إبعاد لاجئين في الأردن: صلاحيات تقديرية لوزير الداخلية


2024-05-17    |   

إبعاد لاجئين في الأردن: صلاحيات تقديرية لوزير الداخلية
رسم رائد شرف

في نيسان 2024، قامت السلطات الأردنية باعتقال السوري محمد أبو سالم تمهيدا لإبعاده بينما كان في طريقه لتصوير مظاهرات تضامنية مع غزة في عمَّان. وبحسب بعض التقارير، فإن قرار الإبعاد الصادر عن وزير الداخلية، مازن الفرايه، يشمل أيضا بعض أفراد عائلته المسجلين جميعا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وتعيد هذه الحادثة مسألة إبعاد السورين من الأردن إلى دائرة الضوء، وحتى إبعاد طالبي اللجوء واللاجئين المسجّلين لدى المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن بشكل عام، وهو الأمر الذي تمّ رصده سابقا من قبل العديد من المنظمات الحقوقية. ففي العام 2017، تمّ رصد قرارات إبعاد جماعيّة وترحيل فردي للاجئين السوريين وإبعاد ما يقارب 800 سوداني  في العام 2015 بعضهم لاجئين فيما يتمتع البقية بصفة طالبي لجوء.

السند القانوني للترحيل

يسمح القانون الأردني بترحيل الأجانب في حالتين:

أولا: قانون العمل الأردني

نظمت المادة (12) من قانون العمل موضوع العمالة الوافدة وشروطها وكيفية الحصول على تصريح عمل، ومنحت الفقرة (ط) من المادة نفسها صلاحية لوزير العمل بإصدار قرار بتسفير العامل الأجنبي المخالف لأحكام هذه المادة إلى خارج المملكة على نفقة صاحب العمل أو مدير المؤسسة. ويتمّ تنفيذ هذا القرار من السّلطات المختصّة ولا تجوز إعادة استقدام أو استخدام العامل غير الأردني الذي يتمّ تسفيره قبل مضيّ خمس سنوات على الأقل من تاريخ تنفيذ قرار التسفير. وإذا لم يقم المُخالف بدفع نفقات السفر المنصوص عليها، فيتم تحصيلها منه وفقاً لأحكام قانون تحصيل الأموال العامة. لم يراعِ نصّ المادة 12 إمكانية تمتّع الأجنبي بمركز قانوني خاصّ مثل منحه صفة اللجوء أو حتى كونه طالب لجوء، وبالتالي فإن تسفيره قد يؤدي إلى إعادته إلى دولته التي هرب منها في الأصل خوفاً من الاضطهاد الأمر الذي يشكّل خرقاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يُعَدُّ حجر الأساس في قانون اللجوء.

ثانيا: قانون الإقامة وشؤون الأجانب

بحسب المادة 37، يحق لوزير الداخلية اعتمادا على تنسيب مدير الأمن العام إبعاد الأجانب ولا يسمح للأجنبي الذي سبق إبعاده بالعودة إلى أراضي المملكة إلا بإذن خاصّ من الوزير. النص شمل جميع الأجانب، حتى لو كانوا مقيمين بصفة قانونية أو يتمتعون بصفة اللجوء، ويتمتع الوزير بسلطة تقديرية مطلقة لا يحدّها إلا عدم التعسف باستعمالها،[1] كما أنّه غير ملزم ببيان الأسباب التي دعتْه إلى إبعاد الأجنبي[2].

والملاحظ أنه في أغلب الأحيان، يتمّ تنفيذ قرارات الإبعاد بسرعة من دون أن يترك المجال للأجنبي المعني الطعن بالقرار أمام القضاء الإداري، أو حتى فرصة الاطلاع على القرار ذاته، رغم أن اللجوء للقضاء ببدو غير مجدٍ في ظل الصلاحيات التقديرية الممنوحة للوزير بحسب الاجتهادات القضائية. وبهذا الخصوص تجدر الإشارة إلى أن القانون لم يحمِ زوج الأردنية الأجنبي والمقيم بصفة شرعية من الإبعاد، الأمر الذي يُشّكل انتهاكا لمبدأ وحدة العائلة الذي نصّ عليه الدستور.[3]

تعامل الحكومة والقضاء مع الاتفاقيات الدولية

تظهر التصريحات الحكومية والسوابق القضائية استخداما مجتزأ للاتفاقيات الدولية، حتى تلك التي لم ينضمّ إليها الأردن، لتبرير قرارات الإبعاد.

فعلى سبيل المثال، نجد أن بعض المسؤولين يستندون إلى نص المادة 33 من اتفاقية جنيف لسنة 1951 الخاصة باللجوء لتبرير طرد أو ردّ اللاجئ إذا توفّرت لديه دواعٍ معقولة لاعتباره خطرا علي أمن البلد أو لاعتباره يمثل خطرا على المجتمع بسبب صدور حكم نهائي استثنائي الخطورة، مع العلم أن الأردن ليس طرفا في هذه الاتفاقية. في حين أن الأردن طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب التي تمنع إعادة أيّ أجنبي، وليس بالضرورة أن يكون لاجئا، إلى دولة من الممكن أن يتعرض فيها للتعذيب دون أية استثناءات كما هو الحال باتفاقية 1951.

ونجد أن القضاء الأردني أيضا استند إلى اتفاقية 1951 لتبرير الإبعاد. ففي قضية أمام المحكمة الإدارية، تمّ الطعن بقرار إبعاد مواطن عراقي على اعتبار أن القرار يخالف القانون الدولي للجوء. وقد أشارت المحكمة إلى “أن القانون الدولي أقرَ طرد اللاجئ لدواعي الأمن الوطني أو النظام العام، وحيث أن القرار الطعين صدر بموجب الصلاحيات التقديرية الممنوحة لوزير الداخلية في الإبعاد، مما يكون معه أن قرار الإبعاد كان في محله والدفع مستوجب الرد”[4].

وقد وصلت المحكمة إلى قناعة أنه يهدّد الأمن الوطني أو النظام العام اعتمادا على “تنسيب مدير شرطة شمال عمان إلى محافظ العاصمة بإبعاد المستدعي خارج البلاد حفظاً لمقتضيات الأمن والسلامة العامة” دون بيان الأعمال التي قام بها وكيف من الممكن أن تؤثر على المجتمع أو حتى فحص هذه الأسباب.

لم يتم الاستناد في اتفاقية مناهضة التعذيب في هذه القضية أو أي قضايا أخرى كسبب لإلغاء قرار الإبعاد، بالرغم من أنها الأولى في التطبيق وتوفر قدرا أكبر من الحماية.

مذكرَّة التفاهم بين الأردن والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين

وفي الخامس من شهر نيسان من العام 1998، وقعت الحكومة الأردنية على مذكرة تفاهم مع المفوضية السامية لتمكين الأخيرة من القيام بأعمالها وأنشطتها المتعلقة بالحماية الدولية والمساعدة الإنسانية لصالح اللاجئين وكذلك الأشخاص المشمولة في عنايتها، ما عدا اللاجئين الفلسطينيين.

بحسب المادة (1) تبنت مذكرة التفاهم تعريف اللاجئ الوارد في اتفاقية العام 1951 الخاصة بالمركز القانوني للاجئ، في حين تشير المادة (2) إلى قيام الحكومة الأردنية باحترام مبدأ عدم طرد أو رد أيّ لاجئ يطلب اللجوء في المملكة بأية صورة إلى الحدود أو الأقاليم حيث تكون حياته أو حريته مهدَّدتين بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئةٍ اجتماعيةٍ معينةٍ أو بسبب آرائه السياسية. ولا يشمل ذلك الأشخاص الذين يتم رفض طلباتهم من قبل مكتب المفوضية.

أشارت (4) من المذكرة إلى الالتزامات المترتبة على اللاجئين وطالبي اللجوء خاصة ما يتعلق منها باحترام القوانين والأنظمة والتدابير المتخذة للمحافظة على النظام العام وعدم القيام بأية نشاطات تخلّ بالأمن أو تسبّب الإحراج في العلاقات بين المملكة والدول الأخرى والإدلاء بأية أحاديث لوسائل الاعلام وفي حال مخالفتهم ذلك يعمل مكتب المفوضية على تأمين دخولهم لدولة ثالثة.

يفهم مما سبق أن الحماية التي توفرها مذكرة التفاهم من الإعادة القسرية هي فقط للاجئين، ولا تشمل طالبي اللجوء أو من رفضت طلباتهم، وكذلك إذا قام اللاجئ أو طالب اللجوء بأعمال تخلّ بالأمن أو تضرّ بعلاقات الأردن الدولية، فإنه يتوجب إذّاك على المفوضية تأمين دخولهم لدولة ثالثة.

ويستفاد من عبارة “خاصة ما يتعلق منها” الواردة في هذه المادة أن التعداد على سبيل المثال وليس الحصر، ومثل هذه المرونة التي يتمتع بها النص تمنح الحكومة الأردنية الحق بوضع التزامات أخرى تفرضها اعتبارات المحافظة على سيادة الدولة، أمنها الوطني أو النظام العام.

مذكرة التفاهم تضع العبء على المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في حماية اللاجئين وطالبي اللجوء من الإعادة القسرية، ولا تشير إلى التزامات الأردن بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب. كما أن المذكرة وضعت في الأساس لمعالجة حالات اللجوء الفردي، لأنه في حالة التدفّق الجماعيّ للاجئين وطالبي اللجوء، يتمّ إجراء ترتيبات خاصّة لإنشاء آلية مشتركة للطوارئ والتعاون فيما بين أجهزة الحكومة الأردنية المختلفة والمفوضية لتوفير الغذاء والمياه والصرف الصحي والمأوى والرعاية الطبية وتعزيز الأمن الجسدي للاجئين وملتمسي اللجوء، وهي الحالة التي تنطبق على اللجوء السوري، الأمر الذي يجعل من الصعب على المفوضية تأمين دخولهم إلى دولة ثالثة خاصة في ظلّ سيّاسات دول إعادة التوطين المتشدّدة تجاه اللاجئين السوريين.

يبدو واضحا أن مسألة إبعاد اللاجئين وطالبي اللجوء في الأردن تطرح العديد من التحدّيات والتساؤلات حول توافق السياسات الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان المتجسدة في الاتفاقيات الدولية التي انضمّت إليها الأردن، والتي منحها القضاء الأردني وقرارات المحكمة الدستورية قيمة أعلى من القوانين الوطنية. كما ن تتجاهل اتفاقية مناهضة التعذيب والدور الذي يمكن ان تلعبه في حماية اللاجئين وطالبي اللجوء من قبل كافة الجهات المعنية يضيف إلى هذه التحديات ثغرات تساهم في تعزيز هذه الانتهاكات.  


[1] عدل عليا، قرار رقم 233/1997، فصل 3/1/1998، مجلة نقابة المحامين لسنة 1998، الجزء الأول، ص 850.

[2] عدل عليا، قرار رقم 157/1995، فصل 12/7/1995، مجلة نقابة المحامين لسنة 1996، الجزء الأول، ص 1613.

[3] بحسب (الحكم رقم 529 لسنة 2022 – المحكمة الإدارية)، وجدت المحكمة ان قرار ابعاد مواطن مصري متزوج من اردنية ومقيم بصفة شرعية قرار صحيح على اعتبار  “أن الفقه والقضاء الإداريين أجمعا على أن القرار الإداري يحمل قرينة صحته ما لم يرد دليل على خلاف ذلك وبما أن المستدعي لم يقدم أية بينة خطية أو معززات من شانها النيل من القرار الطعين أو ما نعاه عليه من عيوب ولم يثبت إساءة استعمال السلطة من قبل الإدارة عند ممارستها لسلطتها التقديرية بالإبعاد، فيكون القرار الطعين قد قام على مسوغاته القانونية والواقعية وصادر عن جهة مختصة بإصداره ويكون القرار الطعين قد صدر متفقًا وأحكام القانون”، أي ان القانون لم يحم زوج الأردنية المقيم

[4] الحكم رقم 40 لسنة 2020 – المحكمة الإدارية

انشر المقال

متوفر من خلال:

لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، الأردن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني