مجلس النواب يعلن عجزه عن احترام الديمقراطية: مخالفة آخر لحظة في قانون التمديد للمجالس البلدية


2023-04-19    |   

مجلس النواب يعلن عجزه عن احترام الديمقراطية: مخالفة آخر لحظة في قانون التمديد للمجالس البلدية

أقرّ مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 18 نيسان 2023 تحت شعار “تشريع الضرورة” قانونا قضى بتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية القائمة حتى تاريخ 31 أيار 2024. وكان المرصد البرلماني في المفكرة القانونية قد سبق وأن أبدى في مقال ملاحظاته حول هذا القانون لكن النص الذي جرى إقراره في الهيئة العامة يختلف من حيث صيغته النهائية إذ عمد مجلس النواب إلى إدخال تعديل جوهري بحيث بات التمديد “لمدة أقصاها” 31 أيار 2024، أي أنه من الممكن إجراء الانتخابات قبل هذا التاريخ في حال وجدت الحكومة أن الاستعدادات الضرورية لذلك باتت مكتملة.

وإذا كان التمديد يشكل بحدّ ذاته مخالفة دستورية كونه يخرق مبدأ دورية الانتخابات ويحرم المواطنين من حقهم بالمشاركة في إدارة شؤونهم المحلية عبر ممثلين منتخبين من دون وجود أي ظرف استثنائي حقيقي يبرر ذلك، فإن التعديل الذي تمّ إدخاله يشكل بدوره مخالفة ثانية للدستور على الرغم من التبرير الذي قدمته قوى السلطة إذ أرادت منه جعل التمديد أكثر قبولا كونه يسمح نظريا بإجراء الانتخابات قبل انتهاء المدة التي نصّ عليها القانون.

لا شكّ أن القانون بصيغته النهائية يثير الإستغراب لأنه يكرر مخالفة سبق للمجلس الدستوري أن أدانها صراحة من دون أي تحفظ. ففي 24 تموز سنة 1997 صدر القانون رقم 654 الذي قضى بتمديد ولاية المجالس البلدية حتى تاريخ أقصاه 30 نيسان 1999. وقد تمّ الطعن بهذا القانون أمام المجلس الدستوري الذي اعتبر في قراره رقم 1 تاريخ 12/9/1997 أن هذا التمديد يخالف المبادئ الدستورية مما يدفع إلى إبطاله كليا. 

لكن المجلس الدستوري لم يناقش في قراره الصادر في 1997 فقط مسألة عدم احترام مبدأ دورية الانتخابات ومخالفة مقدمة الدستور التي تنصّ على سيادة الشعب وطبيعة النظام الديمقراطي لكنه عالج أيضا التمديد ليس فقط لناحية مدته الطويلة غير المعقولة بل أيضا كونها سمحت للسلطة التنفيذية بإجراء الانتخابات قبل انصرام هذه المدة.

وقد أعلن المجلس الدستوري بشكل لا يقبل أي لبس التالي: “وبما أن المشترع قد مدّد بموجب القانون المطعون فيه ولاية المجالس البلدية واللجان القائمة بها استنادا إلى الأسباب الموجبة التي تقدّمت بها الحكومة وحدد المهلة القصوى لإجراء الانتخابات البلديّة في تاريخ أقصاه 30/4/1999 تاركا لها حق تحديد التاريخ الذي تجري خلاله هذه الانتخابات في الوقت الذي تراه وبالتالي تحديد موعد نهاية ولاية هذه المجالس، فيكون قد ترك للسلطة الادارية أمرا هو من صلاحيته المقررة له في الدستور وهي صلاحيات شاملة تتناول في ما تتناول، وضع القوانين المتعلقة بالانتخابات النيابية والمحلية والقواعد التي تجري على أساسها هذه الانتخابات والموعد الذي تجري خلاله، بما في ذلك تحديد ولاية المجالس المنتخبة”.   

فالقانون الذي أقره مجلس النواب اليوم هو تكرار حرفي للقانون الذي صدر سنة 1997 لأنه أعطى للحكومة صلاحية تقديرية واسعة كونه خوّلها إنهاء ولاية المجالس البلدية والاختيارية متى تشاء ضمن مدة التمديد المحددة بسنة، أي أنّ الانتخابات في حال جرتْ ستكون فاقدة لطابعها الموضوعي كونها لم تعد متوقّعة إلا من قبل السلطة السياسية المتمثلة في مجلس الوزراء الذي يمكنها اختيار التاريخ الذي يشاء ليس انطلاقا من معايير معروفة مسبقا بل خدمة لمصالح الجهات السياسية التي تسيطر عليه.

وقد أضاف المجلس الدستوري في القرار ذاته وبشكل لا يقبل اللبس التالي:  “وبما أن تحديد التاريخ الذي تجري خلاله الانتخابات، سواء النيابية أو البلدية تدخل في دائرة القانون، ولا يملك المشترع أن يترك للسلطة الإدارية، تحديد هذا التاريخ في وقت الذي تراه ودون الاستناد إلى معيار معين وذلك لكي تتّسم الانتخابات بطابع الموضوعية وتكون بمنأى عن سوء استعمال السلطة”.

وهكذا يتبين لنا أن تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية لا يخالف الدستور لأنه يخالف مبدأ دورية الانتخابات لكنه أيضا يؤدي إلى تفويض الحكومة، وهي للمفارقة حكومة مستقيلة ينحصر دورها بتصريف الأعمال، إنهاء ولاية البلديات والمجالس الاختيارية القائمة عبر قرار إداري ما يشكل مخالفة إضافية للدستور.

وهكذا يتبين لنا أن الضرورة التي تذرّع بها مجلس النواب من أجل إقرار هذا القانون ليست ضرورة بالمعنى الدستوري أي وجود حالة طارئة لا يمكن توقّعها تؤدي إلى الاستحالة المادية لإجراء الانتخابات، لكنها بالحقيقة ضرورة من نوع أخر. إنها ضرورة السلطة السياسية التي تعمد إلى تشريع القوانين ليس من أجل تأمين حاجات المجتمع والدفاع عن الصالح العام بل خدمة لمصالحها السلطوية الخاصة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، تشريعات وقوانين ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني