مظاهرة سحب قانون المصالحة في تونس: التظاهر حق دستوري تحميه الممارسة لا النصوص


2015-09-15    |   

مظاهرة سحب قانون المصالحة في تونس: التظاهر حق دستوري تحميه الممارسة لا النصوص

في 12-09-2015، استجاب عددٌ من المتظاهرين تراوحت تقديرات أعدادهم بين الألف والألف وخمسمائة شخص لدعوة أحزاب المعارضة التونسية للتظاهر بداية من الساعة الثانية مساء في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية للضغط على الحكومة التونسية لتسحب مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية الذي سبق واقترحته. لم تنجح المظاهرة في إبراز معارضة شعبيّة كبرى لقانون المصالحة باعتبار محدودية عدد المشاركين فيها. وتبدو عند هذا الحدّ مظاهرة شارع الحبيب بورقيبة حدثاً لا يُنتظر منه أن يغيّر توازنات الصراع حول قانون المصالحة. لكن النظر في الصراع الذي سبق المظاهرة بين منظميها والسلطة السياسية والذي كان موضوعه "حق التظاهر" يكشف أن المظاهرة حققت هدفها قبل أن  تنزل إلى الشارع.

وفرت الحكومة التونسية حماية أمنية للمتظاهرين وفتحت أمامهم شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة. وكان يمكن أن يكون هذا التعاطي حدثا طبيعيا في دولة ينص الفصل 37 من دستورها على أن "حق التظاهر السلمي مضمون". إلا أن ما سبق نزول المتظاهرين إلى الشارع من تصريحات لمسؤولين حكوميين من عزم على التصدي لها وما تم تسجيله من منع قوات الأمن لعدد من التظاهرات التي سبقتها يؤشر على أن النجاح في التظاهر السلمي بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة كان إنتصارا هاما لمنظمي المظاهرة. كما أن ما سبق المظاهرة من حوارات سياسية بفعل ضغط الدعوة لها كشف عن مؤشرات تدلّ على قبول الأغلبية الحاكمة بتنازلات في مشروع قانون المصالحة قد تحقق جانباً من مطالب معارضيه.

التظاهر السلمي كان حقاً مهدداً

اعتبرت وزارة الداخلية التونسية أنّ إعلان حالة الطوارئ في تونس يؤدّي لمنع كل المظاهرات وتولّت فعليا مصالحها الأمنية منذ بداية الشهر التاسع من سنة 2015 التدخل لتفريق أكثر من أربعين تظاهرة. وأكد المسؤولون الحكوميون في هذا الاطار أن منع المظاهرات ليست الغاية منه قمع احتكام معارضي قانون المصالحة للشارع وانما يعود لتهديدات إرهابية باستهداف المسيرات أولا ولأن تأمين تلك المسيرات يستدعي مجهوداً أمنياً حال أن قوات الأمن منشغلة بالحرب على الإرهاب ثانيا. كما استبقت وزارة الداخلية تاريخ المظاهرة باعلان غلقها لشارع الحبيب بورقيبة أمام حركة المرور خلال الفترة الفاصلة بين 9-09-2015 و14-09-2015 بدعوى وجود تهديدات إرهابية باستهدافه.

حاولت الحكومة في مرحلة أولى منع التظاهر تحت مظلة الخوف من الارهاب، وكان قانون الطوارئ الغطاء القانوني للتحرك الحكومي. وتمسكت أحزاب المعارضة في الجهة المقابلة بحق التظاهر بعد أن اعتبرت أن منع التظاهر يخرق الدستور التونسي الذي يحجر في الفصل 40 منه تدخل التشريع للحد من جوهر الحقوق الدستورية ومن بينها حق التظاهر السلمي.

حكمت المعارضة مجلس نواب الشعب فيما تعلق باعتداء الحكومة على حق التظاهر. وتولت لجنة الحريات والحقوق بالمجلس بتاريخ 10-09-2015 مساءلة وزير الداخلية التونسي ناجم الغرسلي في الموضوع. فشل الوزير خلال جلسة الاستماع في  تبرير موقف الحكومة التي يمثلها بعد أن أقر بعدم دستورية منع التظاهر، فيما نجحت المعارضة في استعمال مجلس النواب والاعلام الذي بث جلسة الاستماع لفرض مراجعة الحكومة  لموقفها.

قبلت الحكومة مضطرّة فتح شارع الحبيب بورقيبة أمام المتظاهرين ومنع تراجعها عن موقفها مواجهة بينها وبين المتظاهرين، مواجهة شبيهة بالتي وقعت مع الحكومة التي انبثقت عن الانتخابات التي سبقت انتخاباتها في 09-04-2012. ونجح في المقابل دعاة التظاهرة في حماية حقّ دستوريّ كان مهدّدا بالتقييد. ويبدو النجاح في التظاهر من هذا المنظار مكسباً هاماًّ قد يفسر مظاهر الإحتفاء التي برزت على المتظاهرين. هذا الإحتفاء الذي قد يفسر في بعده الآخر بتحقيق المظاهرة لجانب من أهدافها رغم فشلها في تحقيق سند شعبي لمطالبها.

مظاهرة فرضت تنازلا من السلطة قبل أن تنطلق:

حاولت الحكومة نفي كل علاقة بين محاولتها منع التظاهر وحرصها على تمرير قانون المصالحة الاقتصادية والمالية الذي يدعمه رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي. وتمسّكت المعارضة في المقابل بتأكيد الإرتباط. ويبدو البحث في جدية الإتهام من عدمه صعبا باعتبار غياب الأدلة القاطعة. فيما يظهر في المقابل القبول بالتظاهر على علاقة مباشرة بحوار السلطة مع المعارضة في موضوع قانون المصالحة. ففي11-09-2015 اي يوم واحد قبل موعد المظاهرة، استقبل رئيس الجمهورية السيد باجي قايد السبسي حمة الهمامي الامين العام للجبهة الشعبية الكتلة السياسية التي تقف فعليا وراء الدعوة لمظاهرة سحب قانون المصالحة. وتطرّق لقاؤهما للقانون المذكور، وكان من حصيلته أن اتفق الطرفان كما صرح بذلك الهمامي على "مواصلة النقاش حول مشروع قانون المصالحة ومضمونه".

قبلت رئاسة الجمهورية بفعل ضغط الأصوات المُعارضة لمشروع قانون المصالحة بحوار حول مشروع القانون يؤدي لتطوير نصه. ويبدو هذا الموقف من ثمار التهديد بالإلتجاء للشارع. قبلت السلطة السياسية التي طرحت مشروع قانون المصالحة بحوار حوله رغم تمتعها بغالبية كبيرة، وقد يكون هذا مكسبا هاما يسجّل لمظاهرة حمت الحق في التظاهر.
 
الصورة منقولة عن موقع arabi-press.com

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني