المفكرة تنشر قرارا قضائيا بشأن الزواج المدني في لبنان: سلاح إضافي لمعركة لم تنتهِ بعد


2016-03-24    |   

المفكرة تنشر قرارا قضائيا بشأن الزواج المدني في لبنان: سلاح إضافي لمعركة لم تنتهِ بعد

في 21-3-2016، أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد معلوف حكماً هو الأول من نوعه فيما يتعلق بدعوىتسجيل زواج مدني، وهومن ضمن العقود التي أُبرمت في لبنان وامتنعت الدولة اللبنانية عن تسجيلها بحجة عدم قانونيتها.

وضمّن القاضي معلوف قراره مادةً اجتهادية مهمة تعزز الحق بعقد زواج مدني في لبنان وتدعمه وتدحض جميع حجج الدولة الرافضة له في هذا الخصوص، وإن انتهى إلى إعلان عدم اختصاصه في النظر في دعوى تسجيل الزواج، موجهاً الأزواج لمرجعة قاضي الأساس. فقانون أصول المحاكمات المدنية يشترط أن يكون التعدي على حقوق الأفراد صارخاً لينعقد إختصاص قاضي الأمور المستعجلة، فيما أن رفض الإدارة لتسجيل الزواج المدني المعقود في لبنان، في ظل الجدل القانوني الدائر حول مدى صحته، لا يشكل وفق القاضي معلوف تعدياً واضحاً أو صارخاً على حقوق الأفراد. وعليه، بالإمكان القول أن الحكم أعطى مؤيّدي الزواج المدني في لبنان سلاحا قويا في معركة لم تنته بعد. واللافت هو أن الحكم حدد للناشطين الخطوة المقبلة التي يتعين عليهم القيام بها على أمل إنجاز الانتصار وهي تقديم دعوى ثانية أمام قضاء الأساس.   

بعيداً عما انتهى اليه القاضي معلوف لهذه الناحية وما سينتج عنه من مفاعيل على صعيد عقود الزواج المدني المبرمة في لبنان أو ما قد يثيره من انتقادات من مؤيدي الزواج المدني أو رافضيه، تكتفي المفكرة في هذا المحلّ بإبراز حيثيات القرار التي تسهم في تكريس الحق في إبرام عقود مماثلة، وهي حيثيات قد تشكل أهم ما نشر في هذا المجال.

·        الحق بعدم اعتناق أي دينوالحق بالزواج: المبدأ هو الإباحة

يستند القاضي معلوف إلى حرية المعتقد المرتبطة بالحق بالمساواة بين جميع المواطنين اللبنانيين في الحقوق والواجبات. كما يستند إلى “مقدمة الدستور التي تشكل جزءاً لا يتجزأ منه وتتمتع بموقعه في تسلسل القوانين”، وبالتالي إلى المعاهدات الدولية المكرسة في المقدمة أي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، والإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين والمعتقد.

يستعيد القاضي معلوف المواد القانونية الدولية والمحلية في إطار التسلسل القانوني، ليؤكد على “حرية اعتناق دين معين أو عدم إعتناق أي دين وحرية الإعلان عن إعتناق أي دين، كما والحق بالزواج، هي من الحقوق الأساسية للإنسان وهي تستدعي الحماية من هذا المنطلق”. كما يستنتج معلوف أن “الحق بالزواج ليس بحاجة للإقرار بموجب قانون، ذلك أن الأصل هو الإباحة في ممارسة الحقوق الأساسية”.

وبينما يكون القرار قد أضاء على النصوص القانونية الملزمة للدولة اللبنانية، فإنه يضيف مستشهداً بما توصل اليه المجلس الدستوري الفرنسي والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ليضع إستنتاجا مفاده أن “ممارسة المشرع سلطته عبر اصدار تشريعات تنظم الزواج أو تقيده لضرورات المصلحة العامة، مقبولة، شرط ألا تؤدي الى المساس بالحق بالزواج. ويمكن القول أن الأمر عينه يصح عند ممارسة المشرع سلطته عبر اختيار عدم التشريع لمقتضيات معينة، وهو حق من حقوقه، شرط ألا يمس ذلك بالحق بالزواج”.

ويرفض القاضي معلوف لهذه الناحية إدلاء الدولة لناحية اعتبار شطب القيد الطائفي مجرد كتمان للإنتماء الطائفي، معتبراً اياه خروجاً من الطائفة تجاه الإدارة. وهو يضيف بأن هذا الخروج قد يكون “لعدم إيمان الفرد بأي من الأديان أو المذاهب المعترف بها، أو بسبب عدم رغبته باعلان ايمانه تجاه الادارة وابقائه مسألة خاصة”. بكل الأحوال “لا يمكن الا إعتبار من لم يذكر قيده الطائفي في سجلات النفوس من ضمن فئة الأشخاص غير المنتمين الى أي طائفة والا كان موقف الادارة مناقضاً للنصوص المشار اليها اعلاه ومقيداً لحرية المعتقد”. فالقبول بحرية المعتقد يفترض ليس فقط حرية اعتناق أي دين أو مذهب أو حرية إبدال الدين أو المذهب، وإنما أيضا حرية عدم اعتناق أي دين أو مذهب، كما وحرية عدم الإعلان عن اعتناق أي دين أو مذهب.

وينتهي القاضي معلوف بإعلان الحيثية الحاسمة الآتية: “أن حرية المعتقد مكرسة ومحمية دستوريا، وأن الحق بالزواج هو من الحقوق الأساسية للإنسان ويتمتع بالحماية التي تتمتع بها هذه الحقوق، وأن القرار 60 ل.ر اعترف بوجود لبنانيين لا ينتمون إلى أي الطوائف المعترف بها، وأن من يشطب قيده الطائفي في سجلات النفوس ينتمي إلى الفئة المذكورة، وأن من حق هؤلاء اللبنانيين التمتع بحقوقهم كافة على قدم المساواة مع سائر المواطنيين، ومن هذه الحقوق، الحق بالزواج، وأن زواج هؤلاء الأشخاص يخضع للقانون المدني”. 

·        اشكالية الفراع التشريعي: بإمكان الزوجين اختيار القانون الأجنبي

بعد إعلان الحقوق المشار إليها أعلاه، يشير القاضي معلوف إلى أن الحيثيات السابقة غير كافية للتأكيد على أن الحق المدعى تعرضه للتعدي هو قائم بشكل غير قابل لأية منازعة جدية، “اذ تبقى إشكالية أساسية مطروحة من المدعى عليها (الدولة) ومتمثلة بالفراغ التشريعي الناتج عن غياب قانون مدني خاص بالزواج في لبنان، ما يحول بحسب رأيها دون اعتبار زواج المدعيين قانونياً”. وقد عمد القاضي معلوف هنا إلى تقييم مدى صحة اختيار الزوجين لقانون أجنبي من باب سدّ الثغرة القانونية، وانتهى إلى القول بصحة ذلك.  

ومن أهم الحيثيات التي أدت إلى هذه النتيجة، الآتية:

“أن إقرار القرار 60 ل/ر في مادته 25 بصحة الزواج المدني المعقود في الخارج، إذا احتفل به وفقاً للشكل المتبع في البلد حيث تم تنظيمه، وخضوعه للقانون المدني … ينطوي فعليا على إعطاء حق خيار للزوجين بشأن تحديد شكل زواجهما والقانون الذي يرعاه، وذلك عبر فعل بسيط، يتمثل بالإنتقال إلى أقرب بلد يأخذ بالزواج المدني ودون فرض أية شروط قانونية إضافية على هذا الخيار، لا سيما لجهة الجنسية أو الطائفة أو الإقامة أو أية رابطة إضافية بين الزوجين والبلد الذي سيخضع الزواج لقانونه، إن ما تقدم يؤكد الإعتراف الضمني بمساحة معينة لإرادة الزوجين وحرية اختيارهما لشكل زواجهما والقانون الذي يخضعان له”. ويضيف القاضي معلوف في مكان آخر بأن الإقرار بصحة هذا الاختيار في زواج يعقد في لبنان “يحافظ على النظام العام عبر التأكيد على مساواة الجميع أمام القانون (المساواة مع الذين لديهم امكانات مادية لعقد زواجهم في الخرج) وفي الحقوق (المساواة مع المنتمين إلى طوائف منظمة)، مع الإشارة إلى أن تعدد الأنظمة التي ترعى الأحوال الشخصية للأفراد في لبنان بفعل تعدد الطوائف، يوسع عمليا نظاق قبول القوانين الأجنبية التي قد يتم اختيارها، في ضوء احتمال تقاربها على الأقل مع أحد الأنظمة المعتمدة”.  

·        من يملأ الفراغ التشريعي؟ إنه القاضي، لكن ليس قاضي الأمور المستعجلة

فيما سبق، بينا بشكل مختصر كيف عمد القاضي معلوف إلى نسف حجج الدولة كافة لرفض صحة الزواج. فإذا انتهى من ذلك، عاد إلى التساؤل عن الجهة التي يمكنها تجاوز الفراغ التشريعي المتمثل بعدم إقرار قانون للزواج المدني وإخضاع الزواج المعقود في لبنان إلى قانون من اختيار المتعاقدين. وقد رأى أن الإجابة على هذا السؤال تسمح له بالإجابة على السؤال الأساسي فيما إذا كان موقف الدولة يوصف بالتعدي الواضح، وهو شرط لقبول اختصاصه كقاضي امور مستعجلة لوضع حدّ له. وهنا، نسجّل أمرين:

أولا، إن المادة الرابعة من قانون أصول المحاكمات المدنية “تؤكد على الدور الإجتهادي للقاضي، الذي يقوم أساساً على تفسير النصوص، على أن لا يتعدى التفسير، وإن استثناء، عند غياب النص، بحيث يصبح منشئا للحق، علما أن القانون لا يعطي حقا للقاضي بالتفسير أو بالحكم حتى في غياب النص وإنما يلقي على عاتقه موجباً يعرّض قراره للنقض ويعرض القاضي للمساءلة في حال مخالفته”… “وحيث أن غياب النص يحتم تدخل القاضي لسد الفراغ التشريعي انطلاقا من المبادئ العامة المسندة إلى الحقوق الأساسية وتفسيراتها والأعراف القانونية والحقوق الطبيعية، بحيث يقتضي القول بأن الجزم بقانونية الزواج المعقود بين المدعيين عبر القول بإمكانية إخضاعه لقانون من إختيار المتعاقدين، يخرج عن اختصاص الإدارة ويدخل ضمن موجب القاضي في الاجتهاد انطلاقا مما جرى شرحه أعلاه”. وعليه، رأى معلوف أن تجاوز الفراغ التشريعي لا يمكن ان يتم “إلا عبر دور القضاء في الإجتهاد”، وهو ما يتعذر على الإدارة القيام به. 

ثانيا، وبناء على ما تقدم، انتهى القاضي معلوف إلى إعلان عدم اختصاص القضاء المستعجل على أساس  الفقرة الثانية من المادة 579 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أساس “أنه متى كان تفسير القانون يطرح إشكاليات جدية بين محاكم الأساس نفسها، لم يرشح منها بعد اجتهاد واضح، لا يمكن لقاضي العجلة تجاوز المنازعة ووصف أي تصرف مبني على وجهة معينة بالتعدي الواضح”. التي تخول قاضي الأمور المستعجلة اتخاذ التدابير الآيلة الى ازالة التعدي الواضح عن الحقوق أو الأوضاع المشروعة.

وعليه، وفيما يعطي الحكم سلاحا جديدا ثمينا بيد الناشطين للتأكيد على حق الزواج في لبنان من خلال دحضه لمجمل حجج الدولة، فإنه ترك المعركة مفتوحة بعدما حدد موقعها القادم لدى قضاة الأساس.

أسئلة عديدة بالغة الأهمية يطرحها هذا القرار. تتعهد المفكرة بالتعليق عليها، داعية في الوقت نفسه جميع قرائها وباحثيها إلى تحليله، استشرافاً لكيفية متابعة المعركة. بانتظار ذلك، يبقى زهاء خمسين ثنائيا بانتظار تسجيل زيجاتهم، مع ما يستتبعه من ذلك من ضغوط عليهم بهدف التمكن من إتمام ذلك قبل ساعة الإنجاب. 
 
 

انشر المقال



متوفر من خلال:

جندر ، المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، دستور وانتخابات ، محاكمة عادلة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني