مشروع قانون جديد بشأن دفوع عدم دستورية القوانين في المغرب: محكمة النقض ليست مصفاة للدفوع


2019-01-08    |   

مشروع قانون جديد بشأن دفوع عدم دستورية القوانين في المغرب: محكمة النقض ليست مصفاة للدفوع

يأتي مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، تطبيقا لأحكام الفصل 133 من الدستور المغربي لسنة 2011 الذي أتاح هذه الإمكانية لأول مرة أمام المتقاضين. في حال إقرار هذا المشروع، يصبح بإمكان المتقاضين أن يتقدموا، أمام المحاكم المغربية بمختلف درجاتها بمناسبة جميع الدعاوى وأيضا أمام المحكمة الدستورية مباشرة عندما يتعلق الأمر باختصاصاتها الحصري في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، بمذكرات تتضمن دفعا بكون القانون الذي سيطبق عليهم أو على قضيتهم يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور. وحينها تتوقف المحاكم عن نظر الدعاوى إلى حين بت المحكمة الدستورية في هذا الدفع.

ومشروع القانون الذي نحن بصدد التعليق عليه هو المشروع الثاني المنقح من طرف لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب المغربي بعدما رفضت المحكمة الدستورية المصادقة على المشروع الأول الذي صادق عليه البرلمان[1] بسبب تضمنه مقتضيات رأت فيها المحكمة أنها مخالفة للدستور والبعض الآخر منها تمس بصلاحياتها في موضوع الدفع بعدم الدستورية[2]، ولا سيما ما تعلق بما كان المشروع الملغى يمنحه لمحكمة النقض من صلاحية تصفية الملفات قبل إحالة الدفع إليها.

ويتكون المشروع الجديد من تسعة وعشرين مادة ، موزعة بين شروط وإجراءات إثارة الدفع بعدم دستورية (أولا) وطريقة بتّ المحكمة في الدفوع وآثارها (ثانيا)، فضلا عن تعاريف ومقتضيات ختامية.

أولا: شروط وإجراءات إثارة الدفع بعدم الدستورية

قيد مشروع القانون التنظيمي الحق في الدفع بعدم دستورية القوانين بضرورة تحقق عدة شروط إجرائية سواء أمام المحاكم العادية أو أمام المحكمة الدستورية نفسها عند نظرها في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان. كما أن المشرع منع على المحاكم، بما فيها المحكمة الدستورية، إثارة هذا الدفع من تلقاء نفسها باستثناء النيابة العامة في الدعوى العمومية. وبتوفر هذه الشروط التي يجب في جميع الأحوال أن تثار قبل أن تصبح القضية جاهزة للحكم، فإن المحكمة المرفوع أمامها الدفع توقف نظرها في القضية إلى حين بت المحكمة الدستورية فيه مع استثناء بعض القضايا المحددة.

شروط قبول الدفع

اشترط المشروع في مادته الخامسة عدة شروط لقبول الدفع أمام المحاكم. فإلى جانب اشتراط أن تكون المذكرة المتعلقة بالدفع كتابية ومقدمة بصفة مستقلة وأن تكون موقعة من قبل الطرف المعني أو من قبل محاميه وأن يسدد الرسم المتوجب، يقتضي أن تتضمن المذكرة موضوع الدفع وأن يكون هو الذي تم تطبيقه أو يراد تطبيقه من لدن المحكمة في الدعوى أو المسطرة أو يشكل أساسا للمتابعة. كما اشترط أخيرا ألا يكون قد سبق البت بمطابقة المقتضى التشريعي محل الدفع للدستور، ما لم تتغير الأسس التي تم بناء البت المذكور عليها. وتنطبق نفس الشروط بالنسبة إلى المذكرات المقدمة للمحكمة الدستورية.

شروط الإحالة على المحكمة الدستورية

تقوم المحاكم التي أثير الدفع بعدم الدستورية أمامها بتفحص الشروط والتأكد من تحققها وإذا ما توفرت فإنها تحيل الأمر إلى المحكمة الدستورية داخل أجل أقصاه ثمانية (8) أيام من تاريخ صدور مقررها بقبول مذكرة الدفع. وإذا لم يتحقق أحد الشروط النصوص عليها قبله فإن المحكمة تصدر مقررا بعدم القبول غير قابل لأي طعن ويبقى للطرف المتضرر أن يثير الدفع من جديد أمام المحاكم الأعلى درجة.

وأما إذا تعلق الأمر بدفع قدم أمام المحكمة الدستورية نفسها وفق المفصل أعلاه، تباشر إحدى هيئات هذه المحكمة بحث الشروط الشكلية وإن تخلف أحدها تصدر المحكمة مقررا بعدم القبول اعتماد على القواعد العامة لكون المشروع لا يشير إلى وصف القرار في هذه النقطة.

مفاعيل الإحالة على المحكمة الدستورية

إذا قبلت المحكمة شكليا الدفع بعدم الدستورية فإنها توقف البت في الدعوى كما توقف الآجال بها، ابتداء من تاريخ تقديم الدفع إلى حين فصل المحكمة الدستورية في الدفع. إلا أن المادة الثامنة من مشروع القانون التنظيمي نصت على أن المحكمة واستثناء من القاعدة أعلاه، “لا توقف البت في الدعوى في الحالات الآتية:

1-إجراءات التحقيق في المجالين المدني والجنائي.

2-اتخاذ التدابير الوقتية أو التحفظية الضرورية.

3-اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة متى تعلق الأمر بتدبير سالب للحرية.

4-عندما ينص القانون على أجل محدد للبت في الدعوى أو البت على سبيل الاستعجال.

5-إذا كان الإجراء يؤدي إلى إلحاق ضرر بحقوق أحد الأطراف يتعذر لإصلاحه”.

ثانيا: معالجة المحكمة الدستورية للدفوع المثارة وآثار قراراتها .

بالنظر إلى إكراه العدد المحدود لأعضاء المحكمة الدستورية البالغ عددهم في المغرب (12) عضوا [3] وأمام كثرة القضايا المحتمل عرضها على المحكمة سواء في موضوع الدفع بدستورية القوانين أو غيره لكون المحكمة لها صلاحيات أخرى، فإن المشروع أنشأ هيئة أو عدة هيئات للتصفية من داخل المحكمة نفسها تعرض عليها الدفوعات وتبت في جديتها داخل أجل 15 يوما[4] قبل إحالة الأمر على المحكمة بكامل أعضائها لتصدر القرار.

وبهذا يكون المشروع قد تجاوز النقاش الذي كان دائرا إبان مناقشة المشروع، بين رأي يقول بضرورة وجود هيئة خاصة للمحلفين تنشأ بقانون لتساعد المحكمة في التصفية كما يجري به العمل في عدة دول رغم أن هذا الرأي كان يعوزه الإطار القانوني، والاتجاه الذي ذهب إليه المشروع الأول الذي رفضته المحكمة الدستورية نفسها والذي كان يجعل محكمة النقض بمثابة هيئة لتصفية الدفوع غير الجدية قبل الإحالة على المحكمة الدستورية. على أن دور الهيئة أو الهيئات داخل المحكمة الدستورية يبقى دورا مساعدا لكون الاختصاص النهائي يبقى للمحكمة الدستورية بكامل أعضائها.

وتقوم المحكمة الدستورية بتبليغ الدفع المحال عليها إلى رئيس الحكومة، ورئيس كل مجلس من مجلسي البرلمان وإلى الأطراف ولهؤلاء وداخل أجل تحدده المحكمة، الإدلاء بمذكرات كتابية تضمن ملاحظاتهم بخصوص موضوع الدفع مع إمكانية التعقيب عليها من الأطراف قبل أن يحدد رئيس المحكمة تاريخ الجلسة العلنية[5] والتي يجب إشعار الأطراف بها قبل انعقادها بعشرة (10) أيام على الأقل (المواد 17و18و20 من المشروع)، وبعد ذلك ” تبت المحكمة الدستورية في الدفع بعدم دستورية قانون داخل أجل ستين (60) يوما ابتداء من تاريخ إحالة الدفع إليها أو من تاريخ إثارته لأول مرة أمامها”[6].

وبعد صدور قرار المحكمة الدستورية بشأن الدفع، فإن الأمر لا يخلو من فرضتين:

فإما أن يتم رفضه. وفي هذه الحالة، لا يطرح الأمر أي إشكال وتستمر المحكمة الأصلية في البت في الدعوى بشكل عاديّ،

وإما أن تقبل المحكمة الدستورية الدفع. وفي هذه الحالة، يترتب عن قرارها القاضي بقبول الدفع ، اعتبار ذلك المقتضى التشريعي (مقتضى معين مثل مادة أو عدة مواد أو قانون كامل) منسوخا بشكل تلقائي ابتداء من التاريخ المحدد في قرار المحكمة الدستورية، من دون حاجة إلى سلوك إجراءات تشريعية على مستوى البرلمان[7].

وتجدر الإشارة أخيراً، إلى أن وسيلة الدفع بعدم دستورية القوانين المتحدث عنها أعلاه، قد تشكل وسيلة يمكن أن تكون فعالة أيضا في تنقيح بعض القوانين المغربية من شوائب عدم الملاءمة مع الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور المغربي، لكون بعض هذه القوانين يعود إلى فترة الاستعمار الأجنبي للمغرب ولم يطلها التغيير بعد.

 


[1] – لمراجعة المشروع الأول الذي صادق عليه البرلمان يوجد النص منشورا كاملا بالموقع الرسمي لوزارة العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني على الرابط الآتي : http://www.mcrp.gov.ma/pdf/Lois/Projets/86.15/Representants/SP_LEC_2.pdf

[2] – انظر في هذا الصدد قرار المحكمة الدستورية رقم 70-18 المتعلق بذات الموضوع في موقعها الرسمي على الرابط الآتي :

www.cour-constitutionnelle.ma/ar/قرارات/قرار7018

[3] – للاطلاع على الاطار التشريعي المنظم للمحكمة الدستورية في المغرب من حيث التكوين والصلاحيات يرجى الاطلاع على الاطار الدستوري والقانوني بالموقع الكتروني الرسمي للمحكمة  الدستورية على الرابط الآتي:

 www.cour-constitutionnelle.ma/ar

[4] – المادة 14 من المشروع .

[5] – جلسات المحكمة وفقا للمادة 22 من المشروع  تكون علنية ،ما عدا إذا قررت المحكمة خلاف ذلك لاعتبارات تتعلق بالنظام العام.

[6] – المادة 23 من المشروع .

[7] – تنص المادة 24 من المشروع على ما يلي: “يترتب عن القرار الصادر عن المحكمة الدستورية بعدم دستورية مقتضى تشريعي، نسخة ابتداء من تاريخ تحدده المحكمة الدستورية في قرارها طبقا لأحكام الفصل 134 من الدستور”. كما تنص  المادة 25 من المشروع على ما يلي: “إذا صرحت المحكمة الدستورية بعدم دستورية مقتضى تشريعي، وكان قد صدر في نفس الدعوى، مقرر قضائي غير قابل لأي طعن استند إلى المقتضى التشريعي المذكور، يتعين ترتيب الاثار القانونية لقرار المحكمة الدستورية، بما في ذلك امكانية تقديم دعوى جديدة من قبل الأطراف  طبقا للتشريع الجاري به العمل”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني