المادة 15 من نظام الموظفين تقمعهم: أداة مثلى لإفساد الإدارات العامة في لبنان


2018-12-03    |   

المادة 15 من نظام الموظفين تقمعهم: أداة مثلى لإفساد الإدارات العامة في لبنان

ليس أمراً مفاجئاً ألا يقبل موظفو الإدارة العامة عموما التصريح بأسمائهم لدى الإدلاء أمام الوسائل الإعلام. فمهما كان الموضوع الذي يريد الموظف التصريح بشأنه، فإنه يحتاج لإذن من رئيسه سنداً للمادة 15 من نظام الموظفين الصادر بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 112 تاريخ 12-6-1959. يُلحظ أن هذه المادة تحظر على الموظف “أن يُلقي أو ينشر دون إذن خطي من رئيس إدارته خطباً ومقالات أو تصريحات أو مؤلفات في جميع الشؤون أو أن ينضم إلى المنظمات أو النقابات المهنية”. وتزيد الحاجة إلى هذا البحث إلحاحاً، تبعاً للتطورات التي طرأت على الإدارة، وخصوصاً بعد إقرار قانوني حق الوصول إلى المعلومات وحماية كاشفي الفساد.

في هذا التقرير، قابلت “المفكرة القانونية” عدداً من موظفي القطاع العام للاستماع إلى تجاربهم وآرائهم فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير. وقد رجّح بعضهم عدم إعطائهم إذناً للحديث في الإعلام فطلبوا تحسبا واستباقا لهذا الرفض عدم ذكر أسمائهم. والحال أن السلطة أو الإدارة العليا، تضع الموظف ضمن دائرة تفرض عليه عدم الإدلاء بأي تصريح مهما كان نوعه، ويتم مجابهته بما يسمى “موجب التحفظ”.

أوجه الاختلاف بين الإدارة اليوم وفي الخمسينيات

يتحدث الموظف “أمين” (اسم مستعار) الذي يعمل في القطاع العام منذ أكثر من عشرين عاماً، عن أوجه الاختلاف بين إدارة الخمسينيات في فترة صدور نظام الموظفين، وبين ما آلت إليه الأمور في الإدارة اليوم. يقول أمين أن “هذا القانون وضع في خمسينيات القرن الماضي حيث كانت طبيعة الإدارة في ذلك الزمن تختلف عن الإدارة اليوم. إذ طرأ عليها تغيرات عدة، وأصبحت مختلفة من حيث الأيدولوجية وطبيعة الوظيفة والخدمة التي يقوم بها الموظف العام”. يضيف، “في السابق كانت الوظيفة الأساسية للإدارة أو الدولة هي توثيق وقيد معاملات المواطنين، مثل القيد العائلي والسجل العقاري … الخ. وقد كان المواطن آنذاك يقصد الإدارة لإعطاء صيغة رسمية وعلنية للمستندات المتعلقة بالأمور المالية والشخصية. وعلى هذا الأساس، كانت تسمية الإدارة تنسب إلى القيود وليس إلى شكل الخدمة التي تقدمها الإدارة كتسمية “السجل” أي “الدفتر” أو “القيد”. أما اليوم أصبحت وظيفة الإدارة تقديم خدمة عامة لتسهيل شؤون المواطنين، فانتقلت العقلية من عقلية محدودة إلى عقلية أوسع خاصة مع تطور مفهوم الضرائب والرسوم”.

لذا “أمام هذا المفهوم الضيق لوظيفة الإدارة في ذاك الزمن، تمّ فرض موجب التحفظ على الموظف لإعطاء الأمان لتلك القيود والسجلات التي تحمل الطابع الشخصي، منعاً من إساءة استعمالها أو التعرض لخصوصية الأفراد. وتكرس ذلك، بالمادة 15 في نظام الموظفين”، بحسب (أمين).

إشكالية المادة 15 في نظام الموظفين

أحد موظفي الفئة الأولى (نسميه منذر) يشرح لـ “المفكرة” الخلل في تعامل السلطات مع ما يُطلق عليه “موجب التحفظ” المفروض على الموظف. ويربط (منذر) الأمر بالمادة 15 من نظام الموظفين، منطلقاً من العلاقة الهرمية بين الدستور والقوانين والمراسيم التشريعية والأنظمة، وصولاً إلى التفسير الأوسع للقانون بما لا يتعارض مع أحكام الدستور ويضمن روح الديمقراطية في عمل الإدارة العامة. وينسحب ذلك على ضمانة حرية الرأي والتعبير وارتباطها بشكل أساسي بأمرين: إيصال المعلومة للرأي العام ومكافحة الفساد.

يشرح (منذر) أن “الدستور هو القانون الأساسي الذي تنبثق منه كافة القوانين، ومن واجب المشرع أن يضع القوانين التي لا تتعارض معه”. والحال أن “نظام الموظفين الذي وضع في خمسينيات القرن الماضي، تتعارض مادته الخامسة عشرة، المتعلقة بالأعمال المحظورة، مع النص الدستوري الذي كفل حرية الرأي والتعبير لكافة المواطنين دون تمييز بين موظف وغيره (المادة 13 من الدستور اللبناني)”. يرى (منذر) أن “نظام الموظفين من المفترض أنه يرعى علاقة الموظف بوظيفته، إلا أن المادة 15 تُستغل حالياً لخنق الموظف وفرض الصمت عليه ضمانا لثقافة التعتيم”. ومع ذلك، “فإن التوسع في تطبيق المادة 15 في الوقت الحالي، يُخضع الموظف لقيود تفرضها عليه عقلية السلطة التي تستخدم “موجب التحفظ” لمحاربة الموظف ومحاسبته على إطلاع الرأي العام على المعلومة”. وينطبق هذا التقييد بشكل كبير على “المعلومة التي هي أصلاً في دائرة موجب الإعلام، والتي من حق المواطن الاطلاع عليها”.

واجب المشرع العودة إلى الدستور

يقول (منذر) أنه “حان الوقت لكي يخاف من يخالف القانون وليس من يطبقه”. ويتأتى ذلك وفقاً لـ(منذر) “بخلق تيار اجتهادي ضمن القانون، يضع المادة 15 في مكانها الصحيح، وذلك عبر تسليح الموظف بالثقافة حول أنواع المعلومات”، أي، تحديد المعلومة “التي هي ملك الرأي العام ويجب الإفصاح عنها، وتجريم من يحول دون ذلك، كذا وتحديد المعلومة التي تتعلق بالأشخاص وحياتهم المهنية، أو التي هي ملك الدولة ويجب الحفاظ عليها”. ويطالب (منذر) “برسم حدود واضحة في القرارات التطبيقية التي ستصدر سندًا لقانون حق الوصول إلى المعلومات، بين الأسرار الواجب حفظها والحقائق التي تتعلق بعموم المجتمع الواجب الإفصاح عنها”. وبذلك، يؤكد (منذر)، أن “المادة 15 من نظام الموظفين هي حكماً ملغاة، أو على الأقل يقتصر مفعولها على الأمور الوظيفية التي تشكل أسراراً تحميها القوانين، وذلك تماشياً مع الدستور اللبناني، كما مع قانون حق الوصول إلى المعلومات الصادر حديثاً”.

يوضح (منذر) أن “القاعدة الأساسية هي الحرية، والقيد الوارد ضمن نظام الموظفين هو الاستثناء”. بالتالي إن “موجب الإعلام أوسع نطاقاً وأشمل من موجب التحفظ”. وهو يشرح إيضاحاً لذلك، أن “موجب التحفظ محصور في نطاقات ضيقة تبررها مصلحة الدولة العليا، أو أسرار الناس، والتجار والمهن…”، أي أنه “لا يمكن تطبيق استثناء لنص دستوري إلا إذا كان ثمة مصلحة عامة تفرضه، وهي الحفاظ على الأسرار التي تضرّ سمعة الدولة وأمنها وخصوصية الأفراد”. يضيف “اليوم هو عصر الدولة الحديثة، فإن حقل المعلومات المتعلق بالسرية يضيق، وبالمقابل يتسع حقل المعلومات التي من حق المواطن الاطلاع عليها”. لذا فإن “الإدارة الشفافة هي التي تسمح للمواطن مراقبة عمل من هم في موقع المسؤولية، إن كانوا في موقع المسؤولية الإدارية أم السياسية”.

من جهته، يعتبر (أمين) أنه على “القيّمين في المجلسين التشريعي والمؤسساتي، وهم المعنيين بالتشريع والإصلاح، التنبه إلى التطور الحاصل في الإدارات العامة في العالم”. وذلك من ناحية، “نوع الخدمات التي أصبحت أكثرية الدول تقدمها”. “فقد أصبح هناك مسافة كبيرة بيننا وبينهم، بالتالي “علينا اللحاق بهذا التطور والعمل على مكننة الإدارة كلها بأقصى سرعة”. كذا، مكننة وتدريب الموظفين لمواكبة حاجات المواطنين، وإعادة النظر بمفهوم الموظف العام وعناصر تكوينه علمياً وأخلاقياً قبل قبوله عضوا في تقديم الخدمة العامة”.

التقييد على الموظف يحرم المواطن من حق الوصول إلى المعلومة

يلفت (منذر) إلى أن “حرية التعبير لا تنحصر في وصل المعلومة بين الموظف والمواطن، يتعدى ذلك، ليكون من حق الموظف ومن واجبه التواصل مع الوسائل الإعلامية”. لذا، “فإن إيصال المعلومة إلى الرأي العام عبر الإعلام، هو حق كما أنه واجب على كل موظف، ومن الضروري تكريسه لما يخدم المصلحة العامة”. وفي السياق نفسه، إن “المواثيق الدولية التي اعترف بها الدستور اللبناني، ضمنت الواجب على كل شخص يتعاطى الشأن العام أن يقدم الحساب، بالأخص في الإنفاق المموّل من جيب المواطن، من الضرائب والرسوم التي يدفعها”. وبوجه آخر، فإن “من حق المواطن الذي يدفع ضريبة أن يعرف أمواله أين تذهب. بالتالي، إن الكشف عن الحسابات المالية والعقود وتفاصيل المشاريع والديون وتحديد أصحاب المسؤولية هي الوجه الحديث للدولة، وخاصة تلك المشاريع التي تموّل من جيب المواطن”.

من ناحيته، يعتبر (أمين) أن “إعطاء الحق للموظف أن يصرّح أمام الإعلام عن أي معاملة، يعطي الأمان للمعاملة. فعندما يتم نشر أخبار مغلوطة عن معاملات معينة، يخرج الموظف إلى الإعلام ويؤكد المعلومة الصحيحة، فيكون هو مصدر المعلومة الموثوقة”.

ومن جهة أخرى، يلفت (أمين) إلى أنه “من شأن حق التعبير عن الرأي أن يبعد دافعي الرشاوى عن الموظف، ويمنع الضغط الذي يمارس عليه من أصحاب النفوذ، وتدخلات السياسيين”. بالتالي “يصبح الحق بالتصريح للإعلام سلاحاً يحمله الموظف بوجه التدخلات في عمله، وبوجه نقل المعلومات المغلوطة”. يضيف (أمين) من شأن ذلك أن يمكن “الموظف أن يصرّح أمام الرأي العام أنه تم عرض عليه رشوة أو تم التدخل بعمله”. لذا، فإن “حق التصريح للموظف، يلزم الرئيس بعدم تخطي الحدود مع الموظف، بحيث يصبح ملزما باحترام من هو أكبر وأصغر منه على حد سواء. ويصبح تاليا العمل في الإدارة خاضعا لحالة رقابية متبادلة بين كافة الفئات والرتب، وضمانة الموظف إزاء الخوف وتعسف رؤسائه”.

الموظف يعيش تحت وطأة الضغط السياسي

يشرح (أمين) أنه في “ظل الواقع اللبناني الذي نعيشه، الفائض بالانتماء الطائفي والحزبي والسياسي، لا يمكن لموظف أن يستمر في إدارة إن كان ينتمي إلى تيار سياسي يناقض التيار السياسي الحاكم”. يضيف (أمين) “يتعرض الموظف لكافة أنواع الضغوطات العاطفية التي لا تسند لأي منطق بهدف مضايقته”. وبالتالي فإن “هذه المضايقات تؤثر على إنتاجيته”. ويقدم مثالاً على ذلك، “إن استلم أحد التيارات السياسية وزارة ما، يتم استبدال الموظفين بآخرين تابعين للتيار السياسي الذي يمثله الوزير”. يقول (أمين)، “أنا لم يتم نقلي بسبب أنني محمي سياسياً من الحزب الذي أنتمي إليه”.

كذا ويشرح (أمين) كيف يعيش الموظف في خوف دائم خلال القيام بعمله، وخاصة عند التبليغ عن الفساد. يقول (أمين) “أقوم بالتبليغ عن الأخطاء التي يرتكبها الموظفون، ولولا أنني محمي سياسياً، لما تجرأت على التبليغ”. وإذ يؤكد (أمين) أنه “مستعد أن يبلغ عن أي فساد يقوم به أي موظف حتى لو كان محسوباً على التيار السياسي نفسه الذي ينتمي إليه”، إلا أنه “يؤكد أنه أحياناً يتم حماية الموظفين المتحزبين، إلا إذا كان الأمر الذي ارتكبه أسوأ من أن يتم حمايته”.

ومن ناحية أخرى، يلفت (أمين) إلى أنه “لو قام أحد الموظفين بإرسال تقرير عن فساد يحصل، فسوف يتم الضغط عليه من قبل سياسيين كي يتراجع عن التقرير، أو يتم تهديده إذا ما نشر أي معلومة في الإعلام”. “وذلك يحصل إن كان التقرير يطال أشخاصا نافذين ومحميين من السياسيين. “وقد يحصل أن يكون الموظف الذي طاله التقرير، أي الذي يتجرأ على استغلال عمله لمصالح شخصية والقيام بأعمال فساد في وظيفته، فيتمكن الأخير من أن يطلب من مرجعيته السياسية الضغط على كاشف الفساد ليتم تهديده أو نقله من منصبه”.

كذا، ويشرح (أمين) أن “مفهوم السلطة في الإدارة العامة تغيّر، فقد كانت النصوص التي تحدد مهام السلطة قليلة، الأمر الذي يفتح المجال أمام صاحب السلطة ليستعمل الاستنسابية في أكثرية قراراته”. “وهذه الاستنسابية غالباً ما تستخدم ضد الموظفين الأدنى درجة، ولا تزال مكرسة في الإدارة العامة حتى اليوم، حيث أن الموظف الأدنى لا يحق انتقاد رئيسه أو الموظف الأعلى منه درجة”.

بحسب (أمين) “إن القانون أجاز استثناء وحيدا ليتمكن الموظف من التعبير عن رأيه، وهي أن يوجه كتابا لمرة واحدة في قضية ما إلى رئيسه “للفت النظر” على خطأ أو مخالفة ما سنداً للمادة 14 في نظام الموظفين[1]“. لكن بحسب (أمين) فإن “هذا الأمر لا يطبق بالشكل الصحيح، فإذا وجه موظف كتابا إلى رئيسه، فإن الرئيس والذي هو في موقع السلطة يتمكن من الانتقام من مرؤوسه”. “لذا فإن هذا الاستثناء لا يعمل به وهو نص فارغ”. والحال على حد تعبير (أمين)، “إن قدرة الرئيس على ترهيب ومعاقبة الموظف أكبر من صلاحية الموظف الممثلة بتوجيه كتاب لفت النظر. وهذا يجعل من الموظف راضخاً لإرادة رئيسه، بالتالي تصبح السلطة سيفا يستعمله الرئيس ضدّ المرؤوس وأداة ترهيبية وقمعية. ويؤدي الأمر إلى إلغاء الحالة التفاعلية بين المرؤوس ورئيسه ويلغي قاعدة التصحيح، فالمرؤوس غير قادر على محاسبة رئيسه”.

من ناحيته يرى (منذر) بأنه في “الوقت الحالي وفي ظل الممارسات المعتمدة بوجه الموظف، فإن لفت النظر هي الوسيلة الوحيدة للموظف للتعبير عن رأيه أمام الإدارة العليا”. ويضيف، “الإدارة الدنيا تلفت النظر لكن لا تتمرد. لذا، فإن لفت النظر، يزيح عن كاهل الموظف الأخطاء التي تطلب تنفيذها الحكومة في القرارات التي تتخذها”.

يشرح (منذر) أن “أي حركة يقوم بها الموظف للتعبير عن رأيه حتى ولو في موضوع علمي أكاديمي، تجعله معرّضا للضغط من السلطة، تحت ستار بدعة أسموها موجب التحفّظ لا علاقة لها بإبداء الرأي”. مثال على ذلك، “تقييد حرية الموظف من التصريح لوسائل إعلام في كافة الأمور التي تحمل طابع الشأن العام، فلو أَطلع موظف الرأي العام على خطأ يحصل في تلزيم شركات للقيام بمشاريع، وصرّح بأنها تتعارض مع العملية الشفافة التي يفرضها نظام المناقصات، سوف يتم محاربته من قبل السلطة واتهامه بتخطي “موجب التحفظ” علماً أنه لم يقم بنشر معلومات بل قام بإعطاء رأي”. “بخلاف أن الإدارة ملزمة بالإفصاح عن طرق التلزيم عملا بموجبات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي انضم إليها لبنان عام 2009”.

يطرح (منذر) أمثلة عن أساليب الضغط التي يواجهها من خلال تصريحاته للرأي العام حول القضايا المتعلقة بالشأن العام. “فإن كان رأيه يناسب جهة سياسية، معينة تكون النتيجة مرضية. وعندها ينسون موجب التحفظ. لكن إن تعارض ما يدلي به مع صفقاتهم يشهرون بوجهه سلاح ما يسمونه بموجب التحفظ”.

عدا عن ذلك، يلفت (منذر) إلى أنه “غالباً إن طلب الموظف إذناً للحديث في الإعلام، يتم رفضه أو عدم الرد عليه نهائياً. في الوقت الحالي، يقوم بعض السياسيين بتخويف الموظف سعياً لإسكاته، وغالباً ما يتم استغلال مديريات عامة نافذة أعطت لنفسها مرة صلاحية مراقبة التقيد بالتسلسل الإداري، ومرة أخرى دور الهيئة العليا للتأديب، ومرة ثالثة الجهاز المركزي للتفتيش، علماً أن هذه المديرية كما سواها خاضعة للقانون وأن التهويل من خلالها يجعلها عرضة للمساءلة”.

المادة 15 بوجه الحريات النقابية

المادة 15 وقفت أيضاً حاجزاً أمام الحريات النقابية لموظفي الإدارات العامة، ففي شباط 2014 اتخذت رابطة موظفي الإدارة العامة بتحويل الرابطة إلى نقابة، إلا أن السلطة لم توافق على ذلك بحجة مخالفة المادة 15 من نظام الموظفين. فحتى اليوم لم يجرِ تحويل الرابطة إلى نقابة، علماً أنها انضمت إلى هيئة التنسيق النقابية وشاركتها معاركها للمطالبة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب التي أقرت في العام 2017.

يقول رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة السابق د. محمود حيدر أنه “منذ اتفاق الطائف، وبنتيجة السياسات المالية والاقتصادية والإدارية للحكومات المتعاقبة، تم استهداف الإدارة والوظيفة العامة لإلغائها وإلغاء ديمومتها، وذلك من خلال إحلال التعاقد الوظيفي والخصخصة مكانها”. وبحسب حيدر فإن ذلك “يتيح للسلطة وضع الموظفين تحت سيف التسريح بأي لحظة، وإخضاعهم لسيطرتها”. ولهذا السبب، يشير حيدر إلى أن “الرابطة عملت على التحول إلى نقابة بهدف أن تشارك في كافة الأمور التي تعني الإدارة وتطورها، وشؤون الموظفين الإدارية والمعيشية والحياتية”. يقول حيدر، إن “الرابطة وبفعل نضالاتها مع هيئة التنسيق النقابية، من خلال الاعتصامات والتظاهرات، والإضراب المفتوح الذي استمر لأكثر من 33 يوماً، استطاعت أن تفرض نفسها كنقابة فعلية”. يضيف حيدر، “تمكنت الرابطة أن تفاوض السلطة في الأمور التي تعني الإدارة والموظفين، وبالأخص سلسلة الرتب والرواتب التي أُقرت تحت ضغط تلك التحركات”.

كذا، ويلفت حيدر أن “السلطة حاولت التهويل باستخدام المادة 15 بوجه من يشارك في الإضرابات أو الاعتصامات، إلا أن الرابطة وهيئة التنسيق النقابية واجهتها بالإصرار”. فيقول حيدر، “حينها زادت التحركات والإضرابات والتظاهرات، واستمرت الرابطة وهيئة التنسيق في النضال، ما يعني أن المادة 15 من قانون الموظفين قد فرغت من مضمونها، ويقتضي إلغاؤها”.

أمام هذا الواقع، يرى حيدر أنه “من واجب رابطة الموظفين العامين وهيئة التنسيق النقابية أن تستمر بالنضال والعمل، وذلك بالاستناد إلى الدستور اللبناني والمواثيق والمعاهدات الدولية، من أجل تشريع العمل النقابي في القطاع العام”. ولذلك بالنسبة لحيدر أهمية على صعيد “تحويل الروابط إلى نقابات لتصبح شريكاً فعلياً للسلطات في رسم كافة السياسات التي تتصل بالإدارة والموظفين”.

القوانين الحديثة تناقض القديم، والجديد غير مطبق

صدر قانون حق الوصول إلى المعلومات في 10 شباط 2017، ويعتبر هذا القانون هو الأحدث في تمييز المعلومات التي تحمل طابع موجب التحفظ عن تلك التي تحمل طابع موجب الإعلام. كذا وإن مشروع قانون حماية كاشفي الفساد اتخذ مساره نحو إقراره في جلسة مجلس النواب بتاريخ 24 أيلول 2018.

إذن مع وجود هكذا قانونين حديثين، لم لا يزال موجب التحفظ مكرساً على الكثير من المعلومات الإدارية؟

 بحسب الموظف (منذر)، فإن قانون حق الوصول إلى المعلومات لا يزال غير مطبق. فالعديد من كتب طلب المعلومات تُرد، لذا هو يعتبر أن القانون ينقصه بند يتعلق “بمحاسبة من يحول دون تكريس حق المواطن الدستوري بالحصول على المعلومة”. فمثلاً، “من حق الرأي العام أن يطلع على تفاصيل الأوراق المتعلقة بالمشاريع التي تموّل من جيب المواطن، وإلا كيف سيراقب ويحاسب على الخلل؟ والحال، أن “وجود هذا القانون هو أمر جيد، إنما صياغته غير واضحة”.

وعن مشروع قانون حماية كاشفي الفساد، يرى (منذر) أن قانون حماية كاشفي الفساد يتصل بـ4 هيئات موجودة حالياً لمكافحة الفساد وهي “مجلس ديوان المحاسبة، هيئة مجلس الخدمة المدنية، هيئة التفتيش المركزي، الهيئة العليا للتأديب”. وإلى جانب هذه الهيئات، يلفت القانون إلى إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (التي لم تنشأ بعد). يعتبر (منذر) أن “القانون وسع دائرة الهيئات المعنية بمكافحة الفساد، الأمر الذي يعزز الخوف من سوء تطبيقه”. “والمسألة أن هذه الهيئات دون الهيئة الوطنية، هي هيئات قادرة على أن تراقب، ولا بد من اعتماد العصرنة والحداثة في المراقبة”.

 فضلاً عن ذلك، يقول (منذر) أنه “جرى تسييس بعض الهيئات الرقابية وتطييفها ما جعل بعض السياسيين يتصرفون على أنها ملك خاص لهم، ما يمنعها عن أداء دورها الرقابي. وهذا الأمر أضعف وجودها، فهي قانوناً غير تابعة لأحد، ومهمتها مراقبة السلطة التنفيذية، وبفعل التدخلات السياسية وبتسليط سيف “موجب التحفظ” على موظفيها، أصبح لا مبرر لوجودها كهيئات رقابية”.

علاقة الموظف مع الإعلام: نقل المعلومة يهدد وظيفته

يلفت الصحافي في جريدة “الأخبار” إيلي الفرزلي الذي عمل على سلسلة تحقيقات تتعلق بهيئة أوجيرو إلى أن “الموظف الذي ينقل معلومة إلى الإعلام، يكون لديه إما دوافع شخصية، تتعلق بصراعات ما داخل الإدارة التي يعمل فيها، أو دوافع تنبع من الحرص على المصلحة العامة والرغبة في فضح الفساد، من دون أن يكون هو في الواجهة”. يضيف الفرزلي، “القوانين الوظيفية الحالية لا تؤمن الحماية الكافية لفاضحي الفساد، وبالتالي فهو يدرك أن سلوك الطرق الإدارية في مواجهة هذا الفساد (عبر الشكوى إلى الهيئات الرقابية) يمكن أن يعرضه للانتقام، إن كان عبر لقمة عيشه أو حتى في سلامته الشخصية”. ولذلك، بحسب الفرزلي “فإن الصحافي، وكما يكون حريصاً على الوصول إلى المعلومة، يفترض أن يكون حرصه مضاعفاً على حماية مصدرها، بما يضمن مصلحة الطرفين في إنارة الرأي العام”. يشرح الفرزلي بأن “الوصول إلى الوثائق لم يكن دائماً بالأمر السهل. إذ يحدث أن يكتفي المصدر بتقديم المستندات التي تناسبه، متجنباً مستندات أخرى، ولذلك، فإن توسيع شبكة العلاقات من خلال بناء الثقة مع أكثر من مصدر يكون غالباً الخيار الأفضل لضمان الحصول على المعلومة من مختلف جوانبها”. وعلى سبيل المثال، يشير الفرزلي إلى أنه “في موضوع أوجيرو، سبق أن حصل من أحد الموظفين على وثائق تدين أحد المدراء، لكن في سياق متابعته للموضوع حصل على وثائق تثبت تورط الموظف أيضا. فعمد إلى نشر كل ما لديه من معلومات، مع الحفاظ في الحالتين على حماية المصادر، لكن من دون الاكتراث بخسارة مصدر كان يبتغي استغلال الإعلام لغايات شخصية، متعمداً التعمية عن نصف الحقيقة”.

نشر هذا المقال في العدد | 57 |  تشرين الثاني 2018، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

القمع ليس حيث تنظر: نظام المقامات

 


[1]  المادة 14 من نظام الموظفين- معدلة وفقاً للقانون رقم 144 تاريخ 6/5/1992، واجبات الموظفين العامة: يتوجب على الموظف بوجه عام:

2- أن يخضع لرئيسه المباشر وينفذ أوامره وتعليماته الا اذا كانت هذه الأوامر والتعليمات مخالفة القانون بصورة صريحة واضحة. وفي هذه الحالة، على الموظف أن يلفت نظر رئيسه خطيا إلى المخالفة الحاصلة ولا يلزم بتنفيذ هذه الأوامر والتعليمات الا إذا اكدها الرئيس خطيا، وله أن يرسل نسخا عن المراسلات إلى ادارة التفتيش المركزي.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، مجلة لبنان ، لبنان ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني