أنا ما كنت مفكرة أنو في دولة بلبنان من قبل… عماد قللّي إنو اشترى الدولة بمصرياتو وتأكدت من كلامو وقت توقفت بالأمن العام 24 ساعة ومن بعدها ضهرت بلا ولا شي”. هذا ما قالته سالي نهار الثلاثاء 29/3/2016. و”سالي” هو الاسم المستعار لواحدة من أصل 75 فتاة تم تحريرهن من أضخم شبكات الاتجار بالبشر القابضة والمرابضة في لبنان منذ أكثر من عشر سنوات ونطاق عملها يمتد من طرابلس إلى جونية فجبيل وضهر البيدر.
اتصال صغير من شوفير فان بمنطقة الضاحية دفع مفرزة استقصاء جبل لبنان إلى التحرك لتضرب ضربة صائبة تسجل لها. فقد أسهمت هذه الضربة في الكشف عن أكبر شبكة للاتجار بالبشر يقودها المدعو “م. ج.” صاحب مشروع“chez Maurice” ومربع“silver” في منطقة جونيه يعاونه كل من ع. ر.، وع. ح.، وا. أبو ر.الذين لا يزالون فارين من وجه العدالة. وهذه الشبكة تقوم منذ سنوات باستدراج الفتيات السوريات وفق مخطط مدروس والايقاع بهن من ثم سجنهن كما العبيد والمتاجرة بهن في سوق النخاسة.
على أن هذه العملية النوعية “للمفرزة” جاءت على دفعتين، حيث تمت المداهمة الأول عند الساعة السابعة من مساء الأحد 27/3/2016 وقد أدت إلى تحرير قسم من الفتيات اللواتي جرى سجنهن داخل سراديب الـ“chez Maurice” و”سيلفر” بعدما تعرضن لأبشع أنواع التعذيب والإتجار. وفيما تابعت “المفرزة” مداهمتها مساء الثلاثاء 29/3/2016 لشقق وشاليهات في جونية، كان أحد المشتبه بهم قد استأجرها لإخفاء نحو 29 فتاة أخريات فيها وجرى توقيف بعض عناصر هذه العصابة، فيما لا يزال البحث مستمر عن آخرين.
كثيراً ما نسمع عن عمليات “اتجار بالبشر”. إلا أن ما حصل مع هؤلاء الفتيات وما تعرضن له من ضروب التعذيب هو أعظم من مقدرة العقل البشري على تحمله. هو فيلم رعب حقيقي بل كتاب قد لا تكفي السطور في وصف المعاناة والآلآم التي عشنها.
لكل فتاة قصة مختلفة أوصلتها لأن تجد نفسها مخطوفة ومحبوسة بين مشروع“chez Maurice” و فندق “سيلفر” بعضهن لا يعرف الشارع منذ أكثر من خمس سنوات، والبعض الآخر لم ير نور الشمس منذ أكثر من ثلاث سنوات ولا يعرفن معنى الركوب بالسيارة الا للتوجه الى عيادة الدكتور او المستشفى لاجراء عملية اجهاض كلفت بعضهن الحياة. وفي حين وقعن ضحية هذه “الشبكة” بأساليب مختلفة (سنسردها في المقال)، أرغمن على ممارسة “الدعارة”، من خلال الضرب والجلد، وتعذيب يمكن معاينته محفوراً على أجسادهن. فقد تم جلدهن بالسياط على نحو منتظم لهذا السبب أو ذاك وفقاً لجدول تُدوّن عليه الأسباب الموجبة للجلد. في أحد مكاتب مفرزة استقصاء جبل لبنان، تجد من بين المضبوطات عصا غليظة وسوطاً مدعماً ودفتراً دونت عليه الأسماء المستعارة للفتيات مع إشارات تحدد بالتفصيل عدد المرات التي تم فيها الجلد وأسبابه.”عشر جلدات” لأنها لم تضع طلاء الأظافر، “50 جلدة” لأنها لم تحصل على tipsإضافي من الزبون.
أما دوام العمل الذي لا تلقى عليه الفتاة فلساً واحداً، فيبدأ عند الساعة الثالثة من بعد الظهر وقد لا ينتهي عند الخامسة صباحاً. ويحق للفتاة أن تنام عند الساعة السادسة صباحاً بعد تلقيها ما تستحق من الجلد. أما إذا غابت عن الوعي، فعصا الكهرباء كفيلة بإيقاظها لتعلم الأسباب الموجبة لتلقيها العقاب ومن بعدها ترغم على القفز في الماء حتى تبرّد آثار الضرب حتى لا ينتبه لها الزبون الذي تعيش لإرضائه. وتحدد “الحارسات” (وهن فتيات كنّ يعملن بالدعارة ولكن لم يعد الزبون يختارهن فتم ترقيتهن لتولي الإشراف على الباقيات) نصيب كل فتاة من الجلد.
ويشار إلى أن الفتاة تعمل طيلة أيام الشهر ولا تشفع لها الدورة الشهرية بل تزيد الطين بلّة. فتُرغم الفتيات على وضع القطن داخلهن حتى لا ينتبه الزبون أنهن في العادة الشهرية. كما لا يمنحها المرض أو إجراء أي عملية جراحية الفرصة سوى يومي راحة كأبعد تقدير. ولا يمكن للفتاة أن تنبس ببنت شفة، تحت طائلة أن تفقد لسانها كما حصل مع إحداهن أو أن تخسر حياتها ويتم دفنها في مكان مجهول حيث تحدثت الفتيات عن واحدة منهن ماتت من جراء التعذيب وتم دفنها في سراديب“chez Maurice”. لكن، لم يتسن لنا طبعا التحقق من هذه الحادثة التي وردت على ألسنة نساء عدة.
نهار الخميس 31/3/2016، تم توقيف الطبيب ر. ع. الذي قام بإجراء أكثر من 70 عملية إجهاض على مدى سنوات عدة. في البداية، أنكر الأخير فعلته وقال أن عمله يقتصر على الفحوصات النسائية العادية ووصف أدوية الالتهابات وإجراء عمليات الكيّ وإزالة الليف وتأكيد الحمل عبر صور ال.eco ولكن بعد مواجهته مع الفتيات، نما إلى المفكرة التي لم تطّلع على أيّ من التحقيقات الأولية، أنه أقر واعترف بعدد من حالات الإجهاض.
هذا وقد تابعت “المفكرة القانونية” هذه القضية منذ البداية وتمكنت من لقاء الفتيات المحررات من شبكة الاتجار في البشر قبل ان تتولى عدد من الجمعيات مهمة تأمين ملاجئ آمنة لهن. وقد روت بعضهن ما جرى معهن وكيف وصلن الى لبنان ووقعن ضحايا هذه الشبكة، وأردن من هذه الرواية أن ينبهن الفتيات وخاصة السوريات اللواتي يتم خداعهن حتى لا يقعن في شرك الإتجار.
تتراوح أعمار الفتيات بين السادسة عشرة والسابعة والعشرين من مختلف المذاهب فمنهن العلويات والشيعيات والسنيات والدرزيات. ويتبين من خلال الأسئلة التي طرحت على الفتيات أنه في عملية الاستدراج، كان يجري التركيز على أوضاعهن العائلية، إن كن متزوجات أو مطلقات، علماً أن “العذرية” ليست عائقاً للاستغلال. فقد تحدثت الفتيات عن إحدى الضحايا تدعى “روز”، قامت خالتها بجرها الى لبنان وتسليمها الى أحد المشتبه بهم الذي تولى مسألة فض بكارتها وتدريبها على العمل. وقد صرحت كثيرات منهم بأنه فور وصولهن إلى المكان، ينام هذا الأخير معهن وقالت إحداهن: “بيجربنا، ليتأكد من أننا نتمتع بالمواصفات المطلوبة للعمل من رائحة الجسد إلى حجم الثدي وغيرها من الأمور التي تجعل كل واحدة منا تشعر بالاذلال وتحتقر نفسها وجسدها”. من ثم وكما في سوق النخاسة، يقفن في صالة الـchez Maurice او الـsilverويدخل الزبون وينظر الى الفتيات ويختار واحدة ثم يذهب بها الى الغرفة.
قصة سالي
مضى على وجود “سالي” (27 سنة) سنتان ونصف في لبنان، نسيت خلالها لون الشمس ومشهد الشارع والسيارات. وهي من بين الفتيات اللواتي خططن لعملية الهروب التي أسهمت بفضح القضية. وروت ما حصل معها قائلة، “جئت إلى لبنان بعدما خسرتُ عائلتي في الحرب. تعرفت على ع. في سهرة في بيروت على أساس قصة حب وزواج وأنه سوري وإبن بلدي ويريد أن يساعدني. بعد لقاءات متعددة اصطحبني إلى chez Mauriceعلى أساس شغل وقال لي أنه يحتاج ثلاثة أشهر حتى ينهي منزله وبعدها نتزوج. بعدما أوصلني إلى المكان ورأيت الفتيات بملابس فاضحة جدا وأخبرني عن طبيعة العمل، رفضت. فطلب مني أن أبقى ليلة واحدة على أن أرحل في اليوم التالي. صرت أبكي ولم أتقبل أن يلمسني أحد وكان الزبائن يبدلونني. في اليوم التالي جمعت أمتعتي لأرحل، فوجدت الأبواب موصدة في وجهي، وقالت لي “الحارسات” أن علي أن آخذ إذن ع. للمغادرة. حضر ع. إلى المكان ثم ضربني “كفّين”. لم أستطع بعدهما أن أسمع بأذني لأيام عدة. ثم أخذني إلى الصالون ووضعني على الكرسي وأحضر الكرباج وأنزل الفتيات وسألهن بصوت عالٍ: “ماذا أفعل بالتي تفكر بالرحيل؟” فشعرت بالخوف. أنا التي لم أتلق صفعة واحدة في حياتي. لكن بعد 15 يوما، لم أستطع التحمل وقلت له أنني أريد أن أرحل. وضعني على الكرسي وضربني بالكرباج ولم يتوقف حتى قلت له أنني لا أريد الرحيل أبداً. والضرب بالكرباج يكون على القدمين حتى لا نثير شكوك الزبون. وإذا لم نعد قادرين على العمل من جراء الضرب، يعطينا عطلة يومين. أما إذا كنا قادرين على الحركة، نعود إلى العمل. أحيانا يسألنا الزبون عن سبب هذه الآثار. نقول له: “وقعنا على الدرج. بعض الزبائن يصدقون وآخرون لا يصدقون ولكن لا علاقة لهم بنا“.
وتروي سالي التجربة الأخيرة التي حصلت معها وأدت الى كشف الشبكة قائلة: “قررنا الهروب، أنا وثماني بنات أخريات. لكن فكرنا أنه إن توجهنا إلى الأمن العام، سيجدنا. قررنا أن نتوجه إلى حزب الله. اعتقدنا أن الحزب سيحمينا لأننا نؤيد النظام السوري. كان هناك باب خلفي للـchez Maurice، لا يوجد عليه حرس فراقبنا أين تضع الحارسات المفتاح وقمنا بسرقته ولكن أثناء الهروب، قبض على ثلاثة منا فيما تمكنت الخمسة الباقيات من الهروب. وعندما قبض عليّ ع. ربطني إلى التخت وراح يجلدني. ولكنه لم يكثر الجلدات لأن نهار السبت يكون لدينا عمل كثير، لكنه وعدني أنه سيكمل ضربي نهار الإثنين ولكن تمت المداهمة نهار الأحد”.
رنا وإجهاض في الشهر الرابع
أما رنا وعمرها 24 سنة، فقد قاربت الموت على إثر عملية إجهاض في الشهر الرابع. وقد روت لنا كيف وصلت الى لبنان قائلة :”كنت قادمة من السعودية بعد مشاكل مع زوجي. وكان من المقرر أن آتي لشهر وأمكث عند عمي ثم أعود إلى زوجي. ولكنني لم أرتح في العيش مع عمي. تركته بعدما تعرفت إلى بنات وسكنت معهن في منزل مشترك في جونيه. تعرفت على ع. في الشارع. كنت أقف بالشارع، فتوقف وعرض أن يقلني، فقلت له “أنت لست تاكسي”، فقال لي: “معليش اطلعي”. ثم راح يسألني عن وضعي ولماذا أنا وحيدة وأعطاني رقم هاتفه، وقال لي إن كنت بحاجة إلى شيء، أن اتصل به وأخبره. بعدئذٍ، تعرّضت إلى مشكلة، ففكرت بأن اتصل بـ “ع” لأنه بدا رجلاً طيباً. وهكذا حصل. اتصلت به فجاء الي وقال أنه يريدني أن أعمل لديه. فسألته إن كان باستطاعته مساعدتي في العودة إلى السعودية. فأنا تركت أولادي ولدي مشكلة مع السفارة ويريدون مني ورقة أحتاج الى من يرسلها من السعودية وزوجي لن يقبل بذلك. فقال لي أن لديه شقيقاً في الرياض وسيساعدني شرط أن أعمل لديه. بعدما عرفت بطبيعة العمل، رفضت. وبعد الضرب والتعذيب، رضيت. وحملت بعدها من أحد الزبائن، ولكن كان عليّ طلب كبير، فتأخروا بإجراء العملية حتى صرت في الشهر الرابع. عندها أصبح من الصعب اجراء عملية الاجهاض، فأعطوني دواء حتى يقتل الجنين ويفتته في أحشائي قبل سحبه. وعندما قبض علينا في الأمن العام كنت قد اجريت العملية للتو. سألوني ما بك، فأجبرت أن أقول لهم أنني أعاني من الحرارة. ولكن أحدا لم يحاول استيضاح حقيقة ما يجري معي على الرغم من أنني كنت افقد وعيي أحيانا. في الأمن العام، لم يسألنا أحد عن شيء. كتبوا ما يشاؤون. وكانوا فقط عندما يسمعون همساً فيما بيننا، نتعرض للضرب بالعصا“.
قصة حب سيرينا المزيفة
وصلت سيرينا 27) سنة(إلى لبنان منذ ثلاثة أشهر. وقد روت لنا: “بعدما تعرفت على شاب يدعى ا. ش.على أساس قصة إعجاب وزواج، أخبرني أننا سنعيش في لبنان وسنعمل معاً. ومع الوقت، سأحضر بناتي من الشام ليسكنوا معنا. عندها، أعددت أوراقي وجئت معه. لم يذكر لي قصة الدعارة مطلقاً. في البداية، أحضرني إلى منزل غ. ض. (تم القبض عليه) على أساس أنه شقيقه. وكان سبق له أن تحدث معه مرات عديدة أمامي عبر الهاتف وجعلني أتحدث إلى زوجته “نور” (إحدى الحارسات) التي شجعتني بدورها على المجيء الى لبنان. عندما وصلت إلى لبنان، بقيت في منزل “الضفدع” ثلاثة أيام، ولكن كان هناك أمرٌ غريب يحصل. فثمة رجل غريب (ع.) كان يزورهم كل يوم عند الساعة السادسة أو السابعة صباحا، فكانوا يوقظونني لأراه بحجة أنه “عيب”، يجب أن أقوم لشرب القهوة (علمت لاحقا أنه كان يأتي لأخذ الغلة). في اليوم الثالث، قال لي (ا.ش) أنه متوجه إلى منزل عمته ليعطيها بعض الأغراض وطلب مني أن اذهب لرؤية العمل. ثم جاء ع. واصطحبني إلى “المشروع” chez Maurice عندما دخلت في البداية، لم أشعر بشيء غريب. فقد شاهدت مطبخا وشعرت براحة نفسية اذ خلت انني سآخذ الطلبات من النزلاء. بعدها طلب ع. من أحدهم إرشادي الى غرفة لأرتاح فيها. كانت الساعة حوالي الحادية عشر صباحا. وعند الساعة الثانية من بعد الظهر، أيقظوني وطلبوا مني ارتداء ملابس فاضحة. هنا استغربت ورفضت ارتداءها لكنهم أجبروني على ارتدائها والجلوس في الصالة الى جانب بقية البنات. لم أكن أعرف معنى كلمة “دعارة” وحاولت أن استفسر من فتاة عن طبيعة العمل. فأخبرت إحدى الحارسات (ع) “في وحدة عم طوّل لسانها”. عندها، تعرضت للضرب. كفوف وكرباج وقال لي أنني ساعمل لديه كعاهرة وأنني سأعمل لمدة شهرين وأن الشاب الذي أحضرني إلى لبنان قبض ثمني ورحل. علمت لاحقاً أن (ا.ش) قام باستدراج بنات آخريات غيري. حاولت أن أقنع (ع) أنه ليس بإمكاني أن اعمل كعاهرة. قبّلت حذاءه ورجوته أن يدعني أرحل، فتعرضت للضرب المبرح لعدة أيام حتى رضخت. بعد شهر ونصف من العمل، نقلني الى الـsilver . وكنت قد رضيت بالعمل ومع ذلك استمر في ضربي ذلك لانني لم أكن أرضي الزبائن. وكان الـ tipsهو معيار إرضاء الزبون. ففي كل مرة، لا أحصل فيها على tips، كنت أتعرض للضرب. بعد انقضاء الشهرين، لم أكن أجرؤ على قول لا. فغيري من البنات مضى على وجودهم سنتان إلى أربع سنوات“.
نغم وريجيم الخيار
وصلت نغم 30 سنة منذ أسبوعين الى لبنان وهي منذ ذلك الحين تعيش على خيارة واحدة في اليوم. فضرورات العمل فرضت عليها هذا النوع من “الريجيم” لأن جسمها غير مرغوب به من قبل الزبائن. وقد روت لنا: “تعرفت على شخص يدعى (أ. ش.) عن طريق صديقة لي في سوريا اتصلت بي في إحدى المرات وقالت أن لديها صديقاً يريد أن يفتح مطعماً في جونيه. وعرضت علي العمل لديه بمعاش 1000 د.أ، لأتمكن من جمع المال وتاليا للحاق مع أولادي بزوجي. والمفروض أن الفتاة تعرف (أ.ش) عن طريق قرابة عائلية. فقلت لها أنه لا يمكنني أن أؤكد أو أنفي قبل التعرف بالشخص. عندما إلتقيت به في سوريا، قال لي أن لديه مطعماً يدعى “جوني بار” قام بإفتتاحه منذ شهر وأن فنانين مشهورين أمثال علي الديك وحسين الديك يأتون إليه، فقلت له أنني أريد أن أجرب العمل أنا ورفيقاتي مدة أسبوعين من ثم أقرر. قال أنه سيدفع لي 350$ مقابل العمل لهذه المدة. جاء هو والبنات على نحو شرعي إلى لبنان، أما أنا فأدخلني على نحو غير شرعي لأنني سبق وخالفت شروط الإقامة في زيارة سابقة الى لبنان. ركبت “بجيب” وبعد نحو ست ساعات من الصعود والنزول والتوقف في محطات وتبديل السيارات، وصلت الى جيب فيه شخصان هما (غ. ض) و(ع) اللذين كان يفترض أن يقلّاني إلى المطعم. وحين وصلت إلى الفندق حيث كان هناك أعداد هائلة من البنات مع حقائبهن، استمع إلى قصتي. من بعدها، أطلعني على حقيقة العمل، فرفضت وقلت له أنه بإمكاني أن أتصل بأحد الأشخاص ليؤمن له المبلغ الذي دفعه تكلفة وصولي إلى لبنان. فقال “لا بدكن تشتغلوا”. وبعد الضرب والإكراه، أجبروني على العمل“.
قصة سمر الحارسة الضحية
مضى على وجود سمر (وهي إحدى الحارسات الجدد) في لبنان عشر سنوات وهي تمارس مهنة الدعارة، وعمرها لا يتجاوز الخمسة وعشرين عاماً. وقد روت لنا قصتها وقالت: “كنت في الخامسة عشرة من عمري عندما تطلقت. أهلي نبذوني واعتبروا أنني سأجلب العار لهم لأنني مطلقة. تركت المنزل وسكنت في فندق ولم أكن أملك المال، فتعرفت على فتاة تعمل بالدعارة وقالت أنها ستعرفني إلى أشخاص سيساعدونني على تأمين طعامي وعيشتي مقابل هذا الأمر. من ثم، انتقلت إلى لبنان حيث تعرفت على عماد. وخلال عشر سنوات، لم يتم توقيفي سوى مرة واحدة فقط، حيث بقيت موقوفة مدة أربع وعشرين ساعة ثم أطلقوا سراحنا. أنا حبلت ست مرات على حد علمي، وقمت بإجراء عمليتين خارج موضوع الحبل. ففي البداية، لم يكن “الواقي الذكري الزاميا” فبعض الزبائن لا يقبلون بوضع الواقي. إحدى المرات، أردت استعمال حبّة منع الحمل وأخذتها، فصرت أعاني من النزيف فأخبرت إحدى الفتيات “ع” أنني أنزف، فقال لها “تركيها ليصفي دمها حتى تتعلم تاخد حبة”. هم لا يقومون لنا بالتحاليل والفحوصات المرة الوحيدة التي أجروا لي فيها تحليل دم، كان عندما اضطررت لإجراء عملية من أجل حصر البول، واتضح انني اعاني من التهابات حادة في الدم. من بعدها، تقرر توقيفي عن العمل وجعلي حارسة على الفتيات. ولكنني حارسة درجة ثانية أبقى محبوسة معهن وأتعرض للجلد والضرب إذا لم أقم بواجبي بمراقبتهن.
ليالي والعذاب
من يستمع إلى قصة ليالي يدرك حقيقة معنى أن يتحول انسان إلى سلعة يتاجر بها. فقد وصلت ليالي (24 سنة) إلى لبنان منذ سبع سنوات بعدما باعها زوجها إلى رجل يدعى “الشيخ صدام” لقاء مبلغ 1500 دولاراً. “قال له أعطني المبلغ، ودعها لديك العمر كله”. استلمني “الشيخ صدام” وأخذني إلى منزله وعرفني إلى زوجته وأولاده، وبقيت لديه يومين. من بعدها، أخذني الى العمل. لم أتعرف فوراً الى (ع) بل أمضيت نحو ثلاث سنوات قبل أن أتعرف عليه. ولكن زوجة صدام، هي التي أوصلتني اليه. كان اتصال العمل يأتي الى هاتف “الشيخ صدام” من أحد الاوتيلات أكثر الاحيان أوتيل “الغروب” فأذهب وأقابل الزبون وأخرج برفقته الى حيث يشاء بعلم “الشيخ“.
بعد يومين، أوقفني عن العمل وأقنعني أن أبقى لديه وأنه لا يريد مني شيئا وأنني سأكون معززة مكرمة وأن جلّ ما سأفعله أن آكل وأنام. وأقنعني أن أتصل بأهلي وأخبرهم أني في لبنان وأنني لن أعود مجدداً الى سوريا، فإتصلت بإختي وأخبرتها بذلك وأغلقت الهاتف وكسرت بطاقة الخط ونسيت أهلي ولم يبق برأسي إلا “صدام“.
بعد أسبوعين من حديثي مع اهلي، قال لي أنه سيضعني عند أحدهم “كضمان” لمدة شهر. فأخذني الى رجل لبناني يدعى (ر. ش) عملت تحت اشرافه لان صدام لا يملك المال. بعدما انهيت الشهر طبعا دون أن أقبض ولا فلس. اتصلت به وقلت له ان يأتي ليأخذني. وبعد يومين من الراحة، عاد وقال لي جاءك ضمان جديد من شخص يدعى (م. ح) لقاء مبلغ 1500 دولاراً أخذه صدام. خلال مكوثي عند هذا الأخير، جاءتني “كبسة” نقلت على إثرها إلى سجن “حبيش”. هناك اتصلت بصدام فقال لي “ما تخافي مثل الشعر من العجين بطلعك”، وخرجت بعد ثلاثة أيام. بعدما ارتحت ليومين، قال لي أنه وجد شخصاً آخر لأعمل لديه. فقلت له أنني لا أريد وأنه يؤجرني. عندها ضربني بالجنزير الحديدي وحبسني في غرفة يومين دون طعام عقاباً لي. بعد يومين، جاء وقال لي أنه سيشغلني لديه نحو ثلاثة أسابيع، فألقي القبض علينا مع خمس فتيات أخريات وسائقين. وتحولنا الى سجن حبيش. عندها علمت أن اسمه الحقيقي هو (م. ع). من ثم نقلنا الى سجن القبة. أوقف هو لمدة ستة أشهر ونحن ثلاثة أشهر ولكنه خرج خلال شهرين ومن سهل خروجنا محام يدعى “جورج”. عدت إلى “صدام” بعد خروجي الى السجن، فوضعني عند شخص سوري يدعى (م م)، ولكن في هذه الفترة تعرفت على رجل وعدني ان يساعدني لأهرب معه الى سوريا. واذ عرف صدام بالأمر، أخذني ووضعني عند (ع) الذي أوصاه صدام بجلدي صباحاً ومساءً. “شفت الويل” حتى صرت أدعو صباحا ومساء أن تتم مداهمتنا وعندما جاءت المداهمة في المرة الاولى “فرحتي ما عطيتها لحدا“.
عندما سألوني في الأمن العام إن كانت المرة الأولى لتوقيفي قلت، لا. ولكن كنت انتظرها من الله كي لا أعود الى حيث كنت في ضهر البيدر اقصد المشروع“chez Maurice” وسألوني عن أسماء فاعترفت على الجميع الا صدام الذي عاد ووكل لي المحامي “ج”. خرج (ع) في اليوم نفسه هو وباقي الفتيات أما انا فبقيت 20 يوما. عندما خرجت من السجن، طلبت من الحارس أن يوقف لي تاكسي، فسألني مما أخاف. قلت له من أن يكون (ع) متربصا بي. ركبت التاكسي وتوجهت الى اوتيل “الغروب” في جبيل فهو المكان الوحيد الذي أعرفه واتصلت بصدام لأعلمه انني خرجت. وطلب أن انتظره بعض الوقت لأنه كان في منطقة حريصا بعدما علم ان بعض البنات تعرضوا لكبسة فأخفوهن هناك.
ثم عاد وأخذني الى منزله في اليوم التالي. أيقظني وقال لي احذري من اتصل بي (ع). لقد بقي أمام الامن العام طوال 24 ساعة بانتظار خروجك. قلت له ألا يأخذني إليه مجدداً، فحلف بأولاده أنه لن يفعل ذلك. خرجنا على أساس أنه يريد أن يشتري لي ملابس واذ به يأخذني الى (ع) عرفت ذلك من الطريق التي حفظتها. صرت أصرخ في السيارة أنزلني فشدني من شعري. وفي النهاية وجدتني أمام المشروع. جاء (ع) وطلب من اثنين حملي من اذني وانزالي الى السرداب حيث تعرضت للضرب المبرح ورضخت”.
لابد من الاشارة الى النقلة النوعية في تعاطي “مفرزة استقصاء جبل لبنان” مع هذه القضية واعتبار الفتيات ضحية اتجار بالبشر والبحث عن السبل لتأمين حمايتهم، لا ان يتم تحويلهم الى السجن بتهمة “الدعارة“.
من ناحية أخرى قد فتحت هذه القضية أبواب الأسئلة على الأمن العام، والجهات المعنية فيها ملزمة اليوم أمام الرأي العام بتوضيح وتفسير كيف يتم اخلاء سبيل شبكة تم توقيفها بتهمة الآداب خلال 24 ساعة وعلى أي أساس.
وبعد، لن تنتهي قضية هؤلاء الفتيات قبل توضيح جميع الملابسات، من فتيات قتلن الى أخريات بترت أعضاؤهن الى القبض على المجرمين ووضعهن خلف القضبان وانزال القصاص العادل بهم. على أن هذه الشبكة التي تم كشفها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، بل هناك العشرات منها والتي تحتاج الى تضافر الجهود من الجهات المعنية للكشف عنها وتحرير الفتيات من نير الإتجار.
للاطلاع على المقال بالنسخة الانجليزية، انقر/ي هنا