لهذه الأسباب يشكّل تخزين المواد المدعومة إثراء غير مشروع


2021-09-02    |   

لهذه الأسباب يشكّل تخزين المواد المدعومة إثراء غير مشروع

مع تضاعف اكتشاف تخزين مواد المحروقات المدعومة، يُشاع توصيف أعمال الاحتكار على أنها جنحة لا تتعدّى عقوبتها السنتين. إلا أنّه مع التسليم بضرورة مراجعة النظام القانوني اللبناني لمعاقبة أعمال الاحتكار بصورة أكثر فعاليّة، إلا أنه، ونظرا” للسياق الذي تتمّ فيها هذه العمليات وانطلاقا” من أن المواد المخزّنة هي مواد مدعومة من المال العام، فإن أعمال الاحتكار هذه تخضع لمجموعة من النصوص القانونية. في هذا المقال، ألفت النظر إلى إمكانية تطبيق قانون الإثراء غير المشروع عليها.

 

الإثراء غير المشروع يطال محتكري القطاع الخاص؟ 

للوهلة الأولى، يغيب عن المحلّل الرابط بين أعمال الاحتكار والإثراء غير المشروع. فالإثراء غير المشروع لا يطال إلّا الموظف العمومي في حين أن تخزين المواد المدعومة وعلى رأسها المحروقات يتمّ حاليا من أشخاص القانون الخاص. ولكنّ التمعّن بطبيعة المواد المذكورة يسمح بتصحيح هذه القراءة استناداً إلى كون المواد مدعومة من المال العام واستيرادها وتوزيعها من الأعمال التي تهدف إلى تلبية المصلحة العامة من جهة وإلى توسيع تعريف الموظف العمومي بموجب قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع رقم 189 تاريخ 16/10/2020 من جهة أخرى.

فالمادة الأولى من القانون رقم 189 عرّفت الموظف العمومي على أنّه “أيّ شخص يؤدّي وظيفة عامّة أو خدمة عامّة، سواء أكان معيناً أم منتخباً، دائماً أم مؤقتاً، مدفوع الأجر أم غير مدفوع الأجر، في أي شخص من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص، على المستويين المركزي واللامركزي، وبشكل عام أيّ شخص يؤدي عملاً لصالح ملك عام أو منشأة عامة أو مرفق عام أو مؤسسة عامة أو مصلحة عامة أو مال عام، سواء أكان مملوكاً، كلياً أو جزئياً، من أحد أشخاص القانون العام، وسواء تولّاها بصورة قانونية أم واقعية، بما في ذلك أي منصب من مناصب السلطات الدستورية أو أي منصب تشريعي أو قضائي أو تنفيذي أو إداري أو عسكري أو مالي أو أمني أو إستشاري”.

والسؤال الذي يطرح في هذا الإطار: هل أن مستورد المحروقات و/أو موزّعها يؤدّي خدمة عامة؟ بالطبع، لا يمكن الإجابة على هذا التساؤل من دون العودة أولا إلى كيفية استيراد المواد المعنيّة وثانيا الى المصلحة العامة المتعلّقة بنشاط استيراد وتوزيع المحروقات وكيفية عمل مستوردي وموزعي المحروقات.

فبعد النظر إلى نشاط هؤلاء وظروف تنظيمهم وعملهم والموجبات المفروضة عليهم من قبل وزارة الطاقة والمياه كما والإجراءات المتخذة لمراقبتهم، يتبيّن أن الإدارة أرادت منحهم مهمة تأمين المحروقات إلى المستهلك المحلّي.

بالفعل، يدخل في مهامّ مديرية النفط “اتّخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين حاجة البلاد إلى المحروقات السائلة.” ومن هذا المنطلق، يدخل في صلاحيات الوزارة مراقبة موزّعي المحروقات خاصة لجهة تحديد سعر المحروقات.

فضلا عن ذلك، إن مستورد و/أو موزّع المحروقات لا يسدّد كلفتها بكاملها بل أنه يستفيد من دعم مصرف لبنان الذي يؤمّن الاستيراد عبر آلية قد تحدّدت بموجب القرار الوسيط رقم 13113 تاريخ 30 أيلول 2019 الذي قضى بتعديل القرار الأساسي رقم 7144 تاريخ 30/10/1998 المتعلق بالاعتمادات والبوالص التأمينية والذي يلتزم بموجبه مصرف لبنان بتأمين غالبية كلفة هذه المحروقات بالعملة الأجنبية.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى شروط استفادة المستورد من هذا الدعم، حيث أنّه لا يتمّ إلا من خلال فتح حساب خاص لدى مصرف لبنان من قبل المصرف المستورد الذي يتوجّب عليه أن يتأكد على كامل مسؤوليته من أن الدعم المطلوب هو “مخصص حصرا” لتغطية استيراد السلع المشار إليها أعلاه بهدف الاستهلاك المحلّي”. إن إشارة القرار الوسيط إلى “هدف الاستهلاك المحلّي” تثبت أن عملية استيراد المحروقات ومن ثمّ توزيعها تشكّل عملا يهدف إلى تلبية المصلحة العامة وبالتالي الخدمة العامة، ولهذا السبب، يتمّ تمويله من المال العام.

وهذا هو اتجاه القوانين الدولية التي أصبحت تعتبر لغايات التجريم الناتج عن الجرائم المقترفة إخلالا بالمال العام أنّ الذي يتولّى خدمة عامة هو أيضا ذاك الذي يقوم بصورة مباشرة أو غير مباشرة بأعمال تهدف لتلبية المصلحة العامة.

من الثابت إذاً أن المستورد و/أو الموزّع الذي يعمد إلى تخزين المحروقات أو الأدوية أو أي مواد أخرى هو بمثابة موظف عمومي على ضوء قانون الإثراء غير المشروع.

 

مضاعفة الثرورة جرم بحد ذاته

فضلا عما تقدّم، “يعتبر إثراءً غير مشروعٍ كل زيادة كبيرة تحصل في لبنان والخارج بعد تولّي الوظيفة العمومية على الذمّة المالية لأي موظف عمومي، سواء أكان خاضعاً للتصريح أو غير خاضع له، متى كانت هذه الزيادة لا يمكن تبريرها بصورة معقولة نسبةً لموارده المشروعة. ويعتبر عدم التبرير المذكور عنصراً من عناصر الجرم”. ومن أهم ما أدخله هذا القانون هو اعتبار الإثراء غير المشروع جرما بحدّ ذاته يعاقب عليه حتى 7 سنوات حبس. ويتوفر الإثبات الكافي على مضاعفة الثروة من مقارنة السعر المدعوم الذي سدده المستورد أو الموزّع والقيمة الحقيقية للمحروقات المخزنة والتي قد تصل إلى أضعاف السعر المدعوم.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكم جزائية ، سلطات إدارية ، قطاع خاص ، قرارات قضائية ، تشريعات وقوانين ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني