معوّقو تفجير آب 2020 يطالبون بالعدالة: عام على تجاهل الدولة مأساتهم


2021-08-04    |   

معوّقو تفجير آب 2020 يطالبون بالعدالة: عام على تجاهل الدولة مأساتهم
المعوّقون الجدد والقدامى أمام قصر العدل

3 آب 2020:

كان أيوب يونس شاباً يعيش حياة طبيعية. ينهض صباحاً ليخرج إلى حياته كما بقيّة اللبنانيين، على صعوباتها.

3 آب 2021:

يشارك أيوب للمرّة الأولى في تحرّكات الأشخاص الذين أصابهم تفجير مرفأ بيروت بإعاقات دائمة، فقد بترت رجله اليسرى وأُصيبت رجله اليمنى بالشلل، فيما نالت عيناه نصيبها من الضرر، وها هو يقاسي “أقبح عام مرّ علييّ”، كما يقول لـ”المفكرة القانونية”. لا يستطيع يونس وصف المشاعر التي تتملّكه وهو يجلس بين “أهله وناسه”، كما يصفهم، وهو يشير إلى الأشخاص المعوّقين الذين تجمّعوا أمام قصر العدل يوم الثلاثاء 3 آب 2021، من حوله بعينين دامعتين. يقول أيوب: “ليكي ما أحلانا جينا من كل الطوائف ووجعنا عم يجمعنا. نسيت وجعي عندما شاهدت أنّ أوجاع غيري تفوقه”. علماً أنّ وجع أيوب لا يُختصر بكلام أو وصف.

منذ تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020 إلى اليوم، مرّت “أسوأ وأطول سنة” في حياة معوّقي التفجير، ولم تنته مأساتهم بعد. لا يزالون يعانون الآلام الجسدية والنفسية والصعوبات الحياتية في الحركة، واضطرارهم لملازمة الفراش والكرسي المتحرّك، إلى صعوبة في إيجاد عمل لإعالة عائلاتهم، وصعوبة في الحد من جراحهم النازفة لعجزهم عن تأمين كلفة علاجهم. وبدلاً من أن تتحمّل الجهات الرسمية، المسؤولة أساساً عن معاناتهم، مسؤوليتها تجاه جراحهم، وتحضنهم، تخلّت عنهم وحرمتهم من أدنى حقوقهم. “أسوأ من هيك ما في”، تختصر رئيسة “الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً” سيلفانا لقيس تعاطي الجهات الرسمية مع معوّقي التفجير عن طريق عدم تأمين حقهم في الطبابة المجانية الشاملة، وفي الحصول على تعويضات وعلى رواتب شهرية لمن لم يعد بإمكانه متابعة عمله، والحق في معرفة المسؤولين عن التفجير ومحاسبتهم. كما استكثرت عليهم مساواتهم بمعوّقي الجيش عندما أصدرت القانون 196 بتاريخ 3 كانون الأول من العام الماضي الذي ساوى ضحايا التفجير بشهداء الجيش اللبناني، واستثنى الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة الذين تسبّب التفجير بإعاقتهم.

هكذا أجبرت “الدولة” من استجدّت لديهم إعاقات إثر التفجير على إحياء ذكرى التفجير في الشارع، بعضهم على كرسيّهم المتحرّك وبعضهم الآخر متّكئين على عكازهم. فنفّذوا مع المعوّقين القدامى وقفة أمام قصر العدل في بيروت، بدعوة من الاتحاد، للمطالبة بحقوقهم المبتورة، وبرفع الحصانات عن النوّاب تمهيداً لمعرفة المسؤولين عن جراحهم ومحاسبتهم. ودعوا إلى المشاركة الواسعة في مسيرات ووقفات اليوم، الرابع من آب، الذي “لن يكون مجرّد ذكرى”، كما قالوا.

“4 آب ليس مجرد ذكرى”

تجمّع المعوّقون القدامى، بعضهم من معوّقي حرب 1975-1990، الذين أمضوا حياتهم أسرى التهميش والإقصاء وانتهاك حقوقهم الإنسانية على أيدي السلطات المتعاقبة إلى جانب الضحايا الجدد الذين استجدّت لديهم إعاقات جرّاء التفجير، حاملين لافتات تدعو إلى العدالة، كتب على بعض منها: “العدالة للجميع والمحاسبة للمرتكبين”، و”تسقط الحصانات نعم للمحاسبة”، وأخرى تدعو لإنصاف المعوّقين، كتب على بعض منها: “لا عدالة بدون حقوق جرحى ومعوقي تفجير المرفأ”، و”لا خروج من الكارثة بدون حماية اجتماعية تشمل جرحى تفجير المرفأ”، و”أي خطة نهوض يجب أن تشمل حقوقنا”.

وأعلنوا، على لسان مخايل يونان، أحد جرحى التفجير الذي مني بإعاقة دائمة، أنّ “4 آب لن يكون مجرّد ذكرى ولن نهدأ قبل تحقيق العدالة ومحاسبة كلّ مرتكب”. لذا جاؤوا إلى قصر العدل ليعلنوا “صرخة غضب”، مشدّدين على تضامنهم مع المحقّق العدلي في قضية التفجير القاضي طارق بيطار “حتى تأخذ العدالة مجراها ويحاسب المجرمون”. وطالبوا بجملة حقوق بديهية: “توفير التغطية الشاملة لعلاج الجرحى المعوّقين، إعادة منازلهم كما كانت قبل الانفجار، منحهم تعويضاً يمكّنهم من العودة إلى حياتهم كما قبل الانفجار، وتخصيص نسبة من عائدات مرفأ بيروت لصندوق يتمّ إنشاؤه لدعم أهالي الضحايا والمعوّقين”. إلى ذلك، حذروا من “المماطلة والتسويف في كشف الحقيقة”، ومن “إعادة بناء ما تهدم من دون الأخذ بعين الاعتبار المواصفات والمقاييس الدولية للحق في وصول الجميع من دون عوائق”، وهذا برأيهم، “أقلّ ما يمكن فعله للتعويض عن الأذيّة التي لحقت بهم”.

وكان لـ”مبادرة درابزين 17 تشرين” كلمة على لسان العضو في الهيئة التنفيذية في مجموعة “لبنان ينتفض” طارق عيتاني الذي رأى أنّ: “4 آب لا يمكن اختصاره بيوم أو بذكرى عابرة أو بعطلة رسمية، لكنه يوم حداد وطني طالما أن الحقيقة غائبة. 4 آب صرخة وجع وذكرى شاهدة على إجرام السلطة الحاكمة التي أمعنت في قتلنا على مدى ثلاثين عاماً، وهو لعنة ستلاحقهم وتكشف حقيقتهم”. ودعا عيتاني إلى المشاركة جنباً إلى حنباً مع أهالي الضحايا في تحرّك الرابع من آب “لنعاهدهم أنّنا مستمرّون بالمضي معهم في مواجهة منظومة الإهمال ومنظومة النيترات المسؤولة مباشرة عن تمييع التحقيق بجريمة العصر إلى حين تحقيق العدالة والاقتصاص من المجرمين مهما علت مناصبهم”. وكرّرت سلفانا اللقيس الدعوة إلى “المشاركة الواسعة في مسيرات وتحركات الرابع من آب، والتي سيكون للاتحاد ومعوّقي التفجير وقفة تضامنية وكلمة فيها عند تمثال المغترب قرب مرفأ بيروت حيث سيلتقون بباقي المجموعات للمضي في المسيرات”.

سيلفانا اللقيس عن “الدولة”: “أسوأ من هك ما في”

تختصر سيلفانا اللقيس في حديثها مع “المفكرة” تعاطي الجهات الرسمية مع معوّقي التفجير بعد عام على الفاجعة بهذه العبارة: ” أسوأ من هيك ما في”، مشيرة إلى “استمرارهم في التكاذب وتسخيف ما حدث والتقاعص عن منح معوّقي التفجير أدنى حقوقهم”. والدليل على ذلك أنّ سيلفانا كانت قد كشفت عن وجود ما يزيد عن عشرين جريحاً عاجزين عن إجراء عملية جراحية على نفقتهم الخاصّة ولا يزالون ينتظرون عطف “الدولة”. تقول بأسف: “عشرة منهم وصلوا إلى نصف الطريق في العلاج ويحتاجون إلى الكثير بعد، وذلك بفضل دعم المجتمع الدولي والمنظمات غير حكومية وليس بدعم الدولة، فيما العشرة الآخرون ينتظرون لغاية اليوم مصيرهم”. وتؤكّد: “لن نيأس” و”مصرّون على انتزاع العدالة من خلال تحرّكاتنا”، مشيرة إلى أن ّ”50 إلى 75 معوقاً جراء التفجير يحاولون المشاركة في التحرّكات التي ينظّمها الاتحاد لانتزاع الحقوق، ولكن في الحقيقة هناك كثر منهم يجدون أنفسهم عاجزين عن الوصول بسبب إعاقاتهم”، مضيفة: “نحن على تواصل مع 150 شخصاً من بين الـ800 معوّق الذين استجدّت لديهم إعاقات دائمة جرّاء التفجير”.

عام على المأساة ويتبع…

عام من الوجع وملازمة الفراش والكرسي المتحرّك أمضاها عباس مظلوم الذي أصيب بشلل سفلي جرّاء التفجير. لم يعد أي شيء في الحياة يعنيه. ينظر إلى رجليه التين أجبرتا على التقاعد عن الخدمة ويكرر أمنية واحدة يعرف أنّها لن تتحقق: “يا ريت ما مرق 4 آب من العام 2020 وبعدني قادر أمشي”. إلى جانب الإعاقة، يعاني عباس آلام جسدية “عظيمة” في رجليه ويديه ورأسه لا يخفّفها غير المسكّنات التي يتناولها بشكل دائم. منذ بداية جائحة كورونا انتقل أولاد عباس الخمسة إلى القرية خوفاً من شبح الوباء فيما بقي هو في بيروت ليتابع علاجه الفيزيائي. ومع أزمة المحروقات صار التوجّه إلى القرية يكلّفه 500 ألف ليرة، لذا يحتفظ بشوقه إلى أولاده إلى حين زيارتهم مرة في الشهر. الهاجس الأكبر الذي يعيشه عباس هو حلول أواخر الشهر الحالي وانتهاء العقد الذي أبرمته إحدى الجمعيات لتقديم العلاج الفيزيائي له على نفقتها. “من سيقدّم لي العلاج الفيزيائي بعدها؟” و”كيف سأتحمّل التشنّج الذي يحدث في جسدي عندما أتوقّف عن العلاج الفيزيائي؟”، يسأل بخوف.

يصف الجريح عبد الرحمن بشناتي العام الذي مرّ بـ”عام من المرارة” لما قاساه من صعوبات في التنقل بعد بتر رجله اليسرى في بلد لا يحتضن ذوي الإعاقات ولا يوفر لهم البيئة الحاضنة. وعندما خسر بشناتي عمله ولم يرضَ أحد أن “يشغّله” شعر وكأنّه “تم شد الخناق عليه”. فـ”الدولة لم تقدم لنا شيئا ولم تنظر إلينا أو تفكر كيف سنتابع حياتنا”، يقول. ويسأل: “كيف أسدّد أجرة المنزل؟ وكيف أطعم أطفالي؟”. هذه الأسئلة ما زالت تراود عبد الرحمن الذي قام الصليب الأحمر بتركيب طرف اصطناعي له بعد أن تخلت “الدولة” عنه.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مساواة ، البرلمان ، تشريعات وقوانين ، الحق في الصحة ، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني