بتاريخ 18/11/2022، وجّه وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي إلى مديرتي الأمن العام وقوى الأمن الداخلي كتاباً عاجلاً جداً وفق الوصف المعطى له، بتأكيد كتابه السابق الصادر في 24/6/2022 بمنع إقامة أي مؤتمر أو لقاء أو تجمع يهدف إلى الترويج لظاهرة المثلية الجنسية. وقد جاء هذا الكتاب ردّاً على مراسلة وجهها الأمن العام إليه في اليوم نفسه أعلمه فيها أن إحدى الجمعيات تتهيأ لعقد مؤتمر سيتطرق إلى المثلية في أحد فنادق العاصمة وأن مجموعة في منطقة الأشرفية بصدد التحرّك لمنع تنظيمه. وقد تحدث كتاب الوزير علاوة على ذلك عن قيام بعض الجهات المتشددة والناقمة على الدولة باستغلال انعقاد هذا المؤتمر لإثارة أعمال شغب وتخريب. وبالنتيجة طلب المولوي من الأمن العام منع إقامة المؤتمر وإبلاغ إدارة الفندق بذلك. كما طلب من قوى الأمن الداخلي اتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة لمنع إقامة تجمعات في الشوارع والمتعلقة بظاهرة المثلية الجنسية تلافياً لحصول إشكالات أمنية.
ويلحظ أن الوزير وجه كتابه المذكور بعد أقل من يومين من نشر قرارمجلسشورىالدولة الذي أوقف العمل بكتابه السابق الصادر في 24/6/2022، وبعد اجتماعه مع وفد من دار الإفتاء تناول القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة.
هذا الكتاب يستدعي الملاحظات الآتية:
1- وزير الداخلية يعلن تمرده ضد قرار مجلس شورى الدولة
أول ما نلحظه هو أن وزير الداخلية (وهو قاض) أعاد التأكيد على كتابه السابق رغم علمه اليقين بصدور قرار قضائي عن مجلس شورى الدولة بوقف تنفيذه. ويرشح تصرفه في هذا الخصوص عن استغلال لسلطته لعرقلة تنفيذ قرار قضائي بل أيضا تحريضاً للقوى الأمنية على مخالفته والتعامل معه على أنه غير موجود، ما قد يشكّل جرائم جزائية وفقاً لقانون العقوبات.
وقد بدا هذا التمرد وكأنه تمّ تنظيمه بالتنسيق مع الأمن العام الذي سارع إلى تزويده بمراسلة سنحت له بتكرار موقفه السابق.
ويرتقب أن يعود مجلس شورى الدولة ويوقف تنفيذ هذا القرار أسوة بقراره السابق، في حال الطعن به، للاعتبارات نفسها مضافاً إليها اعتبار جديد قوامه مخالفة مبدأ فصل السلطات وقرارات القضاء.
2- استغلال وجود مجموعات متشددة لتقييد الحريات
فضلا عن ذلك، من المستغرب أن يسند وزير الداخلية قراره على نوايا مجموعات يظهر أنها معروفة منه ومن الأمن العامّ (يفترض أنها “جنود الربّ”) بمنع لبنانيين من ممارسة حرياتهم، من دون أن يتخذ أي إجراء بحق هذه المجموعات أو لحماية هؤلاء منها. وعليه، وبدل أن يتدخل لحماية الحريات المدنية ضدّ هذه المجموعات، تراه يستغل وجودها لتبرير ضرب الحريات، وصولاً إلى منع أي نشاط يتصل بالمثلية وإن كان يتطرق إليها فقط، وإن كان لقاءً مغلقاً وغير مفتوح للجمهور ويجري داخل مكان خاص (فندق). من هذه الزاوية، يرشح القرار عن تخلّي وزير الداخلية عن مسؤوليته في ضمان ممارسة المواطنين بأمان لحريّاتهم بالتجمع. كما أنه يشكل بحد ذاته إخباراً يوجب على النيابة العامة التحرك ضد هذه المجموعات بفعل مسّها بحريات الآخرين سندا للمادة 329 من قانون العقوبات.
أخيراً، نسجل على هامش ما تقدّم أن المرادفات المستخدمة من وزير الداخلية قد شهدت تطوراً بحيث استبدل عبارة “الشذوذ الجنسي” الواردة في عنوان كتابه السابق بعبارة “المثلية الجنسية”، وإن كان ما يزال متمسكا باعتبارها “ظاهرة”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.