12 إلى 20 ألف مريض سرطان في لبنان محرومون من العلاج


2022-02-05    |   

12 إلى 20 ألف مريض سرطان في لبنان محرومون من العلاج

الزمان:4 شباط 2022

المكان: ساحة ساسين، الأشرفية، بيروت

المناسبة: اليوم العالمي للسرطان

 تمسك سيدة يد طفلتها المصابة بالسرطان، تركض بها من مكان إلى أخر لحمايتها من زخات المطر، تحضن اليد الصغيرة بين راحتيها وتفركها محاولةً تدفئتها. تشارك المرأة وابنتها في اعتصام مرضى السرطان وذويهم بدعوة من جمعية “بربارة نصار” لرفع الصوت وإطلاق صرخة ألم” احتجاجاً على فقدان علاجات المرضى وتحكّم السوق السوداء والتجار بهم وبصحتهم، في ظل ادارة الظهر الرسمية برغم أن علاجات الأمراض المستعصية لا تزال مدعومة 100%، كما يؤكد وزير الصحة فراس أبيض.  جاءت الطفلة مع أمها بحثاً عن حلٍ وعن مَن يسمعهما. تقول الصغيرة للمفكرة القانونية أنها لم تاخذ دواءها منذ شهرين، وأن جسدها يؤلمها بشدة لدرجة تجعلها عاجزة عن النوم واللعب. تبك والدتها وتحتضنها بشدة، وتسأل “لماذا يحكمون على ابنتي وبقية المرضى بالموت، لماذا يريدون قتلها؟”. تتعالج الطفلة على نفقة وزارة الصحة، وكان دواؤها متوفراً في الكارنتينا، إلاّ أنه انقطع مع الأزمة . دواء يفوق سعره 7 ملايين ليرة لبنانية، تمكنت الأم، في إحدى المرات من الإستدانة لشراء علبةٍ واحدة لا تزال تسدد ثمنها إلى اليوم عبر أقساط متوجبة: ” شو بدي اعمل ما قدرت شوفها عم تتوجع وحالتها عم ترجع لورا اشتريت مرة، بس هلق مش قادرة”، تقول والدموع تبلل وجنتيها وهي تضم الصغيرة إلى صدرها. 

يحل اليوم العالمي للسرطان على مرضى الأمراض المستعصية في لبنان مختلفاً عن مرضى الدول التي تحترم حق مواطنيها بالعلاج والصحة. فبدل أن يركّز مريض السرطان في هذه البلاد جهوده على مقاومة المرض وتعزيز صحته النفسية والجسدية للإنتصار عليه، يجد نفسه مضطراً للنزول تحت المطر ليرفع الصوت مطالبا بمكافحة مافيات الإتجار بالدواء وزبائنية توزيعه وبتخصيص الإعتمادات اللازمة لتأمينه ومراقبة كامل عملية التسلم والتسليم. هنا في اليوم العالمي للسرطان عاد الخبيث ليتفشى في الأجساد المنهكة التي كانت قد قطعت أشواطاً نحو الشفاء، لتتسع شريحة المهددين بخطر انتشار المرض من جديد عتبة 12 ألف مريض. يحصل هذا في بلد يُعتبر من الأعلى بازدياد حالات السرطان بمعدل 8 آلاف حالة جديدة في كل عام، وفق ما يؤكده البروفسور فادي نصر، طبيب أمراض السرطان في مستشفى أوتيل ديو، للمفكرة. يوضح نصر، الذي يشارك في الوفقة مع المرضى، أن من يحتاجون للعلاج في لبنان تتراوح أعدادهم بين 12 ألف و 20 ألف مريض، وهؤلاء بحاجة إلى 30 مليون دولار كميزانيةٍ لاستيراد الأدوية: “اليوم ربع هذا المبلغ غير متوفر”، يقول، “ولذا هناك انقطاع بالأدوية”. ويشير نصر إلى مشكلة أساسية ثانية تتمثل بغياب التكامل والإستمرارية في توفر الدواء “يعني هالشهر في دواء الشهر الجاي مقطوع”. يترك إنقطاع  العلاجات الكثير من الآثار السلبية على مرضى السرطان “تتدهور حالتهم بسرعة ويعود المرض للتمكن من أجسادهم، ويصبح الشفاء أصعب”، وفق نصر. ومن خلال المرضى الذين يتابع حالاتهم، يقول البروفيسور نصر أن هناك بعض المرضى “توقفوا كلياً عن تلقي العلاج لأنهم عاجزين عن دفع حتى فرق الضمان في المستشفيات، وهناك مرضى لم يتناولوا علاجهم منذ فترة فتطورت حالاتهم، وتمكن المرض منهم من جديد. أما مرضى زرع النخاع الشوكي، وهم غالباً من الأطفال فأدويتهم مقطوعة بالكامل”، على حدّ قوله.    

على وقع الطبول وزخات المطر الغزير، اخترق حشود المرضى نعش خشبي يرمز إلى مصير كل مريض في حال لم يتم إيجاد الحلول اللازمة: وهو “الموت”. بعدها وُضع النعش أرضاً، وإنهال عليه المرضى تكسيراً، في دلالةٍ على رفضهم المصير. 

نصّار لرجال الدولة “تنحوا ولتستلم الأمهات”

في كلمته، دعا مؤسس ورئيس جمعية بربارة نصّار، هاني نصّار، المعنيين العاجزين إلى التنحي جانباً وإفساح الطريق أمام أمهات المرضى اللواتي لن يستسلمن لحين إيجاد الحل، قائلاً:” إذا كان وزير الصحة عاجزاً عن إيجاد الحلول منفرداً، ومصرف لبنان كذلك الأمر، بالإضافة إلى باقي رجال الدولة  فليدعوا الأمر للأمهات “الأم بتنتحر قبل ما تقتل أولادها بس إنتوا عم تنحرونا كل يوم”. 

وبعدما أسف  لحال مرضى السرطان في لبنان المضطرون في يومهم العالمي للنزول إلى الشارع  للمطالبة بتأمين العلاج، في الوقت الذي يتم فيه تكريم المرضى بدول العالم، دعا نصّار ً جميع المرضى إلى توحيد جهودهم للوصول إلى الحل، “مريض السرطان ما بيعرف طائفة وما بيفرق بين الناس، مثل ما انتوا بتفرقوا، فلنوحد جهودنا كي نصل إلى الحلول”، مطالباً بحق الحصول على العلاج والطبابة بكرامة، وذلك من خلال وضع ميزانية سنوية تؤمن علاجات مرضى السرطان وبقية الأمراض المستعصية من دون انقطاع:”نحن مش عم نلعب، علاجنا بدو استمرارية، إذا أخذناه منعيش، وإذا ما أخذناه منموت، نحن بدنا نعيش وإنتوا عم تقتلونا”. ودعا  إلى وقف السوق السوداء في تجارة الأدوية من قبل الصيدليات مطالباً بسجن  أي صيدلي يتاجر بالدواء، “طول عمره قانون الصيادلة بيمنع التجارة بالدواء، ووقت بعض الصيادلة بيصيروا تجار محلن الحبس”. من جهةٍ ثانيةٍ، دعا نصار إلى ضرورة دعم الصناعة اللبنانية للأدوية العادية والأمراض المزمنة للتخفيف من قيمة فاتورة الدولة لاستيراد الأدوية. وعلى الرغم من دعوته إلى اعتماد أدوية “جينيريك”، لكنه رفض أن يتحول مرضى السرطان “إلى فئران تجارب لصفقاتٍ مشبوهةٍ”.

واستنكر نصّار ممارسات المستشفيات الذين بات قسم كبير منهم “يتاجر بالمرضى ويستغل أوجاعهم ويبتزهم بحجة الأزمة الاقتصادية وانقطاع الأدوية”، على حد قوله، متسائلاً عن  قدرة المريض على دفع 5 مليون ليرة عن كل جلسة، في حين أن البعض يحتاج إلى ثلاث جلسات علاجٍ في الشهر الواحد، مستغرباً فرق الأسعار بين مستشفى وأخرى في اليوم ذاته، والذي يصل في بعض الأحيان للملايين. ويرفض رئيس جمعية بربارة نصّار  أن يتحمل مريض السرطان تبعات الأزمة وحده، متسائلاً عن قدرة مريض السرطان على دفع مبلغ 70 مليون ليرة لعلاج الأشعة؟، موضحاً أن كلفة صورة أشعة وبعض فحوصات غالباً ما توازي راتب رب عائلة. 

صرخة نصّار والمرضى علت أيضاً في وجه الجهات الضامنة الذين أوقفوا الرقابة على المستشفيات في حين يدفع المريض الثمن على حد قوله، داعياً هذه الجهات إلى التنسيق مع الحكومة اللبنانية لإيجاد حلول سريعة “كل الجهات الضامنة اليوم غايبة عن مريض السرطان حتى الجيش يلي بحياتو ما قصر، هناك قسما كبيرا من مرضاه متروكين من دون دواء”. وطالببضرورة توحيد الصناديق الضامنة، مستنكراً أن يكون لكل جهة سياسية صندوقها الخاص “اللبناني بدو يعيش بكرامة وبس يجي وقته بدو يموت بكرامة”.

من جهةٍ، ثانيةٍ أدان نصّار، وبشدّة،  المحسوبيات والإستنسابية في توزيع الأدوية والهبات التي تصل إلى لبنان “جرصتونا قدام الأجانب”، مشيراً ان ما من جهةٍ تريد إرسال مساعداتٍ عبر الدولة اللبنانية ووزارة الصحة من جديد، وذلك “لكثرة عمليات النهب” على حد قوله، “بيقولوا الأدوية بتتوزع هون وهون بلبنان وخارج لبنان”، ليطالب بضرورة عرض الأدوية التي تصل إلى مستودع الكارنتينا عبر منصةٍ إلكترونيةٍ خاصة، “لأنه من حق المواطن اللبناني أن يعرف ما هي الهبات التي وصلت ومن حق الجهة المتبرعة أن تعلم كيفية توزيع الهبات المقدمّة”. 

ورفع نصّار الصرخة  في وجه كل من تسولّه نفسه أن “يتلاعب بحياة المرضى”، موضحاً أن الدولة تسلّم الأدوية في مستودع الكارنتينا ضمن بروتوكول عالمي توافق عليه لجنة أطباء السرطان في الوزارة، متسائلاً “بأي حق بينقال للمرضى المستفيدين أنه إذا توافر الدواء رح تصيروا تستلموه كل 40 يوم؟ أنتو مين حنى تتلاعبوا بحياة الناس؟”

وختاماً، وجه نصّار  تحيته إلى روح  بربارة نصّار التي قضت وهي تحارب المرض بشجاعة وبطولة  وأسست الجمعية في العام 2014 . 

  أرواح المرضى قرابين الأزمة 

في الإعتصام، تتأبط سيدة مريضة ذراع زوجها الذي رافقها تحت المطر  لأن الحياة لم تترك لهما  رفاهية الراحة في البيت. عليهما، كما على جميع المرضى، النضال ضد الوجع وضد سرطان الجسد، واليوم  ضد سرطان الفساد، هي العاجزة عن إيجاد دواءها منذ سبعة أشهر تقول: “ما في أدوية لا على حساب الوزارة ولا في الصيدليات، بعدين حقه 11 مليون ليرة، كيف بدي اشتريه؟”. منذ أربع سنوات بدأت رحلة صراع السيدة  مع “المرض الخبيث” الذي انتقل من الثدي  إلى الدم.  ثابرت على العلاج وتمسكت بالحياة وبعد أن استقرت حالتها قزفت بها  الأزمة إلى الوراء، “رحت عملت فحوصات من شهر رجع دمي كله تلوث بالمرض، أنا عم موت عالبطيء وما قادرة أعمل شي، عم نشحذ الدواء”. وتضيف بحسرة “اذا حدا من اولاد السياسيين انصاب بيركضوا ركض”. 

“نحن منقبل حكم ربنا علينا بس منرفض  تحكم السياسيين الفاسدين بحياتنا”، تقول شقيقة أحد المرضى الذي ينتظر منذ أشهر  تأمين الدواء في المستشفيات. وبدل أن يفكر شقيقها المريض بكيفية محاربة المرض، والامتثال للشفاء، بات تفكيره محصوراً بكيفية  تأمين الدواء. وتشكو السيدة ارتفاع فاتورة المستشفى التي أصبحت لا تقل عن 3  ملايين ليرة عن كل جلسة علاج للمريض المشمول بالضمان، في حين أنها لم تكن تتجاوز الـ 200 ألف ليرة لبنانية في السابق.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

حركات اجتماعية ، حرية التعبير ، حرية التجمّع والتنظيم ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، لبنان ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني