هل سيحُلّ الديوان الوطني للأعلاف أزمة منظومة الأعلاف في تونس؟


2024-06-27    |   

هل سيحُلّ الديوان الوطني للأعلاف أزمة منظومة الأعلاف في تونس؟
رسم عثمان سلمي

تُواجه منظومة الأعلاف عدّة إشكالات مُتراكمة، منذ عقود، وقد بَلَغت ذروتها في السّنوات الأخيرة بسبب الارتفاع المشطّ لأسعار المنتجات العلفيّة وعدم توفّرها بالكميّات الضّروريّة في السّوق المحليّة. إضافة إلى اضطراب مسالك توزيعها. أدّت هذه الندرة إلى تواتر احتجاجات صغار الفلاحين والعاملين في تربية الأبقار والمواشي والدّواجن، والذي بلغ ذروته، شتاء 2021، حين انتفض مربّو الماشية في عدّة جهات من البلاد أبرزها الحركة الاحتجاجية في قرية أولاد جاب الله (ولاية المهديّة) التي كان شعارها الأساسي مراجعة منظومة الأعلاف، والتخفيض في أسعارها بشكل مستعجل.

الردّ الرّسمي على أزمة الفلاحين كان أمنيّا قمعيّا، وهي سياسة عامة جابَهت بها الدّولة معظم الاحتجاجات الاجتماعيّة التي كان لها تأثير شعبيّ. وقد سَاهَم نضال صغار الفلاحين في تسليط الضّوء على منظومة الأعلاف كعنوان أساسي للسّيادة الغذائيّة والإصلاح الزّراعي، التي تخلّت عنها الدّولة لصالح رأس المال الخاصّ، ما أدّى إلى تعمّق تبعيّة هذا القطاع وانتشار مظاهر الاحتكار والمضاربة.

في هذا السّياق، وقع إحداث الدّيوان الوطني للأعلاف في جانفي 2024، فهل سيكون الحلّ لأزمة القطاع؟

السياسة الزراعيّة: بداية الأزمة

على غرار جميع الأزمات القطاعيّة المتواترة التي تَشهدها البلاد، تُعدّ أزمة المنظومة العلفيّة أزمة هيكليّة تعود جذورها للخيارات السّياسيّة في القطاع الفلاحي، منذ سنوات السّبعين التي حُدِّدت فيها ملامح النموذج الاقتصادي الحالي. في تلك الحقبة كانت التغذية الحيوانيّة قائمة أساسا على الموارد الطبيعية من مراعٍ وفواضل زراعيّة ومادّتي الشعير والسَّدَّارِي. لم تكن الأعلاف الصناعيّة دارجة في ثقافة الفلاحين، حيث أنّ ديوان الحبوب كان يملك وحدة لصناعة الأعلاف المركّبة للدواجن والمواشي باعتماد حبوب الذرّة كمادّة أوليّة يتحصّل عليها بشكل مجانيّ في إطار “برنامج الأغذية العالمي” التّابع للأمم المتّحدة، وكان الدّيوان يبيعها بأسعار رمزيّة للفلاحين ورغم ذلك لم تكن محلّ إقبال منهم بفضل الاكتفاء الذاتي في الغذاء الحيواني.

لكن مع بداية الثمانينات، سيتغيّر المشهد، بعد تبنّي تونس أطروحة “الأمن الغذائي” التي تَضمن تدفّق السّلع الغذائيّة من دول الأطراف إلى المركز وانخراطها في “نظام الميزات التّفاضليّة” التي ستحدّد السّياسة الزّراعيّة فيما بعد. يقوم هذا النّظام على تصدير الموادّ الفلاحيّة التي “تختصّ” بها تونس (زيت زيتون، تمور، قوارص، إلخ) وتوريد المُنتجات الفلاحيّة التي تُنتجها دول أخرى بتكلفة أدنى، على غرار الحبوب والأعلاف. أدّى هذا الخيار إلى ربط الفلاحة التونسيّة بالسوق العالميّة المتقلّبة وغير المتوازنة وتعريض المسألة الغذائيّة لصدمات السوق العالميّة. في هذا السياق، ذهبت السياسات الرسميّة في توسيع مساحات زراعة الأشجار المثمرة الموجّهة للتصدير على حساب زراعة الحبوب والعلف ما أدّى إلى تقلّص المساحات المخصّصة لزراعتها بشكل تدريجي[1]. على نقيض ذلك، انتهَجَت الدّولة سياسة الوفرة في الإنتاج الحيواني عبر تكثيف الإنتاج في اللّحوم البيضاء والحمراء والبيض والحليب ومشتقّاته. في الثمانينات، كان الإنتاج المحلي من اللحوم الحمراء يتراوح بين 70 و80 ألف طنّ سنويّا ليتجاوز، سنة 2007، 120 ألف طنّ. فيما قفز إنتاج الدّواجن من 31 ألف طنّ سنة 1985 إلى 134 سنة 2015. كما ارتفع إنتاج الألبان من 250 مليون لترا في بداية الثمانينات، ليفوق المليار لترا في مطلع الألفيّة.

 يُبرز تطوّر الزّراعات العلفيّة منحيين تصاعديّن -ظرفيّين- يعكِسان السياسة الزراعية المضطربة؛ المنحى الأوّل بين سنتي 2007 و2013 وهو ما يمكن أن يُفهم كردّة فعل على الارتفاع الملحوظ بداية من سنة 2006، في أسعار الموادّ الفلاحيّة الأساسيّة ومن بينها أسعار الموادّ الأوليّة العلفيّة بسبب التغيّرات المناخيّة وقد سبق هذا الارتفاع مرحلة ممتدّة من الاستقرار بين سنة 1990 وسنة 2005. لكنّ الأمر لن يقف عند ذلك الحدّ، لأنّ الأسعار ستبلغ مستويات قياسيّة خلال الأزمة الاقتصادية لسنة 2008. أمّا المنحى التّصاعدي الثّاني، فقد كان بين سنتي 2017 و2018، حين سجّلت أسعار العلف المركّب نسق ارتفاع جديد. حيث أدّى اعتماد تونس على توريد الأعلاف المركّبة في إطار أطروحة “الميزات التفاضليّة” إلى تغيّر نمط إنتاج واستهلاك الأعلاف، إضافة إلى التعرّض لـ”صدمات” السّوق العالميّة بسبب الأطروحة المذكورة، وذلك بعد قرابة عِقدين من تهميش زراعات الحبوب والعلف بتعلّة تكلفتها المنخفضة والمستقرّة عالميّا. 

تعكس الأرقام (المبينة في الجدول أعلاه) بشكل جليّ أنّ السّبب الأصلي لأزمة العلف هو المنحى العكسي بين تطوّر الإنتاج الحيواني وإنتاج العلف، ما رَاكَم عجزا هيكليّا في الميزان العلفي بحوالي 40% بسبب التوجّهات الزراعيّة، ولكن أيضا بسبب تقلّص المراعي الطّبيعيّة نتيجة تعاقب سنوات الجفاف. بالرّجوع إلى ميزانيّات وزارة الفلاحة ومخطّطات التنمية للعشريّة الحاليّة، نلاحظ التّنصيص الدّائم على ضرورة التّقليص من عجز الميزان العلفي ومزيد التوسّع في الزّراعات العلفيّة المطريّة والمرويّة، إضافة إلى عديد البرامج الموجّهة لقطاع الأعلاف ككلّ على غرار “الخطة الوطنية للنهوض بمنظومة البذور العلفية المحلية (2013)” أو “إعداد خطة وطنية للنهوض بالموارد العلفية والرعوية المنتجة محليا (2022)”. أمّا الواقع، فقد أثبت فشل مختلف منظومات الحكم في حلّ أزمة الموارد العلفيّة التي ما انفكّت تتفاقم: فحتى الأهداف الكميّة -رغم محدوديّتها- كانت دون المستوى، ومن بينها بلوغ المساحات الزراعيّة العلفيّة 410 ألف هكتار سنة 2020، لكنّها لم تتجاوز 376.8 ألف هكتار[2] وهي الأدنى منذ سنة 2001.

لم يَكن التوجّه نحو تكثيف تربية المواشي والدّواجن في إطار سياسة فلاحيّة متكاملة، وإنّما نتيجة انخراط تونس في الأسواق العالميّة إثر برنامج التعديل الهيكلي (1986) والانخراط في منظّمة التّجارة العالميّة (1995) واتفاقيّة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي (1995). وقد أثّر ذلك على الانفتاح على منظومات الإنتاج والنمط الاستهلاكي للأفراد. لذلك كان توسّع الإنتاج الحيواني في إطار سياقي يتّسم بتعدّد فرص الاستثمار لرأس المال الخاصّ في قطاعات البَيض والحليب والأجبان واللحوم البيضاء بالخصوص. هذا التمشّي لا يمكن أن يُفرز استدامة على مستوى النتائج، فقد حقّقت البلاد في ظرف سابق شبه اكتفاء ذاتيّ في الإنتاج الحيواني بفضل طفرة الإنتاج وخاصّة بسبب استقرار سعر الصّرف وأسعار الموادّ العلفيّة في السوق العالميّة. غير أنّ الحصيلة الرّاهنة -أي على المدى الطّويل- أظهرت أزمة مزدوجة ودوريّة في قطاعي الأعلاف والإنتاج الحيواني تتمظهر في غلاء الأسعار وانقطاع التزوّد ببعض المنتوجات كالحليب والبيض، وقد تحمّل عبئها بالأساس المستهلكين وصغار الفلاّحين الذين يمثّلون 90% من مجموع مربّي الماشية. 

سوق مختلّة بين قصور الدولة وسطوة القطاع الخاصّ

بعد تخلّي ديوان الحبوب سنة 1992 عن وحدة إنتاج العلف المركّب، ثمّ عن توريد حبوب الذرة والفصّة وفيتورة الصوجا[3]سنة 1996، لصالح المستثمرين الخواصّ، اقتصرت مهامّه على بيع الأعلاف المدعّمة من الشعير العلفي والسّداري المخصّصة للأبقار والأغنام. بالنّسبة للشَّعير العلفي، يتكفّل الديوان ببيعه لتُجّار الأعلاف ومعامل العلف طِبقًا لحصص محدّدة من طرف السلطات الجهوية ومصالح الإدارة العامة للإنتاج الفلاحي. كما يُشرف على توزيع مادة السدّاري، المنتج محليّا أو المستخرج من القمح المورّد، من المطاحن إلى تجار الأعلاف ومصانع إنتاج الأغذية الحيوانية طبقًا لحصص تضبطها “اللجنة الوطنية لمادّة السّدّاري”. ويتمّ تحديد الحصص الدّوريّة من الأعلاف المدعّمة التي توزّع على الولايات وفق حجم القطيع والظروف المناخيّة في الجهة.

عَكسَت أزمة التزوّد بالأعلاف الفوضى والبيروقراطيّة التي تُميّز عمليّة التوزيع. فقد اشتكى الفلاحون من ضعف حصص الأعلاف الموزّعة على الجهات، إضافة إلى عدم شفافيّة منظومة التّوزيع على المُربّين والجهات وانتشار بيع الأعلاف المدعّمة في السّوق السّوداء. وذلك بسبب الهوّة بين العرض والطّلب، ولكن أيضا بسبب كثرة المتدخلين في عمليّة التوزيع على المستوى الجهوي، من “لجان جهويّة لمادّة السّداري” وولاّة ومعتمدين، وحتى المرشدين الفلاحيّن تمّ إقحامهم في مهمّة التوزيع ممّا يتعارض مع وظيفتهم في توجيه الفلاحين. هذا إلى جانب الوسطاء من مزوّدي الأعلاف المدعّمة. سوء حوكمة القطاع قَابلَه غياب جهاز رقابي مختصّ ودائم، حيث تُوجد -فقط- فرق جهويّة تضمّ ممثّلين عن وزارة الفلاحة والصّناعة والتّجارة عُهدَت لها الرقابة على التوزيع، وبالكاد تمّ تفعيلها. مع الإشارة إلى أنّ الدواجن تتغذّى بشكل كلّي على الأعلاف المركّبة. كما يعتمد النظام الغذائي للأبقار والأغنام على الأعلاف الخشنة (القرط والتبن، إلخ) والأعلاف المدعّمة والمراعي الطبيعيّة، إلى جانب الأعلاف المركّبة كغذاء تكميلي.

أدّى تحرير قطاع الأعلاف المركّبة إلى تحوّله إلى قطاع رَيعي على غرار بقيّة الأنشطة الاقتصاديّة ذات الربحيّة العالية بالبلاد. فقد سيطرت 3 مجّمّعات اقتصاديّة ضخمة متمثّلة في “مجموعة بولينا” (أضخم مجمّع لتربية الدّواجن على مستوى المغرب العربي) و”مجموعة ألفا” و”مجموعة آلكو” على كامل سلسلة القيمة في القطاع. علاوة على أنّ هذه المجّمعات تُعدّ من أكبر منتجي البيض واللحوم البيضاء في تونس. كرّست الدّولة وضعيّة الهيمنة على سوق الأعلاف الصّناعيّة بفضل منظومة الرُّخص وكرّاس الشروط المنظّمين لتوريد مواد حبوب الذرّة وفيتورة الصوجا لسنة 1997 [4] بالأساس. كما أن شرط توفير طاقة خزن تعادل سُدُس البرنامج السنوي والاحتفاظ بمخزون استراتيجي يعادل المخزون المتداول جَعل الولوج إلى التوريد حكرا على أصحاب الاستثمارات الضّخمة. ومنذ ذلك التّاريخ أصبحت المجمّعات المذكورة تستورد، حصريّا، تلك الموادّ الأوليّة، لتغطية حاجياتها وتزويد منافسيها، مَا مكّنها من تحقيق فائض ربح ناتج عن انخفاض تكلفة الإنتاج مقارنة ببقيّة الصّناعييّن ومربّي الدّواجن باعتبارها مُنتجة ومزوّدة في آن واحد.

تعزّز اختلال سوق الأعلاف المركّبة بتأسيس شركة “قرطاج للحبوب” سنة 2003، التي ستَحتكر لوحدها استيراد فول الصّوجا الذي يُستخرج منه الزّيت، ثمّ تقوم ببيع فيتورة الصوجا بشكل حصري للمجمّعات المذكورة لصناعة العلف. بينما حافظت هذه المجمّعات على توريد حبوب الذرّة وتحوّلت إلى وسيط في التزويد بفيتورة الصّوجا. تموقَعت هذه الشركات في شكل “كارتيل”، واقتَسمَت فيما بينها سوق الأعلاف المركّبة وسلطة تحديد الأسعار في سوق غير تنافسيّة. وهكذا أصبحت الأسعار خاضعة لتقلّبات السّوق العالميّة، وبدرجة أعلى للسّياسة الرّبحيّة الوفاقيّة للمجمّعات المذكورة. ستكون هذه السياسة السّبب القادح في تعميق أزمة العلف بداية من سنة 2018، عقب انفجار مشهدي لأسعار الموادّ الأوليّة للعلف المركّب. فعلى سبيل المثال قفزَ سعر الطنّ من فول الصّوجا من 900د إلى 1300د تحت تأثير ارتفاع سعره في بورصة الموادّ الأوليّة وتراجع سعر صرف الدّينار واستغلال المجمّعات لتلك الظرفية لمضاعفة هامش ربحها من 100د كأقصى تقدير إلى حوالي 400د للطنّ الواحد من فيتورة الصّوجا، وعدم قيامها بالتّعديل الآلي للأسعار إثر تراجعها في السوق العالميّة نهاية 2018. 

كشف ذلك عن تخلّي الدّولة عن ممارسة دورها الرّقابي والتّعديلي رغم أنّه تمّ إحداث لجنة متابعة توريد فيتورة الصوجا وحبوب الذرّة، والتي من المفترض أنّها تجتمع شهريّا لمتابعة تطوّر الأسعار وهوامش الرّبح ومدى تَوفّر مخزون استراتيجي من هذه الموادّ. في سياق تفاقم أزمة التزوّد بحبوب الذرّة والصّوجا، اتخذت وزارة الفلاحة، في شهر مارس سنة 2021، إجراءً يقضي بتحرير توريد هاتين المادّتين وتحديد هامش الرّبح فيهما بالنسبة للمزودين بـ10% بدعوى القضاء على الرّيع في قطاع الأعلاف. لكنّه في واقع الأمر إجراء يخدم مصالح المجمّعات الاقتصاديّة الرّيعيّة الثّلاث، كما يعكس الواقع العبثي للاقتصاد التّونسي. فقطاع العلف المركّب مُحرّر بالكامل منذ سنة 1997. ولكن ما وقع فعليّا هو التّغاضي عن الشّروط المجحفة المتعلّقة بالخزن والتي انقسم بفضلها السّوق بين أربع مؤسّسات ضخمة ومصدّرة (بولينا، ألفا، آلكو، شركة قرطاج للحبوب) وصغار الفلاّحين (مربّين وصناعيّيين) الذين لا يَمتلكون الإمكانيّات الماليّة واللوجستيّة للتوريد. نتيجة هذه السياسة توفرت الإمكانيّة للمجمّعات الثّلاث لتوريد فيتورة الصوجا عوض التزوّد بها من شركة “قرطاج الحبوب”، فيما تواصلت أزمة التزوّد بالنسبة لصغار الفلاحين بسبب تلكّؤ المجمّعات بدعوى نفاذ المخزون في حين أنّه رفض مُقنّع لهامش الرّبح المُحَدَّد.

هل يهدّد الديوان الوطني للأعلاف مصالح الرّيع؟

مع تواصل استمرار تدهور منظومة الأعلاف ومنظومة الإنتاج الحيواني وقع، في 10 جانفي 2024، إحداث الدّيوان الوطني للأعلاف. انطلق الدّيوان في العمل في شهر مارس المنقضي، وهو منشأة عمومية ذات صبغة تجارية. وتتمثّل مهامّه -وفق الأمر الرئاسي المحدث له- في المساهمة في ضبط الاستراتيجيات الوطنية والقطاعية للنهوض بالموارد العلفية وحوكمة التصرف فيها وضبط وتوفير الحاجيات السنوية من الموارد العلفية للقطيع، وإنتاج وتوريد وتوزيع الموارد العلفية والاتجار فيها وتكوين المخزونات الاحتياطية منها والقيام بكل التدخلات الضرورية لتعديل السوق، وأخيرا المساهمة في إنجاز الدراسات الفنية والاقتصادية المتعلقة بمنظومة الأعلاف، بما في ذلك تقديرات كلفة الإنتاج.

تجدر الإشارة إلى أنّ قطاع الأعلاف يخضع لبيروقراطيّة مُجحفة وتشتّت إداري من حيث الإشراف، منها الإدارة العامّة للإنتاج الحيواني بوزارة الفلاحة وهياكل أخرى تابعة لوزارة الصّناعة والتّجارة، إضافة إلى ديوان الحبوب الذي يتكفّل بتوزيع الموادّ العلفيّة المدعّمة وديوان تربية الماشية وتوفير المراعي المحدَث منذ سنة 1966، والذي يتكفّل بمجال البحوث والدّراسات وإنتاج البذور العلفيّة والرعويّة وإحداث المراعي، كما أنّ له دورًا تعديليّا في توريد وتزويد الفلاّحين بالموادّ العلفيّة غير التنافسيّة.  يؤدي هذا التشتت الإداري إلى التّداخل الوظيفي بين ديوان الحبوب وديوان تربية الماشية وتوفير المراعي وديوان الأعلاف الجديد الذي سيقوم بنفس المهامّ مع توسعة نشاطه ليشمل مجال الأعلاف التّنافسيّة (الأعلاف المركّبة). وكان من الأجدى الاقتصار على ديوان تربية الماشية وتوفير المراعي وتطويره.

وفق الرئيس المدير العام للديوان الوطني للأعلاف رضا الحسومي[5]، سيقوم الدّيوان بإنتاج مختلف أنواع الأعلاف الموجّهة للمواشي إمّا عبر الإنتاج المباشر بزراعة ضيعات ستضعها وزارة الفلاحة على ذمّة الدّيوان أو بشكل غير مباشر عن طريق عُقود إنتاج مع الفلاحين مقابل بيع محاصيلهم للدّيوان. أمّا بخصوص مادّتي فيتورة الصّوجا وحبوب الذرّة الموجّهة للدّواجن فسيقتصر دور الدّيوان على توريدها في صورة نقص توفّرها. كما أشار إلى أنّه سيتمّ الاعتماد مبدئيّا على بعض مخازن ديوان تربية الماشية وتوفير المراعي في عمليّة الخزن. مازالت الضّبابيّة تكتنف عمل هذا الدّيوان في الجانب المتعلق بعمليّة التّوزيع وكيفيّة تنظيم السّوق بينه وبين القطاع الخاصّ، خُصوصا وأنّه وقع إنشائه دون توفير حاجياته اللوجستيّة الأساسيّة من رصيد عقاري ومخازن تجميع ونقاط توزيع.

يُعتبر إنشاء الدّيوان الوطني للأعلاف إجراءً جزئيّا يمكن أن يُساهم على المدى المتوسّط في حلّ إشكال التزوّد بالأعلاف الخَشنَة، لكنّه بحكم اقتصار دوره على توريد الموادّ الأوليّة بشكل ظرفيّ دون القيام بعمليّة التّحويل لن يؤدّي إلى كسر منظومة الاحتكار في الأعلاف المركّبة وتقلّب سعرها تحت تأثير تقلّب السّوق العالميّة. لا يمكن حلّ أزمة منظومة الأعلاف -بشكل جذري- خارج سياق إصلاح فلاحي شامل خاضع لمبدأ السّيادة الغذائيّة، يقع في إطاره إعادة تحديد الأولويّات الغذائيّة ومراجعة منظومة الدّعم التي ستُحدّد بدورها السّياسة الزراعيّة. هذا إلى جانب الأخذ بعين الاعتبار التغيّرات المناخيّة من شحّ مائيّ وشحّ في التّربة.


[1] ملاحظة: لا توجد أرقام رسميّة منشورة بصورة دوريّة لتلك الحقبة حول المساحات الزراعيّة العلفيّة لذلك اعتمدنا على تدخّلات إعلاميّة للمتدخّلين في القطاع.

[2] المعهد الوطني للزراعات الكبرى، تقرير “دراسة تشخيص مناطق تدخل المعهد الوطني للزراعات الكبرى”، مارس 2019.

[3] قرار وزير الاقتصاد الوطني الصادر بالرائد الرسمي في 29 ماي 1992

[4] رابط كرّاسي الشّروط: https://vu.fr/bFGDz

[5]حلقة نقاش من تنظيم المعهد العربي لرؤساء المؤسّسات حول “منظومة الأعلاف بعد إحداث الديوان الوطني للأعلاف” بتاريخ 29 ماي 2024،

https://urlz.fr/qZK

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، مقالات ، تونس ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني