شواطئ لبنان في أيدي المستثمرين والمعتدين والناس عاجزون عن ارتيادها


2022-08-17    |   

شواطئ لبنان في أيدي المستثمرين والمعتدين والناس عاجزون عن ارتيادها
شاطئ الرملة البيضاء

تمنع المادة 33 من قانون البيئة الصادر عام 2002 “الأشغال على الأملاك العمومية البحرية أو النهرية التي تعرقل الولوج الحر إلى السواحل والشواطئ الرملية”. ويشترط القرار رقم 144/س الصادر في العام 1925 والذي لا يزال ساري المفعول عند منح الدولة الحق في منح إجازات إشغال (مؤقت) احترام حقوق العموم وحمايتها. ويكرّس المرسوم رقم 4810 الصادر في 24/6/1966 الذي يضع نظام إشغال الأملاك العامّة البحريّة، حق الوصول الحر رغم الترخيص بالإشغال. 

أمّا الممارسة فعكس ذلك تماماً حيث المنتجعات والفنادق والمسابح الخاصة تمنع الناس من حقهم في الوصول إلى شاطئهم وبحسب جمعية “نحن” فإنّ 73% من ملكية الشاطئ تعود لجهات خاصة، مقابل 10% فقط من الملكية العامة. وبحسب دراسة أجرتها وزارة الأشغال العامة والنقل عام 2012 ، لا يستطيع اللبنانيون الوصول سوى إلى %20 من الشاطئ في ظل تسجيل أكثر من 1068 تعدّياً. 

وفي 15 حزيران الفائت، استبشر الناس خيراً مع قرار وزير الأشغال والنقل العام، علي حمية، يفيد بأنّ “ارتياد الشاطئ البحري العمومي حقّ لكلّ الناس، ومن دون منّة من أحد، ولأجل ذلك تمّ إصدار مذكرة إدارية من الوزارة، لتسهيل وصول الناس إلى الشواطئ العامّة وإبقائها مفتوحة للعموم وبشكل مجاني لغرض النزهة والسباحة”.

واعتقد الناس للوهلة الأولى أنّ الوزير يدعو المسابح والمنتجعات الخاصة للسماح للمواطنين بالعبور للوصول إلى شاطئهم، ليتبيّن لاحقاً أنّ الوزير يقصد بقراره فقط الشواطئ الشعبية التي هي أصلاً متاحة للعموم. وكان حمية قد قام بجولةٍ على بعض المسابح الشعبية ومنها “الرملة البيضاء” للاطّلاع عن كثب على كيفية تطبيق المذكرة. ولم يتسنّ لـ”المفكرة  القانونية” الاستيضاح من الوزير عن غاية القرار وآلية تنفيذه، “لشدّة انشغاله”. 

وكانت جمعية “نحن” قد فندت في دراستها “الاقتصاد والشاطئ” جميع العقارات المتعدّية على الأملاك البحرية والتي تتجاوز 1068 تعدّياً، لاحظةً أسماء المالكين وأرقام عقاراتهم ونوع المخالفة. وتظهر الدراسة المساحات المفتوحة وغير المشغولة، وقد تبيّن أنّ عدد المسابح الشعبية على طول الشاطئ اللبناني والتي تشرف عليها البلديات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وهي شاطئ  جبيل، شاطئ طبرجا وشاطئ صور وصيدا، وبدورنا نزيد اسم شاطئ العقيبة الذي تشرف عليه البلدية، وبعض أسماء المسابح الشعبية المفتوحة التي لا تشرف عليها البلديات ومنها: كفرعبيدا (شعبي مجهز ولكن لا تشرف عليه البلدية)، مساحات صغيرة من شاطئ الميناء في طرابلس بالإضافة إلى شواطئ  جزيرة الأرانب المفتوحة للعموم بلا مقابل، أما جزيرة النخيل فتنظّم البلدية ارتيادها، كذلك هناك شاطئ رملة البيضاء التي تشغله حملة جمعية “حملة الأزرق الكبير” بعقدٍ مع وزارة الأشغال العامة والنقل.

تقريباً هذه هي الشواطئ الشعبية التي عناها الوزير حمية في مذكرته، غافلاً عن آلاف الاعتداءات لمنتجعات ومسابح تعيق وصول المواطنين في مخالفة لسائر القوانين المرعية الإجراء. ويبقى السؤال كيف يمكن للمواطنين الوصول إلى شواطئهم خاصة في ظلّ عدم وجود ممرّات عامّة، علماً أنّ لبنان يلتزم ببروتوكول الإدارة المتكاملة للمناطق الساحليّة في حوض البحر المتوسّط الموقّع في مدريد في 21/01/2008 والذي أصبح نافذاً في لبنان منذ 31 آب 2017  ويفرض إنشاء ممرّات لوصول المواطنين إلى الشواطئ كل 3000 متر. 

وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة وتدهور في قيمة الرواتب، بالإضافة إلى انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي وفاتورة مرتفعة للمولدات، تأتي أسعار الدخول إلى المسابح الخاصّة، وقلّة المسابح الشعبية المجهّزة وغير الملوّثة والآمنة، لتضيّق الخناق أكثر فأكثر على اللبنانيين. في هذا التحقيق سنرصد أسعار الدخول إلى المسابح الخاصة ومعاناة المواطن لارتياد البحر، وحال الشواطئ الشعبية، وسنستعرض أبرز المراسيم والممارسات التي أوصلت الشاطئ اليوم ليكون بعيد المنال بالنسبة للناس.  

المنتجعات والمسابح الخاصة: أسعار خيالية

في جولةٍ لـ”المفكرة”على عدد من المسابح الخاصّة المنتشرة على طول الشاطئ اللبناني، تبيّن أنّ الأسعار تتراوح بين 700 ألف ليرة لبنانية للشخص الواحد كحدٍ أقصى و200 ألف ليرة كحد أدنى في نهاية الأسبوع. وفي عملية حسابية سريعة فإنّ متوسّط رحلة عائلة مكوّنة من أربعة أفراد لن يقلّ عن مليون ونصف مليون ليرة لبنانية، أي ما يعادل راتب موظف في القطاع العام. علماً أنّ التسعيرات ليست ثابتة فبعض المسابح تغيّر تسعيراتها بحسب تغيّر سعر صرف الدولار، ولا تشمل المأكل والمشرب. 

ويؤكد عادل التي تتألف عائلته من خمسة أفراد لـ”المفكرة”، إنّ زوجته بدأت بالادخار لرحلة البحر منذ أربعة أشهر لمعرفتها بأنّ تسعيرة الدخول باتت مكلفة جداً، “صرلنا أربعة أشهر بنصمّد لحتى نجي عالبحر”، وقد تجاوزت تكلفة الرحلة مليون وخمسمئة ألف ليرة لبنانية، علماً أنّ العائلة لم تتناول وجبة الغذاء على البحر بل اكتفت بتناول بعض السندويشات المحضرة مسبقاً في المنزل والفواكه التي سُمح لهم بإدخالها. وتخطط الزوجة لرحلة ثانية إلى البحر ربما في نهاية شهر آب إذا ما استطاعت توفير كلفتها، “كنّا قبل الأزمة ننزل مرتين ثلاثة بالشهر، هالسنة ما رح يطلعلنا أكثر من مرتين بالموسم”.

أما ملاك التي قررت ارتياد احدى مسابح بيروت مع ابنها، فصدمت بتسعيرة الدخول التي تجاوزت 650 ألف ليرة للكبار و350 ألف ليرة عن فئة الأولاد، وتمنع سياسة المسبح إدخال أية مأكولات ومشروبات. لذلك بلغت كلفة مشوارها حوالي مليوني ليرة، “دفعت مليونين ليرة وجيت، دخولية مليون وشوي، قنينة الماي بأربعين ألف و سندويش وبيبسي، وأجار طريق”، وتؤكد ملاك أنّها لن تتمكّن من الخروج لمدة شهر على الأقل كي تعوّض خسارتها. أمّا أحمد وجيرانه فوجدوا الحلّ بشراء مسبحٍ مشتركٍ، متوسّط الحجم، وضعوه على السطح، وهو يستوعب أبناءهم الذين لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات. 

من هنا يمكن القول إنّه في ظلّ هذا الارتفاع الهائلة في تعرفة الدخول إلى المسابح وهيمنتها على الشواطئ عبر تعديات موصوفة، باتت خيارات العائلات لارتياد البحر محدودة.

الشواطئ الشعبية مقصد الأهالي على تلوثّها: الرملة البيضاء نموذجاً 

1- شاطئ الرملة البيضاء 

وبناء على ما سبق، تشهد المسابح الشعبية إقبالاً كثيفاً هذه العام، وقد قصدت “المفكرة” شاطئ الرملة البيضاء، للوقوف عند سبل الارتياد وأبرز التجهيزات المتوفرة.

شيّدت جمعية الأزرق الكبير التي تشغّل المكان بتكليف من وزارة الأشغال العامة والنقل، كوخين يتمّ عبرهما توفير بعض الخدمات مثل تأجير خيم ومظلّات حيث تبلغ قيمة تأجير المظلّة 100 ألف ليرة و200 ألف ليرة مع الطاولة وأربعة كراسي ويتقاضى المشغّل 50 ألف ليرة كرعبون تعاد لصاحبها عند مغادرته عند التأكد من عدم إلحاقه الضرر بالتجهيزات. ولا يوجد رسم دخول ويستطيع مرتاد الشاطئ أن يحضر أغراضه ومظلّته.

ولكن يشعر قاصد الرملة البيضاء بمدى الإهمال منذ أن تطأ أقدامه الرمال، فالنفايات والمخلّفات والأدوات المحطمة مبعثرة على الشاطئ كما أنّ المجارير تصبّ عند جنوب وشمال الشاطئ.

عند الشاطئ تجلس إحدى العائلات القادمة من رأس النبع، وهي المرة الأولى التي ترتاد شاطئ الرملة البيضاء، تقول السيدة رنا إنّهم في ظلّ الظروف الراهنة لم يعد باستطاعتهم الذهاب إلى شواطئ المسابح الخاصّة كما في السنوات السابقة، من هنا قرّروا تجربة شاطئ الرملة البيضاء، والتي تعتبر أسعاره مدروسة جداً ومؤاتية لميزانية العائلة على حد قولها. وتحضر العائلة حاجاتها كافة من المنزل، لكن تعترض رنا على عدم وجود حمامات ولا أماكن للاستحمام. ورداً على التلوّث نتيجة المجارير التي تصبّ عند الرمال، تردّ السيدة رنا إنّ المكان الذي يقصده الروّاد بعيد عن مكان المجارير وبالتالي فهي لا تزعجهم كما أنّ المياه “لا تبدو ملوّثة”، على حد تعبيرها “وهذا المهم”.  

يعتبر وائل أنّه كزوج وأب لخمسة أطفال، ليس بقدوره سوى ارتياد الشاطئ الشعبي، حيث الأسعار تناسب ميزانيّته، فهو بمقدوره دفع 200 ألف كبدل طاولة وليس أكثر، وأحياناً يضطر أن يجلس على الرمال ويحضر خيمته من المنزل “ما عنا مشكل ببلاد برّا هيك بيعملوا”.

ويفيد نزيه الريّس، رئيس جمعية حملة الأزرق الكبير، أنّ الجمعية توفّر الاحتياجات الأساسية مثل الخيم والطاولات والكراسي، إضافة إلى عمال نظافة، وموظفين ثابتين كمنقذين بحريين، كما يتمّ الاستعانة بستّة منقذين آخرين في نهاية الأسبوع يعملون بصفة مياومين، واليوم تحاول الجمعية شراء الحبال وطابات الإنقاذ لمدها في البحر والتي تبلغ تكلفتها حوالي 12 ألف دولار، أما عن عدم توفير الحمامات وأماكن الاستحمام، فيفيد الريّس أنّ تجهيزها يحتاج إلى مولّد كهربائي يتجاوز ثمنه 8 آلاف ليرة لبنانية، وليس بمقدور الجمعية تأمينه في ظل الظروف الراهنة. 

ويوضح الريّس أنّه في العام 2003 حازت الجمعية على موافقة من رفيق الحريري مالك عقار الرملة البيضاء بتشغيل المكان، لكن في العام 2014 انتقلت الملكية إلى وسام عاشور الذي رفع دعوى مطالباً الجمعية بإخلاء الشاطئ، وأصدرت القاضية زلفا الحسن قراراً بإغلاق المكان لكنها ما لبثت أن تراجعت عنه.  وفي العام 2019 وبأمر من محافظ بيروت حينها زياد شبيب، تمّ دمير الخيمة مع كامل التجهيزات التي كانت موجودة والتي استمر تجميع ثمنها لسنوات، “نزلوا شرطة البلدية ومكافحة الشغب كسّرولنا كل شي حاطّينوا من 2003″، بعدها أصدر وزير الأشغال يوسف فينيانوس قراراً بإعادة كل ما تهدّم، لكن على الأملاك العام أي عند كسر الموج، وبالتالي لم تعد الخيم اليوم مشيّدة في عقار وسام عاشور بل في الأملاك العامة البحرية. 

رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني اعتبر أنّ لا سلطة للبلدية على الأملاك البحرية والشاطئ الرملي، بل هي تابعة لوزارة الأشغال ومحافظ بيروت.

وفي سؤال حول المجارير التي تصبّ عند الشاطئ فكان رد الريّس: “التلوث لا يقتصر على شاطئ الرملة البيضاء كما يُشاع بل المنطقة برمتها ومنها شواطئ المسابح الخاصة المجاورة”. 

وعلى الرغم من زيارة الوزير حميّة للرملة البيضاء إلّا أنّه لم يهتمّ لغياب الحمامات ولم يعر اهتماماً بالمجارير التي تصبّ عند جنوب وشمال الرملة البيضاء، وبحسب الريّس فقد كان “راضياً وسعيداً” من كيفية إدارة المكان.  

وعن سبل معالجة مياه الصرف الصحي التي تصب عند الشاطئ، يوضح عيتاني أنّ التمديدات جاهزة، وهي تمرّ في نطاق بلدية الغبيري وصولاً إلى محطة الغدير لتكرير المياه، وقد اشترطت الأخيرة شبك مياه صرف منطقة الرحاب بالتمديدات على أن تتحمل بلدية بيروت كلفتها. ويضيف عيتاني أنّ البلدية رصدت المبلغ المطلوب وأحالت الطلب إلى محافظ بيروت القاضي مروان عبود للموافقة منذ العام 2020، لكن البلدية لم تتلق أي رد، اليوم يعتبر عيتاني أنّ قيمة الأموال المرصودة تدهورت بفعل أزمة الدولار، بالتالي باتت البلدية عاجزة عن دفع التكاليف المطلوبة. 

“المفكرة” حاولت مرات عدّة الاتصال بمحافظ بيروت القاضي مروان عبود، لكنه لم يرد على اتصالاتنا. 

شاطئ الرملة البيضاء

2 – شاطئ صيدا الشعبي

يفيد عضو بلدية صيدا محمد البابا، أنّ شاطئ صيدا الشعبي مفتوح أمام الزوّار، كذلك الجزيرة المقابلة، وتشغّلهما “جمعية أصدقاء زيرة وشاطئ صيدا”، بترخيص من وزارة الأشغال، وأنّه يحقّ للمواطنين الدخول بلا مقابل، ومن يريد استئجار خيمة فلا تزيد التكلفة عن 50 ألف ليرة لبنانية. أما الجزيرة فيحتاج قاصدها إلى استقلال مراكب النزهة التي تبلغ تعرفة الراكب فيها 50 ألف ليرة لبنانية، وتهتمّ الجمعية مع البلدية بنظافة المكان وتأمين منقذين بحريين للجزيرة والشاطئ على حدٍ سواء. وقد ازداد عدد المقبلين على الشاطئ بشكل كبير بعد احتدام الأزمة نظراً إلى الارتفاع الجنوني لأسعار الدخول إلى المسابح القريبة.  

الجدوى الاقتصادية من الشواطئ العامة: صور نموذجاً 

وبخلاف شاطئ الرملة البيضاء، قرّرت بلدية  صور منذ سنوات استثمار الشاطئ الشعبي الذي يصنف جزء منه محمية طبيعية، وأن تمنح تراخيص لحوالي 50 “خيمة” تقوم بتأمين الخدمات اللازمة والمأكولات والمشروبات، مقابل بدلات مالية وتأمين السلامة العامة. من جهةٍ ثانيةٍ تركت البلدية جزءاً من الشاطئ للمرتادين الذي لا يريدون ارتياد الخيم، هؤلاء يحضرون احتياجاتهم كاملة من مأكولاتهم ومشروباتهم  وينصبون خيمهم، ويقضون نهاراتهم على الشاطئ من دون اعتراض من أحد.  

وكانت جمعية “نحن” قد بيّنت في دراسة بعنوان “الاقتصاد والشاطئ”، القيمة الاقتصادية للشواطئ العامة  منها مدينة صور التي يستقبل شاطئها أكثر من 20 ألف زائر سنوياً ويوظّف أكثر من 600 شخص، كما وتحصّل البلدية أكثر من أربعة مليارات ليرة لبنانية من خدمات الشاطئ، ويرتفع متوسط الإيرادات للمؤسسات التجارية في المدينة في فصل الصيف بنسب تتراوح بين 10 و70% حسب المؤسسة، وتظهر الدراسة أنّ الشواطئ العامّة تجذب الصيادين والسياح وتحافظ على البيئة. 

وفي مقابلة لـ”المفكرة” قال محمد أيوب رئيس جمعية “نحن” إنّ فرنسا تخصص مليارات الدولارات لشراء الأراضي القريبة من الشاطئ لاستثمارها”، واعتبر أن جميع المنتجعات، ولو أنها حاصلة على مراسيم من وزارة الأشغال، هي مخالفة لروحية القانون 1925 الذي يمنع التعدي على الشاطئ، فالمراسيم برأيه تخالف القوانين في مسائل عدة منها: تثبيت منشآت دائمة، وتخالف مبدأ “وحدة الشاطئ”، “ما في وحدة شط إذا بتمشي من الشمال عالجنوب”،  كذلك تخالف قانون البيئة الذي يمنع حجب النظر وعدم الوصول الحر للبحر، وتخالف الاتفاقيات الدولية ومنها بروتوكول مدريد الذي يحدد “الإدارة المتكاملة للشاطئ” وضرورة إنشاء ممرات لضمان وصول الأهالي إليه. 

ويوضح أيوب أنّ القوانين تمنع وجود بناء ثابت على العقارات المتاخمة، وتمنع وضع أسلاك شائكة، ويضيف أن جميع الجهات تتعامل مع التعديات على أنها أمر واقع، والمطلوب التعامل بها علماً أنها مخالفة لقوانين. فـ”حتى النقابات بالمظاهرات كانت تطالب تمويل السلسلة من أموال الأملاك العامة البحرية، بدل المطالبة بازالة التعديات”، بحسب أيوب.

ويشدد أيوب على أنّ جميع المنتجعات هي “معتدية” على الشاطئ وليست “مخالفة”، والاعتداء على الشاطئ هو بمثابة اغتصاب الشاطئ، من هنا يجب أن نتعامل هذه المنتجات بحجم الجرم المرتكب، أي  فرض غرامات وعقوبات ومن ثم إزالة التعدي، من هنا يجب أن يرقى تحرك وزير الأشغال علي حمية الوزير إلى فعل “المحاسبة” من ثم إزالة التعديات،  “حدا متعدّي كيف بعاملوه؟”. 

وما يحدث بحسب ايوب أن غالباً ما تكون خرائط  المستثمر مطابقة وصحيحة، ولكن ما أن يحوز على الترخيص يعود لمخالفة الترخيص، ومن ثم يقوم بدفع تسوية، مشدداً على أنه يجب أن يكون هناك ممر للعبور. 

من جهة ثانية يشرح أيوب أنّ المادة 11 من القانون رقم 64 تاريخ: 20/10/2017 تنصّ على “معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك البحرية”، والتي تفرض على المعتدين دفع غرامات لتسوية مخالفاتهم تحت تهديد إزالة التعديات. ويضيف أنّ المعتدين هم غالباً من النافذين الذين لا يمكن إزالة تعدياتهم، لذا لجأت الحكومة وضمن منطق “النفعي”، إلى الاستفادة من هذه التعديات لتمويل خزينتها والحصول على الأموال، لكن القانون لا يعطي المعتدين حقاً بالاستملاك، من هنا قلّة هم الذين تجاوبوا مع القانون ودفعوا التسويات. ويضيف أيوب أنّ مهلة الستة أشهر التي أعطاها القانون للمخالفين لتسوية أوضاعهم انتهت ولم تتم إزالة تعدّيات من لم يسووا وضعهم. 

رؤساء بلديات ساحلية: تسليم بالأمر الواقع 

تواصلت “المفكرة” مع عدد من رؤساء البلديات. رئيس بلدية الناعمة زاهر مزهر الذي طلب تزويده بالقوانين التي تخوّله إجبار المسابح الخاصّة بفتح ممرّات وتأمين وصول “أهالي الناعمة إلى البحر”، معتبراً أنّ المسابح القائمة ومنها مسبح جهاد العرب قد حازت على تراخيص في مراحل سابقة لولايته، وأنّ أصحاب العقارات المتاخمة للأملاك البحرية قاموا بتسييج عقاراتهم ولا يسمحون لأحد بالعبور منها إلى الشاطئ. ويظنّ مزهر أنّ القوانين في صالحهم طالما أنّهم مالكو هذه العقارات. واعتبر أنّ مشروع جهاد العرب في الناعمة والذي حاز على مرسوم من الحكومة للسماح له بالاستيلاء على الملك العام، هو مشروع مهمّ للمنطقة حيث سيقوم بتأمين الوظائف وإنعاش المنطقة، وختم مستسلماً “هاي دولتنا هيك، شو بدنا نعمل”.

رئيس بلدية الشويفات زياد حيدر، أيضاً سأل “إذا القوانين والمراسيم الحكومية سمحت لهؤلاء باستثمار الشاطئ فكيف عليّ كبلدية قمعه؟”. وأبدى أسفه لعدم وجود متر واحد على شاطئ البحر يمكن للبلدية استثماره لفتح مسبح شعبي، مؤكداً أنه خلال ولايته لم يعط ترخيصاً واحداً لتشييد مسبح جديد.

رئيس بلدية الميناء في طرابلس، عمر حداد،  أفاد أنّ شاطئ الميناء هو عبارة عن رصيف طويل، لذا يملك الأهالي خياران إما ارتياد المساحات الصغيرة لبقية الشاطئ والتي تجتاحها مياه الصرف الصحي، ولم تتمكن البلدية ولا المحافظة من معالجتها لغاية اللحظة، وإما ارتياد شواطئ الجزر والمحميات حيث يستقل الأهالي مراكب النزهة للوصول إليها، منها جزيرة الأرانب (المفتوحة للعموم من دون مقابل) وجزيرة النخيل المصنّفة محمية حيث يتوجّب على المرتاد دفع 15 ألف ليرة كرسم دخول، وتبلغ تعرفة النقل 100 ألف ليرة إلى جزيرة النخيل و50 ألف ليرة إلى جزيرة الأرانب.

مسار المراسيم المخالفة لروحية القرار 144/س 

بعد العام 1925 أصدرت الدولة اللبنانية 73 مرسوماً وفقاً للأصول يرخّص بإشغال الأملاك العمومية البحرية، وتخالف روحية القرار رقم 144/س  وتقوم بتشويهه وبتغليب مصلحة المستثمر، في ما يلي أبرز المراسيم التي استندت إليها السلطة والمعتدين حتى وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم: 

في العام 1949، شُكّلت لجنة دائمة مهمتها تحديد الرسوم المتوجّبة على إشغال كلّ الأملاك العمومية.

في العام 1954 وضع المخطط التوجيهي لمدينة بيروت وكان الشاطئ مصنّفاً في المنطقتين التاسعة والعاشرة حيث يمنع البناء نهائياً.

في العام 1963، صدر المرسوم 12841 وحُدّدت للمرة الأولى البدلات السنوية المترتّبة على الإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحريّة من دون إنشاء أي بناء.

عام 1964 أقر استثمار الأملاك العامة البحرية غير المستثمرة بالإشغال مقابل بدل.

عام 1966 صدر المرسوم رقم 4810 الذي ينظّم إشغال الأملاك العمومية البحرية لغاية اليوم، فقد ربط إمكان الإشغال بضرورة تملّك عقار متاخم للأملاك العمومية البحرية، وللمرّة الأولى، وضعت معدّلات استثمار سطحي وعام لإشغال الأملاك العمومية البحرية (مع إمكان طلب الاستثناء لزيادة مساحة البناء)، وأصبح بذلك البناء مُشرّعاً على الشاطئ. وإنّما على هذه الإنشاءات “ألّا تشكّل عائقاً لوحدة الشاطئ”.

عام 1978 صدر المرسوم رقم 1300 وهو تعديل للمرسوم 4810 الذي يسمح بإشغال المسطّح المائي والأملاك العامة البحرية من دون أن يكون صاحب المشروع يملك عقاراً متاخماً.

عام 1980 صدر المرسوم رقم 3543 وهو تعديل للمرسوم 4810 وينص على أنّ الإشغال مسموح على كل الشاطئ اللبناني وليس فقط في المناطق المصنّفة سياحية أو صناعية.

لكن في العام 2002 صدر القانون رقم 444 وهو “قانون حماية البيئة” الذي تنص المادة 33 منه على “تكريس حق الولوج الحر والمجاني إلى الأملاك البحرية دون أي عائق للجميع”.

وصولاً للعام 2017 مع القانون رقم 64 المادة وتحديداً المادة 11 حول “معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك البحرية. يضاف إلى ذلك بروتوكول مدريد في العام ذاته الذي وقع عليه لبنان وأوصى بتكريس مبدأ الشريط الساحلي بعرض 100 متر حيث يمنع البناء (المادة 8) وبالحدّ من التوسّع العمراني الأفقي على طول الشاطئ وتنظيم ممرّات تضمن الوصول الحرّ والمجّاني إليه. وتكمن أهمية هذا البروتوكول في أنّ أحكامه أدخلت في قانون التنظيم المدني وأصبحت مقيّدة، أي أنّ كلّ ترخيص لمشروع ما عليه التقيّد بشروطه، وإذا خالف أحدها، يمكن رفضه حتى ولو كان مطابقاً للمخطط التفصيلي المحلّي للمنطقة.

ورغم كلّ هذه التوصيات والقوانين التي تعطي المواطن حق الوصول إلى الشاطئ، لا يزال الأهالي ينظرون إلى البحر وبعضهم يسكن بجواره، لكنهم عاجزون عن ارتياده.

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، تحقيقات ، الحق في الحياة ، حقوق المستهلك ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني