نموذج نقابة المحامين يمتدّ إلى نقابة النفسانيين؟ قمع الحريات تحت مسمى “الإذن المسبق”


2023-06-05    |   

نموذج نقابة المحامين يمتدّ إلى نقابة النفسانيين؟ قمع الحريات تحت مسمى “الإذن المسبق”

دعا مجلس نقابة النفسانيين في لبنان الهيئة العامة للنقابة يوم غدّ، وذلك لمناقشة مشروع النظام الداخلي الذي أعدّه مجلس النقابة. وتبيّن عند الاطلاع على التعديلات المطروحة، أنّ نقابة النفسانيين (وهي نقابة حديثة العهد تم إنشاؤها حديثا في 13/1/2022) اعتمدت عبارات مطابقة لتلك المعتمدة من قبل نقابة المحامين في سياق تعديلها لبعض الأحكام المتّصلة بالظهور الإعلامي لأعضاء النقابة. فقد ورد في الملحق 8 المرفق بالنظام المطروح تحت عنوان “إرشادات حول الظهور الإعلامي” أنه يتعين على النفساني الراغب في الظهور في الإعلام واستخدام لقب “نفساني” أو “معالج نفساني” الاستحصال على إذن خطيّ مسبق من لجنة الإعلام والعلاقات العامّة. وقد وردت هذه القاعدة في إطار ما اعتبره المجلس تحديدا لدقائق تطبيق المادة 52 من النظام الداخلي والتي جاء فيها: “على النفساني الراغب بنشر مقالات متخصّصة في الجرائد والمجلّات غير العلميّة أو المشاركة علناً في برامج إعلاميّة أن يُعلم لجنة الإعلام والعلاقات العامة خطيّاً بذلك”. ويتبيّن من الملحق أنه لا يقتصر على وضع آلية لتطبيق موجب إعلام اللجنة إنما ذهب أبعد من ذلك في اتجاه فرض الإذن المسبق بديلا عن موجب الإعلام. كما يمنع البند الرابع من الملحق نفسه ظهور النفساني في وسائل الإعلام مجتمعةً أكثر من مرتين في الشهر الواحد.

وكانت هذه العبارات أثارت جدلاً واسعاً في الآونة الأخيرة لجهة اشتراط الحصول على أذون المسبقة في ما يخصّ الظهور الإعلامي، على خلفية مخالفة هذا الشرط لمبادئ حرية التعبير ولا سيما المادة 13 من الدستور والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

كما نصت المادة 49 من النظام الداخلي المقترح إقراره “أن إقدام أيّ نفساني على الإساءة بالأفعال أو الأقوال إلى النقابة أو إلى مجلسها أو إلى نقيبها بأي شكلٍ من الأشكال يعرّضه للمساءلة والعقوبات التأديبيّة”.

هذا المشروع يستدعي الملاحظات الآتية:

1- إنه يؤكد مخاوف من تحوّل قمع الحريات من نقابة المحامين إلى نموذج يحتذى من قبل سائر النقابات المهنية

إن هذا المقترح يثير مخاوف تمّ التعبير عنها سابقا لجهة أن يتحوّل تعديل آداب مهنة المحاماة لجهة اشتراط الحصول على إذن مسبق إلى نموذج يحتذى من سائر النقابات المهنية. وقد تفاقمت هذه المخاوف بعدما انتهت الهيئة المختلطة لدى محكمة استئناف بيروت إلى ردّ الطعون المقدمة عليها.

ومن المفيد هنا أن نذكر بأن اعتماد هذه الأحكام يناقض المادة 13 من الدستور والتي يستشف منها أن حرية التعبير هي في حماية القانون وأنه لا يجوز تالياً حظر أو تقييد ممارستها إلا بموجب قانون. وقد أكدّ اجتهاد المجلس الدستوري اللبناني مراراً على عدم جواز تفويض المشرّع لإحدى صلاحياته المحجوزة له صراحة في الدستور.

وهذا ما نستشفه من القرار رقم 6 الصادر في طعن التمديد لولاية المجالس البلدية حيث جاء حرفيا: “وحيث إذا كان يعود للمجلس النيابي تكليف السلطات الإدارية بمواضيع تنظيميّة أو بتنفيذ القوانين بتفصيل ما ورد فيها، إلّا أن الأمر يختلف في المواضيع المحجوزة بموجب الدستور للقانون والتي لا يجوز التفويض بشأنها نظرا لأهميتها و حرص المشترع الدستوري على الضمانات التي يوفرها القانون”.

كما تناقض العبارة المذكورة المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، لجهة المسّ بجوهر الحرية تحت غطاء تنظيمها ومخالفة مبدأ الضرورة والتناسب.

الأمر نفسه نسجله بشأن منع الإساءة، طالما أن بعض الانتقادات قد تكون قاسية وضرورية وبخاصة في حال انتهاك النقيب أو أي من أعضاء المجلس قيما ومبادئ أساسية أو الانخراط في جرائم فساد.

2- إيجابية التشاور المسبق

بالمقابل، يسجل لمجلس نقابة النفسانيين إيجابية أنه دعا أعضاء النقابة إلى مناقشة مقترحه، وذلك بخلاف ما كان ذهب إليه مجلس نقابة المحامين الذي اتخذ قرار التعديلات في 3/3/2023 بشكل فجائيّ ومن دون أيّ نقاش أو تشاور مسبق مع المحامين كأفراد أو من خلال جمعيّتهم العمومية، وأنه أخذ منحى زجريًّا قوامه المنع والرقابة المسبقة من دون أن يترافق مع أي تبرير أو أسباب موجبة. أمّا نقابة النفسانيين فتبادر على الأقل بعرض تعديلاتها للنقاش على هيئتها العامّة. كما تمايز اقتراحه بأنّه يولي صلاحية الإذن المسبق للجنة وليس لشخص النقيب، بما قد يحدّ من احتمالات السلطوية من دون أن يلغيها.

يؤمل تاليا أن تنجح الهيئة العامة للنفسانيين في تصويب النظام المقترح بهدف جعله متوافقا مع الدستور اللبناني، داعين إياها إلى اعتماد أوسع تشاركية ممكنة لترسيخ آداب مهنة النفسانيين والاسترشاد بها بمنأى عن استخدام أدوات الهرمية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، نقابات ، حرية التعبير ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني