مندوبو الانتخابات: فرصة لشراء الذّمم وبيروت الأولى تتصدّر


2022-05-13    |   

مندوبو الانتخابات: فرصة لشراء الذّمم وبيروت الأولى تتصدّر
مقترعات يبحثن عن أسمائهن على لوائح الشطب

مع ترسّخ ثقافة الزبائنية وانتشار سلوكيات الرشى الانتخابية على نطاق واسع في المجتمع اللّبناني في استحقاق انتخابات 2022، تتكرّر عملية شراء الأصوات الانتخابية عند اقتراب كلّ استحقاق انتخابي. ومع اقتراب الاستحقاق الحالي، لم يعد الشراء يتمّ فقط بدفع مبالغ مالية مباشرة، بل بطريقة جديدة أكثر فعالية وأقلّ قابلية  للانتقادات والمخاطر، ألا وهي توظيف مندوبين بأعداد كبيرة تتجاوز حاجات الانتخابات ولقاء مبالغ تتجاوز بكثير ما يمكن اعتباره أجراً عادلاً. ففي هذه الحالة، نكون أمام رشى مقنعة.  

في الرشوة المباشرة، يتلقّى المقترع المبلغ المعلوم سواء قبل التصويت للائحة المتّفق على شراء الأصوات لمرشحيها أو في غالب الأحيان من بعدها، مع اختيار الصوت التفضيلي لمقدّم الرشوة الانتخابية. وكانت بعض اللوائح في دورات سابقة تقوم بحجز بطاقات الهوية للناخبين وإعادتها إليهم بعد التصويت، وهو ما يعمد البعض إليه اليوم أيضاً. إلّا أنّ طريقة الاقتراع، وفق القانون الذي أقرّ في العام 2017 واعتمد في انتخابات العام 2018 والانتخابات الحالية، التي تمنع تقنياً احتجاز الهويات من قبل المرشحين، وكشف كاميرات الهواتف عمليات تقديم مال انتخابي وسهولة توثيق إعطاء الرشى، دفعا بعض الجهات إلى الابتعاد عنه أو التخفيف منه نظراً لكونه مكشوفاً وغير فعّال. وتالياً، بدأت القوى السياسية التقليدية وبعض المرشحين المتموّلين توظيف “مندوين” للمرشحين واللّوائح ليوم الانتخابات لكنّ أجورهم باتت سارية المفعول منذ بداية شهر آذار بحسب ما رصد فريق “المفكرة القانونية”، في أكثر من دائرة انتخابية.

تعريف المندوب في السياق اللبناني

المندوب أو المندوبة هو شخص يتمّ انتدابه من قبل مرشح أو لائحة من الدائرة الانتخابية لدخول قلم الاقتراع طيلة اليوم الانتخابي، و مندوب آخر لحضور عملية فرز الأصوات ومراقبتها، انطلاقاً من مبدأ الشفافية ونزاهة الانتخابات، وللدفاع عن حقوق المرشح أو اللّائحة أو الحزب، والاحتجاج في حال توثيق أي مخالفة قد تؤثّر على المرشح أو اللائحة في المراحل كافة، أي من بداية اليوم الانتخابي وفتح صناديق الاقتراع وصولاً إلى فرز الأصوات.

هذا التعريف المعتمد بصيغ مشابهة ضمن قوانين عدّة حول العالم، لا يوصّف حقيقة الواقع الانتخابي اللبناني. فـ “المندوب” أو “المندوبة” في السياق اللّبناني أصبحا بالنسبة إلى عدد كبير من المرشحين واللوائح الوسيلة “القانونية” الأسهل لشراء الذمم. فماذا يعني أن يقوم مرشّح أو حزب بتوظيف “مندوبين” بمبالغ تصل أحياناً إلى أكثر من 300 دولار شهرياً لثلاثة أشهر قبل الانتخابات، بالإضافة إلى 500 دولار يتقاضاها يوم الاقتراع؟

إنّها إذاً عملية “مقوننة” لشراء أصوات المندوب وأصوات أفراد عائلته كافة، حتى من دون أن يقوم طوال الفترة التي يتلقّى فيها “أجره” أي خلال الأشهر السابقة للانتخابات بأي وظيفة ترتبط بكونه “مندوباً” بل تقتصر مهمته على يوم الانتخاب حصراً والفرز ليلاً.

وتشهد بعض الدوائر تسابقاً للمرشحين، وبخاصّة المتمولّين منهم، لحجز الأعداد الأكبر من المندوبين والمندوبات، الذين سيكونون متواجدين يوم الاقتراع داخل الأقلام وخلال عملية الفرز كمراقبين ثابتين، وآخرين سيتواجدون داخل مراكز الاقتراع وفي محيطها كمراقبين جوّالين.

يشار إلى أنّ الدفع للمندوبين قانوني طالما تمّ التصريح عن الأموال المدفوعة ضمن البيان المالي المفترض تقديمه لهيئة الإشراف على الانتخابات، وطالما لم يتخطّ المرشح أو اللائحة السقف المالي للحملة الانتخابية المحدد بموجب القانون.

أجور المندوبين بالدولار الفريش وبيروت تتصدّر

 رصد فريق “المفكرة” المبالغ التي تُدفع للمندوبين، حيث تبيّن أنّ التسعير في معظم الأحيان يكون بـ “الدولار الفريش”. وتبيّن أنّ التسعيرة الأعلى هي في العاصمة بيروت حيث تصدّرت الدائرة الأولى مع مبلغ 500 دولار أميركي يُدفع للمندوب يوم الانتخابات بالإضافة إلى أجور شهرية يسري مفعولها من بداية شهر آذار حتى نهاية شهر أيار، وتصل قيمتها إلى 300 دولار أميركي شهرياً.

جنوباً، يدفع “حزب اللّه” مبلغ 300 دولار تحت عنوان مندوب وتحديداً في منطقتي النبطية وبنت جبيل على الرغم من أنها تشكّل مكان ثقله الأكبر. أمّا حركة أمل فما زالت تطلب من الراغبين في أن يكونوا مندوبين تقديم عدد من الأوراق من دون الكشف عن المبلغ الذي سيُدفع.

في بيروت، يدفع المرشح نبيل بدر في الدائرة الثانية مبلغاً شهرياً يبدأ من مليوني ليرة (لم نتمكّن من رصد المبلغ الأقصى) لحوالي 7000 شخص بين موظفين في شركاته وموظفي نادي الأنصار ومنتسبين لرابطة النادي وغيرهم، وذلك منذ بداية شهر آذار وحتى نهاية شهر أيار.

الرصد يُظهر أيضاً أنّ القوات اللّبنانية ستدفع لكلّ مندوب مبلغاً يتراوح بين 100 دولار فريش و4 ملايين ليرة لبنانية. أمّا الكتائب فتقدم 5 ملايين ليرة في حين سيسدد المرشح نعمة إفرام 150 دولاراً لمندوبيه.

وتجدر الإشارة إلى أنّ كلّاً من المرشح إميل نوفل ومنصور البون يدفعان 4 ملايين ليرة لبنانية لكلّ مندوب شهرياً. أمّا بالنسبة للمرشح فريد الخازن فالمبلغ المحدد هو 120 دولاراً.

في المتن،  وعد المرشح ميشال المر بدفع 150 دولاراً يوم الانتخابات، وقبلها حوالي 4 ملايين ليرة شهرياً لكلّ موظف أو مندوب.

وعُرف أنّ مندوبي المرشح جان طالوزيان، سيتلقون 500 دولار يوم الانتخابات مقابل عملهم، بالإضافة لدفع أجور شهرية خلال أشهر آذار، نيسان وأيار.

كما بدأ المرشح  جهاد بقردوني بدفع أجر شهري بقيمة 800 ألف ليرة لكلّ مندوب، و200 دولار يوم الانتخابات.

على صعيد لوائح المعارضة، صرّحت المرشحة بوليت يعقوبيان في مقابلة تلفزيونية أنها ستدفع 200 دولار للمندوب يوم الاقتراع، معتبرة المبلغ معقولاً بالنسبة لأجورهم المحدّدة في الدائرة والتي تصل إلى 500 دولار.

وقد اتضح أيضاً أنّ اللوائح المعارضة تعاني من صعوبة تأمين مندوبين قادرين على التواجد في كلّ أقلام الاقتراع بسبب الصعوبات الماديّة الكبيرة والخوف المرتبط بما حصل في الجنوب وتحديداً مع اللّائحة المعارضة للثنائي الشيعي في دائرة الجنوب الثانية.

لائحة “معاً نحو التغيير” تطلب من المندوبين التطوّع لتأدية هذه الخدمة من دون أن تملك القدرة على فتح مكاتب انتخابية لها في المناطق كافة. حيث اكتفت جنوباً بعشرة مكاتب فقط. مع أنها بدأت أخيراً بدفع مبلغ يقتصر على 50 دولاراً بالإضافة إلى ثلاث وجبات للمندوب وبطاقة تشريج مع احتمال تغطية بدل النقل أيضاً، على أن يؤمّن هذا المال من منصّة “نحو الوطن”، لكنّ القدرات تبقى محدودة.

وأكدت الماكينة الإنتخابية لمواطنون ومواطنات في دولة أنها تمكنت حتى اليوم من تسجيل نحو 500 مندوب ومندوبة من المتطوعين والمتطوعات، وأن “ممفد” التي رشحت لوائح مستقلة أو متحالفة مع بعض قوى التغيير في كل لبنان، ستتكفل فقط بتأمين وجبات الطعام والنقل للمندوبين.

ضغط على الناخبين

الصيغة الحالية لقانون الانتخابات تسمح بحسب المادة 90 منه بتواجد مندوب ثابت لكلّ مرشح داخل كلّ قلم اقتراع. بالإضافة إلى مندوبين متجوّلين لكلّ لائحة وذلك بمعدل مندوب واحد لكل قلمَي اقتراع في القرى ومندوب واحد لكلّ ثلاثة أقلام اقتراع في المدن. وعدم اعتماد صيغة مندوب ثابت للائحة بدل المرشح، على غرار الممارسة الفضلى المتبعة في دول عدة حول العالم، متعمّدة بحسب ما يقول الخبير الانتخابي عمّار عبود في مقابلة مع “المفكرة”، بحيث يسمح بتعيين عدد كبير من المندوبين من قبل كل لائحة.

العدد الكبير من المندوبين يشرّع  الباب أمام إمكانية شراء عدد كبير من الأصوات، ومن جهة أخرى يستخدم هؤلاء المندوبون في اليوم نفسه كأدوات ضغط على جمهور الناخبين.

ويشرح عبود كيف يتواجد هؤلاء المندوبون داخل قلم الاقتراع وفي محيطه بطريقة منظمة، بخاصة في المناطق التي تسيطر عليها أطراف محدّدة، ما يشكّل ضغطاً معنوياً على الناخبين قد يؤثر على حرية خيارهم أو يدفعهم لعدم الحضور إلى مركز الاقتراع تجنّباً لأي إشكال أو تصادم أو خوفاً من تعرّضهم لأيّ مكروه.

تشرح مروى (اسم مستعار) وهي من مدينة النبطية، خوفها وأخواتها من الحضور إلى مركز الاقتراع للتصويت للائحة المعارضة في دائرة الجنوب الثالثة، وذلك لمعرفة المكينة الانتخابية للثنائي الشيعي سلفاً بموقفها السياسي، وبالتالي الجهة التي ستعطيها صوتها. هذا الخوف ينسحب أيضاً على سينتيا، الناشطة في حزب سياسي معارض في منطقة البترون. وهي تخشى من هذا الضغط الذي سبق أن تعرضّت له من قبل مندوبي “التيار الوطني الحرّ” في انتخابات العام 2018. تقول سينتا: “في الانتخابات الماضية تعرّضت لضغوطات من المندوبين المتواجدين في الخارج على الرغم من أنّهم يعرفون أنني سأدلي بورقة بيضاء، فكيف سيكون الحال اليوم وهم على دراية بأنني سأدلي بصوتي للائحة معارضة للأحزاب في هذه الدورة”؟

وفي هذا السياق، تصنّف الجمعية اللّبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات “لادي”، هذه الممارسات في خانة الدعاية الانتخابية والضغط على الناخبين، وبالتالي تشكّل خرقاً للصمت الانتخابي، بحسب ما يقول مديرها التنفيذي علي سليم، لافتاً إلى أنّ من المندوبين خارج القلم، والماكينات الانتخابية للأحزاب، يقومون بمرافقة الناخبين إلى داخل المركز، وأحياناً إلى داخل الأقلام وحتى إلى داخل العازل، في مخالفة لسرّية الاقتراع وضغط مباشر للتأثير على خيارات المقترع. بالإضافة إلى خلق الأجواء اللّازمة التي تؤثر على الناخب كالأناشيد الحزبية والهتافات والملصقات والأعلام وتوزيع الطعام وغيرها.

والملفت أنّ وزارة الداخلية في العام 2018 قد أصدرت تعميماً تطلب فيه من الماكينات الانتخابية الابتعاد مسافة 50 متراً عن مركز الاقتراع بحجّة عدم الضغط على الناخبين. إلّا أنّ هذا التعميم برأي سليم ليس سوى تشريع لوجود الماكينات الانتخابية والمندوبين في محيط قلم الاقتراع وتشجيع على الدعاية الانتخابية وخرق الصمت الانتخابي.

 ويحذّر سليم من معاودة إصدار مرسوم مماثل لما صدر سابقاً. كما يشدد على أهمية تطبيق القانون والقرارات، لا سيما من قبل القوى الأمنية المتواجدة عند مداخل المراكز وفي محيطها، لافتاً إلى أنّ تواجد المندوبين خارج مركز الاقتراع  يسبّب افتعال الإشكالات داخل أو خارج المركز بهدف تعطيل عملية الاقتراع وتخويف الناخبين حتى لا يدلوا بأصواتهم في حال وجدت إحدى الماكينات الانتخابية أنّ توجهات التصويت ليست في صالحها. وهنا يذكّر سليم بحادثة مماثلة نجحت “لادي” برصدها في أحد مراكز الاقتراع في الشويفات في العام 2018. لذلك تطالب “الجمعية” وزارة الداخلية بالقيام بمهامها لناحية إزالة الخيم وكلّ مظاهر الدعاية الانتخابية من أمام مراكز الاقتراع.

“تشريع” الرشى الانتخابية

تقاعس وزارة الداخلية عن اتخاذ أي إجراءات للحد من الضغط على الناخبين، كما إغفال المشرّعين لأي إجراءات من هذا النوع في قوانين الانتخاب، واعتماد مبدأ وجود مندوب للمرشح عوضاً عن مندوب للائحة، وغيرها من الإجراءات التي تسهّل عملية الدعاية الانتخابية والضغط على الناخبين وشراء أصواتهم، هي “أمور متعمّدة تخدم المنظومة الحالية حالها حال إجراءات وإصلاحات أخرى مطلوبة يتقصّد المجلس النيابي والحكومة عدم اتّباعها”، بحسب الخبير الانتخابي عمّار عبود.

أحد الإصلاحات الأساسية التي تتطلّبها عملية الانتخابات هي إجراؤها في باحات مكشوفة عوضاً عن المكاتب المغلقة مع وجود عوازل تضمن سرّية الاقتراع. وهذا الإجراء، وفقاً لعبود، يعود لوزارة الداخلية اتباعه للحد من مبرّر وجود هذا الكم الكبير من المندوبين.

انشر المقال

متوفر من خلال:

البرلمان ، أحزاب سياسية ، حرية التعبير ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني