مزهر “المنتدب” يجتهد لإجهاض “الدولار الطالبي”


2021-12-21    |   

مزهر “المنتدب” يجتهد لإجهاض “الدولار الطالبي”

صدر في تاريخ 16/12/2021 قرار عن الغرفة الثالثة في محكمة استئناف بيروت المدنية، قضى بوقف تنفيذ قرار قضائيّ بإلزام مصرف فرنسبنك بإجراء تحويل إلى الخارج بموجب قانون الدولار الطالبي. وبالرجوع إلى تفاصيل القضية، قدّمت مُودعة طلب أمر على عريضة لدى قاضية الأمور المستعجلة في بيروت كارلا شواح في 10/11/2020، بإلزام المصرف بتحويل ما مجموعه 20 ألف دولار أمريكي إلى ولديْها الطالبيْن في بيلاروسيا وفقًا لقانون الدولار الطالبي، أي بحدود 10 آلاف د.أ لكل منهما وفق ما يجيزه القانون رقم 193/2000 وذلك لتغطية نفقات السنة الدراسية 2020-2021. وإذ طلبت تحويل 12 ألف د.أ من حسابها الشخصي و8 آلاف د.أ عرضت شراءها على أساس سعر الصرف الرسمي أي 1515 ليرة، قبلت المحكمة إلزام المصرف تحويل المبلغ المودع في حسابها فقط (أي 12 ألف د.أ)، كما ألزمت المصرف التراجع عن إغلاق الحساب كردة فعل على إقامة الدعوى ضده. 

وإذ اعترض المصرف على الأمر على العريضة بقبول الطلب، رفضت القاضية شواح وقف تنفيذه. عندئذ استأنف المصرف قرار رفض وقف التنفيذ أمام الغرفة الثالثة لمحكمة الاستئناف التي انتُدب لرئاستها القاضي حبيب مزهر، وهي المحكمة التي استجابتْ لطلبه لتبدّد آمال العائلة في الحصول على المبلغ المذكور بعدما انقضت السنة الدراسية التي كان يفترض أن يسدّد لمواجهة نفقاتها. يُشار إلى أن الغرفة التي أصدرت القرار ضمّت إلى القاضي مزهر المستشارتيْن ندين القاري ومنال فارس. 

هذا الحكم يستدعي الملاحظات التالية:

تعليل واه: البديهي ليس كذلك

رغم وضوح قانون الدّولار الطالبي، فإن محكمة الاستئناف قرّرتْ وقف تنفيذ القرار بعدما اعتبرتْ أنّ “موضوع النزاع يثير مسائل قانونية عديدة منها مدى إمكانية سلوك الأصول الرجائية… ومدى اختصاص قضاء العجلة ومدى قانونية التدبير في ضوء أحكام المادتين 579 و589 من قانون أصول المحاكمات المدنية”. وعليه، خلصت للتريّث مؤقّتًا بتنفيذ القرار موضوع الاعتراض. وهي بذلك اعتبرتْ أنّ الطلب الذي يستند إلى القانون الطالبي ليس بديهيًا وأنه يطرح نزاعًا جديًا ممّا قد يخرجه عن صلاحية القضاء المستعجل. واللافت في هذا التعليل أنّ هيئة المحكمة أدلتْ بجدّية ادّعاءات المصرف من دون أن تُكلّف نفسها البحث في قيمتها القانونية، على نحو جعَل قرارَها مجرّدا من أيّ تعليل. 

وما يزيد من قابليّة هذا التوجّه للانتقاد هو أنّ القرار الذي قرّرت محكمة الاستئناف وقف تنفيذه يكاد يشكّل نموذجًا للدور الذي انوجد القضاء المستعجل من أجله، وهو التدخّل بدون إبطاء لوضع حدّ لتعدّ واضح، بما يجرّد المُعتدي من إمكانية استغلال طول الإجراءات القضائية الاعتيادية للمماطلة والتسويف رغم بداهة تعدّيه وعدم قابليته لأيّ منازعة جدّية. وقد أكّدت على ذلك، قاضية الأمور المستعجلة في بيروت كارلا شواح في القرار الذي ألزمت به المصرف بالتحويل، حيث اعتبرت أنّ “الأقساط المدرسية والنفقات المعيشية التي تطلب المستدعية تسديدها… هي لا شك من المستلزمات والنفقات الملحة والضرورية والملازمة لحقوق أساسية مكرّسة في الدستور… وإنّ طبيعة هذه الحقوق تفترض بحد ذاتها وجود العجلة الملحة والضرورة القصوى لتأمينها وصونها وحمايتها، ما يبرر التدخل السريع لهذه المحكمة لحماية هذه الحقوق ودرئها من أي خطر محدق أو تعدّ عليها”. ويتعزز هذا الاعتراض حين نعرف وضع العدلية منذ آذار 2020 حتى الآن، حيث أصبح عقد جلسات تمهيدا لختم المحكمة وإصدار قرار نهائي في الاعتراض شبه مستحيل في ظل المخاوف من الجائحة والإضرابات المكثفة. 

ولا نبالغ إذا قلنا هنا إن وقف تنفيذ القرار إنما يشكل عمليا التفافا قضائيا على القانون 193/2020، مؤداه نسف الغايات منه والتي هي مساعدة الطلاب الذين باشروا دراساتهم في الخارج، حيث يخشى أن تنقضي سنوات دراستهم من دون أن يحصلوا على الأموال التي ضمنها هذا القانون لهم.     

قرار ثانٍ لمزهر “المنتدب” لصالح المنظومة المصرفية

هذا القرار ليس القرار الأول من نوعه الذي يشترك فيه مزهر وينسجم مع مصالح المنظومة المصرفية. ولعلّ أشهر القرارات السّابقة قرار الغرفة الأولى التي “انتدب” أيضا لرئاستها والصادر في تاريخ 20/5/2021 بإبطال الحجز الاحتياطي الذي قرره رئيس دائرة التنفيذ في بيروت القاضي فيصل مكي على أموال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ويُلحظ في القرار المتعلّق بسلامة، أنّ الغرفة التي انتُدب لرئاستها مزهر اعتبرت ألّا علاقة مداينة قائمة بين سلامة والمدّعين بل أنّها بينهم وبين المصارف، واعتباره للدين المترتّب على سلامة جرّاء مخالفاته سلامة غير مرجّح الوجود. وقد بدا هذا القرار وكأنّه يتجاهل تماما أن الدعوى استندتْ أساسا إلى الخطأ التقصيريّ الناجم عن سوء إدارة سلامة لدوره في ضمان سلامة النّقد الوطني والقطاع المصرفي ومعها كمّ كبير من الدّراسات متعددة المصادر التي أرفقها المدّعون والتي تظهر مسؤولية واضحة لهذا الأخير في التسبب بالانهيار وفقدان المودعين ودائعهم. ولتبيان ذلك، نذكر أن القاضي فيصل مكي كان استنتج أرجحية الدين في قراره من مجموعة من العوامل، أهمها ترجيح مخالفة سلامة للمادة 91 من قانون النقد والتسليف التي تمنع مصرف لبنان من إقراض الدولة  والقطاع العام إلا في الظروف شديدة الخطورة والاستثناء والتي تشكل جرمًا سندًا للمادة 363 عقوبات مع وصول حصة المصرف المركزي من إجمالي الدين العام إلى 40%، إضافةً إلى قيامه بهندسات مالية وفّرت هوامش ربح عالية بالدولار كانت من ضمن مسببات الأزمة. ولا نبالغ إذا قلنا أن مزهر وأعضاء المحكمة تمايزوا في موقفهم ذاك عن أي مراقب موضوعي يسلّم بأرجحيّة أخطاء سلامة الجسيمة في هذا المجال.  

مزهر القاضي المنتدب للنظر في القضايا الحساسة

فضلا عمّا تقدم، من اللافت حضور مزهر الطاغي كرئيس منتدب في مجموعة من الدعاوى الحسّاسة، مثل الطعون على قرارات القضاء المستعجل المتصلة بالدولار الطالبي والطعن على قرار الحجز الاحتياطي على أموال سلامة، هذا فضلا عن بروز اسمه مؤخرا كعضو منتدب في قضية النظر في رد القاضي نسيب إيليا عن النظر في طلب رد المحقق العدلي طارق بيطار في قضية تفجير المرفأ والتي انتهتْ إلى ما أسمتْه “المفكرة القانونية” سطوا على التحقيق برمته، وتاليا إلى تعطيله قرابة شهر كامل. فلماذا يعمد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف حبيب رزق الله لانتداب مزهر إلى دعاوى حساسة كهذه، وبخاصة في وجود قرابة عشرة رؤساء غرف في محكمة استئناف بيروت سواه؟ وقد أصبح هذا السؤال أكثر إلحاحا في قضية تفجير المرفأ وبخاصة أن مزهر كان أبدى نقدا واضحا في مجلس القضاء الأعلى لأداء بيطار مطالبا باستدعائه ومساءلته انسجاما مع مطالب رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أعطي الكلمة الأخيرة (وربما الأولى) في تعيينه في هذا المجلس، وفي حين لا يمكن إعطاء جواب جازم في هذا الخصوص، إلا أنه يبقى من الجائز على ضوء هذه المعطيات تقديم فرضية تحتاج إلى مزيد من التدقيق مفاده تحول مزهر إلى قاضي مهمة أو ما يشبه الجوكر الذي يعين في القضايا الحساسة، وضمنا قضايا المصارف والمرفأ، ضمانا لمصالح الأطراف المهيمنة في الحكم. 

ومن شأن بروز اسمه في هذه القضايا أن يؤكّد الترابط فيما بينها، منعا لأي خرق في منظومة الإفلات من العقاب.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكم مدنية ، مصارف ، قرارات قضائية ، الحق في التعليم ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني