في 25-4-2013، أقرت وزارة الداخلية بعد طول تردد بصحة الزواج المدني الأول في لبنان، تبعًا للحراك الذي قاده طلال الحسيني وشارك فيه الكاتب العدل جوزف بشارة الذي صدق على العقد (المحرر).
لذلك، لا بد من سن قانون، سواء لانتماء لبناني الى غير الطوائف الدينية، كما سنّ قانون يرعى أحكام عقد الزواج المدني”.هذه العبارة وردت في خاتمة الرأي الصادر في 10/12/2012 عن “رئيس” هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل “القاضي” ماري دنيز المعوشي. والواقع أن التدقيق بهذه العبارة على قصرها إنما يظهر الأبعاد القانونية والاجتماعية والسياسية البالغة الأهمية لهذه الاستشارة: فبغياب قانون ينظم أوضاع الراغبين بالخروج من الأطر الطائفية، يتعين على هؤلاء أن يبقوا ضمن أحد هذه الأطر، بمعزل عما لهم من معتقدات. ولا يهم وفق الاستشارة أن تنص المادة 9 من الدستور على أن حرية المعتقد مطلقة، أو أن يقر القرار الرقم 60 ل/ر بوجود أفراد لا ينتمون الى أي طائفة أو أن تجمع الوثائق الدولية على إطلاق حرية المعتقد. فالعامل الوحيد الذي يدخل في حسبان الهيئة، هو وجود قانون يؤكد إمكانية انتماء لبناني الى غير الطوائف الدينية، وذلك من خلال إنشاء “طائفة مدنية يصح الانتماء اليها إدارياً”. فبغياب طائفة مماثلة، لا يمكن الخروج من الطوائف المعترف بها حالياً. وللوصول الى هذه الغاية، لم تجد الاستشارة حرجاً في تشويه نص المادة 10 من القرار الرقم 60 ل/ر التي شملت المواطنين الذين لا ينتمون الى أي طائفة من دون اشتراط انتمائهم الى أي طائفة. الأمر نفسه بشأن الزواج، فلا همّ ما نصّت عليه المواثيق الدولية إذ “لا عقد زواج… إلا بالاستناد الى قانون صادر عن سلطة مخولة التشريع في هذا المجال تابعة لدولة معينة …”.
وبذلك، يعكس هذا الرأي حذراً شديداً إزاء أي مبادرة مواطنية نحو انتزاع حق بغياب قانون يقر به ويكرّسه وينظمه بوضوح، وهو يؤدي تالياً الى عد الحقوق الأساسية حقوقاً غير ملازمة للفرد بل حقوقاً ممنوحة وحده النظام يقرر مدى ملاءمة منحها.
وعلى نقيض هذه الحيثيات تماماً، صدر الرأي الاستشاري عن الهيئة الاستشارية العليا في 13/2/2013. فبعدما ذكرت هذه الهيئة بالنصوص الدستورية والدولية المكرّسة لحقّي المعتقد والزواج، قفزت الى إعلان ثلاثة مبادئ:
الأول، أن “ثمة مبدأً مفاده أن الأصل هو الإباحة والمنع هو الاستثناء، وليس في التشريع اللبناني نصوص تمنع عقد الزواج المدني في لبنان” للذين لا ينتمون الى أي طائفة.
والثاني، أن “المبدأ هو تفعيل النص ولا تعطيله”، إذ يقتضي تفعيل المادة 10 من القرار 60 ل/ر التي تخضع المواطن غير المنتمي الى طائفة دينية للقانون المدني.
والثالث، أن القانون اللبناني يعترف بالزواج المدني المعقود في الخارج، وبالتالي فمن باب أولى أن يعترف بالزواج المدني المعقود في لبنان وذلك تطبيقاً لحرية المعتقد.
وبالنتيجة، يظهر بوضوح أن الخلاف حول الزواج المدني بين الهيئتين هو في عمقه جدل سياسي اجتماعي. فوفق قراءة الهيئة الأولى، تبقى حقوق الفرد ومعها التطورات القانونية للحياة المدنية أسيرة داخل ردهات البرلمان بما فيه من قوى تستمد مشروعيتها من النظام الطائفي وتحرص على مصالحه. بالمقابل، تفتح القراءة الثانية للأفراد أبواباً واسعة للتحرك في اتجاه تطوير المنظومة القانونية وإخراجها من قمقم النظام السائد، وتالياً للمجتمع أبواباً للإصلاح من القاعدة، وفق وتيرة الحياة المدنية ومدى ديناميتها.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.