محاكمة عناصر أمنية بجرم اغتصاب تتحول الى محاكمة للموروث الثقافي للأجهزة الأمنية في تونس


2012-09-28    |   

محاكمة عناصر أمنية بجرم اغتصاب تتحول الى محاكمة للموروث الثقافي للأجهزة الأمنية في تونس

واقعة اغتصاب فتاة من قبل عناصر أمنية في تونس تتحول الى محاكمة لموروث ثقافي يقوم على توهم العناصر الأمنية العاملة على انفاذ القانون أنهم فوقه. المسألة تدعو الى التأمل في أكثر من بلد عربي ومنها لبنان، حيث تسنى للمفكرة القانونية مؤخرا متابعة ثلاث قضايا ذات رمزية عالية: الأولى، فحوص العار استباحت فيها النيابة العامة والأطباء الشرعيون والضابطة العدلية أجساد المواطنين لاخضاعهم لفحوص على أجزائهم الحميمية تطال من كراماتهم من دون أن تثبت شيئا، والثانية، ممارسة مذكرات الاخضاع، حيث استباح الأمن العام نظريتي المواطن واستقلالية المحامي لاستصدار عقوبات ادارية تمنع كل من يغضبه من اجراء معاملات ادارية لديه ولم يجد حرجا في تسميتها على نحو يناقض هذين المفهومين جذريا ب"مذكرة اخضاع"، والثالثة، وهي ذات رمزية عالية أيضا، فقد تمثلت في إستباحة عناصر امنية لأجساد مواطنين وكراماتهم في قلب ساحة البرلمان، على نحو يؤشر على ارادتهم في اخضاع "المواطن" مصدر الارادة العامة لارادة القوة. فهل يشكل مثال تونس مثالا يحتذى في اتجاه تجاوز الوقائع المنفصلة هنا وهنالك نحو محاكمة ثقافة "الاستقواء والهيبة"أم أن الأمر يحتاج الى ثورة؟ (المحرر)
 
أعاد التناول القضائي لواقعة اتهام ثلاثة أعوان أمن تونسيين باغتصاب فتاة تونسية أثناء اضطلاعهم بعملهم الأمني السجال العام حول متطلبات إعادة تأسيس الأمن الجمهوري، كما كانت مناسبة لطرح السؤال حول دور المجتمع المدني في الدفاع عن القضايا العادلة.
فجرت الناشطة الحقوقية التونسية راضية النصرواي القضية أمام الرأي العام يوم كشفت أن أعوان امن تعمدوا اغتصاب فتاة كانت برفقة خطيبها في سيارة وتعمدوا ابتزاز مرافقها في إحدى ضواحي العاصمة التونسية.
تعهد القضاء التونسي بالقضية وتولى قلم التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس مباشرة الأبحاث وإجراء التساخير القانونية والاختبارات الفنية وتم إيقاف المتهمين تحفظيا على ذمة القضية. وتزامن ذلك مع التداعيات الإعلامية للواقعة. أكدت المنظمات التي تدافع عن حقوق النساء وتلك التي تدافع عن حقوق الإنسان أن واقعة الاغتصاب لا يمكن عزلها عن ثقافة حقوق الإنسان لدى قوات الأمن الداخلي.
شكلت الواقعة على بشاعتها اعتداء على مفهوم الأمن الجمهوري كما تمت المطالبة بارسائه من قبل النخب السياسية. فتعاقب عناصر أمنية على اغتصاب مواطنة وهم مرتدون لزيهم المهني وفي اطار عملهم يؤشر الى طبيعة تكوينهم النظري والثقافي ويبين أن ثقافة استغلال النفوذ والتسلط ما زالت تلقي بظلالها في الساحة الأمنية.
وكانت المحاكمة للمتهمين بالتالي محاكمة تتجاوز أشخاصهم في صداها لدى الرأي العام، بحيث تحولت الى محاكمة لموروث ثقافي ما يزال يشوش العلاقة بين الأمن والأشخاص الذين يؤتمنون على حماية أعراضهم وممتلكاتهم؛ وقد بينت مجريات الواقعة مكمن خلل ثقافي يقوم على توهم بعض العاملين على انفاذ القانون أنهم فوقه.
لعبت الجمعيات الحقوقية والصحافة دورها في تحويل قضية الاغتصاب من مجرد واقعة بشعة تتمثل في اعتداء عناصر أمنية على شخص معين في جسده الى محاكمة عامة للمنظومة الأمنية ولرواسب ثقافة اللاقانون التي حكمتها طوال عقود. الا أن الأمر سرعان ما تحول تدريجيا الى موضوع للتجاذب السياسي، بحيث تعامل عدد من السياسيين مع القضية وكأنهم قضاة يحاكمون ويطالبون بالقصاص، فبدت تصريحاتهم بمثابة تدخل من شأنه التأثير على مجريات التحقيق القضائي ورصانته.
وقد بينت الواقعة في تفاعلاتها أن تدخل المجتمع المدني كعامل ضغط في المحاكمات الاستراتيجية لا يحمي فقط المتضرر المباشر من الجرم بل يتجاوز ذلك ليبين خلفيات الامر وأبعاده، دون أن يحول ذلك دون تحول هذا الفعل الايجابي الى مدخل للسياسيين من شأنه التأثير على التحقيق القضائي الرصين، على نحو يخشى معه تحول المحاكمات القضائية الى محاكمات شعبية. والامر في حال تحقق يكون خطيرا.
مراجعة مقال باب نات: بلاغ من وزارة العدل إلى الرأي العام

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

غير مصنف



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني