قرار قضائي في قضية غصن ضد الداخلية: حجب وثائق الانتخابات اعتداء على حق دستوري


2022-06-14    |   

قرار قضائي في قضية غصن ضد الداخلية: حجب وثائق الانتخابات اعتداء على حق دستوري

أصدر قاضي العجلة المُنتدب في مجلس شورى الدولة كارل عيراني قراراً في تاريخ 13/6/2022، ألزم فيه وزارة الداخلية والبلديات بالسماح للمرشح الخاسر في الانتخابات النيابية جاد غصن الاطلاع على المستندات المتعلّقة بنتائج الانتخابات وتسليمه صوراً عنها. 

وكان غصن قد تقدّم في تاريخ 20/5/2022 بطلب من وزارة الداخلية للحصول على معلومات حول النتائج التفصيلية لفرز الأصوات في دائرة جبل لبنان الثانية وعن لوائح الشطب والأوراق الملغاة ومحاضر الاقتراع في الأقلام بما فيها محاضر اقتراع المغتربين، تمهيداً لممارسة حقه في الطعن فيها، إلّا أنّ وزارة الداخلية لم تستجب للطلب. وقد سرّبت “مصادر الداخلية” على حد وصف “إم تي في” تبريرات لموقفها مفادها أنّ قانون الانتخاب ينصّ على حفظ أوراق الاقتراع لدى مصرف لبنان، وأنّ الجهة الوحيدة المخوّلة الحصول على المستندات المذكورة هي المجلس الدستوري. وهذا ما عادت هيئة القضايا لتكرّره في مطالعتها في هذه القضية، معتبرةً أنّه لا يتوجّب على المرشح الخاسر عند تقديمه الطعن أن يُبرز مستندات تُثبت الخطأ الذي يُدلي به، حيث يُكتفى ببدء البيّنة وأنّ المجلس الدستوري هو من يقوم بالتحقيقات ويطلب المستندات.

وبالنتيجة، عمد شورى الدولة إلى دحض هذه الذرائع، مستنداً إلى المادة 25 من قانون إنشاء المجلس الدستوري التي أكدت حرفياً على وجوب تضمين الطعن الأسباب التي تؤدي إلى إبطال الانتخاب فضلاً عن وجوب أن يرفق به “الوثائق والمستندات التي تؤيد صحته”. كما اعتبر القرار أنّ الداخلية خالفت قانون حق الوصول للمعلومات بامتناعها عن تزويد غصن بالمستندات المطلوبة. وبذلك يكون قد ردّ ضمناً على “مصادر الداخلية” التي شوّهت المادة 108 من قانون الانتخاب، مُعتبرة أنّ أوراق الاقتراع سرية ولا يُمكن الاطّلاع عليها، في حين أنّ المادة تتحدّث عن طريقة الحفظ بصورة سرية ولا تتطرّق إلى سرّية المعلومات.

 وقد ذهب القرار إلى حدّ توصيف الامتناع عن تسليم المستندات بأنه يؤدّي إلى ضرر بليغ في حق المرشح المعني وإلى الانتقاص من حقه في التقاضي والذي يُعتبر من الحقوق والمبادئ الدستورية، وهو المنصوص عنه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث لا يجوز لأي سلطة عامّة التعرّض له أو الحدّ منه، كما فعلت الداخلية.

يستدعي هذا القرار إبداء الملاحظات التالية:

قرار بمفعول رمزي

رغم أهمّية القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة من الجهة الحقوقية والرمزية، إلّا أنّه يأتي متأخراً، حيث أنّ مهلة الطعن في نتائج الانتخابات أمام المجلس الدستوري تنقضي يوم غد في 15/6/2022 (30 يوما من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات). وعليه، سيكون ثمة استحالة في الحصول على المعلومات وجمعها وتحليلها لتقديم الطعن غداً، وبخاصّة في ظلّ الإضراب المفتوح الذي أعلنت عنه رابطة موظفي الإدارة العامة (ومنهم موظفي الداخلية) وبدأ في هذا الأسبوع. وإذ يؤدي هذا الأمر إلى حرمان غصن من إمكانية تنفيذ القرار القضائي الصادر لصالحه، فإنّ مفعول القرار يصبح رمزياً فقط، لجهة إنصاف غصن والتأكيد على المخالفات المرتكبة من قبل وزارة الداخلية.

ويسجّل هنا على الهامش أنه رغم صحة النتيجة التي وصل إليها القرار، فإنه اعتبر عرَضَاً وخطأ أنّه يوجد قيد على حق طلب المعلومات وهو توفّر مصلحة شخصيّة ومباشرة في طالب المعلومات للحصول عليها (وهي متوفرة لدى غصن في جميع الأحوال)، بما يناقض صراحة المادة الأولى المذكورة أعلاه والتي تؤكّد على الحق في الحصول على المعلومات بمعزل عن أي صفة أو مصلحة.

العرقلة سياسية؟

في حين أنّ قرار مجلس شورى الدولة أكّد على المخالفات القانونية التي وقعت فيها الداخلية والتي ذكرناها أعلاه حيث يتبيّن أنّ قرار الوزارة قد خالف 3 قوانين (قانون الانتخاب وقانون الحق في الوصول للمعلومات وقانون إنشاء المجلس الدستوري)، يصعُب أن يُعتقد أنّ كمّية الأخطاء هذه طبيعية أو مجرّدة من أي معنى أو قرار سياسي بعرقلة مسار الطعن الذي سيتقدّم به غصن أو إضعاف أسناده. 

إشكاليات قضاء العجلة الإداري

كان يؤمل أن يصدر قرار مجلس شورى الدولة بشكل أسرع، حيث صدر بعد 11 يوماً على تقديمه علماً أنّ نظام المجلس يفرض صدور القرار خلال أسبوع. وهو ما يُعيدنا إلى شوائب قضاء العجلة الإداري والذي أسهبت “المفكرة القانونية” في شرحها سابقاً ضمن عددها حول القضاء الإداري. ففي حين أنّ الهدف من العجلة هو القيام بجميع الإجراءات الممكنة لحفظ الحقوق وضمانها فعليا ومنع وقوع الضرر، يتبدّى أنّ الضرر قد وقع مع تأخر صدور القرار.

إذ ذاك، يؤمل أن يقوم المجلس الدستوري عند تقديم الطعن بأعمال التحقيق الجدية في الطعن الانتخابي وطلب المستندات اللازمة ضمن الصلاحيات الواسعة الممنوحة له في هذا الإطار، حتى لا يكون قد شهد على سلب حقّ دستوري ومحاولة عرقلة لطعن أمامه من دون أن يأخذ أي إجراء.

للاطّلاع على القرار

انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، محاكم إدارية ، قرارات قضائية ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني