المرافعة في قضية صلاح نور الدين: كرامة رئيس مجلس النواب مقابل كرامة الشعب


2016-11-12    |   

المرافعة في قضية صلاح نور الدين: كرامة رئيس مجلس النواب مقابل كرامة الشعب

خلال تظاهرة للحراك المدني في 20 أيلول 2015، رفع المواطن صلاح نور الدين لافتة تحمل صورة كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء السابق سعد الدين الحريري والنائب وليد جنبلاط، كتب عليها "رؤوس الإجرام والفساد والسرقة". وأضاف في أسفلها عبارة "تقدمة إبن الجنوب السيد صلاح مهدي نور الدين". على إثره، تقدم الرئيس بري بشكوى قدح وذم ونشر أخبار مضللة ضد نور الدين، أمام النائب العام التمييزي في بيروت القاضي سمير حمود. وقد ادّعت النيابة العامة على نور الدين في 22 أيلول 2015. تجدر الإشارة إلى أن نور الدين كان قد تعرّض للإعتداء خلال التظاهرة من قبل مجموعة نسبت نفسها لبري، ما دفعه إلى التقدم بشكوى لم يتمّ تحريكها حتى اللحظة.

أمس الخميس (10 تشرين الثاني 2016)، كانت الجلسة الثانية أمام القاضية المنفردة الجزائية في بيروت، الرئيسة رولا صفير، وقد خصصت الجلسة للمرافعة وقدّم فيها كل من وكيل الرئيس بري المحامي وسيم منصوري ووكيل السيد نور الدين المحامي نزار صاغية مرافعتاهما. وقد عكست المرافعتان توجّهين مختلفين في قراءة الحقّ في حرية التعبير، ومدى توّسع هذا الحقّ كلما تناول أشخاصاً يعملون في الشأن العام على ضوء المعطيات الإجتماعية والحالة العامة.

اعتبر منصوري أن "مثول موكله (بري) أمام عدالة المحكمة هو دليل على رفضه الاعتداء على أي مواطن". ذلك أن "لجوء المدعي إلى القضاء ليس شكليّا فهو الآن ماثل كمواطن أمام قضاء يحترمه ويجله". في المقابل، وجد أن نور الدين، بسبب اللافتة التي رفعها، "تسبّب بأعمال الشغب، في فترة كان الضغط كبيراً على المجتمع اللبناني ولم يكن خلالها ينقص ارتكاب جرائم في الشارع كرفع اللافتة. بالتالي، فإن جرمه ينسحب أبعد من القدح والذم وهو أدّى إلى تهديد السلم الأهلي". وفقاً لمرافعة منصوري، فإن "عمل نور الدين ضمن السياق الذي حصل فيه كان المطلوب منه زعزعة النظام القضائي والقانوني، وزعزعة نظرة الناس إلى السلطة وهذا ما حصل". وقد رأى منصوري أنّ "البعض يعتقد أنّ وجود شخص في موقع مسؤولية معيّنة يعني قبول تعرّضه لأي انتقاد كان، ولكن الفرق كبير جداً بين انتقاد أداءٍ سياسي لشخص يقوم بخدمة عامة واتهامه بتهم فساد، لا سيما إذا كان هو (أي بري) يحارب الفساد".

من جهته، وجد صاغية أنه من غير المقبول أن يعتبر بري نفسه بمنأى عن أحداث العنف التي افتعلت بحق المتظاهرين باسمه. النقطة المفصلية هنا "أن الرئيس بري لم يعتبر قضية الذين تعرضوا للاعتداء قضيته، ولم يدافع عن كرامة هذا المواطن، وكلّ ما تحرّك لأجله كان الدفاع عن حقه الشخصي وكرامته الشخصية". والحال أن "ما تفعله جهة الادعاء اليوم هو الدفاع عن كرامة شخص. أما ما نفعله نحن فهو الدفاع عن كرامة شعب تم تفقيره وإذلاله وتهجيره ولم يعد لديه إلا الكلمة كي يسائل المسؤولين الذين داسوه". "وبالطبع، كرامة الشعب أعلى وأسمى من كرامة أي زعيم مهما بلغ شأنه". وأردف صاغية: "لماذا لم يتحرك الرئيس بري لضمان ملاحقة ومحاكمة كل الذين اعتدوا على المتظاهرين ومنهم نور الدين أمام كاميرات التلفزة ضنا بكرامة المواطنين؟ كرئيس مجلس نيابي، هل يُقبل أن يعبّر عن حساسية فائقة إزاء رفع يافطة ضده، فيما لم يعبر عن أي حساسية إزاء ضرب المواطنين بالعشرات في الشارع وباسمه؟"

ورفض صاغية طرح اسم الرئيس بري على أنه "كأي مواطن". فالمدعي "شخص غير عادي وهو زعيم سياسي شارك في الحكم منذ سنة 1990 وبإدارة الحرب خلال الحرب الأهلية". ولدى المدعي "كتلة نيابية ووزارية في ظل نظام توافقي لا فصل فعليّ فيه بين السلطات". هو اذن "ركن من أركان النظام". لذا فلو "قلنا أننا أمام نظام فاسد، لا نكون قد ارتكبنا جريمة وإلا فلنحاكم البنك الدولي والشفافية الدولية وكل من يكتب ويكتب عن الفساد في لبنان الذي لم يعد خافيا على أحد. إذا إذا قلنا النظام فاسد فلا اشكال، وإذا قلنا إن أركان النظام فاسدة لا نكون قد ارتكبنا جريمة. بالتالي لو أخذ أحدنا المبادرة كما فعل نورالدين وذهب أبعد قليلا من خلال تسمية اركان النظام، فلا يكون قد ارتكب جريمة". بهذا المعنى فإن اللافتة التي رفعها نور الدين "لا تحمل قدحاً ولا ذمّاً انما هي مجرد شعار سياسي". ثم استرسل صاغية في تعداد مؤشرات الفساد في الدولة اللبنانية، ليختم أن حرية التعبير لا نقيمها من خلال أصول الأدب والتهذيب. بل هي "ترتبط بتقييم القاضي لما يمكن أن يقال وما لا يمكن أن يقال، وذلك على ضوء ما يلائم المصلحة الاجتماعية". يضيف صاغية أنه عندما "نكون في نظام المساءلة فيه صفر ومنعدمة تماماً، لا يبقى للمواطن إلا التعبير. ولا بدّ إذا للقاضي أن يتوسع في منحه هذا الحق، كمتنفس وحيد وكسلاح أوحد للدفاع عن نفسه وعن المجتمع". وذكر صاغية أن عمل نور الدين جرى في سياق حراك صيف 2015 وفي وقت وصل فيه الفساد درجة رميت معها أكياس النفايات أمام بيوت اللبنانيين فخرجوا آلافا ولسان حالهم أن زعماءهم (أركان النظام) "حرامية".

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لبنان ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني