احتكار الدواء والمحروقات من قبل من هم “خارج الحكم”: المساواة بين المحتكرين وإلا..


2021-09-24    |   

احتكار الدواء والمحروقات من قبل من هم “خارج الحكم”:  المساواة بين المحتكرين وإلا..
زحمة سير أمام محطات الوقود في حلبا (الوكالة الوطنية)

في خضمّ الجدل الدائر حول احتكار المحروقات والدواء والذي سبق تشكيل الحكومة العتيدة، عمدتْ أطراف تقدّم نفسها اليوم على أنها خارج الحكم، إلى التّقليل من شأن الاحتكار مع تبادل اتّهامات مع قوى أخرى على خلفيّة أنّه “طالما الطرف الآخر مخطئ فأنا على الصواب”. وبالتوازي مع منطق التقليل من شأن التجاوزات، دافعتْ هذه القوى عن مُعتدِين على القوانين ومساهمين في تقويض الانتظام العامّ للدولة والأزمة المعيشية. وهذا ما شهدْناه بشكل خاصّ مع بروز شبُهات تورّط مقرّبين منها في الاحتكارات في النصف الثاني من شهر آب. ومن أبرزها الشبهات في قضيّتيْ احتكار المحروقات من قبل قيادي القوات ابراهيم الصقر، واحتكار الدواء من قبل عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل، نقيب الصيادلة السابق ربيع حسّونة. فما أن برز هذان الإسمان، حتى تخلّت هذه القوى بسرعة قياسية عن خطابها الإصلاحي، لتتجه إلى استنفار الحصانات والعصبيّة الطائفية بهدف التخفيف من مسؤولية هؤلاء أو حتى تمكينهم من الإفلات من العقاب.

 

“حزب القوات” يتصدّر فضائح احتكار المحروقات

مع تصاعد حدّة الأزمات وبالأخصّ فيما يتعلّق بالمحروقات والأدوية، برزت تحركات لكلّ من الجيش وأمن الدولة وفرع المعلومات في الأمن الداخلي ولوزير الصحّة السّابق حمد حسن، في الفترة الممتدة من 14 آب إلى 9 أيلول، أدّت إلى انكشاف شبهات احتكار. ومن أبرز الأخبار في  حملة المداهمات، خبر تورّط أحد قياديي حزب القوات اللبنانية ابراهيم الصقر بتخزين مئات آلاف الليترات من البنزين في محطاته في أماكن عدة.

أول المواقف في هذا الخصوص تمثل في بيان نفى فيه المكتب الإعلامي لابراهيم الصقر امتلاكه مزرعة في الرياق (وهو مكان عثر فيه الجيش على كمية من المازوت وصلت إلى 400 ألف ليتر)، وصوّر الأمر على أنه استهداف أمني له، واضعا إياه في خانة “الدسائس التي تحرض وتهدف للإيذاء والقتل”. ثم تفاقمت الشبهات بعدما أعلنت قيادة الجيش “ضبط ومصادرة 150 ألف ليتر من البنزين تمّ ‏تخزينها في محطة قيد الإنشاء (تابعة لمحطات الصقر) في بلدة البربارة – جبيل‎”‎‏ وبعدما كشف فرع المعلومات أن الصقر خبّأ نحو مليوني ليتر بنزين داخل خزانات مطمورة تحت الأرض في حوش الأمراء في زحلة. وقد أشار ‏تقرير على تلفزيون LBC في 25 آب، إلى الكمية الهائلة من البنزين المُخزَّن، واحتسب الوقت المحتمل لنقل هذه الكميات وتخزينها، مقترحاً أنه جرى العمل على تخزينها منذ بداية أزمة المحروقات. كما لفت التّقرير إلى خطورة تخزين هذه الكميات، حيث جاء فيه أن “كمية المحروقات المخزنة في زحلة لدى آل الصقر تعادل 14000 طن من مادة TNT المتفجّرة بما يوازي 10 مرات من الكمية التي انفجرت في مرفأ بيروت”. وصفتْ تقارير أخرى الكميات الضخمة هذه من مادّتيْ البنزين والمازوت بأنها “مخزون استراتيجي”، وقد قُدِّرَتْ قيمة ما صادرتْه شعبة المعلومات من هذا المخزون من البنزين ب 12 مليار و179 مليون ليرة، وهو يفوق قيمة ما حصّلته شعبة المعلومات منذ أن بدأت حملة مصادرة المحروقات المخزّنة (أكثر من 10 مليارات ليرة)، ويوازي في الحجم نحو نصف الكمية – نحو 4 مليون ليتر– التي صادرها الجيش من المحروقات حتّى 18 آب (كانت ذروة مداهمات الجيش في 14 و15 و16 آب ولم تحصل مصادرات لكميات كبيرة بعد تلك الفترة من قبله). أُوقف مارون الصقر على إثر اكتشاف الخزّانات، وادّعى أثناء التحقيق معه بأنّ كميّات البنزين تعود له وليست لشقيقه. وأعطى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات إشارة بتوقيف مارون، فيما استُدعي إبراهيم الصقر لكن لم يحضرْ إلى التحقيق.

وإذ برزت الفضيحة في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بعد انتشار هاشتاج “#صقر_للتهريب”، أصدر حزب القوّات بيانًا في 16 آب، تحدث فيه عن “فبركة حملة إعلامية فحواها أن السيد إبراهيم الصقر يحتكر آلاف الليترات من البنزين”، ونقل نفي ابراهيم وأضاف “تنفي “القوات” بدورها ما يتم تداوله جملة وتفصيلا”، مذكراً بدعوة القوات “إلى إقفال المعابر غير الشرعية”. وختم البيان بتهديد الإعلام و”النشطاء” بأنّ القوات “ستدّعي على كلّ من تناولها بالسوء والفبركة من مواقع إعلامية مشبوهة”. كما بدأ القواتيون حملة مضادّة للدفاع عن صقر. وفي موازاة ذلك، تمّ التهجم على مراسل LBCI  نايف درويش في 24 آب، فجرى تهديده وصودرتْ معدّاته من قِبل ابنة ابراهيم صقر، حين كان يغطي دهم القوى الأمنية لأماكن التخزين.

لكن أمام حجم الفضيحة، تراجعتْ حدّة النبرة الدفاعية في الخطاب القواتي، فعادت القوات وأشارت في بيان آخر في 24 آب إلى أنّه “إذا صحّ ما يُذكَر في بعض وسائل الإعلام عن تاجر من هنا أو صاحب محطّة من هناك ينتمون للقوات واكتشفت لديهم مخازن من المحروقات فهذا شأنهم وشأن القوى الأمنيّة والقضائيّة المعنيّة ولا علاقة للقوات بهم”. لكن دفاعها تمحور حول فكرة أنها “لا تغطي أحداً”.

وأخذ الدفاع شكلاً آخر في اليوم التالي، ولم يعُدْ يقتصر على تغريدات وبيانات نفي. فقد عقد النائب جورج عقيص مؤتمرا صحافيا في زحلةأدلى فيه رغم تأكيده أن القوات لا تغطي أحدا، بثلاثة مواقف:

الأول، الإيحاء بأن ملاحقة صقر تتم ليس بفعل خطورتها الذاتية إنما لأغراض سياسية وضمن مخطط أو مؤامرة سياسية. وقد رأى أن هذه المؤامرة تهدف إلى تحقيق غايتين: الأولى “حجب القضية الأساسية التي هي التهريب على الحدود”، مع محاولة “إلهاء الرأي العام” و”إيهامه بأن التخزين هي لبّ المشكلة”. وقد ذهب إلى حدّ القول أن الشّاحنات التي تعبر الحدود الآن مُحمّلة بالمحروقات وأنها تحمل أضعافا مضاعفة مما صودر في كل لبنان وليس فقط عند ابراهيم الصقر. والثانية، استهداف القوّات من خلال تحميلها مسؤوليّة كلّ ما ينسب إلى صقر إلى درجة وصفها بقوات النترات. وعليه، ذهب عقيص إلى مطالبة الأجهزة الأمنية والقضاء إخبار الرأي العامّ الزحلي “حقيقة مسألة الصقر”، مُعتمداً بذلك نفس منهجية الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الذي اتّهم المُحقّق العدلي بإخفاء الحقيقة (التّقرير الفني للتفجير) بما يأذن بالإساءة إلى كرامة المقاومة،

الثاني، مسعى للتخفيف من مسؤولية صقر أو من تبعاتها. ومن هنا تأتي الأسئلة التي طرحها :”علينا أن نعرف أولا ماذا ارتكب ابراهيم الصقر تحديدا. هل هرّب؟ هل تاجر في السوق السوداء؟ أو هل خزّن خارج محطاته؟ إذا كان هناك مخالفة فنحن مع تطبيق القانون عليه قبل غيره”. وقد بدا عقيص من خلال ذلك وكأنه يوحي أن وحدها هذه الأفعال تشكل جرائم، لكن أن يحصل تخزين للمواد المدعومة في محطاته بكميات كبيرة بانتظار بيعها لاحقا بعد رفع الدعم مع تحقيق أرباح تصل إلى أضعاف ثمن شرائها، لا يشكل جريمة أو مخالفة. وبذلك بدا عقيص كأنه يخفف من كل جرائم الاحتكار والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال والاختلاس التي تخفيها جريمة الاحتكار. وفي السياق نفسه، يسأل عقيص: “وإذا كان هذا ما يُلاحق الصقر بشأنه، هل يستوجب التوقيف الاحتياطي؟” وقد بدا عقيص (نائب الأمة) من خلال ذلك وكأنّه يمهّد للقول أن الأفعال المنسوبة إليه تشكل بحدها الأقصى جرائم بسيطة لا تستوجب التوقيف.

الثالث، ادعاء الانتقائية والاستنسابية. وهذا ما يتحصّل من خلال استحضار حالات محتكرين ومخزنين لم يتم توقيفهم أو مصادرة أموالهم. وعليه، بعدما سأل: “هل تمّ توقيف أشخاص عندهم نفس الوضعيات مثل ابراهيم الصقر في سائر المناطق اللبنانية من محروقات وأدوية وغيرها، بكل الموادّ المدعومة التي يتم تخزينها واحتكارها؟ بالأمس شاهدنا ما جرى في أحد مخازن الأدوية (في تذكير بما حصل مع عصام خليفة في الغازية). بالأمس، سمعنا عن مئات آلاف الليترات من البنزين في محطّات يملكها وزارء ونافذون في هذه المنطقة وكيف جرى إعادة تسليمها لأصحابها. هل يتمّ التعامل مع الجميع بدرجة متساوية؟ أو يتم بالنسبة للبعض بيعها بالسعر الرسمي، أما بالنسبة للبعض الآخر مثل ابراهيم الصقر مصادرتها لحساب الدولة”، أجاب نفسه: “الأهم في نظرنا أن يكون هناك مساواة في تطبيق العدالة، لأنها أهم عنصر من عناصر العدالة في العالم هو المساواة. إذا تأمنت المساواة بين الناس يكون هناك تطبيق للعدالة، وإن افتقر إليها يكون هناك ظلم على فريق من اللبنانيين والإفلات من العقاب على فريق آخر”. وقد بدا عقيص كأنه يرى أنّ مبدأ المساواة ينطبق حصرا في العلاقة بين المُحتكرين وأنه لا يشمل إطلاقا المساواة بين المواطنين في الاستفادة من الدعم أو حمايتهم ضد الذين يحققون إثراء فاحشا على حسابهم. ففيما يُفهم انتقاد التساهل مع محتكرين آخرين، لا يُفهم إطلاقا القول بأن موجب المساواة يفرض التساهل معهم جميعا. وما أن تمّ ذلك حتى أسهب عقيص في الربط بين ما رآه انتقائيّة في التعامل مع صقر وانتقائية التعامل مع أهالي زحلة. ف “ليس عندنا موادّ ولا نُعامل بإنصاف، لا نشعر أنّ هذه المنطقة تُعامل كسواها، وأسوأ شعور أن يتولّد عند جماعة هو شعور الغبن”. ف “كل الموظفين أو المسؤولين في هذه الدولة الذين يتقاضون رواتبهم من ضرائب الزحليين يمنع عليهم معاملة الزحليين على أنهم مواطنون درجة ثانية”. وفي النهاية، وعد “كل الرفاق القواتيين وكل أهل زحلة” أنهم ليسوا متروكين بمواجهة قدرهم.

في اليوم التالي، في حلقة من برنامج “بيروت اليوم” على “إم تي في” سلّم مقدم البرنامج داني حداد في نهاية برنامجه بأنّ هناك حربا تشنّ على حزب القوات في زحلة، خلال مقابلة مع نائب القوات أنطوان حبشي، سأله: “هي حرب تشنّ من قبل من عليكم، التيار الوطني الحر والعهد أم حليفكم السابق الرئيس سعد الحريري؟” قال حبشي أنّ هذا موضوع قانوني، فقال حداد مقاطعاً، “أنتم تقولون قانوني ولكنه بالشكل يذهب باتجاه التسييس”. هنا تشجّع حبشي ليستخدم ال “لكن…”، قال “لكن حين يكون الجميع تحت القانون في حال أردت أن تكسر الاحتكار فهذا لا يعني أن تأخذها (المحروقات) إلى الزهراني! وهذا أحد مؤشرات التسييس”، وفق حبيش الذي أردف “لأنه هناك لب التهريب عم بيصير”. وقال أنه إذا ما أردت أن تكسر الاحتكار فعليك بيعه في المكان الذي هو فيه.

ثم انتقلت “ام تي في” مباشرةً إلى تغطية لمؤتمر آخر للنائب جورج عقيص، تحدث فيه عن أن العدالة إذا ما كانت “انتقائية أو استنسابية” فهذا يكون “استهدافا سياسيا”. كما قلل عقيص من شأن الكميات التي ضبطت عند صقر نسبةً إلى باقي ما ضبط لدى المحتكرين وتساءل “هل عُرِف أحد من هؤلاء المحتكرين إلا ابراهيم ومروان الصقر؟”، مطالباً بالمعاملة بالمثل. ثم اعتبر أنّ “القوة الضاربة هي رسالة إلى حزب القوات اللبنانية وإلى مدينة زحلة. هذه المدينة لديها كرامتها ولن نسمح لأحد أن يتعدى على كرامة مدينة زحلة وأن يعامل أيٌّ من أبناء مدينة زحلة كأنه مجرم أو إرهابي”. وتساءل كيف سيتم استخراج هذه المحروقات وأين ستوزع، أي في زحلة أم خارجها، متحدثاً عمّا أسماه “مسلسل القهر على مدينة زحلة تحت شعار ملاحقة ابراهيم الصقر”.

لا زال ابراهيم الصقر طليقاً بمشهد يذكرنا بدفاع زعيم تيار المردة سليمان فرنجيّة عن مدير عام المنشآت ​النفطية ​سركيس حليس في ملف الفيول المغشوش. كتب ابراهيم الصقر على صفحته على فيسبوك في 13 أيلول متباهياً “أنه على العهد دائماً”، وأورد شعارات تُعبِّر عن انتمائه للقوات والوفاء ومديحا لرئيس حزب القوات سمير جعجع وما إلى ذلك…  وقال أنه سيتقدم بدعاوى قضائية على “كل من تعرض لنا وشوّه سمعتنا أو حرّض علينا وخاصةً أتباع التيار البرتقالي ومن يدور بفلكه”. وفي 16 أيلول، تمّ سحب كميات البنزين بحماية من قبل القوة الضاربة في شعبة المعلومات، وباعت المديرية العامة للنفط بقرار من النيابة العامة التمييزية كميات البنزين المصادرة لمحطات مدينة زحله وقضائها.

 

تيار المستقبل يتصدّر فضائح احتكار الدواء

في 25 آب، انتهى فصل فضائح احتكار المحروقات وبدأت فضائح احتكار الدواء. فقد بدأ وزير الصحة السابق حمد حسن مداهمة عدد من مستودعات الأدوية التي احتكرت كميات ضخمة الأدوية غير المتوفرة في الصيدليات، وانتشر ذلك على الإعلام في فيديوهات مصورة. في 27 آب، دهم وزير الصحة مستودعاً يتبع لمجموعة «PHARMA GROUP»  في منطقة الفياضية، جرى تبادل الاتهام بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر حول المرجعيّة السياسية لصاحبه إيلي شاوول. كما داهمت قوة من مديرية المخابرات في الجيش مستودعاً للأدوية في منطقة عين المريسة، تابعاً لشركة «ماكروميد» التي يملكها عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل ربيع حسونة.

إلا أنّ فضائح احتكار الدواء لم تكنْ مفاجئة بالنسبة للمواطنين، بخاصة وأنّ أهالي المناطق يتناقلون أسماء هؤلاء في أحاديثهم اليوميّة ويعلمون أنهم يجنُون أموالاً طائلة حتّى في ظل أزمة الدواء. تلك الأزمة التي حذّرت منها الأمم المتحدة في 18 آب ووصفتْها ب “الكارثة الإنسانية” داعيةً كل المعنيين للحؤول دون تفاقمها. أما المفاجأة، فكانت ربما بنوعية الأدوية المصادرة والتي تضرّر عدد كبير من المواطنين بسبب فقدانها من السوق. وكان الجيش أعلن في بيان أنه ضبط في مستودعات “ماكروميد”، “كمية ضخمة من الأدوية المعدّة للبيع في السوق السوداء”، وقال البيان أن قسما كبيرا منها هو لعلاج مرضى السرطان وبعضها منتهي الصلاحية. علماً أن كل الأدوية الموجودة كانت مدعومة، أمّا غير المدعومة منها فهي من تاريخ سابق.

بعد دهم مستودعات حسّونة، ادّعى عليه النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم بجرم الاحتكار وتبييض الأموال وأحاله أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل بو سمرا. وصرّح محامي حسونة، مارك حبقة أنّ الادّعاء على موكله فارغ مستغرباً الإدّعاء بجرم تبييض الأموال فيما لَم يُسأل موكله عن حساباته المصرفية”. وفي 29 آب، أكد ابراهيم في حديث لبرنامج “نهاركم سعيد” عبر الـLBCI  أنه “قام بتوقيف نقيب الصيادلة السابق ربيع حسونة أمس وتم ترك زوجته رهن التحقيق”. وقال إن “كل شيء يتعلق بالاحتكار يخص النيابة العامة المالية”.

وكما في حالة الصقر، دافع تيار المستقبل عن رفيقهم الذي كان مرشّحاً نيابياً في انتخابات 2018، واعتمدوا هم أيضا ومن دون إبطاء حجة الاستهداف السياسي.

ففي 27 آب، أي يوم مداهمة مخازن الأدوية لربيع حسونة، استشهد نائب رئيس تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش بالشاعر نزار قباني ليقول أننا نعيش في بلاد “قمعستان”. وفي 29 آب تحدث علوش لموقع “المركزية” عن رسائل قضائية وأمنية يتم توجيهها لتيار المستقبل. وإذ رأى النائب عاصم عراجي العضو بلجنة الصحّة النيابية خلال حديث على قناة “أو تي في” في 1 أيلول أنّ سبب تأخّر المداهمات هو عدم إعطاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة معلومات حول فواتير استيراد الأدوية وأن الكل يتحمل المسؤولية، تحدّث من جهة أخرى عن “حق المستوردين” الذين كانوا يطالبون بمستحقاتهم من مصرف لبنان. ولكن الدفاع عن محتكري الدواء، أتى بشكل خاصّ على لسان نقيب المستشفيات سليمان هارون في مقابلة له على “أو تي في” في 4 أيلول برنامج “نبض بيروت“، في سياق الكلام حول فضيحة حسّونة، قال “الآن نلوم المحتكرين، ونلوم السياسيين إذا ما قاموا بتغطية هؤلاء، ونحلل إذا ما كان السياسيين مشتركين في القضية أم لا. كان يجب في الأساس ألا تتبع هذه الطريقة من الدعم… الخطأ الأساسي هذا نتجتْ عنه هذه الأمور الجانبية العاطلة”. ووافقه النائب عراجي على ذلك.

مقالات صحافية تحدثت عن حملات لاستهداف تيار المستقبل. منها مقالة على موقع “المدن” عن استهداف لكل من حزبيْ المستقبل والقوات. وقد جاء فيه أن ربط احتكار الدواء “بتيار المستقبل ذهب إلى الإيحاء بأن تيار المستقبل ضالع عبر ربيع حسّونة بمفاقمة الأزمة”. ووفق المنطق ذاته الذي ساقه هارون اعتبر الموقع أن المسؤول الأول عن الأزمة “هي الدولة التي من واجبها أن تضع قوانين لمكافحة الاحتكار. أول هذه القوانين قد يكون رفع الدعم وتأمين الأدوية”.

لكن الدفاع الأشرس أتى على لسان نقيب الصحافيين عوني الكعكي في 31 آب، الذي قال أن “هناك من يحاول استهداف تيار المستقبل”، وقلل من شأن احتكار الأدوية “يعملون من «الحبّة قبّة»”. ورأى الكعكي أن المشكلة فيما كتب على وسائل التواصل الاجتماعي. واستشهد بآية قرآنية “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبيّنوا”. وأفتى الكعكي أن الكميّات التي ضبطتْ من الأدوية تعادل قيمتها 1200 دولار وأنها موجودة في المخزن لحساب صيدلية زوجة المتهم. علماً أنه وبنظرة على كميّة المضبوطات كما ظهرت في الفيديو، يمكننا توقّع أنّ القيمة أعلى بكثير من المبلغ المذكور. وبرّر الكعكي أيضاً مسألة إبر السرطان التي ضبطت بأنه “لا يوجد طلب عليها”، بينما أظهرت شهادات للمرضى في التقارير الإعلامية عكس ذلك. واختزل الكعكي التحقيقات وما قد ينتج عنها بجدول نشره يبدو أنه مقدم من قبل المتهم صاحب المخزن، واستنتج “بالتالي تكون الحملة الموجهة ضد الشركة غير مبنية على أي أسس صحيحة”… وفي هذه القضيّة كما في قضيّة الصقر، رأى الكعكي أنّ القضيّة “سياسيّة بامتياز”.

 

الخلاصة:

في كل مرّة يجري التطرّق إلى مشتبه بهم في مواضيع فساد وإثراء غير مشروع، تستنفر قوى سياسيّة بإعداد سرديات للدفاع عن هؤلاء. في الحالتين المذكورتين هنا، كانت السرديات أكثر تعقيداً وكان أصحابها محرجين أكثر نسبةً إلى خطابهم في السنتين السابقتين “الداعي للإصلاح”. ويذهب هذا النموذج من السرديات إلى تسويف الموضوع المطروح من خلال طرح مواضيع أخرى غير ذات صلة بمعنى أن “المشكلة في مكان آخر”، ثمّ التقليل من شأن الواقعة من دون نسيان الحديث عن “استنسابية” و”استهداف سياسي”. فالأمر ليس حول مخالفة للقوانين بل يتعلّق ب “استهداف حزبنا” (أو تيارنا)، و”نحن دائماً مستهدفون”… على هذا النحو يجري تسفيه قضايا تشكّل خطراً عاماً لمصلحة حزب أو تيار أو أفراد موالون له.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الصحة ، نقل عام ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني