“
أعيد إحياء المجلس الاقتصادي والاجتماعي من جديد في تشرين الثاني 2017، ذلك من خلال المرسوم رقم 1836 المتعلق بالتأليف وبتسمية أعضائه الـ 71 الممثلين لـ 43 هيئة تمثل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، والتي لحقتها خطوة انتخاب رئيسه. تطلبت إعادة تأليف المجلس لولاية ثانية 15 عاماً من الفراغ منذ انتهاء ولايته الأولى عام 2003. فمنذ ذاك العام، والمجلس كان في حالة تصريف الأعمال، التي ضمن خلالها رئيسه السابق روجيه نسناس استمراريته، من دون أي حركة ملموسة لناحية دوره الاستشاري.
خلال هذه الفترة، لم تقدم الحكومة تفسيراً واضحاً لعدم البت في تشكيل هيئة عامة جديدة حالما انتهت ولاية الهيئة الأولى. وعليه، فإن المحطات الرئيسية التي مر بها المجلس منذ تشكيل الهيئة الأولى مروراً بفترة تصريف الأعمال وتشكيل الهيئة الجديدة، أظهرت أكثر من نقطة ضعف ساهمت في إحداث الخلل، منها نقاط ضعف قانونية، وأخرى سياسية بحت. وقد تجددت إشكالياته بولايته الجديدة التي تم تعيين أعضاءها وفقاً للتوزيع الطائفي، منهم 35 مسيحيين و36 مسلماً على أن يكون رئيس المجلس من الطائفة المسيحية[1].
ما هو المجلس الاقتصادي والاجتماعي؟
يذكر أن قرار إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي اندرج ضمن ميثاق الوفاق الوطني في الطائف عام 1989، بحسب ما ورد في أحد بنوده الاصلاحية. وقد ذكرت دراسة نشرتها “مبادرة المساحة المشتركة” بالتعاون مع مركز البحوث والاستشارات بأن مطلب إنشاء المجلس يعود لحركات مطلبية ونقابية في خمسينيات القرن الماضي[2].
كما خصت المادة الثانية من القانون رقم 389 عام 1995 المتعلق بإنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بأن المجلس يعمل على تأمين مشاركة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية الرأي والمشورة في صياغة السياسية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، بالإضافة إلى تنمية الحوار والتعاون بين القطاعات. وبمراجعة المادة 3، نلحظ أن المجلس يؤدي هذا الدور من خلال النظر في الطلبات التي تحيله إليه الحكومة لإبداء الرأي وإعداد الدراسات والتقارير في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والمهنية. ولا يكون له امكانية وضع إبداء رأيه تلقائياً في القضايا، إلا في بقرار يصدر عن أكثرية موصوفة لثلثي أعضائه. واللافت أكثر أن القانون استثنى أن يبدي المجلس رأياً في مشاريع القوانين المالية والنقدية بما فيها مشاريع الموازنات العامة وملحقاتها، وهي المشاريع التي تتضمن جردة للخيارات الاجتماعية والاقتصادية الأبرز.
من ناحيته، يعرف رئيس المجلس شارل عربيد في حديث لـ “المفكرة القانونية” المجلس بأنه “مجلس تمثيلي استشاري مستقل يعمل للصالح العام. ويؤكد أن المجلس “جامع لأخصائيين من شتى المجالات، يسهرون على وضع الرؤية وتطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وعليه فهو مكان للبحث والدرس، وليس للحركات المطلبية”. يلفت عربيد إلى أن “لجان المجلس، وهي 10 لجان، تُعتبر مصنع الأفكار، فالمجلس هو عبارة عن مساحة تفكير، وباب للابتكار والذكاء الاجتماعي”. يضيف، “نحن قادرون أن نصنع من الأفكار مبادرات، ومن المبادرات سياسات ومن السياسات وسائل ضغط وتأثير وأوراق وآراء”. إضافة إلى ذلك، “نطمح بأن يصبح مجلسا اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا، لأننا نعطي أهمية للتأثير البيئي على الشأن الاقتصادي والاجتماعي”.
العهد الأول
في العام 1999 تم تشكيل أول هيئة عامة للمجلس، وبرز إهمال واضح في تطبيق الشروط الأساسية لاستمراره. فبعد تشكيل الهيئة العامة، لحقها تأخير في تأمين المقر الرسمي إلى العام 2002، أي قبل عام واحد من انتهاء ولايته. وعليه، فإن العمل الطبيعي للمجلس لم يتجاوز العام الواحد. فضلاً عن ذلك، بقي ملاك المجلس شاغراً بسبب امتناع الحكومة عن تطبيق المرسوم 3760 الصادر عام 2000 المتعلق بتنظيم المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والذي يكفل تعيين 52 موظفاً من ملاك الإدارات العامة. فانتهت ولايته الأولى بوجود موظفين اثنين فقط، وهما المدير العام للمجلس وأمين سره[3]، وملف واحد في سجله حولته الحكومة لطلب بيان الرأي[4]. حتى لم يتم إقرار الموازنة في السنوات الثلاث الأولى، علماً أن المجلس حينها قام بوضع نظامي العمل الداخلي والمالي. والحال أنه بعد انتهاء ولاية المجلس الأولى، لم يتم تعيين أعضاء جدد. وعليه، انتهى عمل المجلس طالما أن قانون إنشائه لم يضع آلية تضمن استمرار عمله بعد انتهاء ولايته.
خلال فترة تصريف الأعمال التي استمرت لـ 15 عاماً، لم تقدم الحكومة تفسيراً واضحاً لعدم تجديد ولاية المجلس تلقائياً بعد انتهاء الولاية الأولى. وقد رجح المتابعون أن تكون الظروف السياسية والأمنية التي عاشها لبنان في تلك الفترة ساهمت في انشغال الدولة ووضع ملف المجلس جانباً. إلا أن المنسق العام للمرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين الدكتور أحمد الديراني يلفت إلى “غياب القرار السياسي لإعادة إحياء المجلس الاقتصادي والاجتماعي”. ويلفت إلى أن شلل المجلس يعود إلى “طبيعة النظام اللبناني حيث تسود الأنظمة المذهبية التي تساهم غالباً في تعطيل الحوار، والتي يسهم في تغذيتها الاستزلام الطائفي للتدخل في مجلس أنشئ أساساً على مبدأ غير طائفي”. بالإضافة إلى “استخفاف السلطة آنذاك بأهمية حضور الحوار الاقتصادي والاجتماعي”.
الشعارات الجميلة لا تخفي التوزيع الطائفي
تسمي كل هيئة ممثلة في المجلس مرشحيها بعدد يبلغ ثلاثة أضعاف عدد الأعضاء الذين يفترض بهم تمثيلها، وهي ترسل الأسماء إلى الحكومة التي تنتقي منهم أعضاء المجلس. عند إجراء التعيينات الأخيرة، تم اختيار أعضاء المجلس وفق معادلة طائفية، خلافا لما نص عليه اتفاق الطائف. يبرر عربيد الأمر بأن “لبنان لا يزال يعيش تحت وطأة النظام الطائفي، علماً أنه أمر غير مقبول في هذا الزمن”. يتابع، “لكن نظراً لخصوصية بلدنا فإن التوزيع الطائفي يعتبر عنصر طمأنينة، إلى حين تتغير الظروف ويصبح البلد جاهزا للانتقال إلى مرحلة مختلفة”. بالتالي، لا يعتبر عربيد أن “التوزيع الطائفي له تأثير على استقلالية المجلس، إذ أن الاستقلالية تأتي من الكفاءة والممانعة”. ويشدد على أننا في “المجلس نسعى للاستقلالية، واستهلينا الأمر بوعد عهدناه على أنفسنا كممثلين للهيئات كافة، فعلقنا لوحة على باب الهيئة العامة كتب عليها “نعلق هنا انتماءاتنا الفئوية وندخل لنعمل لكل لبنان، معا ننتج نزدهر نفرح ونعيش”.
أمام هذه الإيجابية التي يتمتع بها رئيس المجلس، يرى متابعون أن تجربة المجالس النيابية المتعاقبة منذ اتفاق الطائف والقائمة على أساس التوزيع الطائفي، لم تنجح في استنهاض النشاط الاقتصادي والاجتماعي لصالح الشعب اللبناني، بل خذلتهم في شتى المجالات. وعليه، فإن صياغة المجلس الاقتصادي والاجتماعي ككينونة أخرى مصبوغة بالتبعيات المذهبية، يحيده عن أداء دوره بالشكل المطلوب الهادف لتحقيق حاجات الشعب ويعرضه للرضوخ لإرادة السلطة السياسية والمذهبية. من هذه الناحية يؤكد الديراني أن “التوزيع الطائفي في المجلس الحالي أفقده الجوهر الأساسي الذي وجد لأجله، لافتاً إلى أن المجلس لم يتم تشكيله إلا بعدما ضمن التيار الوطني الحر أن تكون الرئاسة له”. يرجح الديراني “إضعاف دور المجلس بسبب إدخال المذهبية إليه، لكننا نتريث قبل الحكم عليه لننتظر ماذا سينتج”.
يصف ممثل نقابة المحامين في المجلس الأستاذ جميل حسامي الأسلوب الذي اعتمد في تسمية الأعضاء أنهم “ما زعلوا حدا”. ويهدف حسامي بهذا التعبير أن يؤكد أن الأمر لن يؤثر على عمله، إذ يؤكد أنه شخص عابر للطوائف ويعمل بشكل مستقل عن أية تبعية”. ويشدد على أنه تم تسميته بناء على “الثقة التي سلمته إياه نقابته لتمثيل المصلحة العامة بتجرد”. كما يلفت إلى “وجود عناصر فاعلة في المجلس، ونشيطة قادرة على وضع رؤى واستراتيجيات هامة بمعزل عن انتمائها الطائفي”. حسامي وأعضاء آخرون تواصلت معهم المفكرة لتعليل تسميتهم وفقاً لانتماءاتهم الطائفية، صرّحوا أنه تمت تسميتهم بناء على سيرتهم الذاتية، وليس بإيحاء من أحزاب أو أية انتماءات سياسية. لكن بالمحصلة تم موازنة التوزيع الطائفي بين الأعضاء.
الهيئات الأكثر تمثيلاً؟
يحدد المرسوم رقم 1836 الصادر في 23 تشرين الثاني 2017 المتعلق بتأليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والهيئات الأكثر تمثيلاً وهي 43 هيئة. وفيما لم يحدد المرسوم الآلية التي اتبعتها الحكومة لتسمية هذه الهيئات، يتساءل الديراني عن اعتبار الاتحاد العمالي العام ممثلاً للعمال اللبنانيين، مشيراً إلى أن “العمال المنتسبين للاتحاد لا يتعدى 7% من عمال لبنان، عدا أن المشاركين في الانتخابات لا يتعدون 5% منهم”. فيسأل، “كيف يمثل الاتحاد عمال لبنان، خاصة أنه مرتهن للسلطة وأقرب إلى اتحاد الطوائف والمذاهب من كونه ممثلا للعمال”. في الاتجاه نفسه، يتكلم الخبير الاقتصادي والمدير التنفيذي في مؤسسة البحوث والاستشارات كمال حمدان، موضحاً أن الاتحاد العمالي العام “جرى تطييفه والسيطرة على قراره، وأصبح أحد أشكال الهيئات المستنسخة والمتكررة التي تخضع لإملاءات الحكّام والزعماء”. يتابع حمدان، “ولا نتوقع أن يتمتّع ممثلّو الاتحاد العمالي في المجلس بالقدرة على خلق حلول لمشاكل الشعب اللبناني”. ولا يقتصر هذا التطييف على الاتحاد العمالي كما يشرح حمدان، بل يشير إلى أن “غالبية من الهيئات الممثلة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي هي هيئات تخضع – عبر آليات الانتخاب المعمول بها -لإرادة السلطة، حيث تعتمد في انتخابات تلك الهيئات التوازنات الطائفية والمذهبية التي ترضى عنها التشكيلات الطائفية المتنفّذة”، ويعطي مثالاً انتخابات غرفتي التجارة والصناعة.
من جهته، يعتبر ممثل الاتحاد العمالي العام وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي حسن فقيه أن الانتماء للاتحاد العمالي ليس إلزامياً، لكن مع ذلك هو الهيئة الأكثر تمثيلاً للعمال وهذه مسألة محسومة. ويؤكد على أن “ممثلي الاتحاد في المجلس يسعون إلى حفظ حقوق الجهة التي يمثلونها، أي العمال”.
إلى ذلك، نتبين الضعف التمثيلي للجمعيات غير الحكومية الناشطة في الشأن العام أو ما يعرف بـ “المجتمع المدني” بحسب الصيغة اللبنانية. ففيما ضمن المرسوم وجود 3 أعضاء ممثلين للجمعيات غير الحكومية، فإن الحكومة لم تتواصل مع كافة الجمعيات غير الحكومية لاختيار مرشحيها. عن هذا الأمر، يلفت الديراني، (وهو أحد المبادرين لإنشاء المنتدى الحوار الاقتصادي والاجتماعي الدائم بديل عن المجلس المعلقة مهامه في عام 2015 – راجع الفقرة الأخيرة)، إلى أن “المجتمع المدني لا يعد ممثلاً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إذ أن السلطة لم تطلب منا المشاركة في تعيين مرشحين وليس واضحاً من هي هذه الجمعيات الممثلة وكيف يجري انتقاؤها”. ويذكر الديراني أن “تعيين أشخاص يمثلون الجمعيات غير الحكومية يحتاج لدراسة”، لكن يعتبر “أنه كان على الأقل الإعلان عن رغبتهم بإدخال ممثلي جمعيات من المجتمع المدني ليتم لاحقاً البحث في آلية الترشيح”. من هذه الناحية، يرمي عربيد الأمر على قانون إنشاء المجلس الذي لم يتم تعديله أي مرة منذ إقراره، وفي المقابل يؤكد انفتاحه على المجتمع المدني وفتح الحوار والنقاش في رؤياهم في نشاطات المجلس.
ختاما في هذا الخصوص، يلفت حمدان إلى أن المرسوم أعطى الدولة حق تسمية 10 أشخاص من أصحاب الكفاءات لتشكيل فريق عمل متعدد الاختصاصات والخبرات وقادر على إغناء عمل المجلس. وهؤلاء بحسب حمدان، بتنوّع وتكامل اختصاصاتهم، أكثر قدرة على القيام بالتدخل الفعال، على خلاف الهيئات الأكثر تمثيلاً التي ينحصر عمل كل منها في قطاع محدد. لذا يشير إلى أن “المراهنة كانت على الحيز الذي يعود للدولة، فكان من الأجدى توليف تركيبة الأعضاء الـ 10 بشكل لا يخضع تعيين هؤلاء للاعتبارات الزبائنية أو يكونوا مجرّد جمع حسابي لشخصيات موحى بها من زعامات طائفية”.
المجلس الحالي: استشارتان فقط للحكومة
بعد نحو خمسة أشهر على دخول الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال، فإن للتأخر في إعادة تشكيلها اعتبارات ترخي بثقلها على الدور الاستشاري الأساسي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي. المجلس الذي انتظر 15 عاماً لتجديد ولايته الثانية، لم ينظر حتى اليوم إلا في ملفين اثنين حولتهم الحكومة[5]. واحد يتعلق بحصر موجب الحصول على براءة ذمة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بحالات معينة، الذي صوت المجلس ضده. وموضوع آخر أيده المجلس، يتعلق بإعطاء حوافز للمؤسسات لاستخدام إجراء لبنانيين. وذلك تماشياً مع المادة 3/1 من قانون إنشاء المجلس، والتي تفيد بأنه للحكومة أن تحيل طلبات ابداء الرأي في القضايا ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والمهني…”.
وأمام ضآلة عدد الملفات التي تسنى له النظر فيها، أمكن القول إن المجلس الاقتصادي والاجتماعي الحالي قد شغل دوره الاستشاري الذي وجد لأجله بالشكل المطلوب في سنته الأولى منذ تشرين الثاني 2017. فالمجلس عمل لنحو 7 أشهر في ظل الحكومة السابقة قبل أن تدخل في تصريف الأعمال في أيار الماضي. ومع التأخر في تشكيل الحكومة فإن 6 أشهر أخرى مرت والمجلس لم يقم بأية استشارة تذكر، فيصعب تقييم سنته الأولى من خلال عمله في ملفين فقط، ما يضعه أمام تحدّ لإثبات فعاليته في السنتين القادمتين.
من جهته، لا يعتبر عربيد هذا الأمر تقصيراً أم استخفافا بدور المجلس، ويتحفظ عن اتخاذ موقف من تدني عدد الملفات التي أحالتها الحكومة السابقة. بل يتطلع إلى المستقبل، ويترقب من الحكومة القادمة أن ترسل طلبات الرأي.
يرى المحامي جميل حسامي أنه لم يجرِ تحويل الملفات إلى المجلس بما يتلاءم مع دوره، فبمقارنة مع تعامل الدولة الفرنسية مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي لديها، نرى أنها تعطيه أهمية عالية وتضعه في المرتبة التي تأتي بعد مجلس النواب. لهذا، يؤكد حسامي أنه لا يمكن تقييم المجلس في سنته الأولى “كي لا نظلمه وهو مازال في بدايته عدا عن أن التأخر في تشكيل الحكومة له اعتباره”.
برنامج حافل بالنشاطات: لا ننتظر تشكيل الحكومة لنعمل
قد يكون بالنسبة لعربيد أن التأخر في تشكيل الحكومة يؤخر عمل المجلس. إنما ومع ذلك، يؤكد بأن المجلس لا يقتصر دوره على إبداء الرأي حين تطلب منه الحكومة ذلك، بل يتعدى ذلك من خلال “المبادرة والتواصل والتفاعل وبناء القدرات تحت عنوان الحوار الاقتصادي والاجتماعي”. لذلك، يقول بأن “المجلس منذ بداية ولايته وهو يعمل كخلية نحل”. يشرح عربيد رؤية المجلس التي يسعى لتحقيقها في الآونة القادمة، والتي تعد بمثابة خطة تتمثل بثلاثة مسارات أساسية، مرجحاً أن تأتي بواقع أفضل على لبنان إذا ما تم السير بها:
- أول المسارات هو “دراسة آليات تنفيذ البنود الإصلاحية التي تضمنها مؤتمر سيدر”، لافتاً إلى أنه شارك فيه شخصياً، علماً أن المجلس لم يشارك به بصفة رسمية.
- الثاني، المشاركة أيضاً في تطبيق الخطة الاقتصادية التي تعرف بخطة ماكينزي.
- أما المسار الثالث فهو وضع ميثاق اجتماعي جديد يضمن مسائل عدة على رأسها قانون العمل، الضمان الاجتماعي، السياسة الإسكانية، وغيرها من المسائل. بالتالي، يختصر عربيد المسارات الثلاثة بالكلمات الآتية: “إنتاجية تنافسية وعدالة اجتماعية قائمة على تكافؤ الفرص”.
غير ذلك، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي سعى في الآونة الأخيرة إلى الاجتماع مع الكتل النيابية بشكل مستمر، كما يؤكد عربيد. وسعى أيضاً إلى التواصل مع الأحزاب بهدف إدخال العقل الاجتماعي والاقتصادي إلى العمل السياسي في لبنان. ويوضح بأن ذلك ليس بهدف تسييس عمل المجلس بل لجمع القواسم المشتركة الاجتماعية والاقتصادية بين الأحزاب. يشرح عربيد بأن هذه المبادرة بدأت بإرسال إلى “الأحزاب كافة لتزويد المجلس بالرؤى الاقتصادية التي على أساسها ترشحوا إلى الانتخابات النيابية”. يضيف، “تجاوبت معنا 7 أحزاب، فقمنا بتحديد القواسم المشتركة، فتبين معنا أن الأحزاب عندما تتكلم اقتصاد ومجتمع بعيدا عن السياسة، فإن ما يجمعها أكثر مما يفرقها”. وفي مبادرة ثانية، أجرى “المجلس الحوار الاقتصادي والاجتماعي للأحزاب السياسية، مبني على الأبعاد التقنية وليس السياسية”. فيؤكد أنه “تم تشكيل فريق من الخبراء يمثلون الأحزاب، بهدف إدخال الهم الاقتصادي والاجتماعي إلى العقل السياسي في لبنان”. ومن أهداف هذه النشاطات بحسب عربيد، هو “وضع عنوان وإجراءات توافقية ليلتزموا بتنفيذها ونحن نتابع معهم جدية التنفيذ”. يعتبر عربيد أن “ممثلي الأحزاب يشكلون فريقاً ممتازا قادر على ابتكار الأفكار، كما ووضع رؤية وسياسات بموازاة عمل اللجان التي يقع على عاتقها دراسة العمل الأساسي كما الهيئة العامة للمجلس”.
البعد القانوني
يتريث عربيد في التطرق إلى موضوع تحديث قانون إنشاء المجلس. وإذ يذكر أن القانون لم يعدل منذ إنشائه، يرى أنه من الأفضل تأجيل هذا الأمر ريثما يتمكن المجلس من إثبات دوره بالوسائل المتاحة”. ويضيف “من ثم نبدأ في النظر في كيفية تحديث القانون، أقله بعد مرور السنة الأولى من ولايته”. كذا، ويستبعد أن “يشمل تحديث القانون المتوقع أية تعديلات على موضوع عدم تقاضي الأعضاء أية بدائل مادية”، مؤكداً أن هذا “ليس موضوعاً أساسياً لتحديث القانون والعمل في المجلس هو عمل تطوعي”. وبالتالي يشدد على أن “أعضاء المجلس ورئيسه لا يتقاضون أية بدائل مادية من أي نوع كانت ولا مخصصات”. ويقول نحن لا نملك “لا سيارة ولا دراجة نارية ولا حتى بسكليت”.
قدرات المجلس في إبداء الرأي في المشاريع الموجودة على طاولة مجلس الوزراء، تبقى وقفا على إرادة الحكومة، أيضاً يحق للمجلس تكليف نفسه بتقديم بيان رأي شرط موافقة ثلثي أعضاءه، بحسب المادة رقم 3 من قانون 389 المتعلق بإنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي. ومع ذلك، يبقى رأيه غير ملزم للحكومة، غير أن الحكومة أيضاً غير ملزمة بتبرير رفض رأي المجلس. في هذا الشأن يشير عربيد إلى أنه يأمل أن يصبح رأي المجلس ملزما للحكومة، ممتنعا عن الدخول في تفاصيل مساعي المجلس لتحقيق ذلك. لكن في المقابل، يلفت إلى أن “الآراء التي يتم النقاش بشأنها يتم دراستها في اللجان، ويتم تقديم بيان الرأي إلى الحكومة معللاً بالأرقام والدراسات ويحوي منطقاً قوياً، فلا يعود للحكومة إلا وأن تقبل به”.
من جهة أخرى، يعتبر حمدان أن القانون بحاجة لتعديل من نواح عدة. “الأبرز هو أنه لم يلحظ آلية لتعيين هيئة جديدة عندما تنتهي ولاية المجلس الحالية، وذلك تجنباً لعدم تكرار التجربة الأولى حيث انتهت ولاية المجلس الأول من دون أن يكلّف رسميا وقانونيا بتصريف الأعمال لدى انتهاء مدّة ولايته المحددة بثلاث سنوات”. من ناحية أخرى، يعتبر حمدان أنه “يجب دراسة توسيع قاعدة التمثيل لتشمل المزيد من الفروع القطاعية الحديثة ومن الجمعيات المدنية المتخصصة في حقول أساسية ذات صلة بتجسيد حقوق الانسان”. كذلك، بالنسبة لحمدان “ينبغي إعادة البحث بمسألة تعويض الأعضاء عن مشاركتهم في المجلس، ارتباطا بالمهمات الملموسة وحجم الأعمال الملقى على عاتقهم والتي لا يمكن الاضطلاع بها فعلا عبر العمل التطوعي فقط”.
مجلس ظل بديل
خلال فترة شلل المجلس برزت عام 2016 مبادرة بحث في إمكانية إنشاء مجلس اقتصادي واجتماعي ظل تحت اسم المنتدى الدائم للحوار الاقتصادي والاجتماعي. أسس هذه المبادرة 4 جمعيات حقوقية بهدف الضغط على الحكومة لتفعيل المجلس. يتحدث عن هذا الأمر الديراني، الذي يؤكد أن “المنتدى عمد إلى دعوة الهيئات الأكثر تمثيلاُ المحددة بمرسوم الهيئات الأكثر تمثيلاً، وتمكن من جذب نحو 50 جهة للمشاركة”. يضيف الديراني بالتأكيد على أن تأسيس مجلس الظل لم يكن الهدف منه انتظار الحكومة لتحويل الملفات. إذ أنه لا يحوز على صفة رسمية لذلك، إنما الهدف منه “إنشاء حلقة حوار في مضمون المشاريع التي تطرأ على المجتمع الاقتصادي والاجتماعي”. فنجح المنتدى آنذاك بجمع العديد من الهيئات لتنظيم مؤتمر حول مشروع المناطق الاقتصادية الخاصة في لبنان، وتحديداً المنطقة الاقتصادية في طرابلس. وكانت حقوق العمال محوراً أساسياً في الحوار، بسبب أن هذا النوع من المناطق لا يفرض على الشركات إدراج موظفيهم على برنامج الضمان الاجتماعي. كما جرى النقاش في محور آخر يتعلق بالمنافسة غير المتكافئة مع الشركات التجارية، بسبب التباين في دفع الضرائب والرسوم الجمركية بين المنطقة الخاصة وكافة المؤسسات. من هذه الناحية، يلفت الديراني أن المنتدى نجح في تنظيم ورشة عمل للحوار في هذا الموضوع، ودار النقاش حول الإصلاحات الموجب إدخالها على هذا النوع من النشاطات الاقتصادية. المنتدى لم يدم لأكثر من عام واحد، ويحيل الديراني السبب إلى اصطدامه بضعف رغبة الحوار لدى الهيئات المشاركة التي لا تمتلك رؤية اقتصادية عامة، ولا وعيا كافيا لمواجهة السلطة. بالإضافة لعدم جهوزية الجمعيات الأهلية في المجتمع المدني للدخول في مشاريع من هذا النوع، وذلك بسبب تكريسها العمل على قضاياها الخاصة، وعدم انجذابها للسياسات العامة. وعلى الرغم من أن هذه المبادرة أُجهضت سريعاً في الوقت الذي كان المجتمع اللبناني بحاجة لاستمراريتها، يعتبر الديراني بأنها “كانت مبادرة إيجابية، إذ أنه ليس أمراً سهلاً جمع الأفرقاء للمشاركة في حوار معاً”.
ويُذكر، أنه لم يتم التواصل مع المبادرين لإنشاء مجلس الظل حين تم إنشاء الولاية الجديدة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في العام 2017، رغم الجهود التي بذلوها لإعادة إحيائه.
[1] رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد في تصريح للمفكرة القانونية.
[2] حول إعادة نهوض بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، مبادرة مساحة مشتركة لتبادل المعرفة وبناء التوافق، بالتعاون مع مؤسسة البحوث والاستشارات، 2014.
[3] حول إعادة نهوض بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، مبادرة مساحة مشتركة لتبادل المعرفة وبناء التوافق، بالتعاون مع مؤسسة البحوث والاستشارات، 2014.
[4] دراسة مبادرة مساحة مشتركة: “لم يطلب من المجلس بيان الرأي إلا مرة واحدة حول “مسودة مشروع تعديل بعض مواد قانون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وقد تم ذلك بطلب من مجلس الوزراء بتاريخ 3 تشرين الثاني 2001 حيث استجاب المجلس لهذا الطلب ولكن دون معرفة مدى استفادة الحكومة من بيان الرأي”.
[5] “الاقتصاد” تنشر رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي بموضوع العمل ببراءة الذمة في صندوق الضمان، 28 آذار 2018، الاقتصاد، https://goo.gl/vbmpjk.
“