6 مراكز فقط من بين 1700 مجهزة بالهندسة الدامجة: الأشخاص المعوّقون يطالبون بحقهم في الاقتراع بكرامة


2022-03-31    |   

6 مراكز فقط من بين 1700 مجهزة بالهندسة الدامجة: الأشخاص المعوّقون يطالبون بحقهم في الاقتراع بكرامة
تصوير: هدى زبيب

قبل يوم واحد من تحرّك الأشخاص ذوي الإعاقة لمطالبة الحكومة التي كانت منعقدة في القصر الجمهوري في 30 آذار 2022، بوقف مهزلة إذلالهم كمقترعين وتأمين عملية اقتراع دامجه تحترم التنوع في المجتمع، أقرّ مجلس النواب الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري المرافق، وهو ما وصفه المدير التنفيذي لـ “المفكرة القانونية” المحامي نزار صاغية في تغريدة له بـ “الفصام التام في أداء السلطات العامة”، حيث “يقرون اتفاقية دولية لحقوق الأشخاص المعوقين. بالمقابل لا يقيمون أي اعتبار لحق هؤلاء بالانتخاب بكرامة”، معتبراً “أن القوانين تتحول بغياب قضاء مستقل وإدارة محايدة إلى مجرد طحين أبيض تضعه السلطة على يدها السوداء جداً”. يأتي إقرار الاتفاقية بينما 6 مراكز فقط من أصل 1700 مركز اقتراع تتطابق مواصفاتها مع المعايير الهندسية التي تسهّل عملية اقتراع الأشخاص ذوي الإعاقة.

وكانت “المفكرة” قد أعادت، ولمناسبة تحرك الأشخاص ذوي الإعاقة، نشر مقالها “شورى الدولة يدوس كرامات الأشخاص المعوقين: أول مؤشر سلبي على لا ديمقراطية الصناديق” موجهة إياه بشكل خاص إلى قضاة مجلس شورى الدولة الذي ضيّع قراره في 1/4/2021 فرصة ثمينة لصون كرامة شريحة واسعة من المواطنين، مذكرة إياهم بدور القضاء الأساسي في حماية الحقوق والحريات والكرامة.

 وتم التصويت على إقرار اقتراح قانون الاتفاقية في مجلس النواب والمقدّم من النائب ميشال موسى بالإجماع، باستثناء تحفّظ نائب كتلة المستقبل سمير الجسر الذي اعتبر أنه قُدّم بصيغة مخالفة للدستور، على أساس أنّ المصادقة على المعاهدات الدولية يجب أن تحصل على مشروع قانون بموجب مرسوم صادر عن الحكومة. وتخصّص “المفكرة” مقالة مستقلة تتناول الجدل حول دستورية إقرار الاتفاقية في مجلس النواب.

المعوّق قلق من تكرار مشاهد الانتخابات المذلّة


وترجم تحرّك الأشخاص ذوي الإعاقة التي باعتصام ومسيرة شاركت فيهما جمعيات داعمة وناشطون حقوقيون، وجاء قبل شهر ونصف الشهر فقط من موعد الانتخابات النيابية، حيث يقلق المقترعون من ذوي الإعاقة، لا سيما حركياً، من تكرار المشاهد المذلّة والمهينة من خلال حملهم على أدراج مراكز الاقتراع.

 “لا أريد أن يحملوني متل كيس البطاطا”،  أوّل  عبارة تسمعها من الأشخاص ذوي الإعاقة الذين تسألهم عن معاناتهم خلال ممارسة حقهم الانتخابي، حيث في كل انتخابات، نرى مناصراً لهذا المرشح او ذاك او مناصرين للأحزاب يهرعون ليحملوا مقترعاً جالساً على كرسيه المدولب، أو على كرسي عادي، إذا كان من فئة كبار السن، ليصعدوا به أدراج المركز، وبالطبع تكون مهمته بالأساس إقناع الشخص المحمول بالاقتراع لمرشحه او حزبه.
عدم الاقتراع بكرامة وباستقلالية وحرية يرفضه الأشخاص ذوي الإعاقة، كما يقول عضو الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً ياسر العمّار لـ “المفكرة”: “لا نريد مساعدة من أحد كي نمارس حقاً وواجباً ديموقراطيين، الحق في الاقتراع يجب أن يؤمّن عبر القانون ومن مؤسسات الدولة”. ويضيف: “يتم التعامل معنا كأننا أشياء ولسنا بشراً، أولاً يحملون الناخب المعوّق، ثمّ يصرّ عليه رئيس القلم إدخال شخص آخر معه إلى  العازل، وبالتالي يفقد الناخب استقلاليته، إضافة إلى النظر إلى هذه الشريحة على أنّها فئة ضعيفة، فيعرضون عليها الرشاوى ويتم استغلالهم للتصويت لفئة محددة”. ويشير العمّار إلى رصد “وقوع 7  أشخاص من ذوي الإعاقة عن الأدراج خلال  حملهم في بيروت وطرابلس والبقاع، وإصابتهم بكسور أثناء انتخابات 2018”.

الأمر نفسه يُقلق رئيس جمعية فرح للعطاء  مارك طربيه الذي برغم كلّ التحديات التي تجاوزها في مسيرته بعد إصابته بشلل كامل، لا يقبل أن يتعرّض للاستغلال السياسي والمعاملة المُذّلة أثناء ممارسة حقه في الاقتراع. ويقول لـ “المفكرة”: “في انتخابات 2018 عرض عليّ عناصر ينتمون لـ 3 أحزاب حملي إلى الطابق الثاني في مركز اقتراع في البترون. رفضت ذلك، كما أنني رفضت الاقتراع. لأن هذا الأمر مُذّل ومهين ومعيب، ولم يعد مسموحاً أن يتكرّر”.
طربيه أراد من خلال “المفكرة” أن ينبّه الأشخاص ذوي الإعاقة من عدم السماح للأحزاب أو المرشحين باستغلالهم: “هم يتذكروننا قبل الانتخابات بقليل، ويُضمّنون برامجهم الانتخابية قضيتنا، لكن بعد الانتخابات ينسون ما وعدوا به”.

يفصلنا عن الانتخابات في 15 أيار شهر ونصف الشهر فقط، ويتلخّص جلّ ما يُطالب به الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً بسهولة وصول الناخب المعوّق إلى مراكز الاقتراع باستقلالية وكرامة، وأن تكون أقلام الاقتراع في الطوابق الأرضية، وأن تُشغّل المصاعد حيث تتوافر، وأن تُنشأ أقلام اقتراع في ملاعب المراكز وباحاتها حيث لا توجد غرف في الطوابق الأرضية.

 
30 عاماً من إنكار الحق في الاقتراع بكرامة 

منذ العام  1992، تاريخ استئناف إجراء الانتخابات في جمهورية الطائف، ولغاية اليوم، انتهكت السلطات المتعاقبة حق هذه الشريحة في الانتخاب والترشّح، بسبب غياب تجهيزات الحد الأدنى التي تسَهّل وصول هؤلاء إلى مراكز الاقتراع وأقلامها.
ومنذ العام 2005 والاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً والهيئات المعنية بذوي الاحتياجات الخاصة، يذكّرون الحكومات المتعاقبة ووزراء الداخلية المتعاقبين  والبلديات بضرورة تسهيل هذه المشاركة، ولا سيّما بعد إقرار القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ويقدّمون النماذج والحلول لحفظ كراماتهم في كلّ محطة انتخابية، نيابية كانت أم بلدية. ومع ذلك لم يتغير أي شيء لا على صعيد المعوقات الهندسية لتسهيل الوصول إلى المراكز، ولا على صعيد الانتهاكات لحفظ حرية الناخبين واستقلاليتهم.
وكان الوزير فؤاد بطرس قد تبنّى في القانون الانتخابي هذه المطالب وتمّ إدراجها في قانون الانتخابات 25/2008، المعدّل بموجب القانون 59/2009. وبناء عليه، أُطلقت حملة “حقي” التي هدفت إلى تأمين مشاركة سياسية فعلية للأشخاص ذوي الإعاقة  في لبنان.

الصحافي والناشط الحقوقي عماد الدين رائف يعتبر في حديث مع “المفكرة” أنّ “مطالب الاتحاد واضحة، وقد خفّض سقف مطالبه إلى أدنى المعايير، مشيراً إلى أنّ 6 مراكز فقط من أصل 1700  تتطابق مواصفاتها مع المعايير الهندسية التي تسهّل عملية اقتراع الأشخاص ذوي الإعاقة. وكان الاتحاد قد زوّد وزارة الداخلية، بدراسة أعدّتها الوحدة الهندسية فيه، تتضمّن المسح الميداني الشامل لمراكز الاقتراع، الذي أجراه سنة 2009، وخلُص إلى أنّ ما نسبته 40% من المراكز تتضمن غرفاً في الطبقات الأرضية، وأنّ المصاعد متوفّرة في 21 منها، وهي قابلة للاستخدام. أما في الأماكن الأخرى فينبغي استحداث أقلام في الملاعب والباحات الخارجية، كما يحصل في كلّ دول العالم.

بدورها، تؤكّد رئيسة اتحاد المعوقين حركياً سيلفانا اللقيس  في حديث لـ “المفكرة”: على حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الاقتراع  بكرامة واستقلالية، ومن دون أن نتعرض لأي نوع من الإذلال خلال التوجه الى أقلام الاقتراع. لذا خفضّنا سقفنا في المطالب، وقدمنا عرضا الى وزارة الداخلية،ما بدو تعب ولا مال”. في السابق كانوا يقفلون تلك الطوابق واليوم نقول لهم، وفق اللقيس: “ممنوع تقفلوها، وهذه المطالب برسم 3 وزارات هي: الداخلية والتربية والشؤون الإجتماعية، وهم مجبورون على تنفيذ مطلبنا، وعلى رئيس الحكومة أن يتابع هذا الأمر شخصيا ليضمن لنا ممارسة حقنا في الاقتراع باستقلالية قبل موعد الانتخابات”.
وتشدد اللقيس على أن “حقوقنا المباشرة مرتبطة بحقوقنا العامة ونحن ومعنا المفكرة القانونية والجمعيات الصادقة لن نتراجع عن هذا الحق وسنأتي بالعدالة”.

“بالأرضي بيطلع صوتي”


وأمس، انطلقت المسيرة من أمام ساحة مسجد محمد الأمين في وسط بيروت إلى ساحة رياض الصلح، بمشاركة متطوّعين من الحركة الاجتماعية وجمعية تنمية الإنسان والبيئة، تحت عنوان “نحو عملية اقتراع دامجة تحترم التنوّع”، وذلك منعاً لاستمرار مهزلة إذلال المقترعين ذوي الإعاقة، وضماناً لاحترام كرامتهم الإنسانية. حمل المشاركون خلالها لافتات بالمطالب وأعلام الاتحاد، مردّدين شعار “من الأرضي بيطلع صوتي”، تعبيراً عن المطلب الرئيسي المتعلق باستخدام غرف الطوابق الأرضية كأقلام اقتراع.
وتلت اللقيس بياناً سألت فيه: “هل يشعر مجلس الوزراء بحجم الأذية الناتجة عن احتقار إنسانية الأشخاص ذوي الإعاقة، والنظر إليهم كمجرد أصوات انتخابية وتعريض  كراماتهم للإهانة في كل انتخابات عامة منذ اتفاق الطائف حتى اليوم؟ ألم يحن الوقت كي تحترم الحكومة اللبنانية حقوق الإنسان؟.


وذكّرت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنّه وعد في 2013  الأشخاص ذوي الإعاقة بنيل حقوقهم وأخلف وعده. وتضيف “نقف اليوم لنذكّر رؤساء الحكومات ووزراء الداخلية المتعاقبين منذ 22 عاماً أنهم لم يقوموا بالحد الأدنى من واجباتهم تجاه 15 في المئة من المواطنين اللبنانيين. كل القوانين والمراسيم والقرارات والتعاميم كانت بالنسبة إليهم حبراً على ورق، وكل وعودهم كانت كاذبة”.
وأكدت ان “وزير الداخلية الحالي بسام المولوي يبدي تعاونا تجاه مطالبنا، لكن القلق سيرافقنا حتى يوم الانتخابات، لأن هذه المسؤولية مشتركة وهي مسؤولية مجلس الوزراء مجتمعًا ولا ينبغي أن تتكرر مشاهد الماضي”. وأشارت إلى أنّ “كل الحكومات السابقة كانت تتحجج بضيق الوقت، ونحن اليوم خفضّنا من سقف توقعاتنا إلى الحد الأدنى، بل إلى الحد الأقل من الأدنى، وما نطالب به  قابل للتطبيق وبسرعة قبل الانتخابات. فماذا أنتم فاعلون؟  ثلاث مقترحات طالبنا بها سابقا، وهي تستهدف ممارسة الشخص المعوق حقه الانتخابي باستقلالية وكرامة، بدءاً من الميغاسنتر، مروراً بالتسجيل الاستثنائي للناخبين المعوقين في مراكز مجهزة ضمن الدوائر الانتخابية، لكن هذين المطلبين لم يتحققا وهما قيد التجاذب السياسي. فوصلنا إلى المقترح الأخير المتعلق باستخدام الطوابق الأرضية في مراكز الاقتراع واستخدام الملاعب كأقلام، وتشغيل المصاعد حيث توجد”.

وكان الاتحاد قد زوّد وزارة الداخلية بالمعلومات اللازمة، وبنتيجة دراسة أعدتها الوحدة الهندسية فيه، هي عبارة عن نسخة محدّثة عن المسح الميداني الشامل لمراكز الاقتراع، خلصت إلى أن ما نسبته 40% من المراكز تتضمن غرفا في الطوابق الأرضية، وأن المصاعد متوفرة في 21 مركزًا، وهي قابلة للإستخدام. أما في الأماكن الأخرى فينبغي استحداث أقلام في الملاعب والباحات”. واعتبرت اللقيس أن “هذه المطالب البسيطة جدا ليست ما نأمل به من تطبيق القانون 220/2000 أو المرسوم 2214/2009 بل هي أبسط المطالب لضمان وصول الناخبين المعوقين إلى الأقلام، وإتمام عملية الاقتراع باستقلالية وكرامة، وذلك بعد خيبات أمل كثيرة مرّت بها حركة الإعاقة في لبنان مع الحكومات المتعاقبة منذ 22 عاما”.  


ووجهت اللقيس رسائل ثلاث الى المعوقين وإلى الشركاء في المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والمطلبية والى الرأي العام اللبناني اشارت فيها الى “إجراء الدراسات المطلوبة للتجهيز الهندسي، وقدمنا النماذج لأقلام الاقتراع الدامجة للأشخاص المعوقين حركياً وبصرياً وسمعياً وذهنياً، ويدنا كانت ممدودة إلى الوزارات المتعاقبة كي لا تتكرر مشاهد الإذلال. ونحن اليوم نقف معاً كي نشهد تقدماً ولو جزئياً في هذا المطلب، ولن نسكت عن أي انتهاك لحقوقنا، وأنتم تعرفون أننا لن نسكت وسيبقى صوتنا المطلبي عالياً”.  واضافت: “نحن معا نشكل قوة، لنحمل مطالبنا معا لإلغاء التمييز تجاه الأشخاص المعوقين، ونحقق خطوة نحو وطن نكون فيه مواطنين يحمي الدستور حقوقنا، لا رعايا في طوائف ومناطق”.
ورأت اللقيس أن هذا الحد الهامشي من حقوق الأشخاص المعوقين يسهّل حركة كبار السن والنساء الحوامل وذوي الإعاقات المؤقتة، “ولا تنسوا أن معظم المراكز هي مدارس ومؤسسات ذات استخدام عام”. لتؤكد “أن الوصول إلى هذا الحق يشكل نموذجاً مستداماً في استخدام هذه الأماكن ليس فقط للانتخابات التي هي مجرد يوم واحد، بل للتعليم وللإستخدام العام، ولاحترام حقوق الإنسان”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

البرلمان ، سلطات إدارية ، أحزاب سياسية ، حركات اجتماعية ، منظمات دولية ، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ، دستور وانتخابات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني