“الاتصالات” تحصد نتيجة محاباتها شركة InMobiles: مشروع A2P يفشل وحقوق الدولة تُهدر


2024-06-21    |   

“الاتصالات” تحصد نتيجة محاباتها شركة InMobiles: مشروع A2P يفشل وحقوق الدولة تُهدر

مشروع A2P (خدمة الرسائل الموجّهة من التطبيقات إلى المشتركين) يشكّل نموذجاً جليّاً على الفوضى والمحاباة التي تُدار بها وزارة الاتصالات. فمنذ اليوم الأول للإعلان عن مزايدة إدارة هذه الخدمة، ظهر التمييز واضحاً لصالح شركة InMobiles. كانت الأولويّة للتعاقد معها بغضّ النظر عمّا إذا كانت تؤمّن مصلحة الخزينة العامّة أو تتوافق مؤهّلاتها مع دفتر الشروط الخاص بالمزايدة التي أجريت في 1/12/2021.

وهذا لم تقله جهة “تحارب المشروع”، كما يعتبر وزير الاتصالات جوني القرم، بل قالته شركة “تاتش” نفسها. ففي دراسة داخلية، اطلعت عليها “المفكرة القانونية”، تكشف الشركة أن القطاع شهد تراجعاً ملحوظاً منذ استلام InMobiles القطاع بدلاً من الشركات الثلاث التي كانت تتولى نقل الرسائل الدولية سابقاً. إذ نقلت الشركة 14.6 مليون رسالة في الفترة ما بين 10 آب 2023 و15 أيار 2024، بالمقارنة مع 25.6 مليون رسالة نقلتها الشركات العاملة قبلها بشكل غير حصري في الفترة نفسها من العام الماضي. علماً أن العقد مع “إن موبايل” يشير إلى أن الحدّ الأدنى الإلزامي لعدد الرسائل سنوياً يجب أن يكون 31 مليون رسالة قصيرة. وأكثر من ذلك تشير الدراسة إلى أن “تجربة العملاء تدهورت على مدار الأشهر التسعة الماضية، كما يتضح من الشكاوى العديدة عبر مختلف القنوات، إذ زادت الشكاوى بنسبة 700%”.

“الاتصالات” تكتشف أن InMobiles غير مؤهلة

هذه النتيجة لم تكن مفاجئة: فالشركة المُتعاقد معها هي شركة غير مؤهّلة لإدارة القطاع. وقد قامرت “تاتش”، ومن خلفها وزير الاتصالات، بالإصرار على التعاقد معها، بما لا يراعي مصلحة الدولة. فـ”تاتش” سبق أن أقرّت، في كتاب موجه إلى وزير الاتصالات، أن الشركة لا تملك خبرة السنوات الخمس المطلوبة للاشتراك بالمزايدة. وبالرغم من أن هذا الشرط هو من العناصر القاتلة، إلا أنها تغاضت عنه، مُطالبة بتوقيع العقد. والأمر نفسه ذهب إليه وزير الاتصالات في رسالته الجوابية على الشركة، فكرّر التناقضات التي تضمّنها كتاب “تاتش”، مشيراً إلى أن الفائز لا يملك الخبرة الكافية في موضوع المزايدة وأنّ العناصر القاتلة قد تكون استبعدت شركات أخرى، لكنه مع ذلك وافق على التعاقد معها. 

المشكلة الأبرز التي واجهت نتيجة المزايدة أنها لا تحقق للخزينة ما حققته مزايدة “ألفا” التي فازت بها Vox Solutions، والتي ظهرت نتيجتها قبل توقيع “تاتش” للعقد مع الشركة الفائزة في مزايدتها (Inmobiles). وبدا لافتاً لدى مقارنة نتائج المزايدتيْن الفارق الشاسع بين قيمة العقدين. فعقد “ألفا” يحقق في الحد الأدنى 17.9 مليون يورو خلال ثلاث سنوات، في حين ستحصل “تاتش” ما لا يزيد عن 7.3 مليون يورو فقط. 

في التفاصيل يتبيّن أن السعر الإفرادي المُحدّد في عقد “تاتش” يبدأ ب7.5 سنت (يورو) للسنة الأولى، في حين يبدأ في عقد “ألفا” بـ10.5 سنت (يورو). كما أن الحدّ الأدنى لعدد الرسائل النصية محدد بما بين 31 مليون رسالة (السنة الأولى) و34 مليون رسالة (السنة الثالثة) سنوياً في عقد “تاتش”، فيما يرتفع إلى ما بين 46.6 مليون و56.8 مليون رسالة في عقد “ألفا”. 

أمام هذا الواقع المستجدّ الذي كشفته مزايدة “ألفا”، لم يكن بمقدور وزارة الاتصالات الاستمرار بعقد “تاتش” مع Inmobiles كما هو، لكن بدلاً من إعادة المزايدة، عمدت إلى تعديل السعر الإفرادي للرسالة ليعادل سعر السنة الأولى في عقد Vox Solutions أي 10.5 سنت (يورو)، لكنها لم تمس بالحد الأدنى لعدد الرسائل، فبقي مجحفاً للوزارة. 

هذه المعطيات، إضافة إلى شوائب أخرى تضمّنتها المزايدة، كانت تطرّقت لها هيئة الشراء العام في تقرير صدر في 25/9/2023، مشيرة إلى أنّ التعديلات التي أعلنها الوزير لناحية السعر الإفرادي ليست بديلاً من الإجراءات التنافسية المعتبرة من الانتظام العام بموجب أحكام المادة الأولى من قانون الشراء العامّ. كما أشارت إلى أن التوازن المالي ليتحقق، يجب رفع سعر الرسائل النصية وأيضاً الحدّ الأدنى لها، مع تأكيده أنّ هذا الإجراء ليس بديلاً من إجراء مزايدة علنيّة. 

وعليه دعت الهيئة إلى إعداد مزايدة جديدة تُراعى فيها التنافسية وعدالة الفرص، على أن يُلغى العقد مع InMobiles “بعد انتهاء المزايدة الجديدة المفترض المباشرة في إجرائها من دون تأخير”.

لم تستجب الوزارة لتوصية “الشراء العام” كما لم تستجب لتوصية ديوان المحاسبة الذي أصدر تقريراً، في 16/1/2024، اعتبر فيه أن “المسار المُتّبع من الإدارة في هذه المزايدة يُظهر “غياباً للرؤية وإمعاناً في ضرب قواعد الشراء العام وإهمالاً وتردّداً، لا بل تخبّطاً لا مبرر له، إلا إذا كان الهدف الحقيقي هو إرساء التلزيم على شركة معيّنة هي شركة InMobiles مهما كان الثمن وليس اتباع خطوات مدروسة وشفّافة للحفاظ على المال العام”. 

كل ذلك لم يره وزير الاتصالات الذي لم يتردد في الإشارة، عبر مقابلة مع جريدة “الأخبار”، إلى أنه “حتى الساعة (نشرت المقابلة في 15 نيسان 2024) لا يمكنني فهم سبب محاربة المشروع”. أضاف: لقد أوصى ديوان المحاسبة بإعادة المزايدة، وسأعيدها رغم عدم اقتناعي بذلك. كما اعتبر في المقابلة أن رفع السعر الإفرادى كاف لحل المشكلة، متجاهلاً التقارير التي وردته من “تاتش” عن سوء إدار الشركة وعن رفضها توقيع ملحق العقد، ومبدياً حزنه على تعليق المزايدة التي “تمتعت بشفافية تامة”. 

بعد نحو 5 أشهر من دون أن تحرّك “تاتش” ساكناً لتنفيذ توصية الديوان، عاجلها رئيس الغرفة الثانية فيه القاضي عبد الرضا ناصر بمذكّرة يطلب فيها توضيح الإجراءات التي اتخذتها لتنفيذ توصياته بشأن هذه الصفقة، موجهاً عدداً من الأسئلة المُباشرة المطلوب الإجابة عليها خلال أسبوع من تاريخ التبلّغ، مع تزويد الديوان بالمعلومات عن كل الإجراءات التي تمّت بهذا الخصوص، مثل: 

– هل التزمت بالتوصيات الواردة في تقرير الديوان الصادر في 16/1/2024؟

-هل وضعت دفتر شروط شفّاف لتلزيم الصفقة؟

-هل أطلقت عملية تلزيم جديدة عوضاً عن تلك التي تمّ تلزيمها لشركة تفتقر إلى الخبرة؟

في حال لم تُطلق المزايدة، ما هي المعوّقات التي أدّت إلى هذا التأخير؟ وما هو الجدول الزمني المتوقّع لتاريخ الانتهاء من وضع دفتر الشروط والتاريخ المتوقع لحصول جلسة المزايدة؟  

“تاتش” تخسر كفالة التنفيذ 

على الأثر، سارعت “تاتش” إلى إنهاء حالة المراوحة والتطنيش، فأرسلت جواباً، في 21/5/2024، إلى الديوان اعترفت فيه بعدم أهلية الشركة. كما كشفت أن كل سوّق عن تعديل السعر الإفرادي لم يكن واقعياً، إذ تبين أن الشركة رفضت حتى اليوم دفع أي فارق عن السعر المُحدّد في العقد الأساسي. وبعد تلقيها أكثر من فاتورة تتضمن فارق السعر، أرسلت في 7/5/2024 رسالة إلى “تاتش” تستنكر فيها إرسال تلك الفواتير لها من دون أي توضيح، ومعلنة عن عدم توجّب تسديد الزيادة المطلوبة. وبالرغم من أن “تاتش” أبلغت الديوان أنها ستُطالب الشركة بتسديد كافة الالتزامات المالية المترتبة عليها بكل الوسائل القانونية المتاحة. المستغرب هنا أن أبرز الوسائل المتاحة كانت الحجز على الكفالة المصرفية التي وضعتها الشركة عند التعاقد معها، لكن ذلك لم يحصل حيث انتهت صلاحية الكفالة في 31/5/2024، من دون أن تطلب تجديدها حتى.

في الجواب على الديوان، أوضحت تاتش أيضاً الإجراءات التي اتبعتها بالاستناد إلى توصية هيئة الشراء. فأشارت إلى أن الوقت الذي يتناسب مع مندرجات المادة 7 من العقد، بحيث لا يترتب عليها أي تعويضات للشركة، هو إرسال إنذار الفسخ قبل 30 يوماً من انتهاء السنة التعاقدية الأولى، أي قبل 30 يوماً من تاريخ 10/8/2024. علماً أن هذه المادة لا تحدد السنة الأولى بل تكتفي بالإشارة إلى أن للوزارة حق فسخ العقد متى تشاء شرط إبلاغ المتعاقدة معه ذلك قبل 30 يوماً. وقد ذهبت “تاتش” أبعد من ذلك إذ اعتبرت أن تجاوز التاريخ المذكور سيعني حكماً بقاء الشركة مرتبطة بالعقد لسنة تعاقدية ثانية. وأكثر من ذلك، طمأنت تاتش إلى أن فسخ العقد سيترافق، بدءاً من تاريخ 11/8/2024، مع توقيع عقود غير حصرية لمقدّمي خدمات A2P إلى حين انتهاء إجراءات المزايدة العمومية وإعلان الرابح فيها، مع مجاراة الأسعار المعدّلة والمعتمدة في الأسواق والتي هي حالياً 10.5 يورو سنت للرسالة الواحدة. وأكثر من ذلك أشارت الشركة إلى أنها أعدّت مسودة العقد غير الحصري وأرسلته إلى الوزارة التي لم توافق عليه حتى اليوم. 

مزايدة مفخخة 

بذلك، يتضح أن الهدف الواضح والمباشر من الدراسة التي أعدّتها الشركة ليس تقييم أداء InMobiles، بل إعلاء شأن العودة إلى تجربة اللاحصرية، مفترضة أن الفشل يرتبط بالطبيعة الحصرية للعقد وليس بالشركة غير المؤهّلة، خاصة أن الحصرية في شركة “ألفا” لم تؤدّ إلى أي مشكلة وحققت إيرادات كبيرة للدولة. وكل ذلك يقود إلى الاستنتاج أن المزايدة ليست سوى رفع عتب تكون نتيجتها عدم تقدم أي شركة والعودة بالتالي إلى تعدد الشركات، وبالتالي المحاصصة. وما يعزز هذا الاعتقاد هو دفتر الشروط المفخخ بأكثر من بند، أولها حشر شروط تجارية بشروط تأهيلية، فإذا كانت المزايدة السابقة تضم بندين قاتلين هما:

  • ينبغي أن لا تقل خبرة الشركة المتقدّمة عن 5 سنوات في موضوع المزايدة أي نظام نظام الرسائل الدولية من التطبيقات A2P International.
  • ينبغي أن تكون الشركة قد قدمت الخدمة نفسها عبر 3 مشغلين ل20 مليون مشترك على الأقلّ. 

عودة إلى اللاحصرية

ضم دفتر الشروط الحالي 8 شروط قاتلة، من بينها السعر الإفرادي للرسالة والحد الأدنى لعدد الرسائل وتخفيض سنوات الخبرة من 5 إلى 3 سنوات. وبالرغم من أن الدراسة التي أعدّتها “تاتش” تشير إلى أن سوق الرسائل النصّية لا يزيد عن 32 مليون رسالة، إلا أنها حدّدت في دفتر الشروط وجوب أن لا يقل عدد الرسائل عن 46 مليون رسالة، لتكون أي شركة مؤهّلة. كما اعتبرت أن التأهيل يحتاج أيضاً إلى حد أدنى للسعر الإفرادي يبلغ 10.5 سنت للرسالة. هيئة الشراء العام وجدت في هذه الشروط وغيرها شروطاً تهدف إلى إفشال المزايدة، فأوصت بعدد من التعديلات لا سيما منها إبعاد الشروط التجارية عن شروط التأهيل، إلا أن الشركة اكتفت بإلغاء شرط ال10.5 سنت وأصرت على شرط ال46 مليون رسالة. ونتيجة هذا التعديل أُجّل موعد فضّ العروض من 11 حزيران إلى 9 تموز، أي إلى شهر قبل انتهاء عقد شركة ​​InMobiles. وهو ما يزيد من احتمال الوصول إلى الموعد المحدد من دون توقيع أي عقد جديد، لتكون النتيجة انتقال الشركة، ومن خلفها الوزارة، من الاستماتة للتعاقد مع ​​InMobiles حصرياً إلى الاستماتة لإلغاء الحصرية وفتح المجال أمام عدد من الشركات للدخول إلى السوق من دون دفتر شروط، ستكون حصة ​​InMobiles فيها هي الوازنة سلفاً، بعد أن قضت سنة متسيدة القطاع.  

انشر المقال



متوفر من خلال:

سياسات عامة ، مؤسسات عامة ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني