اقتراح الاشتراكي بشأن تغريم المقالع غير المرخصة: أو حين تصبح الغرامة ثمنًا بخسًا للتطبيع مع المخالفة


2024-06-25    |   

اقتراح الاشتراكي بشأن تغريم المقالع غير المرخصة: أو حين تصبح الغرامة ثمنًا بخسًا للتطبيع مع المخالفة

قدّم النّائب هادي أبو الحسن، عضو كتلة “اللقاء الديمقراطي”، في تاريخ 8/2/2024 اقتراح قانون يرمي إلى فرض غرامات على استثمار وإشغال مقالع وكسّارات ومرامل بدون ترخيص أو مخالفة لشروط الترخيص.

وأبرز ما تضمّنه الاقتراح هو فرض غرامة عن عدم تطبيق أحكام المرسوم رقم 8803 وبالتالي عن الجرائم البيئية المرتكبة نتيجة لذلك، بحيث تصبح معادلة لنسبة 30 أو 50% من قيمة الإنتاج في حال وقعت المخالفة في الملك الخاصّ أو العامّ. وذلك مع فرض أسس احتساب مغايرة لتلك المعتمدة في المرسوم 8803. كما شدد الاقتراح الغرامة المتوجبة من جراء تخلف المستثمر عن تسديد كلفة ترتيب وتسوية الأرض. واعتبر المخالفات المشمولة فيه من قبيل الجرائم التي لا يسري عليها مرور الزمن. 

وقد برر النائب أبو الحسن اقتراحه بأن المخالفات الحاصلة في استثمار المقالع والكسارات والمرامل قد تجاوزت الحدّ المعقول وانعكست سلبا على الوضع البيئي الحالي والمستقبلي، نتيجة استباحته بشكل سافر وسيرتّب على الدولة اللبنانية كلفة باهظة لمعالجة الخلل الناتج عن هذه الاستباحة. غير أن هؤلاء المخالفين قد حققوا أرباحاً طائلة على حساب الخزينة كما على حساب مواطنين آخرين، مما يشكل إثراء غير مشروع وعلى حساب الغير، سواء كان هذا الغير الخزينة العامة أو مواطنين.

وقبل المضي في إبداء ملاحظاتنا على هذا الاقتراح، يجدر لفت النظر إلى الأمور الآتية:

-إن هذا الاقتراح هو ثاني اقتراحات الولاية البرلمانية الحالية المتعلقة بعمل المرامل والكسارات والمقالع في لبنان. وقد سبق وعلّق المرصد البرلماني على الاقتراح الأول الذي قدمه نواب من كتلة “الجمهورية القوية” معتبرا أنه استعادة للمرسوم 8803/2002 الناظم لهذا القطاع، مع إدخال بعض التعديلات عليه، وأنه بذلك أعاد “تنظيم المنظّم” من دون الالتفات إلى العوامل التي أعاقت تطبيق هذا المرسوم وإلى الجرائم البيئية المرتكبة بنتيجة ذلك. 

-إن هذين الاقتراحين يأتيان بعد أشهر من نشر وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي دراسة توثق مجمل المخالفات القانونية التي ارتكبها مستثمرو المقالع، مثل العمل بدون ترخيص والتخلّف عن دفع الرسوم والضرائب المستحقة وغراماتها وفوائدها. حتى بلغ دَين قطاع الكسارات للخزينة العامة 2.394 مليون دولار بالحد الأدنى بحسب الدراسة نفسها.

-إنه يأتي بالتزامن مع مساعٍ حكومية لمنح شركات الترابة مهلا إدارية إضافية تسمح لها باستثمار المقالع بخلاف القانون. هذه الجهود التي تعطلت في آذار 2024 بنتيجة رفض مجلس شورى الدولة الموافقة على مشروع القرار الحكومي، عادت لتتكلّل في القرار الحكومي الذي صدر في تاريخ 28/5/2024 وانتهى إلى منح شركات الترابة مهلة إدارية لمواصلة أعمالها لمدة سنة أخرى، من دون أن تدفع فلساً واحداً من المبالغ المتوجبة عليها.

“الغرامة” كثمن للتطبيع مع المخالفة وليس لردعها

يتمحور هذا الاقتراح حول فرض غرامات على كل مستثمر مقلع أو كسارة أو مرملة من دون ترخيص قانوني أو بموجب رخصة استصلاح أراضي. إلا أنه لم يحدد قيمة الغرامات، إنما ربط تحديدها بحجم الإنتاج، بحيث تكون الغرامة معادلة لنسبة 30 أو 50% من قيمة الإنتاج في حال وقعت المخالفة في الملك الخاصّ أو العامّ. أما الغرامة الوحيدة التي حدد قيمتها، فهي غرامة عدم تأدية المستثمر كلفة إعادة تسوية الأرض المستثمرة وهي تتراوح بين مليار وملياريْ ليرة لبنانية. 

وإذ يتميّز هذا الاقتراح عن اقتراح الجمهوريّة القويّة الذي لم يعِِرْ أيّ اهتمام لانهيار قيمة العملة الوطنية مبقيا الغرامة المحدّدة في المرسوم 8803/2002 على حالها، فإنه يشترك مع الاقتراح المذكور بأنه في معرض التطبيع مع المخالفة، طالما أنه لا يتضمن أي حلول لمعالجة المخالفة المنتظمة والمزمنة لأحكام هذا المرسوم الذي بات بمثابة حبر على ورق. فكأنما الغرامة هنا تأتي ليس لردع المخالفة أو ثني الشركات عن الاستمرار في مخالفة القانون، إنما فقط لتحديد ثمن لهذه المخالفة، ثمن يبقى معقولا طالما أنه لا يتعدّى في أحسن الأحوال نسبة من الإنتاج الحاصل خلافا للقانون. وليس أدلّ على ذلك من الغرامة القانونية المفروضة على استثمار مقالع في الملك العامّ. فأن تحدد الغرامة هنا ب 50% من قيمة الإنتاج فقط إنما هو في حقيقة الأمر بمثابة مكافأة للمستثمر المعتدي على الملك العام، مكافأة تصل إلى تمكينه من الاستفادة بصورة غير مستحقة من 50% من هذه القيمة، كل ذلك على أرض ليست أرضه ومن صخورٍ ليست ملكه وفي مقلع غير مرخص، هذا من دون حتى احتساب الأضرار البيئية الجسيمة التي قد تكون أصابت الهواء والماء والتربة, ويتأكد توجه التطبيع مع المخالفة في هذا الخصوص مع تزامن تقديم هذا الاقتراح مع مساعي الحكومة لمنح مهل إدارية إضافية لشركات المقالع.  

تسهيل التهرّب من تسديد الغرامة

حدد الاقتراح كيفية احتساب الغرامة على كل مستثمر مقلع أو كسارة وهي تعادل 30% من قيمة إنتاج كل مقلع أو كسارة أو مرملة جرى استثمارها في الملك الخاص أو 50% من قيمة الإنتاج إذا كان الاستثمار في الملك العام. ويلحظ هنا أن الاقتراح اعتمد هذا المعيار تيمّنا بما ورد في الاقتراح الأول للجمهورية القوية في معرض احتساب رسم الاستثمار بالاستناد إلى حجم المواد المستخرجة فعليا من المقلع أو المرملة أو الكسارة وليس وفق مساحة أرض المقلع أو الكسارة وفق ما ذهب إليه المرسوم 8803/2002 في معرض احتساب الرسم.  

وعليه، نلحظ هنا تقاطعا بين كتلة الجمهورية القوية والنائب هادي أبو الحسن الذي ينتمي للحزب التقدمي الاشتراكي على اعتماد حجم الإنتاج الفعلي كمعيار لاحتساب الغرامة أو الرسم، مع ما يستتبع ذلك من فتح مجال واسع أمام التهرب من تسديدهما. ففيما يعتمد تقدير الرسم وفق المرسوم 8803/2022 معيارا يسهل التحقق منه وهي مساحة الأرض والتي يوفّر مسح الجيش فكرة واضحة عنها، يخضع احتساب حجم استخراج لاحتمالات تلاعب وبخاصة في ظل ضعف النظام الرقابي لدى وزارة البيئة. ولربما يجد هذا التوجه ما يفسره في ارتباط الكتلة التي ينتمي إليها النائب بمصالح شركات الترابة وبخاصة شركة سبلين.  

من هذه الزاوية، يظهر الاقتراح وكأنه يتيح عن قصد أو غير قصد مجالا للتحايل والتلاعب والتفلت من حقوق الخزينة العامة، تحت غطاء تشديد الغرامات، كأنه في صدد دسّ السمّ في العسل.  

إثراء غير مشروع بانتظار عدالة الأجيال القادمة

أخيرا، اعتبر الاقتراح أن مهلة مرور الزمن لا تسري على الغرامات والحقوق العامة التي ينص عليها. ومن شأن ذلك جعل الجرائم والمخالفات المرتكبة من جراء استثمار المقالع والكسارات والمرامل من نفس مرتبة جريمة الإثراء غير المشروع لناحية الخطورة. وهو الأمر الذي ذكر في الأسباب الموجبة لهذا الاقتراح، حيث أتى أن المخالفين للقوانين المتعلقة بالمقالع والكسارات والأنظمة البيئية، “قد حقّقوا أرباحاً طائلة على حساب الخزينة أو على حساب مواطنين آخرين، مما يشكّل إثراء غير مشروع”. 

وهو الأمر الذي يتماشى مع طبيعة الجرائم البيئية التي لا يقتصر أثرها على الوضع البيئيّ والصحيّ الحالي، بل يتعداّه ليؤثّر على حياة الأجيال القادمة، الأمر الذي يوجب حرمان المستثمرين من الحق بالنسيان. فكأنما الاقتراح يحفظ للأجيال القادمة حقها بمحاسبة الجرائم البيئية في زمن آخر، بعدما طبّع مع تدمير حقوقها  الإرثية على ما ورثناه من أجدادنا. بكلمة أخرى، عدالة قد تأتي في زمن آخر لتحاسب زمننا الأسود.   

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، إقتراح قانون ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني