العقار الوهمي في الميناء (1): لماذا وكيف تخلّت الدولة اللبنانية عن أملاكها العامّة؟


2019-02-21    |   

العقار الوهمي في الميناء (1): لماذا وكيف تخلّت الدولة اللبنانية عن أملاكها العامّة؟
تصميم ميلاد أمين

تشكّل قضية العقار الوهمي في منطقة الميناء (شمال لبنان) أحد أبرز الأمثلة على التعدّي على الأملاك العامّة البحرية أو بالأحرى التخلّي عنها. فقصّة هذا العقار ليست جديدة: بدأت فصولها في أواخر الستينيّات وقد انشغل فيها أكثر من من وزير للأشغال العامّة والنقل. وفي حين نجح بعض هؤلاء في حماية الملك العام، أخلّ بعضهم الآخر (تحديداً غازي العريضي ويوسف فنيانوس) بمسؤوليّاتهم في صون أملاك الدولة. وفي حين تراجعتْ وزارة الأشغال العامّة (ممثلة بميشال نجار) غداة انتفاضة 17 تشرين عن الأخطاء المرتكبة منها في هذا الخصوص، لا يزال الخطر يتهدّد هذه الأملاك العامّة بانتظار حسم الدعوى القضائية العالقة في هذا الخصوص.    

نسرد فيما يلي تفاصيل هذه القضية، لنعيد انطلاقاً منها، طرح السؤال الأساسي: أيّ دور للإدارة العامّة وبخاصّة وزارة الأشغال العامّة في حماية الأملاك العامّة؟ وماذا بوسع المواطنين أن يفعلوا في حال تقاعس هذه الوزارة عن أداء دورها في حماية الأملاك العامّة؟ وما هو دور القضاء في هذا الخصوص؟ هذه هي الأسئلة التي يجدر طرحها في هذا المكان.

عقار يكتب تاريخ الدولة: كيف تعاملت الدولة إزاء محاولات خصخصة الملك العام؟

في عام 1935، وفي إطار أعمال التحديد والتحرير، تمّ قيد العقار رقم 220 من منطقة بساتين الميناء في السجلّ العقاري. وقد بيّنت خريطة مساحة العقار أنّه يحدّه “أرض صخرية بحرية” ويُفهم من خريطة المساحة أنّها قطعة أرض تدخل ضمن الأملاك العامّة البحرية على أساس المادة الثانية من القرار 144/س الصادر عام 1925 الذي يعتبر ضمن الأملاك العمومية شاطئ البحر حتى أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى.

وقد بقي هذا الأمر مستقرّاً من دون أيّ منازعة، بالنظر إلى انسجامه التام، ليس فقط مع القانون، إنّما أيضاً مع طبيعة الأشياء (البحر والموج والرمل والأرض). وهذا ما يمكن معاينته كلّ يوم، وبخاصّة حين تمطر حيث يشمل البحر كامل مساحة القطعة تلك، فتصبح مجرّد مسطّح مائي.

القضاء يحمي الملك العام في زمن ما قبل الحرب 

في 1969، قدّم أشخاص من آل الشبطيني، وهم ورثة فرنسيس الشبطيني، إلى القاضي العقاري الإضافي في الشمال ادّعاءات هجينة مفادها أنّ ثمّة خطأ مادياً حصل أثناء عملية التحديد والتحرير، أدّى إلى وقوع قطعة أرض من غربي العقار 220 الذي يملكونه، ضمن الأملاك البحرية. وقد طلبوا إعادة تصحيح الخطأ المادي وتعيين خبير لإجراء معاملات التحديد والتحرير للقطعة الواقعة بين العقار 220 والبحر (وهي القطعة المشار إليها في خريطة المساحة على أنّها “قطعة أرض صخرية بحرية”) وإعطائها رقماً جديداً وتسجيلها على اسمهم في السجل العقاري، وذلك على أساس المادة 15 من القرار 188/1926 المتعلّق بإنشاء السجلّ العقاري، علماً أنّ مساحة الأرض المشمولة بالادّعاء بلغت 58 ألف متر مربّع. وتذرّعوا بالخطأ المادي للهروب من القاعدة التي تُسقط الحقّ في الطعن بنتائج التحرير والتحديد، بعد سنتين من تسجيله في السجلّ العقاري.

تبعاً لدراسة ملفّ القضية، صدر حكم قضى بردّ الطلب لعدم الصلاحية المطلقة للقاضي العقاري الإضافي، بعد أن تثبّت من عدم وجود إبهام في قرار القاضي العقاري الأصيل يستدعي التفسير ومن عدم وجود أيّ خطأ مادي يستوجب التصحيح، وقد تمّ تصديق القرار في محكمة الاستئناف أيضاً عام 1971. وإذ قدّمت الجهة المدّعية استدعاء نقض ضدّ القرار الاستئنافي، أصدرت الهيئة العامّة لمحكمة التمييز في 1987 قراراً مبدئياً اعتبرت فيه أنّ القرارات الصادرة عن القاضي العقاري الإضافي لا تقبل النقض أمامها. وعليه، أمكن القول بوضوح كلّي إنّ قطعة الأرض تلك تمّ تكريسها ملكاً عامّاً ليس فقط بفعل الطبيعة والقانون وخريطة المساحة، إنّما أيضاً بفعل قوّة الأحكام القضائية (القوّة المقضيّة) ملكاً عامّاً.

محاولات اقتناص قرار إداري بالتخلّي عن الملك العامّ

المحاولات التالية تمّت من خلال وزارة الأشغال العامّة، حيث أنّ حماية الأملاك العامّة وإدارتها تقع ضمن صلاحية وزارة الأشغال العامّة. وبمراجعة سلسلة مواقف هؤلاء الوزراء، جاز القول إنّ قصة هذا العقار الوهمي باتت تصلح مقياساً لمدى حرصهم على الملك العام. فمن رفض تصديق الوهم، عبّر عن درجة عالية من النزاهة في هذا الخصوص. في المقابل، الذين تعاملوا مع الوهم على أنّه حقيقة رغم علمهم أنّه كذلك، فهؤلاء أمكن تصنيفهم من دون أيّ مبالغة ضمن الوزراء الذين أخلّوا بمسؤوليّاتهم عمداً وأساءوا تاليّاً الأمانة. وبالطبع، تصبح نزاهة الوزير حاسمة بعدما تمّ تغليب الإدارة الشخصية للشؤون العامّة على قواعد العمل المؤسّساتي، وبخاصّة في خضمّ الحرب وبعد انتهائها.

وقد بدأ هذا الفصل في أواخر الثمانينيّات: ففي 1988، وفي ظلّ إحدى حكومات الحرب، عاد ورثة آل شبطيني وتقدّموا بطلب إلى أمين السجلّ العقاري في الشمال لتصحيح الخطأ المادي الناجم عن عدم تطابق خريطة التحديد والتحرير مع سندات الطابو، على اعتبار أنّ خريطة التحديد والتحرير لم تورد أنّ الحدّ الغربي للعقار الممسوح برقم 220 هو “البحر”، وأنّ الحدّ الغربي الظاهر على خريطة المساحة النهائية هو خطّ مستقيم ونجم عن ذلك أن بقيت قطعة الأرض الواقعة بين الحدّ الغربي والبحر مفصولة عن العقار الأساسي. وقد وجّه حينها أمين السجلّ مذكّرة لرئيس المساحة في طرابلس لوضع خريطة وبيان الوضع، وقامت دائرة المساحة بتنظيم المصوّر المطلوب.

بموازاة ذلك، تقدّم الورثة باستدعاء إلى وزير الأشغال العامّة آنذاك وليد جنبلاط الذي وافق بتاريخ 17 أيلول 1990 على طلب هؤلاء ووجّه إلى أمانة السجلّ العقاري في الشمال كتاباً بهذا المعنى طلب فيه تصحيح الخطأ المادي واعتبار الجزء المسمى “أرض صخرية بحرية” تابعاً للعقار 220 بساتين الميناء وترقيمه على خريطة المساحة وقيده على اسم ورثة آل شبطيني في السجلّ العقاري. وإذ طلب أمين السجل العقاري أن يوجّه الطلب إليه من خلال وزارة المالية ومن خلال مديرية الشؤون العقارية، عاد جنبلاط ووجّه طلباً بالمشورة إلى هيئة التشريع والاستشارات التي أصدرت مطالعة في أيّار 1993 اعتبرت فيها أنّه لا يمكن إجابة طلب المستدعين. وقد برّرت هيئة التشريع والاستشارات رأيها بأنّه لا يجوز معاودة البحث، بخاصّة بالصورة الإدارية، بتوفّر الخطأ المادي لما يتمتّع به الحكم الاستئنافي من حجيّة القضية المحكوم بها. وقد بيّنت في متن هذه المطالعة أنّ الطلب المقدّم إلى وزارة الأشغال العامّة مماثل للطلب المقدّم سابقاً للقاضي العقاري الإضافي (أي تصحيح الخطأ المادي المزعوم) بعدما فنّدت حيثيات القرارين الابتدائي والاستئنافي الصادرين في هذه القضية على حدّ سواء.

لم يكلّ ورثة آل شبطيني وعاودوا المحاولة مرة أخرى في عهد وزير الأشغال العامّة والنقل عمر مسقاوي عام 1994، حيث تقدّموا بطلب جديد لـ “تصحيح” خطأ مادي واقع على العقار 220/بساتين الميناء. وقد حاول الورثة إظهار أنّ ليس هنالك قضية مقضيّة، وأنّ هذا الطلب مختلف عن الدعوى القضائية السابقة. وبذلك، برّروا أنّ الطلب المقدّم للوزير مسقاوي موضوعه تصحيح خطأ مادّي لجهة الحد الغربي للعقار ليكون مطابقاً لما هو عليه في محضر التحديد والتحرير، فيما أنّ الدعوى كانت مبنيّة على أساس أنّ قسماً من العقار أدخل خطأ في الأملاك العامّة ويقتضي تحديده مجدّداً على اسم الورثة. والواضح، أنّ المطالبتين متشابهتان تماماً وأنّ كلّ ما أثاره الورثة في هذا الخصوص لا يكاد يتجاوز كونه نوعاً من السفسطائية.

الإجراء الأوّل الذي اتّخذه الوزير مسقاوي هو إحالة الملف لدراسة خبير مسّاح. وبناءً على تقرير هذا الأخير، جاء ردّ الوزير في الاتّجاه نفسه للقضاء وهيئة التشريع والاستشارات. فقد جاء في كتابه المؤرّخ في 8 شباط 1996: “قد أصبح من غير الجائز معاودة البحث، وخاصّة بالصورة الإدارية، بتوفّر مثل هذا الخطأ المادي لما يتمتّع به الحكم الاستئنافي الصادر بتاريخ 11/2/1971 من حجيّة القضية المحكوم بها فيما قضى به من ردّ طلب التصحيح لعدم توفّر خطأ مادي في قرارات القاضي العقاري الأصيل يستوجب التصحيح (…). نفيدكم بما تقدم، وبالتالي لم يعد من الممكن النظر بطلب تصحيح خطأ مادي ثبت قضائياً عدم توفّره بصورة قطعية”. وقد أرسل الوزير كتاباً ثانياً إلى وكيل الورثة في أيّار 1996، حذّر فيه من إقدام أمانة السجلّ العقاري من التصرّف في أمور مخالفة للقانون. وفي حين كان الورثة قد تذرّعوا بأنّ الأرض موضوع النزاع تقع ضمن اليابسة وهي “صخرية” وأنّ الخطأ المادي ناتج عن تغاير بين محضر التحديد (حيث جاء فيه، بحسب ما يزعمون، أنّ الحد الغربي للعقار هو البحر) وخريطة المساحة (حيث جاء فيها أنّ الحد الغربي للعقار هو خط افتراضي مستقيم لأرض صخرية بحرية)، أكّد الوزير مسقاوي في كتابه أنّه لا يوجد إطلاقاً أيّ تغاير بين المحضرين، لأنّ كلمة “بحر” تساوي كلّ الأملاك البحرية، باعتبار أنّ الأملاك البحرية تتبع مفهوم البحر وليس مفهوم اليابسة وبالتالي فإنّ المساحة الصخرية المعتبرة من الأملاك البحرية هي جزء من البحر وليس من اليابسة. كما أشار الكتاب إلى أنّ الأملاك العامّة البحرية لا تحدّد فقط بفقش الموج، وإنّما أيضاً بالعوامل الطبيعية التي يفرزها مفهوم الشاطئ ومنظره العام. كما أشار إلى أنّ شاطئ البحر ورماله هي من ضمن الأمكنة والمساحات المحفوظة وهي ضرورية للإبقاء على التوازنات البيولوجية وتقدّم فائدة بيولوجية وميزة للتراث الطبيعي والثقافي للشاطئ. وبذلك، يكون الوزير مسقاوي تصدّى لمحاولة خصخصة الشاطئ، متذرّعاً ليس فقط بحجيّة القضية المحكوم بها، وإنّما أيضاً بطبيعة هذه الأرض وارتباطها الوثيق بالبحر وبالتالي عدم قابليّتها للخصخصة. وكان نما إلى “المفكرة” من مصدر موثوق أنّ الوزير مسقاوي، بما يتمتّع به من نزاهة ونظافة كفّ، تشبّث بموقفه رغم إغراءات هائلة، قدّمت له في سنة 1996. وقد طلب المصدر عدم الكشف عن اسمه أو عن تفاصيل هذا الإغراء.

ورغم ذلك، لم يتخلّ ورثة آل شبطيني ومَن وراءهم عن المحاولة. فتقدّم هؤلاء في 12/3/2001 بدعوى لدى الغرفة الابتدائية في الشمال الناظرة في القضايا العقارية يطلبون بموجبها تصحيح الخطأ المادي على قسم من العقار 220 واعتبار هذا القسم مضموماً إلى الأملاك العامّة عن طريق الخطأ وتالياً اعتباره ملكاً لهم، إضافةً إلى طلبهم لتعويض مؤقّت بقيمة 100 مليون ليرة. تصدّت حينها المديرية العامّة للنقل البرّي والبحري، حيث طلبت في مطالعتها لوزارة العدل – هيئة القضايا في 28/5/2001 ردّ الدعوى، مؤكّدة أنّ “الأملاك العامّة البحرية تتضمّن حكماً شواطئ البحر التي لا يُمكن أن تكون أملاكاً خاصّة كما يطلب المدّعون”.

بعد ذلك، عاد الورثة ليقدّموا استدعاءات جديدة إلى وزيريْ الأشغال العامّة والنقل اللاحقين وهما نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي، طالبين مجدّداً إصدار قرار بتنفيذ قرار وليد جنبلاط الصادر في 17 أيلول 1990 والذي طلب فيه من أمانة السجل العقاري “تصحيح الخطأ المادي”، أي اعتبار العقار 220 ملكاً لهم. إلّا أنّ هذه الطلبات لم تفلح بعدما عادت المديرية العامّة للنقل البري والبحري التذكير بمطالعتها المذكورة أعلاه في معرض الدعوى المقدّمة من الورثة طالبةً ردّ الاستدعاء للأسباب نفسها.

انقلاب غازي العريضي

في عام 2010، عاد الورثة ليقدّموا طلباً جديداً إلى وزير الأشغال العامّة والنقل حينها غازي العريضي، مكرّرين مطالبهم السابقة. هنا، بدأت الأمور تتبدّل بشكل مفاجئ. فقد أغمض على ما يبدو العريضي عينيْه: تغاضى عن الملف المحفوظ في الوزارة، تغاضى عن المستندات الواردة فيه ومن أبرزها كتاب الوزير مسقاوي والأحكام القضائية المبرمة واستشارة هيئة الاستشارات والتشريع. تغاضى عن دوره في حماية الأملاك العامّة، ليقوم على العكس من ذلك، باستغلال هذا الدور لتمكين الورثة ومن وراءهم من الاستيلاء على هذه المساحة الضخمة من دون أي بدل. ومنعاً لأيّ إحباط لمراده، لم يتّجه العريضي هذه المرة إلى هيئة الاستشارات والتشريع، بل فقط إلى مصلحة القضايا داخل الوزارة التي يتحكّم بمفاصلها. وكما هو منتظر، وافقت هذه المصلحة على مضمون الطلب، وتوصّلت إلى اعتبار القسم الغربي الواقع بين الكورنيش والأوتوستراد وحدود البحر جزءاً من العقار رقم 220 – بساتين الميناء طرابلس العائد لآل الشبطيني.

بناءً عليه، وجّه الوزير كتاباً إلى أمانة السجلّ العقاري في محافظة الشمال طالباً فيه تصحيح “الخطأ المادي” بتسجيل قسم من العقار رقم 220 وترقيمه وقيده على اسم ورثة فرنسيس شبطيني، وكأنّه “عقار مستقلّ” إلّا أنّ أمين السجلّ العقاري رفض تنفيذ طلب العريضي وأرسل كتاباً إلى وزيرة المالية حينها ريّا الحفّار الحسن للاطّلاع وإقرار المناسب. رفضت الوزيرة الحفّار تصحيح القيود بموجب كتاب إداري واعتبرت أنّ غاية الإدارة كانت أن تكون كلّ الأملاك الواقعة غربي البولفار والمحاذية للأملاك البحرية أملاكاً عامّة بحرية. وقد اعتبرت الوزيرة الحفّار أنّ إصرار وتأكيد وزير الأشغال على التنفيذ لا يلزم الإدارة ولا أمانة السجلّ العقاري، موضحة أنّ قبول هذا الطلب يوجب “الحصول على حكم قضائي نافذ”. وهو ما استغلّه الورثة من خلال التوجّه للمرة الثالثة إلى القضاء، مع الاستفادة من تماهي الوزير العريضي مع مسعاهم بوضع اليد على الملك العامّ. ومن الملفت أنّهم اختاروا هذه المرة مرجعاً قضائياً هو القاضي المشرف على أعمال الضمّ والفرز في الشمال القاضي نزيه عكاري والذي لا نفهم مطلقاً مصدر صلاحيته واختصاصه في هذا المجال. فالمساحة المذكورة هي مسجّلة ملكاً عامّاً منذ 1935 بموجب معاملة تحديد وتحرير ولم تدخل قطّ في أيّ معاملة فرز. وقد بدا تماهي العريضي معهم واضحاً جداً من خلال تزويدهم بطلب موجّه منه إلى القاضي المذكور (غير الصالح وغير المختصّ مطلقاً)، بـ “اتّخاذ المقتضى القانوني فيما خصّ العقار 220/ بساتين الميناء، وترقيمه وقيده على اسم ورثة فرنسيس شبطيني في السجلّ العقاري”. والملفت أنّ العريضي لم يجد حرجاً في إرسال الطلب من دون أيّ تعليل، ولا حتّى من باب تأمين غطاء قانوني لنفسه. فكأنّما يأمل من الجميع وضمناً القاضي أن يغضّوا الطرف عن الملك العام، طالما أنّه هو (المسؤول عن حماية الملك العام) فعل ذلك من دون حرج.

وفي أيّار من العام نفسه، تقدّم الورثة باستدعاء أمام القاضي نفسه، مكرّرين فيه مطالبهم السابقة. وبعد أقلّ من سنة، صدر القرار في شباط 2014 عنه وقد قضى باعتبار العقار المعنيّ قطعة سقطت سهواً للمالك ورثة فرنسيس الشبطيني، وبمساحة قدرها 29838 متراً مربعاً، وهي تقريباً نصف المساحة التي كان قد طالب بها الورثة عام 1969. وقد قضى القرار بالطلب إلى أمين السجلّ العقاري في الشمال بقيد القطعة المذكورة على صحيفة العقار رقم 220 منطقة بساتين الميناء العقارية. وإذ أحال مدير عام الشؤون العقارية الموضوع إلى رئيس هيئة القضايا ليستطلع رأيها حول تنفيذ القرار، أجابه رئيس هيئة القضايا القاضي مروان كركبي بأنّ الحكم مبرم غير قابل للطعن بأيّ طريقة وهو قابل للتنفيذ. وفي حين أنّ القرار القضائي لم يأتِ على ذكر ترقيم هذا العقار كعقار “جديد”، بل على ضمّ هذه القطعة إلى العقار 220، سجّل العقار في السجل العقاري في شهر كانون الأوّل 2015 وصدرت الإفادة العقارية له وأعطي العقار رقم 1403، أي كعقار مستحدث مستقلّ عن العقار 220.

هكذا إذاً، تم استحداث عقار وهمي داخل البحر وخصخصته، بدعم مباشر من وزارة الأشغال العامّة. فكيف تصدّى المواطنون لهذه الخصخصة وعكّروا صفو الفساد؟ وما هو مآل الدعاوى؟

Falsifying Property Ownership in El Mina, Lebanon (Part I)

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني