صباح ذكرى التحرير في 25 أيار 2020، وبعد مرور 20 عاماً على الذكرى، اتصل أحد الفارين إلى فلسطين المحتلة يوم التحرير في 25 أيار 2000 بعائلته وقال لهم: "انطروني الخميس بالليل راجع لكم". كان الرجل يتحدث عن الخميس 28 أيار 2020 موعد جلسة مجلس النواب المُدرج على جدول أعمالها اقتراح قانون العفو، والذي من المفترض ان يشمل عائلات العملاء.
من الحدود الجنوبية إلى شمال لبنان، يرفض أحد أهالي الإسلاميين أي سقف للعفو العام تحت السقف الذي حدده مفتي الجمهورية في خطابه "عفو شامل من دون إستثناءات"، فيما يرى والد أحد الإسلاميين المحكومين أنهم يقبلون "على مضض" باقتراح قانون العفو الذي قدمته النائب بهية الحريري الذي يستثني قتلة الجيش والمدنيين والمثبت إدانتهم بالإرهاب والتفجير، فيما ينص على إعفاء كل من قضى ثلث محكوميته والإفراج عنه حتى لو لم يشمله العفو. لكن حساب إسلاميي طرابلس لا ينطبق على بيدر ملف إسلاميي عبرا الذين يرون أن اقتراح الحريري لم ينصفهم، وبالتالي يرفعون سقفهم إلى مستوى مفتي الجمهورية.
ومن الشمال إلى مدينة الشمس، بعلبك، وقف أبو أرز زعيتر في اجتماع ضمّ لجنة العفو في منطقة بعلبك الهرمل مع تكتل نواب المنطقة وتحديدا نواب من حركة أمل وحزب الله ظهر الإثنين 25 أيار. وقال لهم: "هذا قانون خُلّبي لن نقبل به". وخُلبي هو وصف يُطلق على طلقة الرصاص التي تصدر صوتا برغم أنها فارغة من الرصاص فلا تصيب. هذا لم يمنع انتهاء الإجتماع بوعد من النواب بمحاولة الأخذ بملاحظات ممثلي الأهالي، فيما قرر هؤلاء انتظار المسودة الأخيرة الموعودة لإبداء موقفهم النهائي.
وبين مواقف الكتل الرئيسية المعنية بالعفو العام، من عملاء وفارين إلى فلسطين المحتلة، إلى ملف المخدرات و48 ألف مذكرة توقيف وبلاغ بحث وتحرّ في بعلبك الهرمل، وصولاً إلى ملف الإسلاميين و11 ألف وثيقة اتصال أمنية في طرابلس وعكار والضنية إضافة إلى ملف عبرا، والموعودة به هذه الفئات على دورتين انتخابيتين متتاليتين على الأقل، يسخر هؤلاء من الأخذ والرد والتصارع بين القوى السياسية حول قانون العفو الحالي، ليقولوا: "ما شفناهم تناقشوا هالقد وقت عملوا قانون عفو لأنفسهم في التسعينات ليعود أمراء الحرب ليستلموا إدارة البلاد والعباد، فهل جرائم هؤلاء أخطر مما ارتكب على مدار 15 عاماً من الحرب؟"
وحين تطفو إلى السطح ملفات المخدرات والفارين إلى إسرائيل (عملاء وعائلاتهم) والإسلاميين، نرى كيف أن القوى السياسية مهتمة بقواعدها الإنتخابية والشعبوية برغم كل الكلام المنمّق الذي يصدر عن كل فريق سياسي على حدة. وعندما تستمع لممثلي القوى السياسية في اللجان المشتركة أو اللجان الخاصة المصغّرة والفرعية التي تشكلت للخروج بمسودة توافقية، تشعر للوهلة الأولى وكأنهم يشتغلون على طريقة الجوهرجي في تطريز القانون بغض النظر عن التجاذبات السياسية الطائفية. هذا الإيحاء بإتقان التشريع يعتبره بعض الممثلين للفئات الرئيسية المعنية بالعفو مجرد "طبخة بحص" تراعي توازنات القوى الممثلة في السلطة وليس مصالح الناس والفئات المهمشة التي رماها الإهمال الرسمي في فوهة مخالفة القانون. ويكفي أن نعلم أن أحد النواب المنتمين لقوى سياسية مشاركة في السلطة يتصل بزميل له في لجنة صياغة اقتراح القانون العفو ليسأل "شو طالع لنا من هالقانون" ليقرر إذا كان سيسير به أم لا، للدلالة على المحاصصة الفئوية وحتى المناطقية الضيقة: "بعد شوي رح يسألنا حدا قديش طالع لهيدا الزاروب بهيدي المنطقة كما يسخر بعض النواب.
يُقارن أحد المنتقدين لمسودة قانون العفو بين فكرة المخرج الديني لمن يتخلف عن صيام شهر رمضان عبر دفع الكفارة وفطرة العيد تكفيرا على إخلاله بواجباته تجاه أحد الفرائض الرئيسية للدين الإسلامي، (كون النقاش الجدي لاقتراح القانون حصل خلال شهر رمضان) وسعي الدولة، ممثلة هنا بالفرقاء السياسيين الممسكين بالسلطة، إلى التكفير عن إهمالها للمناطق ولملفات الفئات الثلاث التي تتركز عليها سيبة العفو. فالإهمال والحرمان وغياب الإنماء المتوازن في الجمهورية الثانية ما بعد الطائف هو الطاغي في مناطق الأطراف وعلى رأسها عكار والضنية وبعلبك الهرمل وطبعا طرابلس العاصمة الثانية للبنان والتي لا تحمل من الصفة إلا الإسم فيما هي متروكة كمنطقة نائية مغيبة عن خريطة الإنماء. وهذا ما وضع أهالي هذه المناطق (بعلبك الهرمل وطرابلس وعكار والضنية) في ظروف اقتصادية سيئة وفرص عمل شبه معدومة ليكونوا لقمة سائغة في فم مخالفة القانون والإستغلال والتضليل كل على طريقته، من دون أن ننسى الخطاب المذهبي والطائفي والسياسي الذي أخذ بفئة من اللبنانيين نحو اصطفافات سهّلت توظيفهم في ارتكابات مخالفة للقانون أيضاً. على خطّ مواز، يحمّل متابعو ملف عائلات العملاء السلطة نفسها مسؤولية استمرار "نفي" عائلات العملاء من غير المتورطين والذين فرّوا بجريرة أهاليهم عشية التحرير إلى فلسطين المحتلة. ويقول هؤلاء أنه لو تمّ وضع المراسيم التطبيقية للقانون 194/2011 الناتج عن تفاهم مار مخايل بين التيار الوطني الحر وحزب الله، وخصوصا فقرته الثانية الخاصة بعودتهم إلى لبنان (عودة العائلات من أبناء وزوجات وأهل غير متورطين بقتل وتعذيب واحتجاز حرية أو تجند في ميليشيا لحد) لما كانوا بحاجة للعفو اليوم، ولما تُرك هؤلاء لينشؤوا في حضن إسرائيل والتعلم في مدارسها وحتى ربما شغل وظائف في مؤسساتها الرسمية.
من هنا، يعتبر المدير التنفيذي للمفكرة القانونية نزار صاغية أن العفو العام يفترض ليس فقط أن يكون مبرراً بالنسبة إلى الماضي بل أيضا أن يكون مرتبطا بإصلاح للمستقبل. وهذا يعني، وفق صاغية "إذا كنا نعفو بسبب غياب التنمية عن البقاع يجب أن يأتي العفو مع مشروع للتنمية. وإذا كنا نعفو لأن المحكمة العسكرية ظالمة، إذن يجب أن يتزامن مع إصلاح للمحكمة العسكرية، وإلا سوف نجد أنفسنا ننتقل من عفو إلى آخر، ونكون في صدد هدم النظام القانوني، وليس بناؤه أو ترميمه".
وفي مقابل فائض الاهتمام بالفئات الثلاث المشار إليها أعلاه، تخلو المسودة الأخيرة التي رشحت عن اجتماع اللجان المشتركة في 19 أيار 2020، من أي اهتمام بالفئات الإجتماعية الأخرى وبخاصة الفقيرة منها. وعليه، يستثني العفو جرائم الإخلال بالأخلاق العامة وهي تشمل قضايا الدعارة والمثلية والإجهاض و"الزنى". كما يستثني بعض جرائم التشرد ويربط الإستفادة من العفو عن السرقة والنشل بالحصول على إسقاط عن الحق الشخصي. وفي ظل ما يعفيه وما يستثنيه، نتلمّس حقيقة هاجس هذه القوى حيث ليس لهؤلاء الذين يحيون على هامش الحياة القانونية والمجتمعية والإقتصادية "بلوك" اقتراعي يحمي ظهورهم ويضمن شمولهم بالعفو العام. مع تسجيل تأكيد النائب ميشال معوض الذي يمثل الكتل المسيحية في البرلمان من التيار الوطني الحر إلى القوات اللبنانية والكتائب وكذلك النائب شامل روكز، أنه سيسعى جاهدا لغاية الجلسة العامة للبرلمان لشمول هذه الفئات ضمن قانون العفو.
وفي الوقت الذي تسارع القوى كافة إلى التأكيد على مقاربتها الوطنية لاقتراح قانون العفو، نجد وعودها وجها لوجه وكل على حدة مع الفئات الثلاثة وكل على مسرحه الإنتخابي يجاري المحسوبين عليه في مطالبهم وطموحاتهم من قانون العفو. وعليه، قال نواب الثنائي الشيعي في بعلبك الهرمل لممثلي أهالي المنطقة ولجنة العفو "نحن فريق واحد وسنحاول قدر المستطاع الإستجابة لمطالبكم"، فيما نقل أهالي الإسلاميين عن الرئيس سعد الحريري قوله أن تكتله لن يصوت على قانون عفو لا يرضيهم. اما الصاعق الأكبر الذي يكمن في مسودة القانون فكان ما أسماه النائب ميشال معوض في حديث للمفكرة "انقلاب الثنائي الشيعي على الجزء المتعلق بالفارين إلى إسرائيل حيث تراجعوا عما توصّلنا إليه في مسودة 19 أيار 2019".
مصادر في حزب الله تعتبر أن الحزب ملتزم بالصياغة التي تراعي عودة غير المتورطين في القتل والتعذيب والتجند لصالح ميليشيا لحد، لكن الإنقلاب الذي حصل هو في سعي بعض أحزاب الكتل المسيحية لضم العملاء المحكومين بالإعدام من المتورطين بجرائم وتعذيب وتنكيل وتعامل مع العدو وحتى أولئك الذين غادروا فلسطين المحتلة إلى استراليا وأميركا وهذا لا يمكن أن يقبل به الثنائي الشيعي نهائياً. أما غير ذلك وفي ما يتعلق بعودة العائلات غير المتورطة ومن ذوي السجلات النظيفة ف "نحن لم نتراجع عن إلتزامنا بعودتهم".
وإذ يعتبر معوض أن تعاطيه مع من يمثلهم (التيار والقوات والكتائب والنائب شامل روكز) لا ينطلق من فئوية ما أو من تمسك بملف الفارين إلى فلسطين المحتلة، "بل نحن معنيون بكل الفئات من بعلبك الهرمل إلى الإسلاميين ومناطق الشمال كما المشمولين بالقانون 194"، فإنه يحدد مفصلاً خلافيا آخر لم تقبل به القوى التي أوكلته العمل على مسودة القانون وهو الجزء المتعلق بتخفيض العقوبات. وهنا يؤكد النائب جورج عقيص من تكتل الجمهورية القوية (القوات اللبنانية) أن القوات ضد قانون العفو "كونه ليس أولوية في هذه الظروف، ولكن النائب معوض يمثلنا في لجنة صياغته". ومع ذلك ستأخذ القوات "موقفا من الموضوع في اجتماع تعقده بخصوص الجلسة التشريعية يوم الخميس 28 أيار".
من الإعفاء من ثلثي العقوبة إلى ربعها
وبرغم التغيير الجذري الذي طرأ على بند تخفيض العقوبات الذي كانت النائب بهية الحريري قد حددته في اقتراح قانون العفو الذي تقدمت به في نيسان 2020 بثلثي العقوبة حيث تنص مسودتها على إعفاء من قضى ثلث محكوميته ممن لم يشملهم قانون العفو من المدانين بقتل عسكريين ومدنيين ومتورطين في خطف او أعمال إرهابية او تفجيرية، في محاولة لإرضاء أهالي الإسلاميين الذين يعتبرون أن المحكمة العسكرية ظلمت أبناءهم في أحكام يصفونها ب"المجحفة". في المقابل، يلامس تخفيض العقوبة في اقتراح قانون النائبين ياسين جابر وميشال موسى (حركة أمل) نصف المدة للمحكومين ممن لم يشملهم قانون العفو. وبعد أخذ ورد رست الصيغة النهائية المطروحة للنقاش، والتي ترفضها حتى الآن الكتل المسيحية الممثلة بمعوض، على الإعفاء من ربع مدة المحكومية مع وضع سقف للمحكومين بالمؤبد والإعدام وحصر إستفادة المحكوم من الإعفاء من ربع المدة بعد بلوغه سن 65 عاماً، بعد تحديد سقف المؤبد بعشرين عاماً والإعدام ب 25 عاماً. وهذا ما يرفضه الإسلاميون متذرعين بالقول أن هناك محكومين بالمؤبد والإعدام لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاما، وإذا كان على هؤلاء انتظار بلوغهم 65 عاما فإنهم سيقضون في السجن من ثلاثين إلى 35 عاما، وبالتالي لا يمكن اعتبارهم مشمولين بالقانون. في المقابل، وافق تيار المستقبل الذي يمثله في لجنة صياغة مقترح قانون العفو النائب هادي حبيش مع مشاركة متقطعة للنائب سمير الجسر على هذه الصيغة، كون المحكومين بالإعدام هم من المدانين بقتل عسكريين ومدنيين وبتفجيرات وأعمال إرهابية وهي ارتكابات غير مشمولة بالعفو.
ويؤكد محامي عدد من الإسلاميين محمد صبلوح للمفكرة عدم موافقة الأهالي على تخفيض العقوبات وفق سقف 65 عاماً "سقفهم العفو العام الشامل الذي طالب به مفتي الجمهورية"، أو اقتراح النائب بهية الحريري"(العفو عن ثلثي المحكومية)، مشيراً إلى رفض أهالي عبرا ولديهم 15 محكوم بالإعدام والمؤبد حتى لاقتراح الحريري باعتباره لم ينصفهم. ويتسلح هؤلاء بالقول بما يعتبرونه مظلومية المحكمة العسكرية، وبكتاب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأم المتحدة في جنيف الذي اعتبر أن محاكمة الشيخ احمد الأسير "لم ترق إلى مستوى المحاكمة العادلة"، ووضع شروطا لتصحيحها "ولم يتم الأخذ بها"، وفق صبلوح.
ومع شمل مسودة العفو لوثائق الإتصال، وهي مفصل أساسي في ملف الإسلاميين مع وجود نحو 11 ألف وثيقة اتصال أمنية بحق أبنائهم، حيث تنص المسودة على إلغاء كل وثائق الإتصال وبلاغات البحث والتحري ومذكرات التوقيف غير الصادرة عن مراجع قضائية، وبغض النظر عن هوية الجهاز الأمني الذي أصدرها، يثير صبلوح القرار الذي اتخذته حكومة الرئيس تمام سلام وقضى بإلغاء هذه الوثائق ولكن الأجهزة الأمنية لم تتقيد به واستمرت بملاحقة المطلوبين بها، ليقول "يجب أن يضمنوا لنا تقيد هذه الأجهزة بقانون مجلس النواب". ومع إلغاء 11 ألف وثيقة اتصال أمنية بشمولها بالعفو وبالتالي تحرير 11 ألف مطلوب من أبنائهم وطرح تخفيض العقوبات للمحكومين والموقوفين بما يتيح العفو الجزئي عمن لم يشملهم العفو مباشرة، يبدو الإسلاميون الحصان الرابح في كباش تحصيل القدر الأفضل من المكاسب عبر ضغط الفئات الثلاث على القوى السياسية. ويستثنى من هذا التصنيف موقف إسلاميي عبرا وتحفظ الإسلاميين على تحديد الإفادة من تخفيض ربع مدة المحكومية للمحكومين بالإعدام والمؤبد ببلوغ هؤلاء سن 65 عاما.
ويتوزع المعنيون بملف الإسلاميين على نحو ألف و100 محكوم وموقوف من بينهم 700 محكوم ومن ضمنهم 120 محكوما بالإعدام والمؤبد (30 إعدام) و400 موقوف. ويرى صبلوح أن هامش إفادة الإسلاميين من قانون العفو وتخفيض العقوبات في هذه الجزئية (محكومين وموقوفين) ضئيلة "إذ أن معظم المحكومين بغير عقوبتي الإعدام والمؤبد قضوا ثلثي عقوبتهم على الأقل، كما أن الموقوفين تبلغ مدة توقيفهم نصف أو ثلثي محكوميتهم في حال إدانتهم". وبالتالي لن يستفيد هؤلاء في حال إصرار الكتل المسيحية على استمرار رفض بند تخفيض العقوبات وتعديل سقف 65 سنة. ويطالب الإسلاميون عبر تيار المستقبل بعدم الإلتزام بسقف 65 عاما لصغار المحكومين بالإعدام أو المؤبد بل بتحديد العقوبة ب20 سنة للمؤبد و25 للإعدام، وفق السنة السجنية المحددة في قانون تنفيذ العقوبات.
بعلبك الهرمل: "مش مستعجلين"
يأخذ بعض أهالي منطقة بعلبك الهرمل على نواب الثنائي الشيعي إبلاغهم بأن ما توصلوا إليه بما يخص المحكومين والموقوفين والمطلوبين من المنطقة في مسودة قانون العفو هو "أقصى الممكن"، ويشير هؤلاء إلى أن ملفي "الإسلاميين والعملاء دسميْن، ولماذا على ممثليهم في المجلس أن يعطوا القوى الأخرى بشأنهما، فيما لا نحصل نحن إلا على القليل؟". ويخلصون إلى القول: "إذا لم يتمّ شمول معظم أبناء المنطقة المتهمين بالترويج والإتجار معاً فإننا لا نريد قانون عفو ولسنا مستعجلين على صيغة مماثلة".
هذا القليل يحدده المحامي علي زعيتر الذي يتابع العديد من ملفات المطلوبين بقضايا المخدرات في المنطقة بحصر الإفادة من العفو في قضايا المتهمين بالزراعة والذين لا يشكلون أكثر من 4 إلى 5% من مجمل 48 ألف مذكرة توقيف وبلاغ بحث وتحري في بعلبك الهرمل وكذلك 2500 في السجون ما بين موقوف ومحكوم.
ويرى زعيتر الذي قال موقفه لتكتل نواب بعلبك الهرمل في اجتماع بعلبك يوم الإثنين الماضي، أن المسودة الحالية تشمل الجرائم المنصوص عنها في المادة 125 من قانون المخدرات (1998) بفقرتها الأولى معطوفة على المادة 11 من القانون نفسه، أي الجرائم الناتجة عن مخالفة حظر زراعة الأفيون والحشيشة. وينفي أن تكون المادة 13 موجودة في ما يشمله العفو "كونهم حددوا العطف على المادة 11"، لافتاً إلى أنهم لو شملوا كل المادة 125 بالعفو لكانت الإشكالية انتهت". ويؤكد زعيتر أن معظم المدعى عليهم تشملهم تهمتا الترويج والإتجار في الوقت عينه، وأن الإقتراح الحالي يستثني الإتجار، من العفو وبالتالي غالبية أبناء المنطقة".
وقال النائب إبراهيم الموسوي، ممثل حزب الله في لجنة صياغة قانون العفو للمفكرة، وهو الكلام عينه الذي أبلغه لأهالي المنطقة ولجنة العفو في اجتماع الإثنين بمشاركة النائب غازي زعيتر ممثل حركة أمل في لجنة صياغة اقتراح القانون، أن النقاش انطلق من العفو عن الزراعة فقط، ونحن تمكنا من الوصول إلى العفو عن الزراعة مع كل مندرجاتها، لأن من يزرع حشيشة أو أفيون يزرعها لبيعها وليس لإطعامها للحيوانات". ويرى الموسوي أن الصيغة الحالية تشمل بتفاصيلها نحو 90% من المطلوبين في المنطقة، ولا تستثني سوى تجار التصنيع الكيميائي (كبتاغون وهيرويين وكوكايين وسيلفيا…) وتجار الإستيراد والتصدير "وهؤلاء قلة في بعلبك الهرمل".
حزب الله وإحراج العفو
ويبدو واضحاً أن حزب الله محرج في موضوع قانون العفو نظرا لطبيعة القضايا التي يطالب بشملها في بعلبك الهرمل من مخدرات وسرقة سيارات وخطف وقطع طرقات ومواجهات خلال المداهمات الأمنية. وينعكس هذا الإحراج في طريقة التعاطي مع الملف إذ ليس هناك لجنة قانونية تشكلت حالياً في الحزب لدراسة اقتراح قانون العفو وسط مواقف متنباينة نوعا ما حول الذهاب في معركة إقراره إلى النهاية وجعله شاملاً كما يطالب أهالي المنطقة. ويجد نواب المنطقة أنفسهم بين نار تلبية مطالب ناخبيهم وجمهورهم الذي عقد اللواء للحزب بالدرجة الأولى ومن ثم للحركة على مدى 30 سنة في جمهورية ما بعد الطائف، ونار التنازل لسائر الفرقاء السياسيين في ملفات العفو الأخرى مقابل موافقتهم على ملف بعلبك الهرمل. ويحكم رأس هذا الإحراج ملف العملاء. وهذا ما يفسر عودة الثنائي الشيعي يوم الأربعاء الماضي عن الصيغة التي تم التوصل إليها بشأن السماح بعودة جميع الفارين من غير المتورطين بالقتل والتعذيب والخطف والتسبب بإعاقات وأذى جسدي دائم وكذلك بالإنتماء لميليشيا لحد. ويبدو أن الثنائي الشيعي متمسك بموقفه الرافض لدخول أي حامل للجنسية الإسرائيلية إلى لبنان حتى لو تنازل عنها كما كانت تقضي الصيغة المقرّة في اللجان المشتركة. وفي هذا الإطار، يستذكر بعض المتابعين للملف قول الرئيس نبيه بري سابقا عن مرور عشرين عاما على نشأة أبناء وعائلات العملاء في حضن دولة العدو، وبالتالي عن أي مواطنين لبنانيين نتحدث؟ وهم لا يعرفون لبنان ولم يدرسوا في مدارسه ولا عاشوا بين ناسه.
الكتل المسيحية "مش مشردقة بالقانون"
وردا على الكباش الذي يحكم تعاطي القوى السياسية، يرفض النائب ميشال معوض هذه المقاربة بالقول "نحن لا نرفض تخفيض العقوبات لكي نساوم في ملف الفارين إلى إسرائيل. نحن مهتمون بكل الفئات التي يشملها القانون ولكن وفق منهجية قانونية تحترم الدستور وترفع الظلم دون المس بدولة المؤسسات والقانون". وعليه "نحن مش مشردقين بالقانون في حال كان تراجع الثنائي الشيعي عن الجزء المتعلق بعودة مواطنين لبنانيين من إسرائيل هو للمفاوضة على تخفيض العقوبات أو على ملف المخدرات". ويرى أنه لا يمكن تحت عنوان رفع الظلم عن فئة أن نعفو عن مجرمين خطيرين من تجار مخدرات أو إرهابيين ثبت ارتكابهم لجرائم تهدد أمن البلاد". ويؤكد معوض أنه طرح تعديل قانون تنفيذ العقوبات بدل تضمين تخفيض العقوبات في قانون عفو "حيث يمكننا فعل ذلك بطريقة قانونية ولأن قانون تنفيذ العقوبات يستثني تجار المخدرات والمدانيين بالإرهاب من تخفيض العقوبات، ويمكن معالجة بعض الملفات التي يثبت الظلم فيها عبر عفو خاص من رئيس الجمهورية".
"قانون العفو لن يخرج الكثير من السجون"
يقلل النائب هادي حبيش في اتصال مع المفكرة من عدد الذين سيخرجهم قانون العفو في حال مروره في جلسة الغد الخميس 28 أيار 2020 من السجون: "العدد مش كبير"، رافضا تحديد رقم معين، فيما يشير البعض إلى أن الصيغة الحالية ستخرج نحو 1200 سجين ما بين محكوم وموقوف من أصل 9 آلاف ونحو 700 سجين وموقوف. ويرى حبيش أن الهدف من القانون يشمل "فتح مرحلة جديدة مع أشخاص ارتكبوا أخطاء ولكنها لا تهدد الأمن القومي للبلاد، ومعالجة مشكلة اكتظاظ السجون وبالتالي منح فرصة لوزارتي العدل والداخلية لترميم هذه السجون وتحسينها لتصبح سجونا صالحة للبشر، ومعالجة ذيول ما نتج من مرور صفحات في تاريخ لبنان نتج عنها ارتكاب جرائم نتيجة ظروف سياسية محلية وإقليمية أخذت بعض اللبنانيين الى أماكن ما كان يجب الذهاب إليها، ومن بينها سلوكيات مخالفة للقانون، وقد زالت ومر عليها الزمن واختلفت الظروف". ويعرب عن تفاؤله بمرور اقتراح القانون غداً. ويشير حبيش إلى شمول الأجانب ممن تنطبق عليهم معايير العفو بالقانون "لكن مسألة ترحيلهم من عدمهم متروكة لأمن العام وفق خصوصية كل ملف".
عفو سياسي طائفي وطبقي
ردا على الأهداف التي تعلنها القوى السياسية من إقرار قانون العفو، يرى المدير التنفيذي للمفكرة القانونية نزار صاغية أنه "يتم تبرير العفو العام بسبب الكورونا لتخفيف الإكتظاظ في السجون، ولكن الواضح أن عدد من يستفيدون منه من السجناء قليل، فيما لن يشمل العدد الأكبر فيما يفترض إجراء وقاية صحية الإفراج عما لا يقل عن 3500 سجينا". ويلفت إلى أن ثقل الذين سيشملهم "هم من غير السجناء، ومن الذين لم يحاكموا بعد، وبالتالي كان يجب معالجة الكورونا بطرق مختلفة حيث كنا اقترحنا أن يتم ذلك من خلال تعليق العمل بالتوقيف الإحتياطي في الجرائم غير الشديدة الخطورة".
ويعتبر صاغية أن النسخة الحالية تحسنت عن النسخة الأصلية لاقتراح القانون (اقتراح ياسين جابر وميشال موسى). فألغت مبدئية العفو عن الجنايات لتبقيها بالنسبة إلى الجنح، بمعنى أن الجنح تكون معفاة ما لم تستثن صراحة. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى إعفاء أفعال من دون مبرر كإعفاء جرائم المادة 329 التي حكمت على أساسها شركة سبينس على خلفية تعرضها للحرية النقابية لعمالها". ويبدي تخوفه من "أن يتم العفو عن هذه الجريمة بينما انتظر عمال سبينس طويلاً للحصول على العدالة". كما ينتقد بشدة الإعفاء عن المادة 737 من قانون العقوبات التي تعفي الاستيلاء على الأملاك العامة والمادة 649 التي تعفي التهويل أي الحصول على منافع وخوات بالقوة.
ويصف صاغية العفو الحالي ب"السياسي الطائفي لأنه بيّن أن الهم الأساسي هو منح عفو للفئات التي تخص القوى المعنية وتم التركيز على فئات ثلاث معروفة، وتم وضع ضوابط ضمن منطق المحاصصة نفسه". كما أنه طبقي "كون اقتراح القانون خاليا من أي اهتمام اجتماعي بالموضوع".
ويوثق صاغية إحدى المشاكل المهمة في القانون والمتمثلة في "إسقاط الحق الشخصي كشرط أساسي للعفو في كل الحالات التي حصل فيها إيذاء جسدي وشخصي أو مادي"، ويعتبر أننا "نسلم بإمكانية الحبس من عدمه في الأمور الجزائية لأشخاص بعينهم يتحكمون فيها، وهذا ليس قانونيا كون الدولة هي التي تعاقب والأفراد يطالبون بحقوق مدنية وبتعويضات لهم، ولا يمكنهم التقرير إذا كان يجب حبس المرتكب أم لا، وبالتالي هذا إنقلاب على النظام القانوني بكل معنى الكلمة". والأهم، وفق صاغية، أنه قد "يفتح أبوابا للزبائنية بمعنى أن المرتكب يعرف أن الشخص المعتدى عليه يوالي الزعيم الفلاني فيقصد هذا الزعيم ليجعله يتنازل عن حقه الشخصي، كما أن القوي ومن يملك المال يمكنه الحصول على إسقاط الحق الشخصي والذي لا يملك هاتين السلطتين لن يحصل على الإسقاط أبدا. وفي هذا تمييز طبقي وإجتماعي كبير".
وينتقل صاغية إلى ما يسميه "أموراً تتعلق بموضوع المال العام والأملاك العامة"، حيث أنه "وبرغم التحسين الكبير الذي طرأ على المسودة التي طرحت في 19 تشرين 2019، ما يزال هناك مادة خطيرة هي المادة 737 معفية علما أنها تشمل الإستيلاء على الملك العام، ومن المستغرب جداً تسقيطها ضمن الإقتراح".
وسط استمرار التفاوض والسعي للوصول إلى توافق قبل جلسة الغد، يسخر قيادي سياسي من تأمل البعض بمرور قانون العفو غداً "ما في عفو ولا من يحزنون" يقول لسائليه، في إشارة إلى أن حسابات تضارب مصالح الفرقاء تجاه السيبة الثلاثية للعفو من مخدرات وإسلاميين وعوائل العملاء لم تتلاءم مع بيدر الممكن.
بيان صادر عن "عشائر وعائلات" بعلبك الهرمل
ومساء اليوم، صدر بيان عن "عشائر وعائلات" بعلبك الهرمل جاء فيه أنه "وصل إلى علمنا بأنّ النواب لم يتفقوا هذا اليوم على إقتراح العفو العام المعروض في جلسة الغد في المجلس النيابي"، وأكدوا على التمسّك "بموقفنا الرافض لقانون عفو مجتزأ ولا يستفيد منه أبناؤنا لانه لا يشمل موضوع الاتجار والترويج وهما الجناياتان اللتان تعنيان أبناؤنا بالدرجة الاولى"، وعلى "أن يشمل العفو المادتين 125 و126 بدون تجزئة او تقسيط وأي قانون لا يشملهما فهو لا يعنينا بتاتا" وعلى أنّ من يعارض أن يشمل العفو المادتين المذكورتين "بحجة أنه لا يريد عفوا عن تجار المخدرات فلا يحق له ولفريقه السياسي ان يقوموا باصدار مراسيم عفو خاص عن تجار مخدرات محسوبين على مناطقهم وطائفتهم"
وحمّل البيان "القوى السياسية الفاعلة في منطقتنا المسؤولية من مغبّة السير بقانون عفو لا يشمل أبناءنا لأن السير بقانون مجحف بحق أبنائنا يعتبر بمثابة حكم الإعدام لهم ولأملهم بالعيش الكريم والعودة الى حضن الشرعية وبالتالي أي مهادنة أو مسايرة أو موافقة من قبل القوى السياسية الفاعلة في بيئتنا ومنطقتنا فلن تكون عواقبه جيدة".
وطالب بـ"عفو عام يسوّي وضع أبنائنا"، وأنّ "كل اقتراح لا ينصفهم لن نرضى به ولا يعنينا".