قراءة في نتائج انتخاب اللجان النيابية


2022-06-09    |   

قراءة في نتائج انتخاب اللجان النيابية

في الجلسة الثانية التي عقدها المجلس النيابي الجديد، لم يختلف الأداء عن الجلسة الأولى. الارتباك بقي سيد الموقف. فالمجلس، بكتله الأساسية، اعتاد على تمرير كل استحقاقاته بالتوافق والتزكية، لكن ذلك لم يحصل لا في انتخابات هيئة مكتب المجلس ولا في انتخابات أعضاء اللجان. لم يشهد المجلس قبلاً أي انتخابات تُذكر لتكوين هيئاته التنظيمية ولجانه المتخصصة. ولذلك بدت الانتخابات أمراً جديداً على النواب. حتى آلية الانتخاب كانت غريبة على المجلس. في الجلسة الأولى، ضاع النواب في دوامة احتساب الأكثرية. وما كان يعتبر بديهياً، كاحتساب الأغلبية المطلقة 65 نائباً في حال كان الحضور مكتملاً، تبيّن أنه ليس بالضرورة كذلك، بحسب النصوص الدستورية والقانونية التي لم يحتج المجلس منذ 40 عاماً إلى دراسة تفاصيلها. صحيح أن الانتخاب استُكمل وفق التفسير السابق، إلا أن ذلك لا يعني أن الأمور حُسمت، مع توقعات بأن يُعاد طرح الأمر للنقاش لاحقاً.

لم يختلف الأمر يوم الثلاثاء. كانت كل خطوة تثبت الارتباك. لا آلية مُحدّدة لانتخاب أعضاء اللجان سوى التأكيد على وجوب الحصول على الأغلبية. تكتفي المادة 19 من النظام الداخلي للمجلس بالإشارة إلى أنه “في الجلسة التي تلي انتخاب هيئة مكتب المجلس بعد الانتخابات العامة وفي بدء دورة تشرين الأول من كل سنة يعمد المجلس إلى انتخاب لجانه الدائمة. ويجري الانتخاب بالاقتراع السري وفقاً للمادتين 11 و12 من هذا النظام وبالغالبية من أصوات المقترعين. وإذا تساوت الأصوات عدّ الأكبر سناً منتخباً”. المادتان المذكورتان تشيران إلى أن جميع عمليات الانتخاب في المجلس تجري بالاقتراع السري بواسطة ظرف خاص وأوراق نموذجية بيضاء تحمل كلاهما ختم المجلس توزع على النواب. وكل ظرف يتضمّن أكثر من ورقة واحدة أو يحمل علامة فارقة يعتبر لاغياً (المادة 11). ولا تدخل في حساب الأغلبية في أي إنتخاب يجريه المجلس الأوراق البيضاء أو الملغاة (المادة 12).

لكن هذه الآلية، ربطاً بوجود 16 لجنة، 5 منها تضم 17 عضواً و10 تضم 12 عضواً، إضافة إلى واحدة تضم تسع أعضاء، يعني أن المطلوب انتخاب 214 عضواً في اللجان (يحق لكل النائب التواجد في لجنتين فقط، إلا إذا كانت الثالثة لجنة حقوق الإنسان أو لجنة المرأة والطفل أو لجنة تكنولوجيا المعلومات). وهذه، وفق الآلية الحالية للانتخاب، عملية ضخمة تحتاج في حال لم تنجح التزكية إلى أيام طويلة لإنجازها. على سبيل المثال، احتاجت انتخابات لجنة المال والموازنة وحدها إلى أكثر من ساعتين.

ومع التسليم بضرورة الاقتراع، برزت مشكلة آلية الترشيح. فإذا كان برّي قد طلب من النواب الراغبين بالترشّح تسجيل أسمائهم لدى الأمانة العامة للمجلس، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لاختصار الوقت. طباعة أسماء النواب الذين قدّموا ترشيحهم أدت إلى إعطاء الأفضلية لمن سجلوا أسماءهم بالرغم من أن النظام الداخلي يسمح بالترشح أثناء الجلسة. وقد برز ذلك في اعتراض النائب فراس حمدان، الذي أعلن ترشحه أثناء انعقاد الجلسة (ترشّح بلال عبدالله أيضاً خلال الجلسة إلى لجنة الإدارة والعدل). وبالرغم من أن برّي أعاد التأكيد على هذا الترشيح، إلا أن الأفضلية بقيت لمن ترشّح مُسبقاً وطبع اسمه على الأوراق التي وزعت مسبقا على النواب. ترشيح حمدان لم يكن السبب في فرض الانتخابات في اللجنة. في الأصل كان 20 نائباً ترشحوا لعضويتها. وكان المطلوب انسحاب 3 مرشحين لتجنّب الانتخابات، لكن ذلك لم يحصل. وبنتيجة “الماراتون الانتخابي”، كانت الخلاصة، التي أكد عليها مختلف النواب، أن آلية الترشيح والانتخاب بحاجة إلى تعديل، لكي لا تتحوّل عملية الانتخاب إلى عملية شاقة. فالانتخاب يبقى هو القاعدة والتعبير الفعلي عن الديموقراطية، في مقابل تزكية تبدو أقرب إلى المحاصصة التي تتقرر من فوق، كانت أحزاب السلطة تتوق إليها أمس، لكن من دون أن تتنازل وتوافق على سحب أي من المرشحين، مفضلة إلقاء اللوم على نواب القوى التغييرية لمجرّد أنهم قرروا ممارسة حقهم بالترشح لعضوية اللجان. وهو ما أدى عملياً إلى عدم الانتهاء من تشكيل كل اللجان بالرغم من عقد جلستين صباحية ومسائية، وبالرغم من حسم التزكية لنتائج 9 لجان، والاحتكام إلى الانتخابات في 5 لجان فقط. فكان قرار رئيس المجلس بتأجيل انتخابات لجنتي الصحة والتربية إلى الجمعة، بالتزامن مع انتخاب اللجان الأخرى رؤساءها ومقرريها.

وبمراجعة نتائج التصويت، بدا واضحاً أن الأحزاب التقليدية الكبرى نحّت خلافاتها جانباً للتفرّغ لتوزيع عضوية اللجان الهامة عليها في موازاة إقصاء التغييريين. وعليه، تشير الأرقام إلى أن التيار الوطني الحر وأمل تركا خلافاتهما على أبواب اللجان، حيث تبادل الطرفان الأصوات، فيما كان لافتاً حصول نواب حزب الله على أرقام عالية، تؤكد أن الاتفاق كان شاملاً، إلى درجة أنهم حصلوا على أصوات من القوات اللبنانية، التي أعطت أيضاً أصواتها إلى حركة أمل والتيار الوطني الحر، والعكس صحيح.

وعليه، أثبتت القوات أن كل ما حملته من شعارات قبل الانتخابات تكسّر على صخور التسويات التي أنجزتها في اللجان النيابية. ويرجّح أن تكون التسوية قد شملت حتى المدّعى عليهم في قضية المرفأ. فقد حصل كل من علي حسن خليل وغازي زعيتر على سبيل المثال، على 94 صوتاً في لجنة المال. وهو ما لا يمكن تحقيقه من دون أصوات القوات. علماً أن الأمر نفسه يمكن ملاحظاته في قراءة أرقام التيار الوطني الحر وحزب الله. على سبيل المثال، حصل آلان عون على 105 أصوات وعلي فياض على 104 أصوات، وهو ما لا يمكن تحقيقه أيضاً من دون أصوات القوات، التي شنت حملة شيطنة ممنهجة على “السلاح وحماته” أثناء الحملة الانتخابية، لكنها لم تمانع دعمه في انتخابات اللجان لتضمن لنفسها عدداً من المقاعد.

بالمقابل، تشير الأرقام إلى أن نواب “الجمهورية القوية” (المدعومين من القوات) كانوا الأقل استفادة من هذه التسوية، حيث التزم نواب حزب الله عدم إعطاء أي صوت لهم. وعليه، حصل حاصباني على 74 صوتاً في لجنة المال وجورج عدوان (الذي يتوقع أن يعاد انتخابه رئيساً للجنة الإدارة والعدل) على 73 صوتاً وزياد حوّاط على العدد الأدنى من الأصوات في لجنة الدفاع، إذ لم ينل أكثر من 27 صوتاً، مقابل 99 صوتاً لعلي عسيران. وقد حصل مرشّح حزب الله حسين جشي إلى لجنة الأشغال على 75 صوتاً مقابل حصول غسان حاصباني على 18 صوتاً في أدنى الترتيب.

وقد بدا لافتا عودة العديد من النواب الذين انحازوا لخطة المصارف وساهموا، من خلال عضويتهم في لجنة تقصي الحقائق التي انبثقت عن لجنة المال، في إجهاض خطة التعافي التي وضعتها حكومة حسان دياب في نيسان 2020. علماً أن 9 من أعضاء اللجنة السابقين عادوا إليها، وهم: ابراهيم كنعان (الذي يرجح أن ينتخب مرة جديدة رئيساً للجنة، آلان عون، علي فيّاض، أيوب حميد، جهاد الصمد، حسن فضل الله، سليم عون، غازي زعيتر، إضافة إلى جان طالوزيان (مرشح المصرفي أنطوان الصحناوي) الذي حاز على 90 صوتا.

