قرار هام في قضية القوات ضد LBC: هكذا أكدت القاضية جوني على مرجعية المحكمة ورصانتها


2018-05-17    |   

قرار هام في قضية القوات ضد LBC: هكذا أكدت القاضية جوني على مرجعية المحكمة ورصانتها

بتاريخ 15/5/2018، ردت القاضية المنفردة الجزائية في بيروت فاطمة جوني طلب رئيس القوات سمير جعجع بانتقال المحكمة إليه في مقره في معراب لدواع أمنية. وفيما كانت أرجأت القاضية الدعوى إلى 22/6/2018 للبت في الطلب المقدم إليها في جلسة 14/5/2018 خلال أسبوع، فاجأت القاضية الجميع ببت الدعوى في غضون 24 ساعة فقط، بقرار معلل من ست صفحات. وهذا القرار يستدعي ثلاث ملاحظات:

أولا، ضرورة الحسم السريع والمعلل للطلب

أن بتّ الطلب بهذه السرعة إنما يؤشر إلى استشعار القاضية ضرورة الحسم السريع والمعلل لهذا الطلب، تأكيدا على مرجعية المحكمة. فلا تترك مجالا للتأويلات أو التجاذبات أو التدخلات بهذا الشأن، بما يصون رصانتها واستقلاليتها أيضا.

ثانيا، المعيار الحاسم هو القانون العام والشامل:

الأمن هو إحدى المصالح، المحاكمة العادلة هي المصلحة العليا

إذ باشرت المحكمة تعليلها بالتسليم بالمخاطر الأمنية المحيطة بجعجع واعلان حرصها على سلامة كل متداعٍ أمامها والسلامة العامة، فإنها سارعت إلى التأكيد بأنه يتعين على المحكمة “النظر في الطلب انطلاقا من النصوص القانونية التي ترعاه”. وبذلك، بدت المحكمة وكأنها تعيد الأمور إلى نصابها.

فتقييم المخاوف الأمنية لا يسمح بالقفز فوق القانون، بل يتمّ تحت سقفه ووفقا له. وبذلك، أصابت المحكمة عصفورين بحجر واحد: فهي من جهة أولى، أعلمت أطراف الدعوى “الأقوياء والنافذين” بأن الأصول التي ستحكمها تتمثّل في القانون وحده، بمنأى عن أي تأثيرات أخرى، من أي طرف أتت. ومن جهة ثانية، أعادت المخاوف الأمنية إلى حجمها الطبيعي بحيث أنها تشكل مصلحة من ضمن مجموعة مصالح يتعين على القانون حمايتها وصونها والموازنة فيما بينها. ومن هذه الزاوية، بدت حيثيات المحكمة أهم وأكبر من ظروف القضية، في ظل سواد الهاجس الأمني وتغليبه في معظم سياسات الدولة على كمّ كبير من الاعتبارات الجديرة بالاحترام والحماية. وفي هذا السياق، سارعت المحكمة بعد قراءة سريعة للنصوص القانونية إلى التأكيد على “أن الأصل أن تعقد جلسات المحاكمة في قصور العدل، والاستثناء أن يعقد خارجها. ومن المعلوم أن الاستثناء يعتبر خروجا على المبدأ العام بحيث يتعين تطبيقه على نحو ضيق. فلا يتم انتقال المحكمة إلا في الحالات التي يجيزها القانون حصرا”. ومن هذه الحالات، أن يكون الطرف المراد الاستماع إليه أحد الرؤساء الثلاثة أو أن يكون مثوله أمام المحكمة مستحيلا بسبب المرض أو العجز أو بسبب ظرف قاهر أو بسبب آخر حري بالقبول. وهي بذلك، أعادت الاعتبار الأول ولو ضمنا إلى مصلحة أساسية قوامها ضمان المحاكمة العادلة لطرفي الدعوى، ومن شروطها قيام المحاكمة في مكان له رمزيته كقصر العدل ومحدّد مسبقا ومحايد: وهي المصلحة الأصل والعليا فيما يتصل بقبول هذا الطلب أو عدمه فلا يجوز الحياد عنها إلا استثنائيا جدا وضمن شروط القانون المحددة حصرا.

ثالثا، التعليل من فم الطالب

فضلا عما تقدم، تميزت المحكمة بحرصها على إسناد قرارها برد طلب انتقال المحكمة على أقوال الطالب نفسه، وذلك بهدف زيادة احتمال قبوله للقرار والحدّ من العراقيل أمام حسن سير المحاكمة. وهذا التوجه في تعليل القرار ينمّ عن حكمة، بخاصة في القضايا التي يتمتع فيها أطرافها بنفوذ كبير.

وعليه، عللت المحكمة قرارها برد الطلب بأسباب الطلب عينه، وتحديدا بواقعة تعرض جعجع لمحاولة اغتيال في عقر داره. فتبعا لذلك، يكون أمن جعجع وسلامته مهددين وفق المحكمة “أينما كان وفي كل حين، وحتى في محل إقامته، وليس فقط في قصر العدل أو في الطرقات المؤدية إليه”. حتى إذا أقرّت بذلك، أردفت أن بإمكان جعجع أن يحتاط للأخطار المحيطة وأن يتخذ التدابير الأمنية التي يتبعها في سائر تنقلاته لضمان وصوله آمنا إلى قصر العدل. ولم تنسَ المحكمة طبعا التذكير أن بإمكانها أن تطلب اتخاذ اجراءات أمنية استثنائية من الجهات المختصة لضمان أمن قصر لعدل. فلا يكون تاليا السبب الأمني حائلا دون مثول جعجع أمام المحكمة طالما أن بالإمكان تداركه.

هذه هي أهم الملاحظات التي أمكن ابداؤها على قرار المحكمة في رد طلب انتقالها إلى معراب. وهو قرار يتجاوز من حيث رمزيته حدود هذه القضية بل حدود المنظومة القانونية. فمهما بلغت اجراءات حماية الأمن كلفة وتعقيدا، ثمة مصلحة عليا قوامها أن تبقى المحكمة في قلب المدينة ومرجعيتها في حماية حقوق الناس وحرياتهم من دون تمييز. بالمقابل، يبقى الزعيم، بما له من مشروعية ومخاوف ومصالح، طرفا من أطرافها، مهما عظم شأنه.

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، عدالة انتقالية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني