وزير العدل يطفئ أضواء العدليّة أيضًا


2023-07-20    |   

وزير العدل يطفئ أضواء العدليّة أيضًا

في خضمّ النقاش العامّ حول تقييد حريّات المحامين، وجّه وزير العدل القاضي هنري الخوري في تاريخ 26 نيسان 2023 تعميميْن للقضاة كافة. التعميم رقم 352 نصّ على وجوب امتناع القضاة عن الظهور الإعلامي بجميع أشكاله وعن اتخاذ أي موقف علني على أي منصّة إعلامية أو إلكترونية أو غيرها من دون الحصول على إذن مسبق من المرجع المختص. أمّا التعميم رقم 348 فقد طلب من القضاة عدم التواصل المباشر وغير المباشر مع أي سفارة أو منظمة حكومية وغير حكومية أو أي جمعية بهدف المشاركة في ندوات أو ورش عمل في الداخل أو الخارج أو أي سبب آخر قبل تقديم طلبات بذلك من الجهة الداعية إلى وزير العدل وفقًا للأصول القانونية. كما فرض التعميم نفسه على القضاة الاستحصال على إذن مسبق بالسفر قبل عشرة أيام على الأقل من الوزير. وعليه، وفي حين يهدف التعميم الأوّل إلى كمّ أفواه القضاة، يهدف التعميم الثاني إلى عزل القضاة عن أي تواصل مع أي جهة خارج القضاء، على نحو يحبس القضاة في الصمت والعزلة، وهي الشروط المثلى لممارسة الضغوط عليهم.  

ولم ينسَ الوزير شيطنة التواصل مع غير القضاة، معتبرًا أنّ بعض القضاة ينسجون علاقات مع الخارج بهدف المشاركة في سفرات وورش عمل في الخارج، من دون إيلاء أي أهمية لإيجابيات انفتاح القضاء على القوى الاجتماعية والمشاركة في الندوات وورش العمل. كما لم ينسَ تهديد أي قاضٍ يتجاوز الموانع بالملاحقة المسلكية. 

تبعًا لهذا التطوّر السلبي، أبدت ثلاث جهات مواقف واضحة: 

ائتلاف استقلال القضاء (4 أيار 2023): 

أشار الائتلاف إلى أنّ التعميميْن يحدّان من حرّيات القضاة خلافًا للدستور ومبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلالية القضاء الصادرة في 1983 وأخلاقيات بنغالور. فعدا عن أنّ من شأنهما المسّ بالحرّيات الدستورية للقضاة، فإنهما يحدّان أيضًا من ضمانات استقلاليتهم، طالما أنّ حرية التعبير والتواصل تعدّ من أهم ضمانات الاستقلالية في مواجهة التسلّط والتدخل والتعطيل. وأكثر ما نخشاه أن يؤثّر هذان التعميمان بشكل خاصّ على أداء نادي القضاة وقدرته على إصدار بيانات أو عقد مؤتمرات صحافية والاحتكام إلى الرأي العامّ. ولا يردّ على ذلك بأنّ القضاة ملزمون بموجب التحفّظ، طالما أنّ هذا الموجب يبقى محصورًا بواجب الحفاظ على الحيادية في القضايا المعروضة على القضاء، في حين يكون واجب القضاة استهجان كلّ ما يمسّ بمبادئ حقوق الإنسان واستقلالية القضاء. 

وقد رأى الائتلاف أنّ التعميميْن يذهبان في اتجاه قرار نقابة المحامين في بيروت في 3/3/2023 الذي أخضع حريات المحامين للرقابة المسبقة، على نحو يؤدّي عمليًا إلى ضبط حريات القضاة والمحامين والتحكّم بها، وعمليًا إلى التعتيم على شؤون العدلية وصولًا إلى تحصين نظام الإفلات من العقاب إزاء أي ضوء أو صوت. 

نادي قضاة لبنان (4 أيار 2023): 

ذكّر نادي قضاة لبنان ببيان مجلس القضاء الأعلى الصادر في 20/3/2018 حينما تمّ التأكيد على ثوابت لا يمكن الحياد عنها وأهمها (1) أنّه لا يجوز لوزير العدل توجيه تعاميم للقضاة عملًا بمبدأ استقلالية السلطة القضائية وفصل السلطات و(2) أنّ المادة 44 من قانون القضاء العدلي تلحظ بوضوح أنّ القضاة مستقلّون.. فلا رئيس مباشر أو غير مباشر للقاضي كي يخضع له أو كي ينفّذ تعليماته أو أوامره وليس هنالك قيادة أو ريادة في القضاء لا قانونًا ولا واقعًا. وقد خلص النادي إلى أنّ تعميميْ وزير العدل يضربان استقلال السلطة القضائية وأساسيات العمل القضائي ويُعتبران بحكم غير الموجوديْن.

اللجنة الدولية للحقوقيين (12 أيار 2023): 

اعتبرت اللجنة الدولية للحقوقيين تعليقًا على التعميميْن أنّ “مثل هذا التقييد الشامل على الحقّ في حرية التعبير والحقّ في حرية التنقل للقضاة اللبنانيين يتعارض مع القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان”. وإذ أقرّت اللجنة بإمكانيّة فرض قيود على حريّات القضاة، إلّا أنّ هذه القيود يجب أن تكون قانونية، ومتناسبة مع المصالح العامّة، ومحدّدة بدقة، وضرورية ومتّسقة مع حقوق أخرى معترف بها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. وعلى عكس ذلك، يفرض التعميمان رقم 352 ورقم 348 قيودًا واسعة النطاق على حقوق القضاة في حرّية التعبير والتنقل، ممّا يسمح بتدخل السلطّة التنفيذيّة في الوظائف القضائيّة.

نشر هذا المقال في العدد 69 في مجلة المفكرة القانونية- لبنان

للاطلاع على العدد كاملا

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، نقابات ، حرية التعبير ، استقلال القضاء ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني