارضون قراراته”، لافتة إلى أنّه كان يجدر أيضاً طلب رأي المجالس الطلّابيّة بالتعميم.
ويطرح الزعتري مسألة الإجراءات التي ستعتمد في حال رفض الطالب التوقيع على التعهّد، والتي في حال وصلت إلى عدم الموافقة على تسجيل الطالب، تكون قد مسّت بحقّ آخر، غير الرأي والتعبير، وهو الحقّ في التعلّم. عمداء يحيلون التعميم لإشكاليات وسائل التواصل الاجتماعيّ
صاغّية: التعميم يقتل إمكانية تحوّل الطلّاب إلى أدوات إصلاحية
يقول المدير التنفيذي لـ”المفكرة” المحامي نزار صاغية إنّ التعميم “يدجّن” الطالب منذ اللحظة التي يدخل فيها الجامعة، وبالتالي يقتل إمكانية تحوّله إلى أداة إصلاحية.
وتعليقاً على ما ورد في التعميم عن “احترام سمعة الجامعة”، يقول صاغيّة إنّ الاحترام لا يحصل بشكل مطلق وحين تكون الجامعة مرتعاً للمحاصصة وضرب الكفاءة ومعها نوعية التعليم يصبح من الواجب التشهير للدفاع عن المجتمع وكذلك التضحية بسمعة الجامعة لغايات إصلاحية. لذلك من واجب الطلاب لا بل من مسؤوليتهم أن يفضحوا الفساد في جامعتهم والمحاصصة التي أدّت إلى تدنّي المستوى فيها.
ويضيف “كلّما كانت الحرّية واجباً كلّما توسّعت” والتعميم يأتي ليعاكس ذلك تماماً وليلغي أيّة إمكانية لتصحيح الخلل.
ويلفت إلى أنّ الحركة الطلّابية في الجامعة اللبنانية اليوم ناشطة لذلك يجب منحها أوسع مجال ممكن من الحرّية كي تقوم بدور إصلاحي. وردّاً على “التجاوز” الذي يشير إليه التعميم، يقول صاغية إنّ “الانتقاد يصبح تجاوزاً حين لا يكون مبرراً ولكن حين يكون مبرراً يصبح واجباً”.
ويشدد على أنّ الدولة اليوم ملتزمة بتشجيع الطلاب على مكافحة الفساد والمحاصصة، وثمّة قانون يحمي كاشفي الفساد، والتعميم الذي أصدرته الجامعة اللبنانية يأتي معاكساً لهذا التوجّه ومخالفاً للاتفاقيات الدولية.
مؤيّدون
يرجّح عميد كليّة الفنون في الجامعة اللبنانيّة محمد حسني الحاج في في اتصّال مع “المفكّرة” أنّ التعميم صدر عن الجامعة نتيجة الإشكاليّات الحاصلة على وسائل التواصل الاجتماعيّ، معتبراً أنّ بعض الانتقادات ذهبت إلى حدّ التجريح ببعض المدراء وبرئيس الجامعة. ويضيف أنّ التعميم لا يحمل نيّة ترهيب، بل مجرّد لفت نظر إلى بعض القضايا. ويقدّر الحاج أنّ الإرشادات في التعميم لا تتعدّى الشكليّات ولا تطال أيّة مضامين تطبيقيّة: “المضمون أخلاقي بالعامّ أكثر ما هو تنفيذ عمليّ”.
أمّا عميد كليّة الإعلام جورج صدقة، فيعتبر أنّ التعميم هو نوع من الشرعة الأخلاقيّة المتبعة في جامعات كثيرة في العالم. ويضيف أنّ العمداء يلتزمون بهذا التعميم الذي أتى على خلفيّة حملات على الجامعة وامتحاناتها حين أطلق عليها بعض الطلاب اسم “امتحانات الموت”، ممّا أثّر على سمعة الجامعة. ويلمّح إلى أنّ الحملة ضدّ الجامعة مدعومة من جامعات خاصّة لضرب الجامعة اللبنانيّة. “همّ رئيس الجامعة هو حماية الجامعة”، وفقا لصدقة، لأنّ الجامعة قدّمت طلباً ليتمّ تصنيفها في عدد من المنابر العالميّة. ولا يعتبر صدقة بدوره أنّ هذا التعميم يتعارض مع مطالب الطلاب بحقوقهم، بل هو فقط لوقف التشهير والشائعات.