وبالمقابل، لم تتمكّن الكتلة التغييرية التي فرضت الانتخابات في عدد من اللجان من الفوز في عضويتها. هذا ما حصل في لجنة الاقتصاد والتجارة ولجنة الدفاع والداخلية ولجنة الإدارة والعدل (فاز أسامة سعد فقط بعضويتها مقابل خسارة حليمة قعقور وملحم خلف). وحدُه منيمنة تمكّن من خرق التصويت الإقصائي لهذه القوى، حيث فاز بعضوية لجنة الأشغال والطاقة بحصوله على 48 صوتا، إضافة إلى لجنة المال بحصوله على 66 صوتاً.

في المقابل، تمكنت الكتلة التغييرية من الاستفادة من التزكية لتتمثل في لجان الشؤون الخارجية (ميشال دويهي ورامي فنج)، الإعلام والاتصالات (بولا يعقوبيان وياسين ياسين) الشباب والرياضة (وضاح الصادق)، حقوق الإنسان (ملحم خلف ودويهي)، المرأة والطفل (سينتيا زرازير)، البيئة (نجاة عون)، الزراعة (الياس جرادة)، والمهجّرين (مارك ضو). وعليه، بقي النائبان من هذه الكتلة حليمة قعقور وفراس حمدان من دون أي لجنة.

بذلك بدا جلياً أن المعركة الفعلية تركزت على اللجان الأساسية، أي لجان المال والموازنة، والإدارة والعدل، والاقتصاد والتجارة، والأشغال والطاقة. إذ أن كل الكتل بدت مهتمّة بالمشاركة في هذه اللجان. وإذ تشير الأرقام التي حصل عليها النواب التغييريون إلى أنهم حصلوا على أصوات من خارج كتلتهم، تؤكّد الأرقام بالمقابل وجود توجه واضح على إبعاد أغلب مرشحّي هذه الكتلة عن اللجان الأساسية.

ولعلّ السؤال المركزي الذي يُطرح تبعاً لنتائج هذه الانتخابات وما أنتجتْه من إقصاء لكتلة التغييريين عن لجان هامة كلجنة الإدارة والعدل: ما هي الآليات الواجب اعتمادها في النظام الداخلي للمجلس لضمان تمثيل كل كتل المجلس في اللجان النيابية؟ السؤال لم يكن يطرح سابقا طالما كانت سياسة التوافقات تضمن تقاسم الكتل لعضوية اللجان ورئاستها من دون وجود أي اعتراض. لكنه يطرح اليوم وبإلحاح بعدما أكّدت الانتخابات أن بإمكان أي تحالف مهيمن يضمّ 65 نائبا أو أكثر، أن يسيطر إذا أراد، على اللجان التي يريدها. ومن شأن هذا الأمر أن يحرم عملياً بقية الكتل من التمثّل في “المطبخ التشريعي”، حيث تُحضّر وتُعدّ القوانين تمهيداً لاتخاذ القرار بشأنها في الهيئة العامة.

ولإبعاد هذه الممارسة المناقضة لمبدأ النظام البرلماني، قد يكون مفيداً، حرصاً على التنوع في اللجان، تحويل نظام انتخاب أعضاء اللجان من النظام الأكثري إلى النظام النسبي، بحيث تتمثل كل الكتل بشكل نسبي ولا يتم إقصاء أي منها، على أن يترك تأثير الأعداد والأكثريات إلى الهيئة العامة. ففي فرنسا على سبيل المثال، يحق لكل كتلة تتألف من 15 نائباً أن تحصل على عضوية اللجان. وأكثر من ذلك ينص النظام الداخلي لمجلس النواب الفرنسي على أن يكون رئيس لجنة المال من المعارضة.

وعملياً، فإن أي ممارسة تؤدي إلى إقصاء المعارضة من اللجان يعني أن غاية أحزاب السلطة هي المحاصصة في رئاسة اللجان، بما يضمن تواطؤها مع السلطة التنفيذية، كما حصل في أكثر من لجنة سابقاً، وبالتالي نسفها لمبدأ الفصل بين السلطات وللخط الفاصل بين عمل المجلس النيابي الذي يفترص أن يراقب الحكومة وبين عمل الحكومة التي يفترض أن تكون خاضعة لرقابة المجلس.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، تشريعات وقوانين ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، انتفاضة 17 تشرين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني