قاضية تحذّر من ثقافة التدخل في القضاء: ملاحظات حول جلسة المرافعات في قضية LBC


2018-10-13    |   

قاضية تحذّر من ثقافة التدخل في القضاء: ملاحظات حول جلسة المرافعات في قضية LBC

قد تكون قضية ملكية قناة LBC القضية التي تشهد المصارعة القضائية الأبرز بين متخاصمين من الوزن الثقيل: فمن جهة، أحد أقوى الأحزاب اللبنانية ومن جهة أخرى إحدى أهم الوسائل الإعلامية في المنطقة العربية. وإذ تجري هذه المصارعة في بلدٍ بات للأسف يتميّز بثقافة التدخل في القضاء، فإنه من الطبيعي أن تستشعر القاضية الناظرة في هذه القضية فاطمة جوني حاجة كبيرة في التأكيد على استقلاليتها استباقا لأي محاولة أو مسعى لأي من الفريقين أو أيضا لأي اتهام جاهز قد يلجأ إليه الفريق الخاسر بحصول تدخلات. وتكاد لا تمر جلسة إلا وتعبر القاضية عن هذه الحاجة من خلال تصريحات واضحة تتوجه إلى الفريقين ومن خلالهما إلى أي جهة قد تتهيأ لدعم أحدهما. وفيما تنقسم وسائل الإعلام المهتمة بين مؤيد لهذا الفريق أو ذاك، تسهو الكثير من هذه الوسائل عن إعلام الرأي العام بتصريحات هذه القاضية التي قدّر لها أن تحكم في هذه المصارعة، والتي هي من دون ريب أكثر لحظات هذه المحاكمة أهمية من الوجهة الحقوقية. والآن وقد اختتمت المحاكمة وأرجئت الدعوى للحكم، تحذر “المفكرة” تيمنا بالقاضية جوني من مخاطر استسهال أي من الفريقين التدخل في القضاء، آملة أن تشكل هذه القضية رافعة ونموذجا لما يفترض أن يكون عليه الأداء القضائي (المحرر).

القاضية تؤكد على استقلاليتها

لا تمر جلسة في قضية النزاع على ملكية المؤسسة اللبنانية للإرسال إلا وتذكر القاضية فاطمة جوني باستقلاليتها التامة في حكمها في هذا الملف. إذ تتميز هذه القضية بأطرافها المتنازعة، رئيس مجلس إدارة LBCI بيار الضاهر ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. وكانت قد بدأت فصول هذه القضية عندما ادعت القوات ضد الضاهر وشركات أخرى عام 2007 بجرم إساءة الأمانة، حيث اعتبرت أن المؤسسة تعود ملكيتها للقوات. وقد وجهت القاضية جوني في آخر جلسة المرافعة والأخيرة في هذه القضية، بتاريخ 12 تشرين الأول 2018، تصريحا للأطراف المتنازعين، قائلة: “إن وجد أي من الأطراف شك بأن هذه المحكمة تسمح بالتدخلات، فأطلبوا أن يحكم أحد غيري في هذه القضية”. القاضية جوني التي قررت تاريخ 28 شياط موعداً لإصدار الحكم، بررت تصريحها ذاك بأن “هذا الكلام لا يقال في كافة الملفات، لكنني مضطرة على أن أقوله هنا نظراً لخصوصية هذه القضية”. وأضافت، “لست بوارد التباهي بأن هذه المحكمة لا تقبل التدخل، إنما إن شككتم بذلك فالأفضل لكم ألا أحكم في هذا الملف”. وتابعت جوني، بشكل عام فإن “الطرف الذي يقوم بالتدخل عليه أن يعلم أن من يقبل التدخل منه، فسيقبل التدخل من طرف آخر”. بالتالي، “نحن لسنا المدينة الفاضلة، لكن بموضوع هذه الدعوى وللأمانة لم يتدخل أي أحد في هذا الملف، ولم يرد أي اتصال من أي جهة”. وأردفت جوني قائلة، “وإن وردني اتصال في أي ملف كان، فأنا لا أعرف كافة الأرقام التي تتصل بي، لكن ما من أحد له القدرة أن يمس قناعتي”. وعادت وكررت في نهاية حديثها، “إن أردتم أن يحكم أحد غيري في هذا الملف، فأنا على استعداد لذلك”.

مرافعة الأطراف تستحضر تاريخ القوات اللبنانية

مرافعات الأطراف اتخذت طابع سرد الوقائع أكثر من وضع الأمور في سياقها القانوني، كذا واتخذت حيناً منحى سياسياً. وإن أشار بعضهم إلى حيادهم التام عن تسييس القضية إلا أن القضية بطبيعتها لم تخلُ من ذلك. وقد برز تباين بين الأطراف في تعريف القوات اللبنانية قبل العام 1994، إن كانت حزباً واقعياً أم جمعية أم ميليشيا. كذا وفي تحديد ما إذا كانت القوات التي أسسها الرئيس الأسبق بشير الجميل وتم حلها عام 1994 بعد اتفاق الطائف، هي نفسها التي تأسست عام 2005 بعد خروج سمير جعجع من السجن. كما، سعى الأطراف خلال المرافعة في مناقشة ما يثبت أو يدحض حدوث واقعة البيع.

ففي مرافعته شرح وكيل القوات النائب جورج عدوان أنه اختار ثلاثة محاور رئيسية ليتحدث عنها، وهي كينونة القوات اللبنانية، وماهية LBC  بالنسبة لهم بالإضافة إلى ما سمي بـ “عقد البيع”. وهدف عدوان من التطرق لهذه المحاور إلى الوقوف عند المسار التاريخي للقوات اللبنانية وسبب إنشاء LBC خدمة لقضايا القوات، وصولاً إلى الاعتراف المعنوي بالقوات اللبنانية في حكومات متتالية علماً أنها لم تسجل نفسها في الدوائر الرسمية كحزب فعلي آنذاك.

تطرق عدوان إلى مرحلة إنشاء القوات اللبنانية، وأشار إلى أنها ولدت عبر اتحاد 4 أحزاب لبنانية وهي حزب التنظيم الذي كان يرأسه عدوان، وحزب النمور الأحرار، والكتائب وحراس الأرز. وكان الهدف من ذلك، “إنشاء كيان موحد للمقاومة من جهة، وجسم أو كيان يتعاطى بطريقة مختلفة مع الأحداث، بسبب أن الأحزاب التي كانت موجودة كان طابعها تقليديا” بحسب عدوان. ثم أدلى عدوان بأن “هذا الكيان مارس عملا وزاريا عام 1980 لمدة عامين”. مع ذلك، اعتبر عدوان أن “ما قيل في مذكرة الجهة المدعى عليها أن الكيان اقتصر على الأحزاب الأربعة فهذا كلام غير دقيق”. وأشار إلى أنه “قاوم إلى جانب القوات آلاف من الناس ومن الطلاب”.  وروى عدوان بأن “القوات بعد اغتيال الرئيس الأسبق بشير الجميل توسعت دائرة نشاطاتها وأصبحت فاعلة اقتصادياً وأشبه بحكومة المنطقة التي كانت تسمى بـ “الشرقية”. ولفت إلى مسألة “جباية الضرائب” آنذاك، وتفعيل وسائل النقل المشترك. ويقول عدوان أن “رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل كان منزعجاً من تطور القوات، فأمر بفصل سمير جعجع عن حزب الكتائب بفعل محاولته السيطرة على الحزب”. “عندها حصلت انتفاضة القوات وتم إنشاء مجلس قيادي جديد شارك فيه أشخاص غير حزبيين، تم بعدها إنشاء الصندوق المالي للقوات. ثم حصلت الانتفاضة الثانية التي نشأت الـ LBC على إثرها، وقد سقط آلاف الشهداء لأجل القضية التي ناشد لأجلها القوات”.

عند هذه النقطة اعتبر عدوان أنه من “الوقاحة” أن يقال إن القوات باعت التلفزيون الذي تم وضعه لخدمة قضيتها. فطلبت القاضية جوني ألا تستعمل تعابير فيها إهانات خلال المحاكمة، وشرحت له ضرورة الالتزام بأصول المحكمة. جاوبها عدوان بأنه يقصد المعنى اللغوي للكلمة وليس المعنى التحقيري.

“وعن عملية البيع المزعومة” وفقاً لتعبير عدوان، استشهد بتصريح للراحل أنطوان شويري الممثل السابق لإدارة الإعلانات في المؤسسة اللبنانية للإرسال، حين قال إن “هذه المحطة ليست ملك جعجع ليبيعها، وهي ليست للبيع وليس لجعجع أن يتخذ قرار البيع”. كذا، ولفت عدوان إلى تصريح المدعى عليه رئيف البستاني أمام المحكمة السابقة حين سُئل عن توقيعه على عقد التفرغ بينLBC  و LBCI، أجاب بأن “سامي طوق أخبره بأنها أمانة تنتقل لأمين لآخر وهي تبقى للقوات”. كما لفت عدوان إلى كتاب كان قد أرسله الشاهد كريم بقرادوني عام 1995 إلى بيار الضاهر يقول له فيه “LBC  ليست للبيع، فحكم ضميرك ورد الأمانة” وكرر عدوان مقولة بقرادوني بتوجيه الكلام للضاهر بالقول مجدداً “حكم ضميرك ورد الأمانة”.

واعتبر عدوان أن الكلام عن “البيع المزعوم لا يعد سوى هرطقة”، وأن “اتفاق البيع التي يدعي الضاهر حدوثه غير صحيح، وأن عقد التفرغ وقعه الضاهر مع شبح. وأن جعجع الذي سجن لمدة 11 عاماً لم تقدر سوريا على هزّ قناعته لا يبيع المحطة التي أنشأها للقضية”. كذا سأل عدوان: “الضاهر من أين له المال ليدفع ثمن المحطة؟ فإن كان من إيرادات LBC  فلا يحق له، فهذه الأموال ليست له بل للصندوق المالي للقوات اللبنانية”.

من ناحيته ترافع الوكيل الثاني للجهة المدعية المحامي نجيب اليان، وأشار إلى قرار محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي جوزيف سماحة، والذي جاء فيه أنه لا يمكن “الفصل بين ميلشيا القوات وحزب القوات الذي أنشئ عام 2005 مع علم وخبر”. كما لفت اليان إلى قرار لمجلس شورى الدولة في 17 نيسان 2013 جاء فيه “أنه من الناحية الإدارية فإن القوات هي وحدة لا تتجزأ منذ عام 1975 حتى اليوم”. لذا، اعتبر اليان أن “الجهة المدعية لها الحق في المطالبة بالملكية”. وقد اعتبر أن “حزب القوات لم ينقل ملكية المحطة إلى اسمه لأنه اعتبر أنه ولو كان باسم الضاهر فهو ملك خاص للقوات”. وهكذا، بحسب اليان”تابع الظنين أي بيار الضاهر إدارة المحطة لصالح القوات”. وبعد تقدم القوات بدعوى ضد الضاهر، أدلى اليان بأن الضاهر عجز عن إثبات حصول اتفاق بيع، وأن واقعة حصول الاتفاق بينه وبين جعجع في بيت الأخير في غدراس غير قابلة للإثبات. حتى أن الضاهر كان قد اعتبر أنه استرد أوراق الضد من القوات اللبنانية، إلى أن بينا له أن الأوراق لا زالت معهم”. وهذا ما جعله يتلعثم بالكلام في جلسة استجواب بتاريخ 7 كانون الثاني 2010 أمام قاضي التحقيق، فحينها أدلى الضاهر بأنه “شيء عظيم أن تحتفظ القوات بهذه الأوراق”. وهذه العبارة تعني أن “الظنين لم يفكر للحظة أن أوراق الضد موجودة مع القوات، على عكس ما اعتقد أنها أحرقت مع الأرشيف حين استولى الجيش اللبناني على مقر القوات”.

وعن إمكانية الضاهر شراء موجودات الـ LBC، علق اليان على ما جاء على لسان الضاهر في الاستجواب عندما أدلى أنه حصل على شك بقيمة مليون دولار من خاله، وقد استخدمه كضمانة في المصارف للحصول على قروض مالية. فاستغرب اليان أن يقبل أي مصرف بإعطاء قروض، فقط عند رؤية الشك دون طلب رهنه. كذا وعزز إليان تأكيده على أن الضاهر لم يكن يملك المال لدفع ثمن المحطة بتأكيده على أن الضاهر استدان مبلغ 25 ألف دولار من الصندوق الوطني للقوات لتسفير زوجته لتلد في أميركا. ويذكر أن الضاهر كان قد علل ذلك في جلسة الاستجواب السابقة، بأن قال إن جعجع قدم له ذلك المال كهدية على ولادة ابنه.

فرح: القوات اليوم لا تمثل القوات عام 1975

من ناحيته، ترافع المحامي نعوم فرح عن LBCI، فشدد في مرافعته على الرد على الجهة المدعية. فاعتبر فرح أنه “لا ينفع إدخال الجو السياسي ومحاولة تزوير التاريخ”. وراح فرح يشرح إشكالية اتخاذ القوات صفة الادعاء في هذا الملف، معتبراً أن القوات حلت بعد اتفاق الطائف فكيف بُعثت من بين الأموات. وفي معرض رفضه الربط بين القوات عام 1991، والقوات التي تأسست عام 2005 بعد خروج جعجع من السجن، معتبراً أن “القوات اليوم لا تمثل الأحزاب الأربعة التي أنشئت من خلالهم”. وأوضح فرح بأنه “عندما يتم حل أي حزب أو أي شركة لا تبعث من بين الأموات، وأن القوات عام 1991 بعدما حلت تعتبر حكماً بحكم الميت المدني”. وأدلى فرح، بأنه كشاهد على مرحلة إنشاء القوات اللبنانية، لافتاً إلى أن الرئيس الراحل بشير الجميل لم يكن ينوي إنشاء حزب القوات. وأكد أنه “بعدما انتخب الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية أدلى بأنه يريد حلها”.

 وردّ فرح على عدوان حين اعتبر أن القوات كانت أشبه بحكومة في المنطقة الشرقية بالقول: “إن قامت القوات ببعض النشاطات الاقتصادية فهل تصبح وزارة نقل أم مصرفاً”. كما رد فرح على اعتبار قوات اللبنانية حزباً في ذاك الوقت، بالتأكيد على أن “بشير الجميل كان قد عمّم على أنه لا يمكن أن يدل أحد إلى القوات إلا إذا كان منضماً إلى الكتائب”.

وأضاف فرح، إن “خلط الأوراق والمفاهيم ليس إلا محاولة لإيهام بوجود عملية إساءة أمانة، ومحاولة لوضع اليد على ملك الغير”. وقد أوضح فرح أنه “لا يمكن للجهة المدعية الادعاء بأنها لا تعلم بحصول عملية البيع. وقد واجههم بما يراه إثباتا لحصولها”، لافتاً إلى “أن شعارLBC  لا يمكن أن يتحول إلى LBCI  ولا أحد ينتبه”. وبذلك اعتبر فرح أن “حجة جعجع بأنه لم يعلم ببيع الـ LBC  إلا بعدما خرج من السجن عام 2005 أي بعد 11 عاماً غير قابلة للتصديق”. لذا، شرح فرح أن “القوات ادعت عدم علمها بعملية البيع لأنه لو أدلت بذلك لكانت واجهت مسألة سقوط الحق بمرور الزمن”.

وعن عقد التفرغ، أكد فرح أن العقد ليس سرياً بل تم توقيعه عند كاتب عدل. وقد تم نقل موجودات الـLBC إلى LBCI علناً في السجلات. وأن العقد تم إبرامه عام 1992، حبن كانت إيرادات ال LBC بالمليارات، لكنها كانت تواجه عجزاً بنحو 6 مليار ليرة. إذن، بالنسبة لفرح “كيف يمكن للصندوق الوطني أن لا ينتبه إلى أن إيرادات LBC  إليه في أول ستة أشهر من عام 1992 أصبح معدلها صفر”.

في نهاية مرافعته، طلب فرح إما رد الدعوى شكلاً واساساً، لانتفاء صفة الادعاء، أو إبطال التعقبات بحق موكليه لعدم توافر أي من أركان الجرم، وإلزام المدعية بتسديد مبلغ لا يقل عن 5 مليون دولار. وإن رأت المحكمة عدم رد الدعوى طلب فرح فتح المحاكمة من جديد.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني