شواطئ لبنان الشعبية: “كونفدرالية الحريات العامة”؟


2023-05-26    |   

شواطئ لبنان الشعبية: “كونفدرالية الحريات العامة”؟
من صفحة بلدية صيدا على تويتر

لم تكن قضية التعدّي على سيدة ترتدي المايوه على الشاطئ الشعبي في صيدا سوى تذكير بصعوبة معركة صون الحرّيات الفردية في لبنان والتي تزداد صعوبة في ظل انحلال مؤسسات الدولة وقضم دورها من قبل نافذين وسياسيين وحزبيين. وأتى استهداف حرية الفرد في اللباس ومنع من يرتدين المايوه من ارتياد شاطئ صيدا الشعبي، في وقت لا يتجاوز عدد المسابح الشعبية (والتي قد تكون مستهدفة بالتالي من المنع) عشرة مسابح ولا يستطيع الناس الوصول سوى إلى 20% من الشاطئ. كما أتى الاستهداف في وقت يواصل جبل النفايات القابع على شاطئ صيدا ارتفاعه واحتراقه مخلّفًا عشرات من حالات التسمم بين تلامذة المدارس القريبة منه، ولا يبدو أنّه يثير غضب من أثار المايوه غضبهم.

ولم تقف القضية عند منع “المايوه” على الشاطئ وقمع الحرية الفردية، بل تعدّتها إلى خطاب تقسيمي خرج إلى العلن يفرز الناس في مناطق حسب لباسهم وأسلوب عيشهم حيث ترددت على ألسنة المعتصمين والمعتصمات المعترضات على “المايوه” على بحر صيدا، عبارات تقسيمية أقلّها: “تروح تسبح بجونيه” و”خلولنا صيدا”. فهذه العبارات على قدر ما تحمل رفضًا للاختلاف، تحمل إحساسًا لدى صاحبها بالقدرة على التحكّم بالأفراد المختلفين عبر إقصائهم وإبعادهم. وهي نفسها وردت على لسان عضو بلدية صيدا محمد البابا حيث دعا في تصريح لـ “المفكرة القانونية” من يريدون السباحة بالمايوه، الذهاب إلى منطقة أخرى. وبالروحية نفسها اعتبرت هيئة علماء المسلمين في صيدا في بيان أنّ “للجميع الحرية الشخصية بارتداء ما يردون ارتداءه، لكن في الوقت نفسه، تختلف اعتبارات وثقافات مدينة ومنطقة عن أخرى” متهمين الاعتراضات على الاعتداء “بالحملة الإعلامية المسعورة الممنهجة التي تستهدف صيدا وقيمها ومشايخها وأهلها”.

ولم تكن حادثة صيدا الأولى من نوعها في لبنان، فقد شهدنا في السنوات الماضية حوادث مشابهة تقوم على التدخّل في الحريات الشخصية للمواطنين عامةً والنساء خاصةً وتؤشّر أيضًا إلى نوع من الفرز المناطقي، منها على سبيل المثال حادثة نبع الخرخارة في الجنوب حيث منعت فتاة من السباحة بالبيكيني بحجّة “عادات وتقاليد المنطقة”، وشكا قبل أعوام حين تمّ التعرّض لعائلة تضمّ محجّبات ومنعهنّ من ارتياد االشاطئ العام، كل هذا على مرأى ومسمع من السلطات المحلّية التي لا تحرّك ساكنًا لحماية حرية الأفراد. وبات من الواضح أنّ الأماكن العامّة لا تحكمها “الدولة” أو الجهات الرسمية المختصّة بل خاضعة لأهواء وسياسات قوى الأمر الواقع في كل منطقة، التي تجد أوّلًا من التحكّم بحرية وأجساد النساء ذريعةً لشد العصب المناطقي وفرض سيطرتها، وعليه يكون البيكيني مسموحاً في مناطق لكنه ممنوع في مناطق أخرى والحجاب ممنوع في مناطق ومسموح في أخرى.

وقد أثارت الحادثة والتصريحات التي صدرت بعدها، نقاشًا عامًّا طرحت فيه الكثير من الأسئلة إضافة إلى  سؤال أساسي قديم جديد هو كيف يمكن “لأكثرية” في منطقة ما أن تحدد طابع المنطقة وأساليب عيش أهلها داخلها؟ وهل التكيّف مع أساليب الأكثرية أصبح القاعدة في لبنان والاختلاف معها يجعل الشخص غريبًا في مدينته ويدفعه إلى الخروج منها وقصد منطقة أخرى كلّما أراد القيام بأي أمر أو نشاط يتنافى مع ما تقبله “الأكثرية”، وسط غياب دور الدولة وإداراتها المعنية، أو تغاضيها، في منع تهديد الإنتظام العام القائم على التنوع في المناطق كافة وحماية حقوق الأقليات؟

حادثة المنع ولوحة البلدية

في تفاصيل الحادثة الأساسية، تعرّضت، نهار الأحد 14 أيار الجاري، ابنة صيدا الناشطة ميساء حنوني (43 عامًا) التي كانت ترتاد شاطئ صيدا الشعبي مرتديةً اللباس البحري “المايوه” وزوجها سامر يعفوري، للمضايقات من قبل رجلي الدين عبد الكريم علو وعبد الرحمن الحبلي وأنصارهما، وتعرّضا للاعتداء اللفظي والرشق بالرمال وقوارير المياه والرمي بالطابة، ما اضطرهما إلى مغادرة شاطئ مدينتهما. الحادثة دفعت جمعيات “حملة الشاطئ لكل الناس” إلى إصدار بيان رفضت فيها “التنمّر والاعتداء على المواطنين والمواطنات من أي جهةٍ أتى”، كذلك تداعت جمعيات من المجتمع المدني لعقد مؤتمرٍ صحافي الأحد 21 أيار عند شاطئ المدينة دعمًا لميساء ورفضًا لقمع الحريات. إلّا أنّ رئيس بلدية صيدا محمد السعودي أصدر السبت 20 أيار بيانًا منع فيه أيّ تجمّعٍ بحجّة عدم افتتاح الموسم السياحي. ولكن في اليوم التالي توافد إلى الكورنيش مكان الوقفة الاحتجاجية أكثر من 100 مناصر من جماعات متشدّدة تحت مسمّى “شباب ملتزم”، في الوقت الذي نقل منظّمو ومنظّمات المؤتمر الصحافي تحرّكهم إلى الكورنيش، وسط تواجد للقوى الأمنية، فحصل تدافع ومشادات كلامية وهرج ومرج وجرى التعدّي على بعض المعتصمين بالضرب منهم الناشط محمد شمس الدين ومنعت إحدى المعتصمات من النزول إلى الشاطئ.

وفي ظلّ هذه الأجواء ارتأت بلدية صيدا أن تفتتح موسم الشاطئ الصيفي من خلال تثبيت لوحة تحدد شروط ارتياد الشاطئ ممهورة بشعار وزارة الأشغال العامة والنقل، وهي لوحة تثبتها سنويًا على الشاطئ بما يخالف مبدأ الحريات العامّة من خلال بندين الأوّل عبر منع “المشروبات الروحية على الشاطئ”، والثاني عبر دعوة المرتادين إلى “الالتزام باللباس المحتشم”، هذا من دون أن توضح معايير الاحتشام أو شكل “اللباس”، وهل ينطبق على النساء فحسب أم موجّه لكلا الجنسين. وبالتالي باختيارها تثبيت لوحة الشروط في هذا التوقيت، تكون البلدية قد خضعت لبعض رجال الدين في محاولتهم  التحكّم بحرية ميساء، وعبرها  بحرية جميع مرتادي الشاطئ، والأهم تحويل العرف السائد عند البعض إلى نص مكتوب بعد الإشكال، ليكرس نتيجته، وهي المنع الرسمي، خصوصاً أن توصيف محتشم فضفاض ويمكن لأي كان التوسع في تفسيره وفرض شروطه.

وعلى الرغم من أنّ البلدية تضع لوحة الشروط كلّ عام، ألاّ أنّها لم تتشدد يومًا في مراقبة أو رصد مدى الالتزام باللباس “المحتشم”، وهو ما أكدته ميساء في تصريحها لـ”المفكرة” حيث قالت إنها ترتاد البحر “بالبكيني” منذ خمس سنوات من دون أن يعترضها أحد، فهل ستتغير ممارسات البلدية هذا العام؟   

من جهةٍ ثانيةٍ لم تساو البلدية في لوحتها بين مواطنيها، بل تحيّزت إلى “المعتدي” بحجة “الحفاظ على السلم العام”، وذلك بحسب ما جاء في اتصال لـ”المفكرة” مع عضو بلدية صيدا محمد البابا الذي صنف صيدا كـ “مدينة محافظة” لا بد من احترام خصوصيتها على حد قوله. وبالتالي يكون التعميم قد حرم النساء من ارتياد شاطئ صيدا العام بحرّيتهن، فارضًا عليهن شروطًا وأحكام لا ينص عليها القانون ولا الدستور إنما فرضتها جماعات لا “سلطة” رسمية لها.

واستعان البابا بتغريدةٍ للقاضي بيتر جرمانوس يشير فيها إلى المادة 74 من المرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 30/6/1977 وتعديلاته، والتي تنصّ بحسبه على أنّه “يحق لرئيس البلدية اتخاذ القرار بمنع المشروبات الروحية ولبس البيكيني في المسبح الشعبي”، و”بأنّ الطعن بهذا القرار لن يؤدي إلى إبطاله لأنّه لا يتعارض والنظام العام. لا يحق لوزير الداخلية التعرض للقرار”. ولكن المادة تنصّ بما حرفيّته على أن “يتولّى رئيس السلطة التنفيذية على سبيل التعداد لا الحصر، الأعمال التالية: (…) كل ما يختص بالآداب والحشمة العمومية”، من دون أي تعريف للحشمة وبالتالي فلا يمكن الحسم بمقصد المادة من دون العودة إلى القضاء، ما يعني أنّ جرمانوس توسّع جدًا في تفسير تعريف الحشمة والآداب العمومية.

ولدى سؤال المفكرة البابا عمّا إذا كان هناك قرار للمجلس البلدي أو رئيس البلدية استندت إليه اللوحة إذ لا يمكن للبلدية تعميم أي إرشادات من هذا النوع في لوحة إعلانية من دون قرار رسمي، أجاب أنّ اللوحة تثبت دوريًا منذ 13 عامًا من دون وجود هكذا قرار.

ويشرح البابا موقف البلدية بأنّه نابع من “واجبها التصرّف بحكمة وحرصها على الحفاظ على أبناء المدينة ومنعهم من الانجرار نحو الخلافات، في ظلّ غياب سلطة “الدولة” التي لا تستطيع فرض هيبتها والإشراف على تنفيذ قوانينها”. واعتبر البابا أنّ السياحة في المدينة لا تختزل باللباس البحري فصيدا لديها معالمها السياحية ومهرجاناتها وغيرها، داعيًا “من يريد لبس المايوه فليذهب للسباحة في منطقة أخرى مثل الرميلة وصور”.

وبرأي البابا على الجميع احترام ثقافة المدينة وطابعها “المحافظ”، موضحًا أنّ اللباس المحتشم يعني “شورت وكنزة”، وعند سؤال “المفكرة” عن معيار تقدير الاحتشام وعن كيفية ضمان البلدية عدم تعرّض المشايخ للنساء المرتديات للشورت كونه مخالف للشريعة، أكد البابا أنّ “الأمور ليست بهذا السوء وارتداء الشورت على البحر أمر مقبول اجتماعيًا ومعتاد”، من دون أن يحدد طول “الشورت” الذي يمكن تصنيفه بالمحتشم مجيبًا “كل العالم بتعرف العادات وبتلتزم فيها”.

ميساء: “ما رح ننزل بشروطهم عالبحر” 

تقول ميساء في اتصال مع “المفكرة” إنّها للمرة الأولى تشعر بالخذلان والخوف في مدينتها، وإنّ أكثر ما يحزنها هو منعها من ارتياد الشاطئ الذي تحب بالطريقة التي تحب. وتؤكد أنّها وزوجها سامر الذي أمضى طفولته على رمال شاطئ صيدا، يرتادان الشاطئ بلباس البحر منذ أكثر من 5 سنوات، إلّا أنّها المرة الأولى التي يتعرضان فيها لمضايقاتٍ. وروت تفاصيل الحادثة حيث اقترب من زوجها الشيخان عبد الكريم علو وعبد الرحمان الحبلي، طالبان الحديث معه على انفراد، رفض سامر في البداية على اعتبار أنّه على علم مسبق بمضمون الحديث، إلّا أنّه بعد الاستماع إليهما طلب منهما تقديم شكوى إلى البلدية في حال انزعاجهما من لباس زوجته، ما أثار حفيظتهم على حد قول سامر. وكان ردّ رجلَي الدين أنّ سلطتهما أعلى من سلطة البلدية كونهما من أصحاب “الدعوة”، أي أن وظيفتهما “دعوة الناس إلى الالتزام بالتعاليم الدينية”، بعدها حاولوا إقناعه بـ”تستير” زوجته من خلال تخويفه بالـ “زعران”، وهدّداه بالمغادرة خلال 10 دقائق وإلّا سيحدث ما لا يحمد عقباه، موجّهين إلى الزوجين ألفاظًا نابية. رفض الزوجان الرضوخ والمغادرة، ليفاجآ بعدها بحضور شبان راحوا يلعبون كرة القدم حولهما، ويتقصدون رمي الطابة عليهما وإصابتهما، كذلك راحوا يرشقون بعضهم بالقوارير المليئة بالرمال ويتقصدون إصابتهما، عندها تدخّل أحد الرجال على الشاطئ لردهم قائلًا إنّ ذلك لا يجوز “شرعًا” فردّ الشبان بجملة “الشيخ هيك بدو”، ولم يغادر الزوجان الشاطئ إلّا بعد أن طلب منهما هذا الرجل المدافع عنهما المغادرة حفاظًا على سلامتهما.

وبعد أن فتح النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان تحقيقًا في الحادثة، تقدم الزوجان بشكوى بحق الشيخ الحبلي كونه أكثر من قام بتهديدهما على حد قولهما، وهما اليوم بصدد تكليف محامٍ لمتابعة القضية. اليوم يرفض الزوجان ارتياد الشاطئ مجددًا، “مين بيحميني هلق إذا ما بنزل بشروطهم؟”. ورداً على دعوة البابا من يريد ارتداء المايوه إلى ارتياد شواطئ مناطق أخرى، اعتبرت ميساء أنّه يحق لها ارتياد الشاطئ التي تريد بالطريقة التي تريدها، بخاصّة وأنّ شاطئ صيدا هو شاطئ مدينتها وقريب من منزلها “ليه بدي روح على منطقة ثانية والبحر حدي؟”.

صيدا بين الحرية الفردية والأعراف

تعتبر جويل أبو فرحات، رئيسة منظمة 5050، في اتصالٍ مع “المفكرة” أنّ مبدأ الحفاظ على الحريات يجب أن يكون مقدسًا بخاصة للنساء، وأنّه من حق جميع المواطنين عمومًا والنساء خصوصًا ارتياد الأماكن العامة من دون قيود من أحد. وترى المهندسة سهى منيمنة أنّ ما حدث هو جزء من حملة التعدّي على ما تبقّى من المساحات العامة والأملاك البحرية، فانحلال مؤسسات الدولة منحت بعض الأفراد والجماعات وحتى الأحزاب لنفسها الحق بالتعدي على الحيّز العام، “الجزء الأكبر من الشاطئ محتل من قبل رجال الأعمال والنافذين لعملوا مسابح خاصة، أما الجماعات الأصغر التي لا تملك رأس المال فعمدت للسيطرة على الشواطئ العامة لتفرض سلطتها” (بحسب دراسةٍ لوزراة الأشغال العام والنقل وجمعية نحن في 2012 يتجاوز عدد التعديات على الشاطئ 1068 تعديًا). وعن لوحة البلدية، اعتبرت منيمنة أنّ المشكلة تكمن في أنّها لم تراع مصلحة جميع الفئات والمواطنين، بل تماشت مع فئة واحدة، والتالي فهذه البلدية لا تمثل مطالب الناس.

وبرأي المهندس محمد دندشلي من تجمّع “علّ صوتك”،  لا بدّ من تطبيق القانون الذي هو المظلّة الحامية للفئات كافة، وأنّ النظام العام هو الذي يفرض عدم التطاول على الآخر “القانون فاصل، ما فيها المسائل نتترك لخيارات الناس”، معتبرًا أنّه في دولة مدنية لا يجوز منع أحد من ممارسة حريته وحقه. وردًا على لوحة البلدية، يقول دندشلي إنّها تنطلق من الحفاظ على الأعراف وبالتالي فعدم التزام بعض الأفراد بها لا يشرّع معاقبتهم أو محاسبتهم، مضيفًا أنّ “ما يجري له بعد سياسي حيث تريد بعض الجهات تأكيد وجودها على الساحة الصيداوية من خلال قمع الحريات”.

وكان التجمّع أصدر إلى جانب “حملة الشاطئ لكل الناس”،” والنادي العلماني في صيدا“، و”حزب الخضر” بيانًا قالوا فيه : “إننا كمواطنين لبنانيين أولًا وصيداويين ثانيًا نؤمن بالتنوّع والاختلاف وحرية التعبير، ضمن نطاق القانون واحترام حقوق الغير، نرفض هذا التّنمر والاعتداء على المواطنات والمواطنين من أية جهةٍ أتى”. ودعوا “المجلس البلدي بصفته السلطة المحلية المسؤولة، ونواب المدينة، والمرجعيات الدينية المعنية والقضاء المختص، والقوى الأمنية المعنية بالمحافظة على الحريات العامة ومنع التعديات، باتخاذ الموقف المناسب من عملية التعدي التي قام بها الشيخ المعني ومجموعته، حفاظًا على الحريات الشخصية التي يكفلها القانون، ومنعًا لتسيّب الأمور”.

يتحدث الصحافي وفيق الهواري في اتصالٍ مع “المفكرة” عن النسيج الاجتماعي لمدينة صيدا القائم على التنوّع، “فسكان أحيائها خليط من طوائف وثقافاتٍ عدّة، ولم تكن إشكالية الحريات موجودة عبر التاريخ، والصبغة الطائفية للمدينة بدأت بعد الطائف “مثل معظم المناطق اللبنانية”، “بعد منتصف الثمانينات (1987) بدأت التيارات الإسلامية والمجموعات المتطرفة يطرحوا خصوصية المدينة من باب الخلافات والنزاعات في المناطق، لأنّ كلّ قوة سياسية بدها تفرض رأيها”. وأضاف أنّه بعد ظهور الشيخ أحمد الأسير بدأت بعض القوى السياسية في المدينة تعتبر أنّ صيدا هي مدينة منغلقة ومحافظة.

ويرى الهواري أنّ الحادثة هي أبعد من خلاف بين ميساء والشيخ بل هي خلاف بين “ثقافة الدولة”، و”ثقافة الإمارة”، ويفسّر أنّ “الدولة” تعني النظام وقوانين وأنظمة عامة ومؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية، أمّا الإمارة كنوع من السلطات المحكومة من قبل أفراد ومجموعات فتستند إلى أعراف وتقاليد تفرض أن يلتزم الجميع صورة الحاكم”. ويضيف أنّ نهج الجماعات المسيطرة في المناطق كافّة هو واحد، فمن يريد استبعاد المحجبة في البترون هو نفسه الذي يريد منع البيكيني في صيدا.

تعلّق سارة (34 عامًا، اسم مستعار) ابنة صيدا بأنّ طابع مدينتها “المحافظ” فرض أسلوب حياة معيّنًا على كلّ ناسها من ضمنهم غير المحافظين “صيدا من زمان هيك ونحنا متل كأنّه تصالحنا مع الوضع، كرمال هيك ولا مرة فكرت إنزل ع الشط بصيدا، صحيح هيي مدينة بس هي متل الضيعة، الكل بيعرف بعضو والكل بيحكي، فما بوجّع راسي”. وتتابع شارحة: “صيدا طول عمرا بتخاف من “الغريب”، وفي متل بيقول انه الصيداوي أوّل ما يقطع حاجز الأوّلي بيحلف بغربتو، يعني هنّي بدهن يخلّوا مدينتهن هيك متل ما هيي، بقلب صيدا مثلًا ما في أوتيل، تخايلي مدينة ما فيها أوتيل، يعني هيي منها مدينة مهيّأة لتستقبل “غريب” يعني السايح، مع إنه فيها إمكانيات كبيرة، بس هلق الجيل الجديد عم يطوّروا أشغال أهلن وعم يجذبوا السيّاح، وبلّشنا نشوف تغيير بنمط اللباس ع إيد هيدا الجيل”.

وفي ظلّ هذا النقاش، جاءت تغريدات النائب أسامة سعد تدعو لاحترام الحريات والتنوّع من دون إدانة أي طرف بشكل مباشر. فكتب في تغريدته الأولى في تاريخ 16-5-2023: “لطالما احترم الصيداويون التنوّع الديني والثقافي والاجتماعي ولطالما حرصوا على الحريات العامة والخاصة.. ولطلما كانت الإلفة والمحبة وكان التسامح… تلك قيم وفضائل يرفض الصيداويون المساس بها”. وقد كانت ردود فعل الجمهور تطالب باتخاذه موقفًا أكثر وضوحًا، فأتبع تغريدته الأولى بـ التغريدة الثانية في 22-5-2023  حيث اعتبر أنّ “الحيّز العام لكلّ الناس يلتقون فيه على اختلاف طبقاتهم وثقافتهم وأزيائهم بقبول ورضا وغض بصر، غير ذلك توتر وتعد وفوضى. “حدن بدو يحرق المدينة وحدن بدو ياها على كيفه وإلاّ”!!! خطاب متوتّر وانفعالات متفلتة مشهد لا يرضي صيدا المهمومة بأمور كثيرة، شوية تواضع الناس مش ناقصها”. 

بعد تغريدة سعد أصدر الوزير السابق فؤاد السنيورة بياناً  اعتبر فيه أنّ “شاطئ مدينة صيدا هو ملك عام لكلّ الصيداويين واللبنانيين، ولا يحق لأي جهة فرض طرق التصرّف في استخدام الشاطئ لأي سبب كان”.


انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، تحقيقات ، سلطات إدارية ، حرية التعبير ، حرية التنقل ، أملاك عامة ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني