“
لم تكن الصورة التي تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول مسار العملية الانتخابية في تونس مكتملة. إذ وراء الكاميرات، وعلى الميدان، كان الصحفيون يدفعون ثمن الصراعات السياسية والتجاذبات بين أنصار مختلف المرشحين، لتتحول إلى حملات متبادلة للشحن والتحريض. النتيجة كانت موجة من الإعتداءات التي طالت الصحفيين خلال الفترة الانتخابية. تعددت الأشكال ومصادر الاعتداء، لتدق ناقوس الخطر حول مستقبل حرية الصحافة وتأثير الإنفلات في الخطاب السياسي على استقلالية القطاع وحريته.
عقدت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ندوة صحفية صباح يوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2019، في مقر النقابة، وذلك لتقديم تقريرها الخاص حول الاعتداءات على الصحفيين وحرية الصحافة أثناء الفترة الانتخابية بحضور عدد من ممثلي الهياكل المهنية والمنظمات الحقوقية الشريكة على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، الجامعة التونسية لمديري الصحف، الغرفة الوطنية النقابية للقنوات التلفزية، النقابة العامة للإعلام بالاتحاد العام التونسي للشغل، الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، عمادة المحامين، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى ممثلي المفوضية السامية لحقوق الانسان ومنظمة اليونسكو في تونس. التقرير لم يقتصر على استعراض الأرقام، حيث سلط الضوء على التطورات الأخيرة الحاصلة في المشهد الإعلامي في تونس محذرا من انعكاسات موجة العنف ضد الصحفيين وخطاب الشيطنة الذي يستهدف القطاع الإعلامي.
إعتداءات بالجملة لم تستثنِ أحدا
استعرضت وحدة الرّصد والسلامة المهنيّة التابعة لنقابة الصّحفيين الإحصائيات الخاصة بالاعتداءات التي طالت المهنيين خلال الفترة الممتدة بين 22 جويلية 2019 و17 أكتوبر 2019. وقد تم تسجيل 79 إحالة اعتداء جسدي ولفظي ومنع من العمل طال 76 صحفيا تونسيا إضافة إلى شنّ حملات تحريض ضد قناتين تلفزيتين طيلة الشهرين اللذين تزامنا مع المسار الانتخابي في البلاد.
وأبرز التقرير أن 35 صحفية و41 صحفيا يعملون في 9 إذاعات و8 قنوات تلفزية و3 صحف مكتوبة وموقعين إلكترونيين ووكالة أنباء، قد تعرضوا لاعتداءات انقسمت إلى 24 حالة مضايقة و32 حالة منع من العمل و7 حالات اعتداء جسدي و4 حالات اعتداء لفظي و5 حالات تهديد بالذبح والقتل، و7 حالات تحريض تضمنت شن حملات على شبكات التواصل الاجتماعي تستهدف بالأساس قناة الحوار التونسي.
هذا وتعرض الصحفيون للاعتداء في جميع المحافظات التونسية تقريبا البالغ عددها 24 محافظة باستثناء محافظتي بن عروس وأريانة على امتداد الفترة الانتخابية. لكن أعلى النسب تم تسجيلها في تونس العاصمة التي تصدرت باقي المحافظات بـ 23 اعتداء، تليها محافظة قفصة بـ 8 اعتداءات ثم باجة وسيدي بوزيد بـ 5 اعتداءات، فسوسة والقيروان بـ 4 اعتداءات. وقد حدثت معظم هذه التجاوزات خلال أداء الصحفيين لواجبهم المهني على الميدان بنسبة تقدر ب 79.5%. أما عن مرتكبي حوادث الاعتداء، فتشير الاحصائيات الواردة في التقرير أن مديري مكاتب الاقتراع كان لهم النصيب الأكبر في تعنيف الصحفيين بنسبة تناهز 35% يليهم المواطنون بنسبة 19%.
النقابة توجه توصياتها لجميع الأطراف
التقرير لم يقتصر على استعراض الأرقام والإحصائيات، بل حمل مختلف الفاعلين مسئولياتهم. ففي هذا السياق توجهت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بعدد من التوصيات إلى الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية أبرزها مطالبة هيئة الانتخابات بالتحقيق في كل الاعتداءات التي طالت الصحفيين من عرقلة واعتداء عليهم في السياق الانتخابي، وتتبعها إداريا والتحقيق فيها ومد النقابة بنتائجها والإجراءات المتخذة في شأنها.
وأوصت وحدة الرصد والسلامة المهنية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنظر في الحالات التي كان فيها أعوانُها مسؤولين من جهة ودعت المترشحين للانتخابات التشريعية والرئاسية بضرورة تدريب الفرق العاملة معهم على التعامل مع الصحفيين وفقا لمبادئ الدستور والمواثيق الدولية والنصوص الوطنية في علاقة بحرية الصحافة وحق النفاذ إلى المعلومة. كما شددت على احترام مبدأ عدم التمييز بين وسائل الإعلام واحترام حق المواطن في الحصول على المعلومات، وفق أحكام البند الأوّل لميثاق الشرف الصحفي الذي ينص على أن “يلتزم الصحفي بالسعي إلى الحقيقة وبالعمل على إبلاغها إلى الرأي العام في إطار حقه في النفاذ إلى المعلومة”.
في المقابل، وجهت وحدة الرصد دعواتها إلى الصحفيين والمؤسسات الإعلاميّة بضرورة الابتعاد عن الانحياز للأطراف المتنافسة والتقيد بأخلاقيات المهنة الصحفية، حتى لا تكون مخالفتها ذريعة للاعتداء على الصحفيين العاملين في الميدان. كما ذكرت المهنيين بضرورة اتخاذ كل الإجراءات الوقائية، من لباس مميز وبطاقات اعتماد، لتسهيل العمل وتفادي أي اشتباه في صفتهم الصحفية. وقد دعت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في ختام الندوة الصحفية وكما جاء في تقريرها الذي نُشر لاحقا في موقعها الالكتروني الرسمي، إلى إيقاف كل حالات التحريض على شبكات التواصل الاجتماعي على الصحفيين ومراعاة طبيعة عملهم في الميدان والفصل الجيد بين ما يدخل ضمن التعبير عن الرأي والتحريض على العنف والكراهية والتي اعتبرتها جرائم يعاقب عليها القانون.
ويذكر أن الرئيس التونسي المنتخب، قيس سعيّد، كان قد دعا إلى احترام الإعلاميين والمؤسسات الإعلاميّة بعد تصاعد موجة الاعتداءات خصوصا خلال الاحتفالات التي تلت إعلان نتيجة الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، مؤكدا على ”عدم التعرض لأحد في جسده أو عرضه أو ماله”.
“