بعد وقوع المجزرة في بيروت نتيجة انفجار العنبر رقم 12 في المرفأ يوم الثلاثاء في 4 آب/أغسطس، تكدّست النفايات الممزوجة بالزجاج والردم على جانبي الطرقات في المناطق المنكوبة والمتضررة وإلى جانب حاويات النفايات التي فاضت بما تحتويه. وجاء ذلك في وقت لم تبادر الجهات المعنية إلى وضع آلية لإزالة بقايا البيوت والمحال التجارية المهدّمة، وتمّ جمع الرّدم بمبادرات شبابية، فرديّة وتطوّعية في الأيام التي تلت الإنفجار وبجهود بعض الجمعيات أيضاً.

وبعد تجمّع النفايات والزجاج والحديد والردم في الأحياء وعلى جوانب الطرقات، قرّر محافظ بيروت القاضي مروان عبود في 9 آب/أغسطس، تخصيص العقار رقم 1343 ـ المدوّر، بقعة لتجميع الركام والأنقاض الناتجة عن الانفجار، موجّهاً كتاباً إلى قيادة شرطة بيروت في قوى الأمن الداخلي، لأخذ العلم باعتماد بلدية بيروت هذا العقار وتخصيصه للغاية المذكورة.

أثار تخصيص هذا الموقع، لجمع النفايات امتعاض سكان المنطقة، لاسيّما أنّ المدور والتي يعرف جزء منها باسم الكرنتينا، تقع على بعد أمتار من مرفأ بيروت وهي في الأصل مهملة ومحرومة واليوم باتت منكوبة بفعل الانفجار، ولا ينقصها ركام إضافي ونفايات، حتى تفاقم البلدية أزمة السّكان هناك أكثر.

يقول أحد سكان المنطقة الّذي دمّر منزله في الانفجار لـ”المفكرة القانونية” إنّ “نقل النفايات الى المنطقة، أمر غير مقبول، ولا يوافق عليه أحد، كونه قرار عشوائي وتمّ عن غير قاعدة أو خطة مدروسة، هو قرار عشوائي مثلما اعتدنا على قرارات من هم في السلطة”.

ويضيف “المنطقة في الأصل مهملة، والناس بغالبيتها تعيش التعتير والفقر والحرمان، بعضهم ليس لديه القدرة على شراء الطعام، والخوف من أن تحاول السلطة استغلال هذا الواقع، كما يجري عادة، من أجل تمرير ما هو دائم بحجّة الطارئ”.

وتقول أم علي التي فقدت منزلها في المنطقة لـ”المفكرة”: “بدل ما يصلّحولنا بيوتنا جايين يغرّقونا بالزبالة!”.

وكان رد محافظ بيروت القاضي مروان عبود بأنّ “ما أثار امتعاض الأهالي هو اختلاط الحطام والردميات مع النفايات العضوية، ولهذه الغاية تمّ السعي للتخلص من النفايات عبر نقلها إلى الكوستابرافا،  أما الرّكام وبقايا الزجاج فيتم تجميعها في العقار المذكور وتقوم جمعيات بالفرز من أجل إعادة تدويرها”. ويلف في حديث إلى “المفكرة” إلى أنه لا يمكن ترك الردم على جوانب الطرقات وكان لا بدّ من اختيار عقار كنقطة للتجميع كي يتمّ فرز البقايا ومن ثم نقلها إلى المكان المناسب، بمعنى فرز الزجاج من أجل إعادة التدوير وبقايا الأثاث وغيرها.

تزامن الحديث عن قرار نقل النفايات والحطام التي يتمّ جمعها من الأحياء السكنية المتضررة إلى عقار في الكرنتينا، مع مشهد تراكم النفايات والحطام وبقايا الردم بالقرب من محطة القطار في مارمخايل، فعلت الأصوات الرافضة لهذا الأمر، إذ يعتبر البعض أنّه كان يفترض أنّ يخصّص العقار لتحسين حياة السكان المتضررين من الإنفجار الّذي تسبب به إهمال وفساد السلطة في لبنان، كأن يكون مثلاً مركزاً للمساعدات، أو مستشفى ميدانياً.

يقول رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني لـ”المفكرة” إنّه “تمّ منذ بعد ظهر أمس نقل الردم والحطام من محطة القطار، ولم يتبق سوى القليل منها، على أنّ يتمّ إزالتها بالكامل” وبالتالي تنظيف المكان.

ويضيف “سيتمّ إزالة كل ما يجمع في الكرنتينا، من حطام وزجاج وأثاث متضرّر ومخلّفات وفرزها لكي يتمّ طمر المتبقي منها في عقار خارج بيروت وقد تم اختيار الموقع بعيداً عن البيوت والناس، وسيبدأ المتعهّد اليوم ليلاً بإزالة ما تمّ جمعه في عقار الكرنتينا”.

وكانت بلدية بيروت طلبت من الناس في بيان في 8 آب/أغسطس، الابتعاد عن الردم أثناء عملية النقل والالتزام بوضع الكمامات لتجنّب مشاكل صحّية قد تنتج عن تنشقها.

تحذيرات من مواد خطرة في الرّدم 

على مقلب آخر، بدأت بعض الجمعيات البيئية تتحدث عن خطر ينطوي عليه الركام وبقايا البيوت المهدومة. وتقول الخبيرة البيئية والعضو في ائتلاف إدارة النفايات سمر خليل لـ”المفكرة” إنّ “خطورة هذا الأمر تكمن في مادة “الأسبستوس” الخطرة والموجودة في بعض المواد التي تنقل من الأبنية والطرقات، وهي مادة خطرة تتواجد في الأبنية القديمة، مثل مواد العزل، أسقف الإترنيت، والبلاط والأنابيب”.

وتضيف “لا بد من الانتباه إلى كيفية التعامل مع هذه المواد، إذ إنّها ستكون جداً مؤذية في حال استنشاق أليافها المسرطنة” معتبرة أنّ “المشكلة الأساس هي في سوء إدارة هذه المواد ولا بدّ من التوقّف عن رمي المخلّفات بالقرب من البيوت لأنها قد تكون ملوثة”. كما تلفت خليل إلى أنّ “بعض المواد المفروزة من قبل الشبان والجمعيات المتطوّعة تمّ خلطها بعشوائية مع ما تمّ جمعه من الأحياء السكنية”.

من جهته يعتبر القاضي عبود، أنّ “الملاحظات التي يدلي بها خبراء البيئة مرحّب بها، لكن لم يتم تحذيرنا من قبل أيّ معهد علمي، لاسيّما بعد تضارب المعلومات حيال خطورة هذه المواد”.

ويضيف: “هناك آليات تعمل على نقل الركام، نحاول قدر الإمكان تخفيف الضرر عن الناس، وكان لا بد من إجراء خطوة وإلا لكان هذا الأمر قد أثار امتعاض الناس أيضاً”.

وفي هذا السياق، اقترح ائتلاف إدارة النفايات آلية متكاملة للعمل على إدارة النفايات والمواد التي تحتوي على مادة الأسبستوس، تبدأ بتحديد متعهد أو أكثر يجري تدريبهم على التعامل مع المادة المذكورة، وتأمين المعدات اللازمة للتعامل معها، مثل معدات الحماية الشخصية ونظارات واقية، قفازات وكمامات، لفائف لتغليف المواد وغيرها من المعدات، وتأمين آليات نقل تقوم بنقلها بطرق آمنة، وتحديد مكان آمن لا يمكن الدخول اليه إلّا لأشخاص محددين، وتحضير بلوكات إسمنتية لتغليف المواد المحتوية على هذه المادة، ليصار فيما بعد إلى نقل هذه البلوكّات لتخزّن بشكل آمن في المطامر الصحية.

من جهة أخرى، لفت الإئتلاف الى ضرورة توعية المتطوّعين والجمعيات التي تساعد المتضررين في رفع الردميات من الأبنية المكسرة والمهددة، على خطورة الأسبستوس وضرورة الإبلاغ عن وجودها، وإبلاغ الجهات المعنية والمدربة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.