مشروع نبع الطاسة ينتظر قرار وزارة البيئة في ظل مخاوف من ضغوط سياسيّة


2022-10-15    |   

مشروع نبع الطاسة ينتظر قرار وزارة البيئة في ظل مخاوف من ضغوط سياسيّة
الأهالي في أحد الاعتصامات "ينتصرون لنهرهم"

أصدر قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أحمد مزهر قراراً قضى بالترخيص بمتابعة الأعمال في مشروع جمع الفائض الشتوي في نبع الطاسة الذي تنفذه مؤسسة مياه لبنان الجنوبي شرط الالتزام بتوصيات تقرير الخبير البيئي حسان صفا. وهذا القرار يأتي استكمالاً لقرار مزهر السابق القاضي بوقف الأعمال الحاصلة حول المشروع  لحين ورود تقرير الخبير البيئي، وذلك بناءً على طلب مقدّم من جمعية “الشعب يريد إسقاط النظام”.

غير أنّ الجمعية وعلى لسان المحامي حسن بزّي رأت أنّه “كان يُفترض بالقرار أن يُشير إلى وجوب وقف الأعمال لحين تنفيذ الشروط المطلوبة، وليس الترخيص بالأعمال شرط تنفيذ الشروط، اذ أنّ هناك فرقاً شاسعاً بين العبارتين فالعبارة الأخيرة تُشير إلى انتصار فريق مُعيّن ولو أنّه قيّدها بشروط مُعيّنة”.

وقد اشترط صفا في التقرير “تقييم الأثر البيئي لأنّ المشروع يندرج تحت عنوان مياه الشفة، ويقام على مجرى النهر الذي يعدّ بيئة حساسة”، موصياً “بمراقبة الالتزام بدراسة الأثر البيئي خلال تنفيذ الأشغال بعد نيل موافقة وزارتَي البيئة والطاقة والمياه خوفاً من أن تتضرّر الينابيع التي تشكل نبع الطاسة بفعل تدفق الأتربة والصخور في حال تدفق مياه الأمطار والفائض من الخزان، وخصوصاً أنّ المنطقة تعدّ متنفّساً للأهالي للتنزّه وتستخدم مياه المجرى في ريّ المزروعات على ضفتيه”.

وجاء في تقرير صفا أنّ “الحوض الجاري بناؤه لا يمكن أن يتغذّى إلّا من الفائض الشتوي حصراً بكمية قدرة تصريف لا تتجاوز 16 ألف متر مكعب يومياً بحسب قدرة خط التصريف المنفذ فقط داخل الحوض”. وأضاف “أما مصادر المياه الأخرى، فإنها تصبّ واقعياً في النهر ولا يمكن تحويلها بحسب الواقع الهندسي الجاري تنفيذه إلى داخل الحوض الذي تقتصر تغذيته فقط من الفائض الشتوي، ويفرّغ حكماً في غضون عشر دقائق فور توقف هذا الفائض نتيجة سعته التي لا تتجاوز 80 متراً مكعباً”. وهذا من المفترض أن يُقلّل من مخاوف الجمعيات البيئية والناشطين والأهالي المتعلّقة بإمكانية أن يشمل المشروع مياه النهر الأساسية، أي المياه غير الفائضة.

استئناف القرار

إذاً لم يرض قرار مزهر مجموعة “الشعب يريد إصلاح النظام” التي اعتبره محاميها بزّي “متناقضاً في فقرته الحكمية اذ أنّه ألزم الشركة المتعهدة بموجبات كانت سبباً لصدور قرار وقف الأعمال، وهو كان ضمن الاحتمالات التي سبق أن توقعناها في النتيجة ولكن بصياغة مختلفة”. وأشار إلى أنّ “القاضي مزهر قد التف في اللغة ليعود الى ذات النتيجة المطلوبة أي تنفيذ الشروط التي لم يُلتزم بها وأدت لوقف المشروع”.

ويقول بزّي إنّ “القرار من حيث المضمون يتوافق جزئياً مع مطلبنا ولكن من حيث الشكل قد يكون إرضاء لكافة الجهات المتخاصمة، فهو يُخالف قرار وزارة البيئة الذي صدر الأسبوع الماضي والذي قضى بوقف الأعمال ولا يمكن لقاضي العجلة أن يُخالف قرار وزير يُعتبر أحد أركان المشروع”.

ويعلن بزّي أنّ “جمعية الشعب يريد اصلاح النظام” استأنفت قرار القاضي مزهر والملف بات أمام محكمة الاستئناف في النبطية وبطبيعة الحال فإن الأعمال في مشروع نبع الطاسة لا زالت متوقفة. كما لفت إلى أنّ “الخبير البيئي المعُيّن من قبل المحكمة طلب في تقريره موافقة وزارة البيئة على دراسة تقييم الأثر البيئي، وتعديل المشروع من خلال استخدام 4 شبابيك لجمع المياه الفائضة بدل 8 شبابيك، وتنظيف الأحواض ومجرى النهر، وزراعة الأشجار”.

 مخاوف من ضغوط سياسية

ويتخوّف بزّي من “ضغط سياسي بدأ يظهر تباعاً بهدف تمرير المشروع، كما يتخوّف من أن يُستكمل هذا الضغط ليصل إلى وزارة البيئة”. ويضيف “وفقاً للمعطيات التي وصلتنا فإنّ موقف وزير البيئة ناصر ياسين يتمثل في إيجاد حلّ وليس المواجهة المطلقة، وهذا موقف يُخفي في طيّاته موقفاً متساهلاً مع المشروع”.

وعلى صعيد متصل، يلفت بزي إلى أنّ المجموعة تقدّمت بالشكاوى المطلوبة حول قيام اليونسيف بتمويل المشروع “ولكن للأسف الاعتكاف القضائي يحول دون السير بهذه الشكاوى”. ويتابع: “ننتظر جلسة يوم الاثنين المقبل أمام النيابة العامة المالية فيما يتعلّق بالشق المالي والبيئي للمشروع، اذ أنّ الشركة المُعتهّدة أتلفت أشجاراً وتعدّت على أملاك عمومية، فضلاً عن إفادات بعض العمال الذين يؤكدون أنهم يتقاضون ثلثي المبلغ المخصص لهم في حين أن الثلث المتبقي كان يحصل عليه أحد المهندسين، وبالتالي يُعتبر ذلك بمثابة اختلاس للهبة التي لها طابع المال العام”.

وقد سبق لجمعية “الشعب يريد إصلاح النظام” أن نفذت، يوم الثلاثاء 4 تشرين الأول، اعتصاماً أمام مكتب اليونيسف في بيروت، بالتعاون مع أهالي البلدات المحيطة بنبع الطاسة، رافعةً شعارات تطالب اليونيسف بوقف تمويل المشروع، بالإضافة إلى صورٍ توثّق ما كان عليه النهر قبل المشروع وما بات عليه خلال تنفيذ الأعمال.

وخلال الاعتصام التقت نجاة فرحات نائبة رئيسة جمعية “نداء الأرض” إحدى أبرز الجمعيات المُعارضة للمشروع، مع  نائب ممثّل المنظّمة إيتي هغنز. وأشارت فرحات إلى أنها شرحت لهغنز “الآثار المُدمرة للمشروع  والخالفات التي ترافقه، وقد تلقينا وعداً بأخذ جميع هواجسنا ومخاوفنا حيال المشروع بعين الاعتبار ، ولكنني غير متفائلة لناحية وقف التمويل”.

كما عقد عدد من أعضاء الجمعية اجتماعاً مع  وزير البيئة ناصر ياسين يوم الأربعاء الماضي أي بعد ساعات من صدور قرار القاضي مزهر، وفي اتصال مع “المفكرة” تقول نجاة فرحات، “شعرنا بأنّ ياسين يتعرّض لضغوط للقبول بالمشروع رغم علمه بالضرر الذي يلحقه بالبيئة، وأعتقد أن هناك محاولة لإيجاد مخرج لاستكمال المشروع من خلال التسريع بدراسة الأثر البيئي”، وفقاً لفرحات.

وتؤكد فرحات أنّ الجمعية تتّجه نحو استكمال المواجهة من خلال مسارين، الأول قضائي من خلال استئناف قرار القاضي بالتعاون مع المحامي بزّي، والثاني من خلال عقد مؤتمر صحافي لشرح وجهة النظر المعارضة للمشروع بعد جميع هذه التطورات.

 قرار وزارة البيئة يُحدد مسار المشروع

من ناحيته، ينفي وزير البيئة ناصر ياسين تعرّضه لأي ضغط سياسي لإعطاء الموافقات على استكمال المشروع، مشيراً إلى أنّ “كل ما حصل هو أنّ مصلحة مياه لبنان الجنوبي واتحاد بلديات إقليم التفاح، وهما من النسيج السياسي في البلاد، تواصلوا معنا ودافعوا عن مشروعهم وهذا أمر متوقع”.

ويلفت ياسين إلى أنّه “بناءً على الكتاب الذي وجهناه للمعنيين بالمشروع والذي طلبنا من خلاله تزويدنا بدراسة الأثر البيئي، تمّ التجاوب مع طلبنا وفي الوقت الحالي هناك لجنة تقنية في وزارة البيئة تدرس هذا التقييم”. وأضاف “بناءً على قرار هذه اللجنة سنصدر قراراً بالموافقة على المشروع أو عدم الموافقة أو بالموافقة بناءً على تعهد بالالتزام بشروط معينة”. كما يشير إلى أنّ القانون يمنحه 15 يوماً لإصدار قراره من تاريخ استلامه قرار اللجنة.

كما يؤكد ياسين أنّ “الوزارة عندما تطلب دراسة أثر بيئي لا تكون تريد توقيف المشروع وإنما منع أي ضرر بيئي، اذ أنها تنظر للمشروع من ناحية الضرر البيئي المُحتمل وكيفية إدارته، وهذا الضرر قد يكون له علاقة بمجرى النهر أو الأشجار أو احتمال تلوث معيّن من الأعمال أو غيرها”.

شحادة: لن نسمح بتكرار تجربة سدّ بسري

وقد حاولت “المفكرة القانونية” على مدى يومين التواصل مع  رئيس مصلحة مياه لبنان الجنوبي وسيم ضاهر من دون أي استجابة. في حين يلفت رئيس اتحاد بلديات اقليم التفاح بلال شحادة إلى أن “كل هذه الضوضاء التي أُثيرت حول ما يجري في نبع الطاسة ليس لها أي أساس واقعي”. ويضيف “هناك بعض الأشخاص المولعين بالاعتراض ولا نعلم الأجندة التي لديهم”. وتابع “هؤلاء لا يريدون الاستيعاب بأنّ هذا المشروع حيوي ويحتاجه المواطنون، فالمياه التي سيتمّ سحبها هي فائض من الشتاء وسيتم تحويلها لقرى تحتاجها”.

كما يعرب شحادة عن تأييده لقرار القاضي مزهر، مشيراً إلى أنّ الملف بات لدى وزارة البيئة “ونحن سنلزم مؤسسة لبنان الجنوبي بأي توصيات أو معايير تصدر عن الوزارة، وكذلك سيتلزم بها المتعهد”. ويضيف شحادة “أنا متشدد أكثر من أي شخص آخر لناحية الالتزام بالمعايير التي ستضعها وزارة البيئة ولا أقبل أن أصنف أنني خصم للبيئة، بل نحن حريضون إلى أقصى حدّ عليها”.

كما يؤكد شحادة أنّ “حركة أمل وحزب الله يؤيدان المشروع ولن نسمح بأن يتكرر ما حدث في مشروع سد بسري”، لافتاً إلى أنّ “هذا المشروع تمّت متابعته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أبدى تأييده ودعمه له”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، بيئة ومدينة ، تحقيقات ، أحزاب سياسية ، حركات اجتماعية ، قرارات قضائية ، لبنان ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني