“
لائحة طويلة من ملفات الحق العام في قضية تلوث الليطاني ألصقها رجل الأمن على مدخل مكتب القاضي المنفرد الجزائي في زحلة محمد شرف. نهار الخميس 15 تشرين الثاني 2018، كان موعداً للنظر في 43 ملفاً بشأن تلويث اـليطاني. لكن، نفهم من العدد القليل من الوافدين أن الكثير من الشركات المدعى عليها لم يجر تبليغها. فلم يتعدّ عدد الموجودين في مكتب القاضي شرف 10 أشخاص. ومن بين الملفات المكدسة أمامه، لم يعقد القاضي شرف ما يتخطى 10 جلسات، وهي جلسات الشركات والمصانع التي نجح المباشرون القضائيون بتبليغها. والجدير ذكره، أن مصلحة الليطاني ادّعت حتى الآن على أكثر من 70 مصنعاً في قضية تلوّث النهر، وقد عقدت المحكمة بتاريخ 6 تشرين الثاني جلسة لـ 31 مؤسسة صناعية أخرى.
مصنع لنشر الصخور
من بين الشركات المبلغة، جرى الاستماع إلى إفادات شخصين فقط، أحدهما يملك مصنعاً لنشر الصخور في تعنايل، وآخر يملك مصنع أتربة في زحلة.
الأول، أوضح للقاضي شرف أن معمله يتواجد على مقربة من النهر، لكنه شدد على أنه لا يرمي أي ملوثات في النهر. وشرح للقاضي أن لديه جورة لتجميع النشارة الناتجة عن قص الصخور، فيتم خلطها بالماء ثم يتم تجفيفها لترمى في أماكن مخصصة لها. كذا وأكد أنه يعاود استعمال المياه نفسها مجدداً، ولا يرميها في النهر.
وقد أبدى وكيل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، والتي اتخذت صفة الادعاء الشخصي في كافة الملفات، المحامي علي عطايا تمسكه بالتقارير الأولية التي أصدرتها المصلحة، والتي وضعتها لجنة الكشف الفني لكافة المعامل والشركات المدعى عليها. وأكد عطايا على أن التقارير أثبتت التلوث الذي يسببه هذا المعمل، لكنه في المقابل طلب من القاضي إعادة تعيين خبير فني على نفقة المدعى عليه، ليحدد صحة ما يقوله. بالتالي، لفت القاضي شرف إلى تعيين خبير بتكلفة 600 ألف ليرة لبنانية، وعلى ضوء ما يقوله الخبير سيتم تحديد الطرق الآلية إلى منع هذا التلوث والإجراءات التي يمكن اتخاذها بالتعاون مع الخبرة الفنية. وأرجئت هذه الجلسة إلى 20 كانون الأول 2018.
مصنع الأتربة
الرجل الثاني كان ينتظر دوره للكلام مع القاضي، يحمل بين يديه كدسة من الأوراق والصور، وضعها أمام نظر القاضي. بدأ الرجل يُخرج الصورة تلو الأخرى، وهي صور مأخوذة لعدة زوايا من مصنع الأتربة الخاص به. أكد الرجل أن مصنعه يُبعد عن الليطاني نحو الـ 12 كيلومتراً، متسائلاً “كيف يمكن أن تصل الملوثات من معملي إلى النهر من هذه المسافة البعيدة”. وقد أعرب الرجل عن قلقه أمام القاضي بسبب عدم درايته بنوع الشكوى الموجهة ضده. أشار إليه القاضي شرف بوجود منفذ من معمله يصل إلى النهر. فأشار الرجل إلى أنه قد أغلق ذلك المنفذ منذ مدة وأن رواسب الأتربة توضع في جورة خاصة بها.
من هذه الناحية، اعتبر المحامي عطايا أن موضوع الليطاني لا يتعلق في الملوثات التي ترمى مباشرة إلى النهر، انما، بعض المعامل تستخدم جورا لرمي ملوثاتها، وهذه الملوثات تصل إلى الآبار الجوفية، مؤكداً أن الكشف الفني أظهر أنها تؤدي إلى تلويث مياه النهر.
وشدد عطايا على أن قضية المصنع في الملف الراهن لا يمكن البت بها إلا بعد كشف تقني ثان على نفقة المدعى عليه. واعتبر أن مصلحة الليطاني كشفت وتبين لها أن هذا المعمل يسبب تلوثاً. وأضاف، “فإن قام صاحب المعمل مؤخراً بتسوية وضعه، فإن هذا الأمر يبت فيه الخبير المختص”.
صاحب المصنع أشار إلى أنه “لا يعرف ما هو الملوث الذي تتكلم عنه مصلحة الليطاني، مشيراً إلى أن الخبراء لم يأخذوا عينات من المعمل لفحصها لمعرفة إذا كان معمله يسبب تلوثاً أم لا. وأضاف، “كما أنني لم أستلم تقريراً لأعرف نتيجة الكشف. فقط وصلني تبليغ بإقامة دعوى ضدي”. وشكا الرجل إلى القاضي: “إنهم يشهرون بنا على وسائل التواصل الاجتماعي”، مضيفاً “ليس لي مصلحة بأن ألوث النهر، وأكرر إن معملي يبعد 12 كلم عن الليطاني”. عندها قرر القاضي تعيين خبير فني ليكشف من جديد على المعمل، وليحدد إن كان معمله يسبب تلوثاً أم لا. وتم إرجاء الملف إلى 18 كانون الأول 2018.
الملفات الأخرى
فيما عدا الملفين المذكورين أعلاه، جرى النظر في 4 ملفات أخرى. وقد حضر وكلاء تلك المصانع والشركات، وأمهلهم القاضي شرف للاطلاع على الملف. وتبين في أكثر من ملف أن النيابة العامة الاستئنافية قامت بالادعاء على موظفون في الشركات بدلاً من المالكين، وأحياناً أخرى الادعاء كان على شخص وليس على الشركة أو المصنع. لذا، طلب القاضي إعادة تلك الملفات إلى النيابة العامة لإجراء المقتضى القانوني.
كان القاضي شرف في كل مرة يُذكر الوكلاء بضرورة احترام المهل، وأن يتم تقديم الدفوع الشكلية، إن وجدت، في الجلسة القادمة، وإلا لن يكون هناك مهلة أخرى. كذا وشدد على ضرورة حضور المفوض بالتوقيع عن الشركات والمصانع المدعى عليها. وأوضح القاضي شرف أن العقوبة في هذه الملفات تتخطى سنة سجن. وما بين الجلسة والأخرى، كان القاضي شرف يُذكر أيضاً، بضرورة التعاون لأجل الوصول إلى نتيجة معقولة في هذه القضية. وتوجه بالحديث إلى جميع الموجودين في المكتب بالقول: “لم يعد هناك ما اسمه الليطاني، والتلوث الذي يعاني منه النهر هو مسؤوليتنا جميعاً”.
تم إرجاء بعض الجلسات إلى تاريخ 18 كانون الأول، وجلسات أخرى إلى 20 كانون الأول من هذا العام.
“