ملوثو الليطاني أمام القضاء وسط أصداء ميموزا: هل بدأ العد العكسي لمحاسبة ملوثي البيئة في لبنان؟


2018-12-20    |   

ملوثو الليطاني أمام القضاء وسط أصداء ميموزا: هل بدأ العد العكسي لمحاسبة ملوثي البيئة في لبنان؟

هل بدأت فعلاً محاسبة ملوثي الليطاني بعد تغاض رسمي على الصعد كافة استمر نحو ثلاثين عاماً؟ وهل قرر القضاء الإنتصار للبيئة وصحة الناس واقتصاد حوض الليطاني وبحيرة القرعون وما دمّره موت النهر الأطول في لبنان، وفق نعوة المجلس الوطني للبحوث العلمية في أب 2016؟ أي قبل عامين ونيف من اليوم؟

فرغم الضجيج الذي أثارته المصلحة الوطنية لنهر الليطاني لجهة مساعي بعض القوى السياسية وتحديداً نواب من حزب الله والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، لإخلاء صاحب معمل ميموزا تنوري على خلفية تلويث نهر البردوني وتلميح بعض وسائل الإعلام إلى تدخل البطريركية المارونية للغاية نفسها تحت ستار “تفادي قطع أرزاق 800 عائلة تعتاش من المعمل نفسه”، يبقى أنها المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن احتمال توقيف أحد أصحاب المعامل الملوثة، فضلا عن أن الإفراج عنه تم بكفالة بلغت مائة مليون ليرة لبنانية ضمانا لحقوق النهر.

والأهم من كل ذلك، وفيما كان المعتاد والعادي أن يعطى أصحاب المعامل مهلا إدارية لتصحيح الوضع وسط تفهم واسع وغير مفهوم لحاجات المعامل، فإن مجرد الإفراج عن أي منهم بات مسألة يرفضها الرأي العام إلى درجة دفعت وزارة العدل إلى الإعلان عن إحالة قرار ترك التنوري إلى التفتيش القضائي، على خلفية احتمال إذعان القضاء للتدخلات السياسية. كما استدرج هذا الأمر رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى التشديد في لقاء الأربعاء النيابي أمس في 19 كانون الأول 2018، على وجوب مواجهة مخاطر تلوث الليطاني والسموم التي تهدد نسبة كبيرة من المواطنين، مؤكدا دعمه عمل القضاء لتطبيق القانون على المخالفين. كما أعلن  رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان أن اللجنة تدعم كل التدابير التي ستأخذها مصلحة الليطاني والقضاء والإدارات الرسمية، وترفض أي تدخل في عمل القضاء لجماية الملوثين.

في موازاة ذلك، أكّد النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم ل”المفكرة القانونية” أنه عاد وأوقف تنوري بتهمة التعدي على الأملاك العامة والمياه، و”استقلالية النيابة العامة المالية في اتخاذ ما تراه مناسباً من إجراءات لحماية الأملاك العامة ونهر الليطاني ومعه صحة الناس وطبعاً القرعون بمعزل عن تدخلات السياسيين”. وتوجه النيابة العامة المالية على هذا الوجه إنما يقطع مع سياسة إعطاء مهل لتسوية الوضع والتي كان ابراهيم نفسه أعلن عنها للمفكرة فيما قبل. كما اعلن إبراهيم عن توقيف أربعة أصحاب معامل ألبان وأجبان في منطقة المرج، مؤكداً المضي في الملف “حتى النهاية”.

بموازاة قرارات إبراهيم، كانت الزميلة رانيا حمزة تتابع يوم أول من أمس من قصر زحلة الجلسات التي عقدها القاضي المنفرد الجزائي في زحلة للنظر في قرابة 35 دعوى ضد ملوثين لليطاني. وتنشر المفكرة خلاصة هذه الجلسات (المحرر).   

“شوفي دخلك قدام قصر العدل لشو كل هل تلفزيونات؟”، تسأل صاحبة محل لبيع المناقيش في زحلة إحدى زبائنها، فيجيبها: “في اعتصام لجماعة المجتمع المدني كرمال الليطاني، الصحافة متلاية الدنيا وكل التلفزيونات إجو”، فترد عليه بحنق:”يعني هودي عم يتظاهروا ضد الشيخ وسام (تعني صاحب معمل ميموزا)، فيجيبها:”عم يقولوا الليطاني عم يجيب سرطان”، فترد ساخرة:”هلق السرطان كان ناطر هالمعمل ومكبات الزبالة والناس اللي معيشها مين بدو يتكفل فيهن إذا قفلوا المعمل؟”.

حوارٌ سمعناه صباح الثلاثاء 18/12/2018 داخل محل لبيع المناقيش  مقابل قصر العدل في زحلة، أثناء انتظار بدء جلسات المحاكمة لدى القاضي المنفرد الجزائي محمد شرف الذي ينظر في الدعاوى المقدمة ضد المصانع والمعامل المتهمة بتلويث نهر الليطاني. حيث إنعقدت أمس، الجلسة الثانية من محاكمة 35 مؤسسة صناعية ومعمل مدعى على أصحابها بجرم تلويث نهر الليطاني بناء على إخبار المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الذي ألحقته بادعاء شخصي. وقد سبق أن عقد القاضي نفسه جلسات مشابهة لغالبية هؤلاء بتاريخ 6/11/2018 كما عقد جلسات لدفعة أخرى من المدعى عليهم بالجرم نفسه بتاريخ 16/11/2018، ينتظر أن يستكمل محاكمتهم نهار الخميس الواقع في 20/11/2018.

هذا الحوار على سذاجته، يعكس آراء شريحة من المجتمع اللبناني، باتت لا تكترث للموت بمرض قاتل حفاظاً على مصدر رزقها و لقمة عيشها، وذلك نتيجة سياسة التجويع والفساد والإفساد المعتمدة من قبل الدولة اللبنانية. هذه السياسة التي مكّنت أصحاب المعامل من الإستشراس في استنزاف النهر، صابّين جل اهتمامهم على جمع الثروات على حساب بيئة الناس وحياتهم حتى تحول الليطاني إلى مجرور للمياه الأسنة والنفايات الصناعية وللموت.

وليس من دليل أبهى مما جرى نهار الجمعة 14/12/2018 غداة قيام النيابة العامة البيئية في البقاع بتوقيف صاحب معمل ميموزا ورئيس بلدية قاع الريم وسام التنوري، حيث احتشد عدد كبير من العمال في مصنعه وبعض أهالي بلدة قاع الريم مطالبين بالإفراج عنه. وقد انضم إليهم ثلاثة نواب وهم أنور جمعة وميشال ضاهر (صاحب معمل ماسترشيبس) وجورج عقيص. على أن توقيفه لم يحرك 800 عائلة تعتاش من مصنعه وحسب، بل حرك أعلى المرجعيات الدينية المسيحية أي “بكركي” نفسها، هي التي لم تحركها صرخات أهالي طلاب المدارس الخاصة والإرساليات في لبنان لسنوات، والتي اعتبرت أن ما يحصل هي” “قرارات عشوائية تهدد الناس في لقمة عيشهم” ولم تأبه لكل المناطق والناس التي يهددها تلوث الليطاني.

وبالعودة إلى جلسات المحكمة، فإنه قرابة الساعة التاسعة والنصف صباحاً، حضر عدد من الناشطين في المجتمع المدني اللبناني، من مختلف المناطق اللبنانية لمواكبة الجلسات، والتأكيد “على حق الناس ببيئة سليمة”، وللمطالبة “بتسريع الجلسات وعدم التهاون في محاسبة الملوثين”.

الكل ينفي، ولا مخرج إلا تعيين خبير

عند باب قاعة القاضي المنفرد الجزائي وقف المدعى عليهم ووكلاؤهم. وقد تسلل عدد من المحامين نحو نافذة الطابق الرابع من قصر العدل حيث تقع قاعة المحكمة لينظروا إلى الشارع حيث يقف الناشطون. ولم يتردد بعضهم من إعلان وجهة نظره فقال أحدهم “هيدي لعبة من الدولة بدها تشيل عن ظهرها مسؤولية تلوث الليطاني فصفقت كفوف عن أبو جنب”. وقرابة العاشرة والنصف، فتحت قاعة المحكمة أبوابها لـتغّص بأعداد الناس الذين توزعوا بين مدعى عليهم ووكلائهم وناشطين أرادوا مواكبة الجلسة، فيما كان أبرز الحاضرين من المدعى عليهم مؤسس شركة قساطلي نايف قساطلي، وأبرز المتغيبين ميشال ضاهر صاحب مصانع ماستر شيبس. ولكن عبثاً كانت متابعة الجلسة، فقاعة الجزاء تفتقر إلى مكبر الصوت “ميكروفون”، وبالتالي لم يكن من السهل الاستماع إلى التحقيق الذي يجري بين القاضي والمدعى عليهم، إلاّ بين الفينة والفينة حيث بدت الجلسة أشبه بالسرية.

ونظر القاضي محمد شرف في نحو 35 ملف. التوتر والإرباك كان باديا على الشريحة الأكبر من المدعى عليهم. وقد أبدى القاضي شرف حزماً وصرامة شديدين في مسألة التلوث، حيث كرر مراراً أمام المدعى عليهم على صوت مرتفع مقارنة بباقي الكلام عبارة “الناس كلها متضررة من الموضوع”. وفيما ادعى البعض بأنه بريء من التهمة الموجهة إليه، قال آخرون أنهم بدأوا بعملية الإصلاح فيما لم يترك القاضي خياراً أمامهم سوى الاستعانة بخبير تعينه المحكمة للكشف مجدداً على مصانعهم لتأكيد حسن النوايا. وقد ترددت أسماء الخبراء الآتين: كارول السخن، ناجي قديح، زياد أبي شاكر، ونادين ناصيف. وكان القاضي يعين حسب القضية خبيراً أو أكثر حسبما تقتضي الحاجة.

أما من استمهل للإطلاع على الملف، أو تقدم بدفوع شكلية فأرجئت جلسته إلى تاريخ 7/1/2019، فيما أرجئت جلسات من طلب تعيين خبير للكشف على إصلاحاته  إلى تاريخ 16/1/2019. وقد  تم استجواب ثلاثة أشخاص في ثلاثة ملفات واختتمت المحاكمة في قضيتهم، وحدد القاضي موعدا لإصدار حكمه فيها بتاريخ 31/1/2019.

وقرابة الساعة الواحدة والنصف، طلب وكيل مصلحة الليطاني المحامي علي عطايا استراحة بسيطة، فكان له ذلك فخرج من القاعة وتبعه الناشطون للإطمئنان لسير المحاكمة. ولحقت بهم إحدى المحاميات التي توجهت إليهم بالكلام وعلى صوت عالٍ: “أنتم مهتمون بالبيئة ولكن نحن جلنا في كل دول العالم، حيث وجدنا أنه  واجب الدولة تأمين الفلاتر للشركات وبالتالي فإن الدولة لدينا تتحمل مسؤولية تنظيف الليطاني أسوة بباقي بلدان أوروبا”. وعندما حاولنا التحدث معها وسؤالها عن اسمها والجهة التي تدافع عنها، رفضت الأمر وأنكرت دفاعها عن أي مدعى عليه في قضية الليطاني، لكن تبين لاحقاً أنها شقيقة ووكيلة أحدهم في القضية والتي نتحفظ عن ذكر اسمها احتراماً لخصوصيتها.

في المقابل، كان للمفكرة القانونية حديث مع المحامية لينا كوكجيان، وكيلة أنطوانيت معلوف وهي صاحبة شركة تصنيع مواد تنظيف. وقد أكدت معلوف أن الشركة قامت بتنفيذ كل الإصلاحات المطلوبة ثم طلبت من مصلحة الليطاني القيام بالكشف مجدداً على شركتها، لكن قيل لها أنه يتوجب عليها التقدم بطلب إلى وزارة البيئة حتى يأتي ممثلون عن كل الوزارات المعنية أي البيئة، الصناعة والصحة ليقوموا بالكشف معاً، وقد تم تقديم هذا الطلب بإنتظار إجراء كشف جديد”.

قرابة الساعة الثالثة والنصف، انتهت جلسات المحاكمة في قضية الليطاني حيث أكد وكيل مصلحة الليطاني المحامي علي عطايا لـ “المفكرة”أن”المصلحة تقدمت بطلب إقفال للمصانع المستمرة في التلويث على قاعدة أنه إذا كان أحدهم يقوم بالتلويث وتم التقدم بشكوى ضده ليحاكم ولا يزال مجروره أو مياهه الصناعية تصب في الليطاني، فهل ننتظر انتهاء المحاكمة وصدور الحكم وفي هذا الوقت يستمر هو في تلويثه؟. إن هدفنا إيقاف التلوث عن الليطاني”.

ولفت إلى أن”قسما من الذين تم استجوابهم قالوا أنه ليس لديهم تلوث فيما نحن لدينا إثباتات بالعكس. وهناك قسم كبير عندما تقدمنا بطلب إقفال واتخاذ تدابير بحقهم لأنهم مستمرون بالتلوث قالوا أنهم قاموا بالإصلاح وطلبوا من القضاء أن يكشف على مصانعهم وهنا القاضي قام بتكليف خبير للقيام بعملية الكشف على المصانع. والآن بإنتظار رأي الخبير بعدما قاموا بتصحيح الخلل لأنه من الثابت أنهم ملوثون بنسبة 90 إلى 100%.

تابع:”هناك عدد من أسماء الخبراء المعتمدين من قبل القاضي. وقد كلف في بعض القضايا بتعيين خبير، وفي أخرى خبيرين.أما أتعاب الخبير فهي محددة على عاتق المدعى عليهم وعليهم المبادرة والدفع لدى قلم المحكمة قبل مباشرة هذه المهمة. وإذ أرجئت المحاكمات التي تم فيها تعيين خبير إلى 16/1/2019، فإنه يتوجب على أصحاب الشركات المعنية المبادرة بأسرع وقت ودفع سلفتهم الذي قام القاضي بتعينه إن كانت لديهم حسن نية حقا حتى تبدأ عملية الكشف ويضع تقريره ليكون جاهزاً للمناقشة في الجلسة المقبلة”.

وبسؤاله عن الشركات التي تم التقدم بطلب إغلاقها أجاب بأن”كل الشركات تم تقديم طلب بإغلاقها، نحن لم نستثن أحد”.

وبسؤاله عن السبب في كون شركة “ميموزا”، أطلت إلى الواجهة منفردة لفت عطايا إلى أن”شركة “ميموزا” ليست من الشركات المدعى عليهم اليوم (الثلاثاء) والخميس”. وقال:”إن موضوع الشركة مستجد وتم اكتشاف القسطل الملوث لديها أثناء عملية إبلاغ بعض المدعى عليهم وهم من جيران الشركة فتم ملاحقة القسطل وتصويره. والآن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني لديها تعليمات من المدير العام بالتقدم بشكوى عليها.وبسؤاله عن المواد التي تم الادعاء بها على ميموزا أجاب:”لم نحصل عليها حتى الآن ولكن أغلب الظن أنها نفسها مواد قوانين المياه الرقم 77 (13/4/2018) والبيئة”.

وبسؤاله إن كان سيتم الكشف مجدداً على الشركات التي ادعت أنها قامت بالإصلاحات أجاب: “هذا كله كلام إلى الآن، والقضاء قرر بناء على بعض الملفات الواردة تعيين خبراء للكشف وستظهر الحقيقة بتقرير الخبراء والذي سيكون لدينا تعليق عليه فور صدوره حول نوعيته ومدى مهنيته وموضوعيته ويبنى على الشيء مقتضاه”.

إذاً لننتظر ونرى خواتيم هذا الملف..

ممنوع الهواتف الخلوية في قصر عدل زحلة

 تقترب الساعة من العاشرة فنهمّ بالدخول للحاق بالجلسة، ويلفت نظرنا عند الدخول إلى  قصر العدل ورقة علقت على الباب تفيد بأنه “يمنع إدخال الهواتف الخليوية إلى حرم قصر العدل”. وبسؤال الناس عنها يبدون امتعاضهم فيما لا يذكر أحدهم تاريخ المباشرة بإعتماد هذا التدبير. وعند التفتيش يحرص عنصر الدرك على التأكد من أن من يدخل لا يملك هاتفاً مع استثناء يطال القضاة والمحامين والأمنيين، ولا يشفع للمرء كونه إعلاميا أو صحافياً. الدركي يخاطب المواطن بصرامة:”لا يمكنك إدخال الهاتف عليك إما وضعه في السيارة أو تركه مع أحدهم”، أما إن كنت “مقطوعاً من شجرة” ولا تملك سيارة فإنه يوجهك إلى محل بيع المناقيش المقابل للعدلية لتضع هاتفك هناك، إذ إنه لا يوجد مكان “للأمانات”، داخل عدلية زحلة كما هو الحال لدى المحكمة العسكرية في بيروت على سبيل المثال. وهناك في محل المناقيش يتوجب عليك دفع ألف ليرة عن كل هاتف خليوي تضعه. المشكلة ليست في الألف ليرة طبعا، المشكلة هي في غياب البيئة السليمة لمراقبة أعمال المحاكم.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني